بسم الله الرحمن الرحيم
إجماعات "ابن عبد البر" [463هـ] .. واختلافات [478هـ] "اللخمي" !!
***
قال " أبو عبد الله المقَّري" (759هـ) ، رحمه الله ، في "قواعده" (137، قاعدة رقم 120) :
" حذر الناصحون من أحاديث الفقهاء ، وتحميلات الشيوخ ، وتخريجات المتفقهين ، وإجماعات المحدِّثين .
وقال بعضهم : احذر أحاديث عبد الوهاب ، والغزالي ، وإجماعات ابن عبد البر ، واتفاقات ابن رشد ، واحتمالات الباجي ، واختلاف اللخمي .
وقيل : كان مذهب مالك مستقيما ، حتى أدخل فيه الباجي : يحتمل ، ويحتمل ، ثم جاء اللخمي ، فعد جميع ذلك خلافا !!" .

وقد توارد جمع من المصنفين ، وخاصة المالكية ، على نقل هذه العبارة ، مقرين لها ؛ فقد ذكرها "الشيخ زروق" (ت:899) في "شرح الرسالة" (1/130) ، وأردفها بفائدة حول "اختلافات اللخمي" ؛ قال :
" إجماعات ابن عبد البر : قد حذر الشيوخ منها ، كاتفاقات ابن رشد ، وخلافيات الباجي ؛ لأنه يحكي الخلاف فيما قال فيه اللخمي : يختلف . فانظر ذلك فإنه مهم".

وقال الحطاب (ت:954هـ) في "مواهب الجليل" (1/41) ، بعد نقل عبارة "زروق" :
" وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ اللَّخْمِيُّ: يُخْتَلَفُ فِي كَذَا ، وَيَكُونُ مُقَابِلَ الْمَنْصُوصِ فِي الْمَسْأَلَةِ : تَخْرِيجٌ ، أَوْ اخْتِيَارٌ مِنْهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وينظر : "منح الجليل" ، للشيخ عليش (1299هـ) ، "إيقاظ همم أولي الأبصار" للشيخ صالح الفُلاني (1218هـ) : (41) .
***
تنبيهات :
الأول : ليس المقَّري (ت:759هـ) هو أول من تكلم فيما يحكيه ابن عبد البر من "الإجماعات" ؛ بل سبقه ، من المالكية أيضا : ابن القطان الفاسي (ت:628هـ) ، قال رحمه الله :
" ومعلوم أن أبا عمر ، ابن عبد البر : إذا حكى الإجماع ، فما يحكيه بنقل متصل إلى المتعين به ، وإنما هو بتصفحه ؛ والتصفح أكثر ما يحصل عنه في هذا الباب : عدم العلم بالخلاف فيه " . ـ "النظر في أحكام النظر" ، (186) .

الثاني : ابن القطان ، هو صاحب كتاب "الإقناع في مسائل الإجماع" ، وهو من أوسع الكتب التي جمعت ما ينقل من "الإجماع" ، ومن أهم مصادره فيه : "التمهيد" و"الاستذكار" ، لابن عبد البر !!

الثالث : عبارة المقري تدل على أن "الباجي، أبا الوليد سليمان بن خلف (ت:474هـ) هو الذي فتح الباب للخمي ، فيما أدخله من الخلاف :
" كان مذهب مالك مستقيما ، حتى أدخل فيه الباجي : يحتمل ، ويحتمل ، ثم جاء اللخمي ، فعد جميع ذلك خلافا !!" .
وأما عبارة "زروق" ، فتدل على أن الباجي هو الذي تأثر باللخمي :
" وخلافيات الباجي ؛ لأنه يحكي الخلاف فيما قال فيه اللخمي : يختلف .." .
وعبارة "المقري" : أظهر ، وأقعد ، فتأمل .

الرابع : قال القاضي عياض رحمه الله ، (554هـ) عن "خلافيات اللخمي" ، وأصلها :
" وهو مغرى بتخريج الخلاف في المذهب ، واستقراء الأقوال، وربما اتبع نظره ، فخالف المذهب فيما ترجح عنده ، فخرجت اختيارته في الكثير عن قواعد المذهب " . اهـ "ترتيب المدارك" (8/109) .
وقد سبق النقل عن الحطاب ، وفيه أنه كثيرا ما تكون المسألة "منصوصة" ، يعني : عن إمام المذهب ، ويخالف اللخمي المنصوص ، تفقها منه ، واختارا خاصا له ... ثم دخل هذا الاختيار المذهب، واختلط به مع مرور الوقت ، وهو مدلول عبارة المقري الأولى ، أن المذهب قد خرج بمثل ذلك عن "استقامته" !!

والله أعلم .