تسويد وجوه الكذَّابين يوم القيامة
قال تعالى"ويومَ القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين"(الزمر 60)
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس كما هو الحال في الآية الكريمة السابقة ،وفي هذه الآية الكريمة الأمران التاليان:
أولا: من المعروف أن المفعول به يتقدم على الظرف في ترتيب الجملة الفعلية لأنه الأهم ، وهذا يعني أن الأصل في الآية الكريمة هو الجملة التالية:ترى الذين كذبوا على الله يوم القيامة وجوههم مسودة...."إلا أن مجيء الأصل ملبس لأن الظرف"يوم القيامة"يتعلق بالفعل "كذبوا"، حيث لا كذب يوم القيامة،وتأخيره إلى ما بعد جملة الحال"وجوههم مسودة"يجعله متعلقا بالخبر "مسودة"وهذا المعنى ليس مقصودا،بل المقصود هو أن يكون الظرف ظرفا للرؤية،وليس للتسويد،مما أدى إلى أن يتقدم الظرف مجاورا فعل الرؤية بحسب قوة العلاقة المعنوية،والمتق دم في المكانة والمنزلة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك.
ثانيا :عندما نقول أو نقرأ هذه الاّية فإننا ننصب الظرف قبل أن نذكر الفعل،وهذا يعني أن المتكلم يختزن في ذاكرته علامات أمن اللبس ويستغلها كيفما يشاء،وهذا يعكس كذلك الافتراض المسبق في ذهن المتكلم في أنه سيجعل من هذه المفردة ظرفا لفعل الرؤية القادم،وهذا شبيه بقولي:احتراما له عمرا أكرم زيدٌ،حيث أقوم بنصب "احتراما"و"عمر " لأنني أريد أن أجعلهما مفعولا لأجله ومفعولا به للفعل المتأخر، وأربط بينهما برابط الاحتياج المعنوي ،وهذا يعني أن المتكلم يقول وهو يفكر، ويفكر وهو يقول،ويتكلم كما يريد وبحسب المعنى الذي يقصده،ولهذا فهو يقول:أما اليتيمَ فلا تقهر،ويقول:أما اليتيم ُفلا تقهره، فينصب اليتيمَ إن أراده مفعولا للفعل المتأخر،ويرفع (اليتيمُ) إن أراده مبتدأ محتاجا للخبر،ثم يقوم بإشغال الفعل المتأخر بضمير الاسم المتقدم، وعندما نقرأ قوله تعالى"أئفكا اّلهة دون الله تريدون "فإننا ننصب المفعولين لأننا سنجعلهما مفعولين للفعل القادم الذي ما زال في الذاكرة،ويمكن أن أقول:جاء زيد والشمسَ طالعةً،وأقول:جا زيد والشمسُ طالعةٌ، والجملة الأولى :فعل وفاعل ومفعول معه وحال ،والجملة الثانية:فعل وفاعل ومبتدأ وخبر(جملة الحال).
فالكلام يقوم على الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي والمتكلم يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول، محافظا على منزلة المعنى وأهميته بين الكلمات داخل التركيب،ومستغلا العلامات من أجل أمن اللبس،وهو غاية كل لغة من لغات العالم