من فقه الدعاء بأسماء الله الحسنى ..
أسماء الله تعالى الحسنى لها دِلالة ومعنى تدل عليه ، فكان من المناسب في الدعاء اختيار ما يناسب منها مطلوب الداعي باسم يكون مقتضياً لذلك المطلوب ، فيكون السائل متوسلاً إليه بذلك الاسم الدال على معنى الحاجة المرادة ..
والأسماء الحسنى : لم تكن حسنى لمجرد اللفظ ؛ بل لدلالتها على أوصاف الكمال ، ولهذا لما سمع بعضُ العرب قارئاً يقرأ : ( والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ ) (والله غفور رحيم) قال : ليس هذا كلامَ الله تعالى، فقال القارئ : أتُكذّب بكلام الله ؟ فقال : لا، ولكن ليس هذا بكلام الله ، فعاد إلى حفظه، وقرأ : ( وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، فقال الأعرابي : صدقتَ، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع .. ولهذا إذا خُتمت آية الرحمة باسم العذاب ، أو بالعكس ظهر تنافرُ الكلام ، وعدمُ انتظامه ..
ومن يتدبرّ الأدعية الواردة في القرآن ، أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يجد : أنَّه ما من دعاء منها يختم بشيءٍ من أسماء الله الحسنى إلا ويكون في ذلك الاسم ارتباطٌ وتناسبٌ مع الدعاء المطلوب كقوله تعالى: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) وقوله: ( رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) وقوله: ( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ) ونحو ذلك من الآيات ..
وفي الحديث :
( وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الغفور مائة مرة في مجلسه ) ..
وقال لعائشة - رضي الله عنها - وقد سألته أن وافقت ليلة القدر ما ادعو به قال عليه الصلاة والسلام : (قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني ) ..
وقال للصديق - رضي الله عنه - وقد سأله أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته قال قل اللهم أني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك أنت الغفور الرحيم ) ..
وعليه : فالمختار للداعي أنْ يذكر في ابتداء دعائه ، وانتهائه من أسماء اللّه الحسنى ما يناسب مطلوبه ، فإذا كان مطلوبه الرزق يقول : يا رزاق ، يا وهاب ،يا مغني ، يا منعم ، يا كريم ، يا واسع ، يا مسبب الأسباب ، يا رزاق من يشاء بغير حساب ..
وإنْ كان مطلوبه المغفرة والتوبة ، يقول : يا تواب ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا رؤوف يا عفو ، يا غفور ..
وإن كان مطلوبه الانتقام من العدو، أو الظالم يقول : يا عزيز ، يا جبار ، يا قهار ، يا منتقم ، يا ذا البطش الشديد ، يا فعال لما يريد ..
فلا يحسن في طلب المغفرة : ذكر < المنتقم > ، ولا يحسن في طلب الانتصار ، ورد عاديات الظالمين ولانتقام منهم ، ذكر < الرحيم والرؤوف > .. وهكذا يكون القول في ضمائمها وأشباهها .. والله الموفق ..
حسن الحملي ..