الحمد لله رب العالمين






استغفروا ربكم أو الاستغفار المتدفِّق





جرعة متعدِّدة المفعول تستخدم للوقاية والعلاج في آن واحد، فالاستغفار فضائله كثيرة وبركاته غزيرة لا تحصى ولا تعد، ومنها


:الأول : وقاية من السقوط.


الثاني: يمحو الخطايا والذنوب.


الثالث: يصقل القلب ويجعله أصفى وأقرب، ألم تر إلى الأرض التي تُمسح كل يوم مرات عديدة ألا تبهرك بلمعانها وبريقها؟ وكذلك القلوب مع الاستغفار.

الرابع: أنه مما يُعجِب الرب من عبده، فعن علي بن ربيعة أنه شهد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقد أُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب سمى الله ودعا بدعاء الركوب ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين .. من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله!! من أي شيء ضحكت؟ قال: " إن ربك يعجب من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري ".



وبعد كل هذا الفضائل ما الذي تبقى لك حتى تواظب على الاستغفار؟!





الصيغة الشاملة






وقد علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام هذه الصيغة الرائعة لتغطي كل الذنوب التي تخطر ببال العبد والتي لا تخطر بباله، فقال عليه الصلاة والسلام:


" اللهم اغفر لي خطيئتى وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدَّمت وما أخَّرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدِّم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير " .


ولم يفارق الاستغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قُبضت روحه ليكون آخر ما يختم به حياته : الاستغفار!!


روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تفاصيل اللحظات الأخيرة من حياة هذا الكمال البشري الرائع فقالت : فنزع يده من يدي وقال : " اللهم اغفر لي وألحقني بالرفيق الأعلى ". قالت : فكان هذا آخر ما سمعت من كلامه  .


وهي سنة الأنبياء من قبل، فنوح عليه السلام دعا: " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً "

وإبراهيم عليه السلام نادى: " وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ".

وموسى عليه السلام : " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي ".

وعند هذا ... يقف المرء مذهولا : وأي خطيئة ارتكبها أنبياء الله حتى يستغفروا؟! ماذا جنت هذه النفوس الطاهرة؟! وأي خطيئة أسرّها وأعلنها وقدَّمها وأخَّرها هؤلاء الشوامخ؟!






اللحظة الفارقة






قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ صاحبَ الشمال ليرفعُ القلم سِتَّ ساعاتٍ عن العبدِ المسلمِ المخطئ أو المسيء، فإنْ ندمَ واستغفرَ اللهَ منها ألقاها، وإلا كُتِبَتْ واحدة " .وهو ما يجعل توقيت الاستغفار في غاية الأهمية، والمبادرة إليه على الفور سر فاعليته، فالتأخر عنه يجعل الذنب ثابتا ومحوه من الصحائف أصعب.

بقي أن نقول لأخواتنا أن حظهن من الاستغفار على قدر عددهن في النار، فهو في حقهن أوجب. قال صلى الله عليه وسلم مخاطبا حواء:

" يا معشر النساء! تصدَّقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير " .




شروط ثلاثة




ولكي يحدث الاستغفار أثره الفعَّال فلابد معه من الإكثار والاستمرار وعدم الإصرار، فأما الإكثار فلحديثين لرسول الله صلى الله عليه وسلم غاليين يغريان كل كسول بالنهوض وكل عاص بالإقدام:

" طوبى لمن وُجِد في صحيفته استغفارا كثيرا " .



والثاني :


" من أحب أن تسرَّه صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار " .

فأينا لا يحب أن تسره صحيفته؟!


وقد سنَّ الله لنا الاستغفار في مواضع كثيرة ليساعدنا على نفوسنا وينصرنا على غفلتنا: