تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 10 الأولىالأولى 12345678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 186

الموضوع: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (وَيَجِبُ فَوْرًا قَضَاءُ فَوَائِتَ): لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا([1])».
    قوله: (مُرَتَّبًا): ويجب أن يكون قضاء الفوائت مرتبًا؛ لأن الله تعالى أمرنا بها على هذا الترتيب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا فاتته الصلاة صلاها مرتبة.
    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه، جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ([2]).
    قوله: (مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ أَوْ يَنْسَ أَوْ يَخْشَ فَوْتَ حَاضِرَةٍ أَوِ اخْتِيَارِهَا): هذه أعذار ترك الفورية أو الترتيب في القضاء.
    العذر الأول: التضرر: أن يكون القضاء على الفور سيسبب له ضررًا في بدنه أو ماله، أو غير ذلك؛ كمن به مرض لا يستطيع معه كثرة الصلاة، أو كمن سيسرق ماله إن صلى، ونحو ذلك؛ دفعًا للحرج والمشقة، وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]([3]).
    العذر الثاني: النسيان: أن ينسى الترتيب؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ الله: قَدْ فَعَلْتُ([4]).
    وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ([5])».
    العذر الثالث: أن يخش فوت وقت صلاة قد حضر وقتها: لأن أداء الصلاة التي حضر وقتها أولى.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((مثال ذلك: رَجُل ذكر أن عليه فائتة، وقد بَقِيَ على أن يكون ظِلُّ كلِّ شيء مثليه ما لا يتَّسع للفائتة والحاضرة، ماذا نقول؟
    الجواب: نقول: قَدِّم الحاضرةَ.
    ورَجُل آخر ذكر فائتة، وقد بقيَ على طُلوع الشَّمس ما لا يتَّسع لصلاة الفائتة والفجر؛ ماذا نقول له؟
    الجواب: نقول: قَدِّم الحاضرةَ، وهي الفجر.
    ودليل الوجوب ما يلي:
    أولًا: أن الله أمر أن تُصلَّى الحاضرةُ في وقتها، فإذا صَلَّيتَ غيرها أخرجتها عن الوقت.
    ثانيًا: أنك إذا قدَّمت الفائتة لم تستفدْ شيئًا، بل تضرَّرت؛ لأنَّك إذا قدمت الفائتة صارت كلتا الصَّلاتين قضاء، وإذا بدأت بالحاضرة صارت الحاضرة أداء والثانية قضاء، وهذا أولى بلا شَكٍّ([6])))اهـ.
    العذر الرابع: أن يخش فوت وقت الاختيار للصلاة الحاضرة: فعليه أن يصلي الحاضرة قبل فوات وقت الاختيار؛ لأن تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة محرم، كما تقدم.
    قوله: (الثَّالِثُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ): الشرط الثالث لصحة الصلاة ستر العورة؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
    وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ([7])».
    وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «مَا السُّرَى يَا جَابِرُ» فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: «مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ»، قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ - يَعْنِي ضَاقَ - قَالَ: «فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ([8])».
    فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاتزار، وهو ستر أسفل الجسد.
    وقد نُقل الإجماع على الصلاة لا تصح مِمَّنْ صلى عُريانًا.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ خَالِيًا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا بُدَّ مِنَ اللِّبَاسِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عُرْيَانَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اللِّبَاسِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ([9])))اهـ.
    وقال أيضًا: ((بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ إنْ كَانَ ضَيِّقًا اتَّزَرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا الْتَحَفَ بِهِ؛ كَمَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتٍ كَانَ عَلَيْهِ تَغْطِيَةُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ([10])))اهـ.
    قوله: (وَيَجِبُ حَتَّى خَارِجُهَا): أي: ويجب ستر العورة حتى خارج الصلاة؛ وذلك لعموم الأحاديث الواردة في ذلك، كما سيأتي.
    قوله: (وَفِي خَلْوَةٍ وَظُلْمَةٍ): ويجب سترها في خلوة وظلمة؛ ودليل ذلك حديث بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: «إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ»، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا، قَالَ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ([11])».
    قوله: (بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ): أي: يجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة؛ فإن وصف لون البشرة لم يعتد به؛ لأنه غير ساتر([12]).
    قال المرداوي رحمه الله: ((إذَا كَانَ يَصِفُ الْبَشَرَةَ لَا يَصِحُّ السَّتْرُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَيُبَيِّنَ مِنْ وَرَائِهِ الْجِلْدَ وَحُمْرَتَهُ.
    فَأَمَّا إنْ كَانَ يَسْتُرُ اللَّوْنَ، وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ، لَمْ يَضُرَّ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَضُرُّ إذَا وَصَفَ التَّقَاطِيعَ، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ، لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ([13])))اهـ.

    [1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684).

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (596)، ومسلم (631).

    [3])) انظر: ((كشف القناع)) (1/ 260)، و((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 147).

    [4])) صحيح: أخرجه مسلم (126).

    [5])) أخرجه ابن ماجه (2045)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (82).

    [6])) ((الشرح الممتع)) (2/ 145).

    [7])) أخرجه أحمد (25167)، وأبو داود (641)، والترمذي (377)، وقال: حسن، وابن ماجه (655)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (196).

    [8])) متفق عليه: أخرجه البخاري (361)، ومسلم (3010).

    [9])) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 117).

    [10])) ((مجموع الفتاوى)) (116).

    [11])) أخرجه أحمد (20034)، وأبو داود (4017)، والترمذي (2769)، وقال: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))، وابن ماجه (1920)، والبخاري (1/ 64)، معلقًا، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (203)، ومحققو المسند.

    [12])) ((العدة شرح العمدة)) (68).

    [13])) ((الإنصاف)) (1/ 449).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    فَصْلٌ
    الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فَرْضَا كِفَايَةٍ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ، وَالْجُمُعَةِ.
    وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا مَنْوِيًّا، مِنْ ذَكَرٍ مُمَيَّزٍ عَدْلٍ، وَلَوْ ظَاهِرًا، وَبَعْدَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَجْرٍ.
    وَسُنَّ كَوْنُهُ صَيِّتًا، أَمِينًا، عَالِمًا بِالْوَقْتِ.
    وَمَنْ جَمَعَ أَوْ قَضَى فَوَائِتَ، أَذَّنَ لِلْأُولَى، وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ.
    وَسُنَّ لِمُؤَذِّنٍ وَسَامِعِهِ: مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا؛ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ، فَيَقُولُ الْحَوْقَلَةَ، وَفِي التَّثْوِيبِ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ وَالدُّعَاءُ.
    وَحَرُمَ: خُرُوجٌ مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ.

    قوله: «هما فرضُ كِفَاية» ، هذا بيان لحكمهما.
    الفرض في اللُّغة: القطع. وشرعاً: ما أُمِرَ به على سبيل الإلزام وهل هو أوكد من الواجب، أم هما بمعنى واحد ؟
    الصحيح: أنهما بمعنى واحد، لكن ينبغي مراعاة ألفاظ الشَّرع، فما جاء بلفظ الفرض فَلْيُعبَّر عنه بالفرض، وإلا فبما عبَّر عنه الشَّارع؛ لأنَّ هذا أَولى في المتابعة.
    والدَّليل على فرضيتهما: أَمْرُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بهما في عِدَّة أحاديث ، وملازمته لهما في الحضر والسَّفر، ولأنه لا يتمُّ العلم بالوقت إلا بهما غالباً، ولتعيُّن المصلحة بهما؛ لأنَّهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة.
    وقوله: «كفاية» وهو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
    ودليلُ كونه فرض كفاية: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لمالك بن الحُويرث: «إذا حضرت الصلاةُ فليُؤذِّنْ لكم أحدُكم»، وهذا يدلُّ على أنه يُكتَفَى بأذان الواحد، ولا يجبُ الأذان على كُلِّ واحد....

    قوله: «على الرِّجال» ، جمع رَجُل، وتُطلق على البالغين، فخرج بذلك الصِّغار والإناث والخُنثى المُشكِل، فلا يجب على الصِّغار؛ لأنهم ليسوا رجالاً، وليسوا من أهل التَّكليف...
    قوله: «المقيمين» ، ضِدُّ المسافرين، فالمسافرون لا أذان عليهم ولا إقامة، ولكن يُسَنُّ. هذا هو المذهب، ولكن لا دليل له، بل الدَّليل على خِلافه، وهو أنَّهُمَا واجبان على المقيمين والمسافرين، ودليله: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال لمالك بن الحويرث وصحبِه: «إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّن لكم أحدُكُم»، وهم وافدون على الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مسافرون إلى أهليهم، فقد أمر الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أن يُؤذِّن لهم أحدُهم، ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يَدَعِ الأذان ولا الإقامة حَضَراً ولا سَفَراً، فكان يُؤذِّن في أسفاره ويأمر بلالاً رضي الله عنه أن يُؤذِّنَ.
    فالصَّواب: وجوبُه على المقيمين والمسافرين.

    قوله: «للصَّلوات» ، اللام للتعليل، يعني أنَّ الأذان والإقامة واجبان للصَّلاة وليسا واجبين فيها، والفرق بين الواجب للشيء والواجب فيه: أنَّ الواجب في الشيء من حقيقته وماهيَّتِه، كالتَّشهُّد الأوَّل مثلاً، وأمَّا الواجب للشيء فهو خارجٌ عن الحقيقة والماهيَّة، كالأذان والإقامة للصَّلاة، فهما خارجان عن الصَّلاة واجبان لها؛ فلو صَلَّى بدونهما صحَّت صلاتُه، ولو ترك التَّشهُّد الأوّل عمداً لم تصحَّ.
    وقوله: «الخَمْسِ المكتوبة» ، يعني: المفروضة ومنها الجُمُعة؛ لأنها حَلَّت محلَّ الظُّهر.
    ودليل وجوبه: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حضرت الصَّلاة فليؤذِّن لكم أحدُكم». وهو عامٌ في كلِّ الصَّلوات الخمس، ولأن مؤذِّنَه كان يواظب على أن يؤذِّن للصَّلوات الخمس، فكان واجباً.
    وقوله: «المكتوبة»، أي: المفروضة، والوصف هنا بيان للواقع؛ إذ ليس هناك صلوات خمس غير مكتوبة؛ اللهم إلا أن يريد بقوله: «المكتوبة» المؤدَّاة، أي: التي تُفعل في الوقت، فيكون هذا له مفهوم؛ لأن المقضيَّة لا يجب لها الأذان على المذهب.
    وقوله: «للصّلوات الخمس» خرج به ما عداها، فلو أراد الإنسان الوتر فإنه لا يؤذِّن له، ولو كُسِفَت الشمسُ لم يؤذِّنْ لذلك، وكذلك صلاة العيد لا أذان لها، ومثل ذلك المنذورة.
    قوله: «المؤدَّاة» ، هكذا في بعض نُسخ «الرَّوض»، فخرج بهذا المقضيَّة، وهي التي تُصلَّى بعد الوقت، فلا يجب الأذان لها لكن يُسَنُّ.
    والصَّواب: وجوبهما للصَّلوات الخمس المؤدَّاة والمقضيَّة، ودليله: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «لمَّا نام عن صلاة الفجر في سفره، ولم يستيقظ إلا بعد طُلوع الشَّمس؛ أمر بلالاً أن يُؤذِّنَ وأن يُقيمَ»، وهذا يَدلُّ على وجوبهما. ولعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم»، فإنه يشمل حضورَها بعد الوقت وفي الوقت، ولكن إذا كان الإنسان في بلد قد أُذِّنَ فيه للصَّلاة، كما لو نام جماعةٌ في غرفة في البلد؛ ولم يستيقظُوا إلا بعد طلوع الشَّمس؛ فلا يجب عليهم الأذان اكتفاءً بالأذان العام في البلد، لأنَّ الأذان العام في البلد حصل به الكفاية وسقطت به الفريضةُ، لكن عليهم الإقامة.
    وقوله: «للصلوات الخمس» هذا ما لم تُجمع الصَّلاة، فإنه يكفي للصَّلاتين أذان واحد، ولكن لا بُدَّ من الإقامة لكلِّ واحدة منهما.

    والخُلاصة: أنه لا بُدَّ لوجوب الأذان والإقامة من شروط منها:
    1 ـ أن يكونوا رجالاً. 2 ـ أن يكونوا مقيمين.
    3 ـ في الصلوات الخمس. 4 ـ المؤدَّاة.
    5 ـ أن يكونوا جماعة، بخلاف المنفرد فإنه سُنَّة في حَقِّه؛ لأنَّه ورد فيمن يرعى غنمه ويُؤذِّن للصَّلاة أنَّ الله يَغفر له ويُثيبه على ذلك . وهذا يَدلُّ على استحباب الأذان للمنفرد، وأنَّه ليس بواجب. فأصبحت الشروط خمسة. وقد يُفهم اشتراط كونهم «جماعة» من كلمة «رجال».




    المرجع : الشرح الممتع -مختصرا-.





    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    فعلًا شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله شرح ممتع
    فجزاكم الله خيرًا على إتحافنا به
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (وَعَوْرَةُ رَجُلٍ وَحُرَّةٍ مُرَاهِقَةٍ وَأَمَةٍ: مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ): ودليل حدود عورة الرَّجُل: حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ - عَبْدَهُ، أَوْ أَجِيرَهُ - فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ، وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ([1])».
    وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جَرْهَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنَ العَوْرَةِ([2])».
    وقد روى مسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ([3])».
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...([4]).
    قال الإمام البخاري رحمه الله: ((وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الفَخِذُ عَوْرَةٌ»، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «حَسَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَخِذِهِ»، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ([5])))اهـ.
    وقال العلامة الألباني رحمه الله: ((ومن الواضح لدى كل ناظر في الأدلة التي ساقها المؤلف أن أدلة القائلين بأن الفخذ ليس بعورة فعلية من جهة ومبيحة من جهة أخرى وأدلة القائلين بأنه عورة قولية من جهة وحاظرة من جهة أخرى ومن القواعد الأصولية التي تساعد على الترجيح بين الأدلة والاختيار بعيدًا عن الهوى والغرض قاعدتان:
    الأولى: الحاظر مقدم على المبيح.
    والأخرى: القول مقدم على الفعل لاحتمال الخصوصية وغيرها؛ مع أن الفعل في بعض الأدلة المشار إليها لا يظهر فيها أنه كان مقصودًا متعمدًا؛ كحديث أنس وأثر أبي بكر، أضف إلى ذلك أنها وقائع أعيان لا عموم لها، بخلاف الأدلة القولية فهي شريعة عامة وعليها جرى عمل المسلمين سلفًا وخلفًا بحيث لا نعلم أن أحدًا منهم كان يمشي أو يجلس كاشفًا عن فخذيه كما يفعل بعض الكفار اليوم ومن يقلدهم من المسلمين الذين يلبسون البنطلون الذي يسمونه بـ(الشورت) وهو (التُّبَّانُ) في اللغة.
    ولهذا فلا ينبغي التردد في كون الفخذ عورة ترجيحًا للأدلة القولية، فلا جرم أنْ ذهب إليه أكثر العلماء وجزم به الشوكاني في "نيل الأوطار" (2/ 52- 53) و"السيل الجرار" (1/ 160– 161).
    نعم، يمكن القول بأن عورة الفخذين أخف من عورة السوأتين وهو الذي مال إليه ابن القيم في "تهذيب السنن"([6])))اهـ.
    وأما الحرة غير البالغة، فدليل أن عورتها في الصلاة ما بين السرة إلى الركبة، فهو مفهوم حديث: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ([7])».
    فدل على أن غير الحائض تُقبل صلاتها بغير خمار.
    وأما الأمَة - بالغة كانت أو غير بالغة - فدليل كون عورتها ما بين السرة إلى الركبة، فحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ - عَبْدَهُ، أَوْ أَجِيرَهُ - فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ، وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ([8])».
    وفي لفظ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهَا([9])».
    قالوا: في هذه الرواية جاء ذكر الأَمَة؛ والعورة المقصودة في هذه الرواية، هي ما صُرِّح ببيانه في الرواية الأولى؛ وهي ما بين السرة إلى الركبة([10]).
    فتبيَّن من هذا أن عورة الأمة ما بين السرة إلى الركبة، وهذا هو المذهب.
    ولكن الصحيح أن عورة الأمة كعورة الحرة باستثناء الرأس والوجه.
    وأما الاستدلال بالحديث المذكور، فقد أُجيبَ عليه بالأتي:
    أولًا: أن الرواية التي فيها ذكر الأمة، لا تثبت؛ لأن فيها الوليد بن مسلم، وهو مدلس تدليس تسوية، وقد عنعن.
    ثانيًا: أن هذه الرواية ليس فيها تحديد العورة.
    ثالثًا: أن هناك رواية ثالثة، بلفظ: «وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا تَنْظُرُ الْأَمَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ؛ فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إِلَى رُكْبَتِهِ مِنَ الْعَوْرَةِ([11])».
    فبينت هذه الرواية أن المقصود تحديد عورة الرجل، وليس الأمة.
    قال البيهقي رحمه الله: ((وَبَعْضُ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ يَنُصُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نُهِيُ الْأَمَةِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ السَّيِّدِ بَعْدَ مَا زُوِّجَتْ أَوْ نُهِيُ الْخَادِمِ مِنَ الْعَبْدِ أو الْأَجِيرِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ السَّيِّدِ بَعْدَ مَا بَلَغَا النِّكَاحَ؛ فَيَكُونُ الْخَبَرُ وَارِدًا فِي بَيَانِ مِقْدَارِ الْعَوْرَةِ مِنَ الرَّجُلِ لَا فِي بَيَانِ مِقْدَارِهَا مِنَ الْأَمَةِ([12])))اهـ.
    وقال البيهقي – أيضًا – رحمه الله: ((فَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَتْنِهِ؛ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي عَوْرَةِ الْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَبِسَائِرِ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ مَعَهُ فِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ([13])))اهـ.
    وقال الألباني رحمه الله: (("إذا زوج أحدكم عبده - أمته أو أجيره - فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته؛ فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة". أخرجه الدارقطني وعنه البيهقي.
    فهذه الرواية على خلاف الروايات السابقة فإنها صريحة في أن المنهي عنه النظرَ إنما هي الأمة، وأن ضمير "عورته" راجع إلى "أحدكم" والمقصود به السيد؛ وهذه الرواية أرجح عندي لسببين:
    الأول: أنها أوضح في المعنى من الأولى؛ لأنها لا تحتمل إلا معنى واحدًا، بخلاف الأولى، فإنها تحتمل معنيين: أحدهما يتفق مع معنى هذه، والآخر يختلف عنه تمام الاختلاف، وهو الظاهر من المعنيين، وهو أن المنهي عن النظر إنما هو السيد، وأن ضمير "عورته" راجع إلى العبد أو الأجير أو الأمة؛ ولهذا استدل بعض العلماء بهذه الرواية على أن عورة الأمة كعورة الرجل ما بين السرة والركبة، قال: "ويريد به (يعني بقوله: عبده أو أجيره) الأمة، فإن العبد والأجير لا يختلف حاله بالتزويج وعدمه".
    لكن المعنى الأول أرجح بدليل هذه الرواية التي لا تقبل غيره ويؤيده السبب الآتي وهو:
    الآخر: أن الليث بن أبي سليم قد تابع سوارًا في روايته عن عمرو به، ولفظه: "إذا زوج أحدكم أمته أو عبده أو أجيره، فلا تنظر إلى عورته، والعورة ما بين السرة والركبة". أخرجه البيهقي (2/ 229) عن الخليل بن مرة عن الليث. وهذا السند إلى عمرو، وإن كان ضعيفًا، فإنه لا بأس به في الشواهد والمتابعات، وهذا صريح في المعنى الأول لا يحتمل غيره أيضًا، لكن رُوي الحديث بلفظ آخر، لا يحتمل إلا المعنى الآخر، وهو من طريق الوليد: حدثنا الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ: "إذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره، فلا ينظرن إلى عورتها". كذا قال "عورتها". أخرجه البيهقي (2/ 226)، والوليد هو ابن مسلم وهو يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن بين الأوزاعي وعمرو، ثم هو لو صح، فليس فيه تعيين العورة من الأمة([14])))اهـ.
    فترجح أن هذا الحديث لا يصح الاستدلال به على تحديد عورة الأمة.
    وأما أدلة أن رأس الأمة ووجهها ليس بعورة:
    فالدليل الأول: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ عُمَرَ، ضَرَبَ أَمَةً لِآلِ أَنَسٍ رَآهَا مُتَقَنِّعَةً قَالَ: اكْشِفِي رَأْسَكِ، لَا تَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ([15]).
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَا يُنْكَرُ، حَتَّى أَنْكَرَ عُمَرُ مُخَالَفَتَهُ([16])))اهـ.
    الدليل الثاني: حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاَثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ؛ أُمِرَ بِالأَنْطَاعِ، فَأَلْقَى فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ. فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ([17]).
    فدل هذا الحديث على أن الإماء كن لا يحتجبن.
    الدليل الثالث: الإجماع: قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن ليس على الأمة أن تغطي رأسها، وانفرد الحسن، فأوجب ذلك عليها([18])))اهـ.
    وقال ابن قدامة رحمه الله: ((وَصَلَاةُ الْأَمَةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ جَائِزَةٌ؛ هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي هَذَا إلَّا الْحَسَنَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْخِمَارَ إذَا تَزَوَّجَتْ، أَوْ اتَّخَذَهَا الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَاسْتَحَبَّ لَهَا عَطَاءٌ أَنْ تُقَنِّعَ إذَا صَلَّتْ([19])))اهـ.
    تنبيه:
    إذا كان كشف الأمة لوجهها ورأسها سيؤدي إلى فتنة، وجب عليها سترهما سدًّا للذرائع، ودرءًا للمفاسد، وقد صرح بذلك ابن تيمية، وابن القيم، وابن عثيمين رحمهم الله جميعًا.
    قوله: (وَابْنُ سَبْعٍ إِلَى عَشْرٍ الْفَرْجَانِ): أي: وعورة الصبي ابن سبع سنين إلى عشر، هي العورة المغلظة فقط؛ وهي القُبُل والدبر؛ لأنه لَمْ يبلغ بعدُ([20]).
    قوله: (وَكُلُّ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ): ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ([21])».
    قال الإمام أحمد رحمه الله: ((كل شيء من المرأة عورة، حتى ظفرهُا([22]))).
    وقال الإمام أحمد – أيضًا - رحمه الله: ((ظفر المرأة عورة، واذا خرجت فلا يَبِين منها لا يدها ولا ظفرها ولا خفها، فإن الخف يَصِفُ القدم، وأحب إليَّ أن تجعل كفها إلى عند يدها، حتى إذا خرجت يدها لا يبين منها شيء([23])))اهـ.
    قوله: (إِلَّا وَجْهَهَا فِي الصَّلَاةِ): أي: أن جميع المرأة عورة، ويستثنى من ذلك الوجه في الصلاة، فليس بعورة.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَيُكْرَهُ أَنْ تَنْتَقِبَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ تُصَلِّي؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمُبَاشَرَةِ الْمُصَلَّى بِجَبْهَتِهَا وَأَنْفِهَا، وَيَجْرِي مَجْرَى تَغْطِيَةِ الْفَمِ لِلرَّجُلِ([24])، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ([25])))اهـ.

    [1])) أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (4114)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (1803)، والأرناؤوط.

    [2])) أخرجه أحمد (15926)، وأبو داود (4014)، والترمذي (2798)، وقال: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))، وصححه الألباني ((تمام المنة)) (160)، والأرناؤوط بشواهده.

    [3])) صحيح: أخرجه مسلم (2401).

    [4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (371)، ومسلم (1365).

    [5])) ((صحيح البخاري)) (1/ 83).

    [6])) ((تمام المنة)) (159/ 160).

    [7])) أخرجه أحمد (25167)، وأبو داود (641)، والترمذي (377)، وقال: حسن، وابن ماجه (655)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (196).

    [8])) أخرجه أبو داود (4141).

    [9])) أخرجه أبو داود (4113)، وفيه الوليد بن مسلم، وهو مدلس تدليس تسوية، وقد عنعنه.

    [10])) انظر: ((نيل الأوطار)) (2/ 80).

    [11])) أخرجه البيهقي في ((الكبير)) (3234).

    [12])) ((السنن الكبير)) (2/ 320).

    [13])) السابق.

    [14])) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (2/ 373).

    [15])) أخرجه عبد الرزاق (5064)، وابن أبي شيبة (6236) (6239)، بسند صحيح.

    [16])) ((المغني)) (1/ 433).

    [17])) متفق عليه: أخرجه البخاري (5085)، ومسلم (1365).

    [18])) ((الإجماع)) رقم (77).

    [19])) ((المغني)) (1/ 432).

    [20])) قال الدكتور وهبة الزحيلي مرجحًا هذا القول بعدما ذكر أقوالًا عدة: ((ويظهر لي أن هذا الرأي أولى لاتفاقه مع حديث الأمر بالصلاة لسبع، والضرب عليها لعشر)). ((الفقه الإسلامي وأدلته)) (1/ 757).

    [21])) أخرجه الترمذي (1173)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ»، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (273).

    [22])) ((أحكام النساء)) للإمام أحمد رواية الخلال (31).

    [23])) السابق (32).

    [24])) روى أبو داود (643)، وابن ماجه (966)، وحسنه الألباني، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ.

    [25])) ((المغني)) (1/ 432)، وانظر كلام ابن عبد البر في ((التمهيد)) (6/ 364).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    قال برهان الدين ابن مفلح رحمه الله: ((الْأَذَانُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ: الْإِعْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ: إِعْلَامٌ، وَقَوْلِهِ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ: أَعْلِمْهُمْ.
    يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا، وَأَذِينًا عَلَى وَزْنِ رَغِيفٍ: إِذَا أَعْلَمَ بِهِ، وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْأُذُنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ.
    وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ قُرْبِهِ([1]) بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ.
    وَالْإِقَامَةُ: هِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ؛ وَحَقِيقَتُهُ: إِقَامَةُ الْقَاعِدِ.
    وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِالْقِيَامِ إِلَيْهَا بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ؛ كَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ، وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ([2])))اهـ.


    ...أما تعريف الأذان شرعاً: فهو التعبُّد لله بذكرٍ مخصوص؛ بعد دخول وقت الصَّلاة؛ للإعلام به.
    وهذا أولى من قولنا: الإعلامُ بدخول وقتِ الصَّلاة؛ لأنَّ الأذان عبادة فينبغي التنويه عنها في التَّعريف، ولأنَّ الأذان لا يتقيَّد بأوَّل الوقت؛ ولهذا إذا شُرع الإبراد في صلاة الظُّهر شُرِعَ تأخير الأذان أيضاً؛ كما وَرَدَ ذلك في الصحيح .
    ... أما الإقامة: فإنها في اللُّغَةِ مصدرُ أقام، من أقام الشيءَ إذا جعله مستقيماً.
    أما في الشَّرع: فهي التعبُّد لله بذكرٍ مخصوص عند القيام للصَّلاة.
    والفرق بينها وبين الأذان:
    أن الأذان إعلام بالصلاة للتهيُّؤ لها والإقامة إعلامٌ للدُّخول فيها والإحرام بها، وكذلك في الصِّفة يختلفان.


    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    قوله: (وَسُنَّ كَوْنُهُ صَيِّتًا): لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أبا محذورة للأذان لكونه صَيِّتًا([1])، وفي حديث عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك([2])»، ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان([3]).
    قوله: (أَمِينًا): لأنه مؤتمن على الأوقات.
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ([4])».
    وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤَذِّنُون َ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فِطْرِهِمْ وَسُحُورِهِمْ([5])».
    قوله: (عَالِمًا بِالْوَقْتِ): فيستحب للمؤذن أن يكون عالمًا بوقت الصلاة.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((هذا ليس بشرط إن أراد أن يكون عالمًا به بنفسه؛ لأن ابنَ أمِّ مكتوم كان رجلًا أعمى لا يؤذِّن حتى يُقال له: «أصبحتَ أصبحتَ([6])»، لكن الأفضل أن يكون عالمًا بالوقت بنفسه؛ لأنه قد يتعذَّر عليه من يُخبره بالوقت.
    والعِلْمُ بالوقت يكون بالعلامات التي جعلها الشَّارع علامة، فالظُّهر بزوال الشَّمس، والعصر بصيرورة ظلِّ كُلِّ شيءٍ مثله بعد فيء الزَّوال، والمغرب بغروب الشَّمس، والعِشاء بمغيب الشَّفق الأحمر، والفجر بطلوع الفجر الثَّاني.
    وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات([7])))اهـ.

    قوله: «ويكون المُؤَذِّنُ صَيِّتاً أميناً عَالماً بالوَقْتِ» ، كلمة «يكون» تحتمل الوجوب؛ وتحتمل الاستحباب، فيحتمل أنَّ المعنى يُستحب، ويحتمل أن المعنى يجب. ويمكن أن ننظر ما تقتضيه الأدلَّةُ من هذه الصِّفَات، فما دلَّت على وجوبه قلنا بوجوبه، وما دَلَّت على استحبابه قلنا باستحبابه.

    فقوله: «صَيِّتاً» هذا مستحبٌ، وليس واجباً، فالواجب أن يُسْمِعَ من يُؤَذِّنُ لهم فقط، وما زاد على ذلك فغير واجب.

    وقوله: «صَيِّتاً» يحتمل أن يكون المعنى قويَّ الصَّوتِ، ويحتمل أن يكون حسنَ الصَّوت، ويحتمل أن يكون حسنَ الأداء، ولكن الاحتمال الأخير ليس واضحاً من العبارة.

    فهنا ثلاثةُ أوصاف تعود على التلفُّظ بالأذان:
    1- قوَّة الصَّوت.
    2- حُسْن الصَّوتِ.
    3- حُسْن الأدَاءِ.
    فهذا كُلُّه مطلوب.
    ونستنبط من قوله: «صَيِّتاً» أن مكبِّرات الصَّوت من نعمة الله؛ لأنَّها تزيد صوت المؤذِّن قوَّة وحُسناً، ولا محذور فيها شرعاً، فإذا كان كذلك وكانت وسيلة لأمر مطلوب شرعي، فللوسائل أحكام المقاصد. ولهذا أمرَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم العبَّاس بن عبد المطلب أن ينادي يوم حنين: «أين أصحابُ السَّمُرَة»، لقوَّةِ صَوته.

    فدلَّ على أنَّ ما يُطلبُ فيه قوَّةُ الصَّوت ينبغي أن يُختار فيه ما يكون أبلغ في تأديَة الصَّوت. ولكن ما يُتَّخذُ من تفخيم الصوت بما يسمُّونه «الصَّدَى» فليس بمشروع، بل قد يكون منهيًّا عنه إذا لزم منه تكرار الحرف الأخير لما فيه من الزِّيادة.

    وقوله: «أميناً»، الظَّاهر من المذهب: أن كونه أميناً سُنَّة.
    والصَّحيح أنَّه واجب؛ لأنَّ الأمانة أحد الرُّكنين المقصودين في كلِّ شيء، والثاني القوَّة كما قال تعالى: {{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}} [القصص: 26] .
    وقال العِفْريت الذي أراد أن يأتي بعرش «بلقيس» إلى سليمان: {{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}} [النمل: 39] .

    وعدم السَّداد في العمل يأتي من اختلال أحد الوصفين: القوَّة والأمانة. وإذا وُجِدَ ضعيفٌ أمينٌ؛ وقويٌّ غيرُ أمين؛ أيُّهما يقدم؟
    فالجواب: أنَّ الصَّحيح حسب ما يقتضيه العمل، فبعض الأعمال تكون مراعاة الأمانة فيه أَولى، وبعضها تكون مراعاة القوَّة أولى، فمثلاً القوَّة في الإمارة قد تكون أولى بالمراعاة، والأمانة في القضاء قد تكون أولى بالمراعاة.

    وقوله: «أميناً»، أي: على الوقت، وعلى عورات النَّاس خصوصاً فيما سبق؛ حيث كان النَّاس يؤذِّنون فوق المنارة.


    وقوله: «عالماً بالوقت»، هذا ليس بشرط إن أراد أن يكون عالماً به بنفسه؛ لأن ابنَ أمِّ مكتوم كان رجلاً أعمى لا يؤذِّن حتى يُقال له: «أصبحتَ أصبحتَ» ، لكن الأفضل أن يكون عالماً بالوقت بنفسه؛ لأنه قد يتعذَّر عليه من يُخبره بالوقت.

    وقد يقال: المراد أن يكون عالماً بالوقت بنفسه أو بتقليد ثقة.
    والعِلْمُ بالوقت يكون بالعلامات التي جعلها الشَّارع علامة، فالظُّهر بزوال الشَّمس، والعصر بصيرورة ظلِّ كُلِّ شيءٍ مثله بعد فيء الزَّوال، والمغرب بغروب الشَّمس، والعِشاء بمغيب الشَّفق الأحمر، والفجر بطلوع الفجر الثَّاني.

    وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات.

    ولكن هذه التقاويم تختلف؛ فأحياناً يكون بين الواحد والآخر إلى ست دقائق، وهذه ليست هيِّنة ولا سيَّما في أذان الفجر وأذان المغرب؛ لأنَّهما يتعلَّق بهما الصِّيام، مع أن كلَّ الأوقات يجب فيها التَّحري، فإذا اختلف تقويمان وكلٌّ منهما صادرٌ عن عارف بعلامات الوقت، فإننا نُقدِّم المتأخِر في كلِّ الأوقات؛ لأنَّ الأصل عدم دخول الوقت، مع أن كلًّا من التَّقويمين صادر عن أهلٍ، وقد نصَّ الفقهاء رحمهم الله على مثل هذا فقالوا: لو قال لرَجُلين ارْقُبَا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجرُ، وقال الثاني: لم يطلع؛ فيأخذ بقول الثَّاني، فله أن يأكلَ ويشرب حتى يتَّفقا بأن يقول الثَّاني: طلع الفجر، أما إذا كان أحد التقويمين صادراً عن أعلم أو أوثق فإنَّه يقدَّم.
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    وفي الشرح الممتع :

    ...ونقول: كلُّ ما جاءت به السُّنَّة من صفات الأذان فإنه جائز، بل الذي ينبغي: أنْ يؤذِّنَ بهذا تارة، وبهذا تارة إن لم يحصُل تشويش وفتنةٌ.
    فعند مالك سبعَ عَشْرةَ جملة، بالتكبير مرتين في أوَّله مع الترجيع ـ وهو أن يقول الشهادتين سِرًّا في نفسه ثم يقولها جهراً ـ.
    وعند الشافعي تسعَ عَشْرَة جملة، بالتكبير في أوَّله أربعاً مع الترجيع ، وكلُّ هذا مما جاءت به السُّنَّة، فإذا أذَّنت بهذا مرَّة وبهذا مرَّة كان أولى.
    والقاعدة: «أن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة، ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه»، وتنويعها فيه فوائد:

    أولاً: حفظ السُّنَّة، ونشر أنواعها بين النَّاس.

    ثانياً: التيسير على المكلَّف، فإن بعضها قد يكون أخفَّ من بعض فيحتاج للعمل.

    ثالثاً: حضور القلب، وعدم مَلَله وسآمته.

    رابعاً: العمل بالشَّريعة على جميع وجوهها.


    وقوله: «يُرَتِّلُها»، أي: يقولها جملةً جملةً، وهذا هو الأفضل على المشهور. وهناك صفة أخرى: أنه يقرنُ بين التَّكبيرتين في جميع التَّكبيرات فيقول: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ، ثم: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ، ويقول في التَّكبير الأخير: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ. والأفضل أن يعمل بجميع الصِّفات الثابتة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم إلا أن يخاف تشويشاً أو فتنة، فليقتصر على ما لم يحصُل به ذلك؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم تَرَكَ بناءَ الكعبة على قواعد إبراهيم خوفاً من الفتنة.
    ولكن ينبغي أن يُروَّض النَّاسُ بتعليمهم بوجوه العبادة الواردة، فإذا اطمأنت قلوبُهم وارتاحت نفوسُهم؛ قام بتطبيقها عمليّاً؛ ليحصُل المقصود بعمل السُّنَّة من غير تشويش وفتنة.

    وقوله: «على عُلْو»، أي: ينبغي أن يكون الأذان على شيء عالٍ؛ لأنَّ ذلك أبعد للصَّوت، وأوصل إلى النَّاس، ومن هنا نأخذ أن الأذان بالمكبِّر مطلوبٌ؛ لأنَّه أبعد للصَّوت وأوصل إلى النَّاس.

    ... وقوله: «مَرَّتين»، أي: يُرَدِّدُها مَرَّتين، ولم يذكر العلماء هل يلتفت يميناً وشمالاً، أو يبقى مستقبل القبلة؟
    والأصل إذا لم يُذكر الالتفات أن يبقى على التوجّه إلى القِبلة. وهذا القول يُسمَّى التثويب، من ثاب يثوب إذا رجع؛ لأن المؤذِّنَ ثاب إلى الدَّعوة إلى الصلاة بذكر فضلها.
    وقوله: «في أذان الصُّبْح» «أذان» مضاف و«الصُّبْح» مضاف إليه من باب إضافة الشيء إلى سببه، أي: الأذان الذي سببه طلوع الصُّبح، ويجوز أن يكون من باب إضافة الشيء إلى نوعه، أي: الأذان من الصُّبح، وأذان الصُّبْح: هو الأذان الذي يكون بعد طلوع الفجر، واختُصَّ بالتثويب لأن كثيراً من النَّاس يكون في ذلك الوقت نائماً، أو متلهِّفاً للنَّوم.

    ... وينبغي أن يُعلم «قاعدة» أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم:
    «بأن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة؛ ينبغي أن تُفعل على جميع الوجوه؛ هذا تارة وهذا تارة، بشرط ألا يكون في هذا تشويش على العامة أو فتنة».

    ... وكذلك الأذان بالمُسجِّل غير صحيح؛ لأنَّه حكاية لأذان سابق، ولأنَّ الأذان عبادة، وسَبَقَ أنه أفضل من الإمامة، فكما أنَّه لا يصحُّ أن نسجِّل صلاة إمام ثم نقول للناس ائتمُّوا بهذا «المسجِّل»، فكذلك لا يصح الاعتماد على «المسجِّل» في الأذان، فمن اقتصر عليه لم يكن قائماً بفرض الكفاية.

    ...والخلاصة: أن الأذان له شروط تتعلَّقُ بالأذان نفسه، وشروط تتعلَّقُ بوقته، وشروط تتعلَّقُ بالمؤذِّن. أما التي تتعلق به فيُشترط فيه:
    1- أن يكون مرتَّباً.
    2- أن يكون متوالياً.
    3- ألا يكون فيه لَحْنٌ يُحيل المعنى، سواء عاد هذا اللَّحن إلى علم النحو، أو إلى علم التَّصريف.
    4- أن يكون على العدد الذي جاءت به السُّنَّة.

    أما في المؤذِّن؛ فلا بُدَّ أن يكون:
    1- ذكراً. 2- مسلماً. 3- عاقلاً.
    4- مميِّزاً. 5- واحداً. 6- عدلاً.

    أما الوقتُ؛ فيُشترطُ أن يكون بعد دخول الوقت، فلا يُجزئ قبله مطلقاً على القول الرَّاجح، ويُستثنى أذان الفجر على كلام المؤلِّف.
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    لو قال قائل: هل ابتُليتُ بمصيبة حتى أقول: لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله؟ لأنَّ العامَّة عندهم أن الإنسان إذا أُصيب بمصيبة قال: «لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله». والمشروع عند المصائب أن تقول: «إنَّا لله، وإنَّا إليه راجعون»، أما هذه الكلمة: «لا حول ولا قوة إلا بالله» فهي مشروعة عند التحمُّل، وهي كلمة استعانة، وليست كلمة استرجاع.
    فالجواب: أن المؤذِّنَ لما قال: «حيَّ على الصلاة»، فإنما دعاك إلى حضورها؛ فاستعنت بالله، وذلك حيثُ تبرَّأت من حولك وقوَّتك إلى ذي الحَول والقوَّة عزّ وجل فاستعنت به، وقلت: لا حَول ولا قوَّة إلا بالله، وهذا من باب التوسُّل بذكر حال الدَّاعي وكمال المدعو.
    فإن قيل: ما هو الحَول؛ وما هي القوَّة؟

    فقد قال العلماء: الحَول بمعنى التحوُّل، أي: لا تحوّل من حال إلى حال إلا بالله عزّ وجل. والقوَّة أخصُّ من القدرة، فكأنَّك قلت: لا أستطيع ولا أقوى على التَّحوُّل إلا بمعونة الله، ولهذا نقول: إن «الباء» في قوله: «إلا بالله» للاستعانة، فكلُّ إنسان لا يستطيع أن يتحوَّل من حال إلى حال، سواء من معصية إلى طاعة، أو من طاعة إلى أفضل منها إلا بالله عزّ وجل.

    وقوله: «حيَّ على الفلاح» بعد قوله: «حيَّ على الصّلاة» تعميمٌ بعد تخصيص، أو دعاء إلى النتيجة والثَّواب بعد الدُّعاء إلى الصَّلاة، كأنه قال: أقبل إلى الصَّلاة، فإذا صليت نِلْتَ الفلاح.

    وفي متابعة المؤذِّنِ دليلٌ على رحمة الله عزّ وجل، وسِعة فضله؛ لأن المؤذِّنين لما نالوا ما نالوه من أجر الأذان شُرع لغير المؤذِّن أن يتابعه؛ لينال أجراً كما نال المؤذِّن أجراً، ولهذا نظائر، فمن ذلك أنَّ الحُجَّاج يذبحون الهدايا يوم النَّحر، وغيرهم ممن لم يحجَّ شُرِع لهم ذبح الأضاحي، وكذلك الحجَّاج إذا أحرموا تركوا الترفُّه فلا يحلقون شعر الرَّأس، وغيرهم من أهل الأضاحي لا يأخذون من شعورهم.

    وَقَوْلُه بَعْدَ فَرَاغِهِ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذه الدَّعْوةِ التَّامَّةِ، ....................
    قوله: «وقوله بعد فراغه: اللهم رَبَّ هذه الدَّعوةِ التَّامَّة... إلخ» ، الحقيقة أن المؤلِّف اقتصر في الدُّعاء الذي بعد الأذان على ما ذكره،
    وإلا فينبغي بعد الأذان أن تُصلِّي على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ثم تقول: «اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة... إلخ»، وفي أثناء الأذان إذا قال المؤذِّن: «أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمداً رسولُ الله» وأجبته تقول بعد ذلك: «رضيت بالله رَبًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً» كما هو ظاهر رواية مسلم حيث قال: «من قال حين سمع النداء: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، رضيت بالله رَبًّا وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غُفِرَ له ذَنْبه».
    في رواية ابن رُمْح ـ أحد رجال الإسناد ـ: «من قال: وأنا أشهد». وفي قوله: «وأنا أشهد» دليلٌ على أنه يقولها عقب قول المؤذِّن: «أشهد أنْ لا إله إلا الله»، لأنَّ الواو حرف عطف، فيعطف قولَه على قولِ المؤذِّن. فإذاً؛ يوجد ذِكْرٌ مشروع أثناء الأذان.
    وقوله: «اللهم رَبَّ هذه الدعوة التَّامة»، الدعوة التامة: هي الأذان؛ لأنه دعوة، ووَصَفَها بالتَّامة؛ لاشتمالها على تعظيم الله وتوحيده، والشهادة بالرسالة، والدعوة إلى الخير.

    وقوله: «اللهُم رَبَّ»، اللَّهُ بالضم، وربَّ بالفتح، لأنَّ اللَّهَ عَلَمٌ مفردٌ فيُبنى على الضمِّ، و«ربَّ» مضاف، فيكون منصوباً؛ لأن المُنادى أو ما وقع بدلاً منه إذا كان مضافاً فإنه يكون منصوباً.

    وقوله: «اللهم» منادى حُذِفَت منه ياءُ النداء، وعُوِّضَ عنها الميم، وجُعِلَت الميم بعد لفظ الجلالة تيمُّناً وتبرُّكاً بالابتداء بلفظ الجلالة، واخْتِيرَ لفظ الميم دون غيره من الحروف للدلالة على الجمع؛ كأن الدَّاعي يجمع قلبه على ربِّه عزّ وجل، وعلى ما يريد أن يدعوه به.
    وقوله: «رَبَّ»، «ربّ» هنا بمعنى صاحبَ الدَّعوة الذي شرعها، ولو كانت «ربّ» بمعنى خالق أشكل علينا؛ لأنَّ هذه الدَّعوة فيها أسماء الله وهي غير مخلوقة؛ لأنها من الكلام الذي أخبر به عن نفسه، وكلامه غير مخلوق، لكن لو فَسَّرنا «ربّ» بمعنى خالق على إرادة اللفظ الذي هو فعل المؤذِّن، فهذا لا إشكال فيه.

    والصَّلاَةِ القَائِمَةِ ..............
    قوله: «والصَّلاة القائمة» ، أي: وربَّ هذه الصَّلاة القائمة؛ والمشار إليه ما تصوَّره الإنسانُ في ذِهنه؛ لأنك عندما تسمع الأذان تتصوَّر أنَّ هناك صلاة. و«القائمة»: قال العلماء: التي ستقام فهي قائمة باعتبار ما سيكون.

    آتِ محمداً الوَسِيْلَةَ والفَضِيْلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الذي وَعَدْتُه.
    قوله: «آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ» ، آتِ: بمعنى أعطِ، وهي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، والمفعول الأوَّل «محمداً» و«الوسيلة» المفعول الثَّاني. والوسيلة: بيَّنها الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أنها: «درجة في الجنة، لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله»، قال: «وأرجو أن أكون أنا هو».
    ولهذا نحن ندعو الله ليتحقَّق لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما رجَاه عليه الصَّلاة والسلام.
    وأما الفضيلة: فهي المَنْقبَة العالية التي لا يشاركه فيها أحد.

    قوله: «وابْعَثْهُ مَقَامَاً مَحْمُوداً الذي وَعَدْتهُ» ، ابعثه يوم القيامة «مقاماً» أي: في مقام محمود الذي وعدته، وهذا المقام المحمود يشمل كلّ مواقف القيامة، وأَخَصُّ ذلك الشفاعة العُظمى، حينما يلحق الناس من الكرب والغَمِّ في ذلك اليوم العظيم ما لا يُطيقون، فيطلبون الشفاعة من آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عليهم الصَّلاة والسَّلام، فيأتون في النهاية إلى نبيِّنا محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام فيسألونه أن يشفع إلى الله فيشفع لهم.
    وهذا مقام محمود؛ لأن الأنبياء والرُّسل كلهم يعتذرون عن الشَّفاعة، إما بما يراه عُذراً كآدم ونوح وإبراهيم وموسى، وإمَّا لأنه يرى أن في المقام مَنْ هو أولى منه كعيسى. وانظر كيف أَلْهَمَ اللَّهُ الناسَ أن يأتوا إلى هؤلاء؛ لأن هؤلاء الأربعة هم أولو العزم، وآدم أبو البشر خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته، ثم انظر كيف يُلْهِمُ الله هؤلاء أن يعتذر كُلُّ واحد بما يرى أنَّه حائل بينه وبين الشفاعة، لأن الشافع لا يتقدَّم في الشَّفَاعة، وهو يرى أنه فعل ما يُخِلُّ بمقام الشَّفاعة، وهؤلاء الأربعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى؛ استحيوا أن يتقدَّموا في الشَّفاعة؛ لكونهم فعلوا ما يُخِلُّ بمقام الشَّفاعة في ظَنِّهم، مع أنهم قد تابوا إلى الله تعالى.
    أما بالنسبة لإبراهيم عليه السلام فالذي فعله كان تأويلاً، لكن لكمال تواضعه اعتذر به. والخامس لم يذكر شيئاً يُخِلُّ بمقام الشفاعة، ولكن ذَكَرَ مَنْ هو أَولى منه في ذلك، وهو محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام لتتمَّ الكمالات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
    وهذا من المقام المحمود الذي قال الله له فيه: {{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا *}} [الإسراء] هذه الدعوات. وقد ثَبَت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن من صَلَّى عليه، ثم سأل الله له الوسيلة، فإنها تحلُّ له الشفاعة يوم القيامة».
    فيكون مستحقًّا لها، وهذا لا شَكَّ أنه من نعمة الله سبحانه علينا وعلى الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم. أما علينا فلِمَا ننالُه من الأجر من هذا الدُّعاء، وأما على الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم. فلأن هذا مما يرفع ذكرَه أن تكون أمته إلى يوم القيامة تدعو الله له.

    لكن لو قال قائل: إذا كانت الوسيلة حاصلة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما الفائدة من أن ندعو الله له بها؟
    فالجواب: لعلَّ من أسباب كونها له دُعاءُ النَّاس له بذلك، وإن كان صلّى الله عليه وسلّم أحقَّ الناس بها. ولأن في ذلك تكثيراً لثوابنا؛ وتذكيراً لحقِّه علينا.

    وفي هذا الدُّعاء عِدَّة مسائل:
    المسألة الأولى: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم بشرٌ لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضَرًّا، ووجهه: أننا أمرنا بالدُّعاء له.
    المسألة الثانية: أن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أفضل البشر؛ لأنَّ الوسيلة لا تحصُل إلا له خاصَّة، ومعلومٌ أن الجزاء على قَدْرِ قيمة المجزيِّ، قال تعالى: {{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}} [المجادلة: 11] .
    المسألة الثالثة: الإشكال في قوله: «آتِ محمَّداً»، ولم يقل: «آتِ رسول الله»، فكيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى: {{لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}} [النور: 63] على أحد التفسيرين في أنَّ المعنى لا تنادوه باسمه كما يُنادي بعضكم بعضاً؟
    والجواب: أن النهي في الآية عن مناداته باسمه، وأما في باب الإخبار فلا نهيَ في ذلك.
    وفي الآية قولٌ آخر؛ وهو أن قوله: {{لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}} [النور: 63] من باب إضافة المصدر إلى فاعله لا إلى مفعوله، يعني: لا تجعلوا دُعاءَ الرَّسول إيَّاكم كدُعاء بعضكم بعضاً، إن شئتم أجبتم، وإن شئتم لم تجيبوا، بل تجب إجابته.

    تنبيه: لم يذكر المؤلِّف قوله: «إنك لا تخلف الميعاد»؛ لأن المحدثين اختلفوا فيها، هل هي ثابتة أو ليست بثابتة؟

    فمنهم من قال: إنها غير ثابتة لشُذُوذِها؛ لأن أكثر الذين رَوَوا الحديث لم يرووا هذه الكلمة، قالوا: والمقام يقتضي ألا تُحذف؛ لأنه مقام دُعاء وثناء، وما كان على هذا السبيل فإنه لا يجوز حذفه إلا لكونه غير ثابت؛ لأنه مُتَعَبَّدٌ به.
    ومن العلماء من قال: إنَّ سندها صحيح، وإنها تُقال؛ لأنها لا تُنَافي غيرَها، وممن ذهب إلى تصحيحها الشيخ عبد العزيز بن باز، وقال: إن سندَها صحيح، وقد أخرجها البيهقي بسند صحيح. وقالوا: إنَّ هذا مما يُختم به الدُّعاء كما قال تعالى: {{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ *}} [آل عمران]
    فمن رأى أنَّها صحيحة فهي مشروعة في حقِّه، ومن رأى أنَّها شاذة فليست مشروعة في حقِّه، والمؤلِّف وأصحابُنَا يرون أنها شاذَّة ولا يُعمل بها.
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    قوله: (شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ): أي: الأشياء التي لابد أن تتوافر لكي تصح الصلاة، فإن فُقِدت أو فُقِد أحدُها، لَمْ تَصِح.
    والشرط عند الفقهاء والأصوليين، هو: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم؛ فيلزم من عدم وجود الوضوء عدم الصلاة، ولا يلزم من وجود الوضوء وجود الصلاة ولا صحتها.
    ...
    قوله: (وَدُخُولُ الْوَقْتِ): وهو الشرط الثاني لصحة الصلاة، ودليله قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].


    تنبيه:
    اعترض بعضُ النَّاس على الفقهاء في كونهم يقولون: شروط، وأركان، وواجبات، وفروض، ومفسدات، وموانع، وما أشبه ذلك، وقالوا: أين الدَّليل من الكتاب والسُّنَّة على هذه التَّسمية، هل قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: إن شروط الصَّلاة كذا، وأركانها كذا، وواجباتها كذا... فإن قلتم: نعم، فأرونا إيَّاه، وإن قلتم: لا، فلماذا تُحْدِثُون ما لم يفعله الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم؟!.

    والجواب: أنَّ مثل هذا الإيراد دليلٌ على قِلَّة فَهْمِ مُوْرِدِه، وأنَّه لا يُفَرِّق بين الغاية والوسيلة، فالعلماء لمَّا ذكروا الشُّروط والأركان والوجبات؛ لم يأتوا بشيء زائد على الشَّرع، غاية ما هنالك أنهم صَنَّفوا ما دَلَّ عليه الشَّرع؛ ليكون ذلك أقرب إلى حصر العلوم وجمعها؛ وبالتَّالي إلى فهمها.
    فهم يصنعون ذلك لا زيادة على شريعة الله، وإنما تقريباً للشَّريعة، والوسائل لها أحكام المقاصد، كما أنَّ المسلمين لا زالوا ـ وإلى الآن ـ يبنون المدارس، ويؤلِّفون الكتب وينسخونها، وفي الأزمنة الأخيرة صاروا يطبعونها في المطابع...


    ... قوله: «شُرُوطُهَا قَبْلَها» ، جملة خبرية مركَّبة من مبتدأ وخبر، ومعناها أن الشرُوط تقع قبلها؛ لكن لا بُدَّ من استمرارها فيها، والأركان توافق الشُّروط في أنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلا بها، لكن تُخالفها فيما يلي:

    أولاً: أنَّ الشُّروط قبلها، والأركانَ فيها.

    وثانياً: أنَّ الشُّروطَ مستمرَّة من قبل الدّخول في الصَّلاة إلى آخر الصَّلاة، والأركان ينتقل من ركن إلى ركن: القيام، فالرُّكوع، فالرَّفع من الرُّكوع، فالسُّجود، فالقيام من السُّجود، ونحو ذلك.


    ثالثاً: الأركان تتركَّبُ منها ماهيَّةُ الصَّلاة بخلاف الشُّروط، فَسَتْرُ العورة لا تتركَّبُ منه ماهيَّة الصَّلاة؛ لكنه لا بُدَّ منه في الصَّلاة.



    ... وقول المؤلِّف: «منها الوقت»، هذا التَّعبير فيه تساهل؛ لأن الوقت ليس بشرط، بل الشَّرط دخول الوقت، لأننا لو قلنا: إنَّ الشَّرط هو الوقت، لزم ألا تصحَّ قبله ولا بعده، ومعلوم أنها تصحُّ بعد الوقت لعُذر؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نامَ عن صلاةٍ أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها»، وثبت عنه أنَّه صَلَّى الفجر بعد طلوع الشَّمس ، فتحريرُ العِبارة أن يقول: «منها دخول الوقت».
    وسبقَ أن الصَّلاة قبل الوقت لا تصحُّ بالإجماع.


    وهل تصحُّ بعد الوقت؟
    نقول: إن كان الإنسان معذوراً فإنها تصحُّ بالنصِّ والإجماع.

    أما النصُّ: فالقرآن والسُّنَّة. أما القرآن: فإن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما ذكر قوله: «من نام عن صلاة...» إلخ، تلا قوله تعالى: {{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}} [طه: 14] ، وتلاوته للآية استشهادٌ بها.
    ومن السُّنَّة: الحديث السابق.
    وأما الإجماع: فمعلومٌ.

    وهل تصحُّ بعد خروج الوقت بدون عُذر؟

    جمهور أهل العلم على أنها تصحُّ بعده مع الإثم.
    والصَّحيح: أنها لا تصحُّ بعد الوقت إذا لم يكن له عُذر، وأنَّ من تعمَّد الصَّلاة بعد خروج الوقت فإن صلاته لا تصحُّ، ولو صَلَّى ألف مَرَّة؛ لأن الدَّليل حدَّد الوقت، فإذا تعمَّد أن تكون صلاتُه خارج الوقت لم يأتِ بأمر الله، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، إذاً فتكون الصَّلاةُ مردودة.
    وقد يُشكل على بعض الناس فيقول: إذا كان المعذور يلزمه أن يُصلِّي بعد الوقت، وإذا تعمَّد يُقال: لا يصلِّي!! أليس إلزام المتعمِّد بالقضاء أَولى من إلزام المعذور.
    فيقال: إن قولنا للمتعمّد: لا يقضي بعد الوقت؛ ليس تخفيفاً عليه، ولكن ردًّا لعَمَلِه؛ لأنه على غير أمر الله وهو آثم، فيكون هذا أبلغ في رَدْعِهِ وأقربُ لاستقامته، والذي صَلَّى وهو معذور بعد الوقت غير آثم. إذاً؛ المتعمّد عليه أن يتوبَ إلى الله تعالى مما فعله، ولا يُصلِّي.
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة

    قوله: (طَهَارَةُ الْحَدَثِ): هذا هو الشرط الأول من شروط صحة الصلاة، وهو الطهارة من الحدث؛ والمقصود بالحدث: الأكبر والأصغر، ودليل شرطية الطهارة لصحة الصلاة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَرُوا}[المائدة: 6].
    إلى قوله تعالى: {{وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}} [المائدة: 6] .
    ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر ـ إذا قمنا إلى الصَّلاة ـ بالوُضُوء من الحدث الأصغر، والغُسُل من الجنابة، والتيمُّم عند العدم، وبَيَّن أن الحكمةَ في ذلك التطهير. إذاً؛ الإنسان قبل ذلك غيرُ طاهر، ومن كان غيرَ طاهر فإنه غيرُ لائق أن يكون قائماً بين يدي الله عزّ وجل.


    - المرجع الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله -
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة


    قوله: (فَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ): أي: أن وقت الظهر يبدأ من بداية زوال الشمس؛ وبيان ذلك أن الشمس إذا طلعت من المشرق فإنها تظل ترتفع وتسير حتى تأتي في كبد السماء - وهي حالة الاستواء ووسط النهار - ثم تبدأ بعد ذلك في الزوال عن كبد السماء نحو المغرب؛ فإذا زالت عن كبد السماء ولو بقدر شعرة، فإنه يكون حينها دخل وقت الظهر.
    كيف يُعرف زوال الشمس؟
    إذا طلعت الشمس من ناحية المشرق، فإنه يكون لكل شاخص ظِلٌّ طويل، ناحية المغرب، ثم كلما أخذت الشمس في الارتفاع فإن الظل ينقص، ثم إذا توسطت الشمس في كبد السماء، فإن نقصان الظل يتوقف، ثم إذا أخذت الشمس في الزوال، فإن الظل يبدأ في الزيادة من ناحية المشرق.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَعْنَى زَوَالِ الشَّمْسِ: مَيْلُهَا عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ؛ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِطُولِ ظِلِّ الشَّخْصِ بَعْدَ تَنَاهِي قِصَرِهِ؛ فَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَلْيُقَدِّرْ ظِلَّ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَصْبِرْ قَلِيلًا، ثُمَّ يُقَدِّرْهُ ثَانِيًا، فَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَزُلْ، وَإِنْ زَادَ وَلَمْ يَنْقُصْ فَقَدْ زَالَتْ([3])))اهـ.
    وقال النووي رحمه الله: ((الزَّوَالُ هُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ بَعْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ؛ وَعَلَامَتُهُ: زِيَادَةُ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ظِلَّ الشَّخْصِ يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ طَوِيلًا مُمْتَدًّا، فَكُلَّمَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَقَصَ، فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَقَفَ الظِّلُّ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَادَ الظِّلُّ إِلَى الزِّيَادَةِ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ هَلْ زَالَتْ؟ فَانْصِبْ عَصًا أَوْ غَيْرَهَا فِي الشَّمْسِ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَعَلِّمْ عَلَى طَرْفِ ظِلِّهَا ثُمَّ رَاقِبْهُ؛ فَإِنْ نَقَصَ الظِّلُّ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ، وَلَا تَزَالُ تُرَاقِبُهُ حَتَّى يَزِيدَ؛ فَمَتَى زَادَ عَلِمْتَ الزَّوَالَ حِينَئِذٍ([4])))اهـ.
    قوله: (حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْؤُهُ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ): أي: أن وقت الظهر يستمر حتى يتساوى طول الشيء المنتصب مع فيئه([5])، وزيادة فَيْء الزوال.
    وَفَيءُ الزوال هو الظل الذي يكون موجودًا عند استواء الشمس في كبد السماء، عندما تتوقف عن النقصان.
    والمعنى أن وقت الظهر يستمر حتى ترى للشاخص ظلًّا يساوي طوله وزيادة الظل الذي كان موجودًا عند استواء الشمس في كبد السماء؛ وهو ما يُسمى فَيْءَ الزوال، أو ظل الزوال؛ فإنه لا يُحسب ولا يُعتبر؛ لكونه غير منضبط؛ بل يختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان؛ فيقصر ظل الزوال في فصل الصيف، وكلما طال النهار قصر الظل، ويطول في فصل الشتاء، وكلما قصر النهار طال الظل، كما أنه يقصر كلما قرب المكان إلى خط الاستواء.
    ومعرفة ذلك أن يضبط الظِّلَّ الذي زالت عليه الشمس، ثم ينظر الزيادة عليه، فإن بلغت طول الشخص فقد انتهى وقت الظهر؛ فلو زالت الشمس – مثلًا – على مقدار 25 سم وكان طول الشخص مترًا ونصفًا، فإنه يُنتظر حتي يكون ظل الزوال 175 سم.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ، أَنْ يَضْبِطَ مَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَنْظُرَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ قَدْرَ الشَّخْصِ، فَقَدِ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ؛ وَمِثْلُ شَخْصِ الْإِنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ بِقَدَمِهِ، أَوْ يَزِيدُ قَلِيلًا، فَإِذَا أَرَدْت اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ بِقَدَمِكَ مَسَحْتَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّوَالِ، ثُمَّ أَسْقَطْتَ مِنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَإِذَا بَلَغَ الْبَاقِي سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ فَقَدْ بَلَغَ الْمِثْلَ، فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَأُوَلُ وَقْتِ الْعَصْرِ([6])))اهـ.



    فَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلى مُسَاوَاةِ الشَّيءِ فَيْئَه بَعْدَ فَيءِ الزوال.
    ثم شرع المؤلِّف رحمه الله في بيان أوقات الصَّلاة تفصيلاً فقال: «فوقت الظُّهر من الزَّوال» ، بدأ بها المؤلِّف؛ لأن جبريل بدأ بها حين أَمَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ، ولأن الله تعالى بدأ بها حين ذكر أوقات الصَّلاة فقال: {{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}} الآية [الإسراء: 78] ،
    وبعض العلماء يبدأ بالفجر؛ لأنها أوَّل صلاة النَّهار، ولأنَّها هي التي يتحقَّق بالبَدَاءة بها أن تكون صلاة العصر الوسطى من حيثُ العدد.
    والخَطْبُ في هذا سَهْلٌ، يعني سواء بدأنا بالظُّهر، أو بدأنا بالفجر، المهم أن نعرف الأوقات.


    قوله: «إلى مُسَاواةِ الشَّيءِ فيئَه» ، أي: ظِلَّه، «بعد فيءِ الزَّوال» ، يقول بعضُ أهل اللغة: الفيءُ هو الظِلُّ بعد الزَّوال، وأما قبله فيُسمَّى ظلاً، ولا يُسمَّى فيئاً، وما قالوه له وجه، لأنَّ الفيءَ مأخوذ من فاء يفيء، إذا رجعَ، كأن الظِلَّ رجع بعد أن كان ضياء، أما الذي لم يزل موجوداً فلا يُسمَّى فيئاً؛ لأنَّه لم يزل مظلماً.

    فقوله: «مساواةِ الشَّيءِ فيئَه بعد فيءِ الزَّوال»، وذلك أن الشَّمس إذا طلعت صار للشَّاخص ظِلٌّ نحو المغرب ـ والشَّاخص الشيء المرتفع ـ ثم لا يزال هذا الظِلُّ ينقص بقدر ارتفاع الشمس في الأُفق حتى يتوقف عن النقص، فإذا توقَّف عن النقص، ثم زاد بعد توقُّف النقص ولو شعرة واحدة فهذا هو الزَّوال، وبه يدخل وقت الظُّهر.

    وقوله: «بعد فيءِ الزَّوال»، أي: أنَّ الظِلَّ الذي زالت عليه الشمس لا يُحسب، ففي وقتنا الآن حين كانت الشِّمس تميل إلى الجنوب لا بُدَّ أن يكون هناك ظِلٌّ دائمٌ لكلِّ شاخص من النَّاحية الشِّمالية له، وهذا الظِلُّ لا يُعتبر، فإذا بدأ يزيد فَضَعْ علامةً على ابتداء زيادته، ثم إذا امتدَّ الظِلُّ من هذه العلامة بقدر طول الشَّاخص، فقد خرج وقت الظُّهر، ودخل وقت العصر، ولا فرق بين كون الشَّاخص قصيراً أو طويلاً، لكن تَبَيُّن الزِّيادة والنقص في الظِلِّ فيما إذا كان طويلاً أظهر.

    أما علامة الزَّوال بالسَّاعة فاقسمْ ما بين طُلوع الشَّمس إلى غروبها نصفين، وهذا هو الزَّوال، فإذا قدَّرنا أن الشمس تطلع في الساعة السادسة، وتغيب في الساعة السادسة، فالزوال في الثانية عشرة.




    - المرجع الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله -
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات


    فإن قيل: ما معنى وقت الضَّرورة؟
    فالجواب: أن يضطر الإنسان إلى تأخيرها عن وقت الاختيار.
    مثاله: أن يشتغل إنسان عن العصر بشغل لا بُدَّ منه، ولنفرض أنه أُصيب بجرح؛ فاشتغل به يُلبِّده ويِضَمّدُه، وهو يستطيع أن يصلِّيَ قبل الاصفرار، لكن فيه مشقَّة، فإذا أخَّر وصَلَّى قُبيل الغروب فقد صَلَّى في الوقت ولا يأثم، لأنَّ هذا وقت ضرورة، فإذا اضطر الإنسان إلى تأخيرها لوقت الضَّرورة فلا حرج، وتكون في حقِّه أداء.

    ______________________________ ___________


    ...ما المراد بنصف الليل؟ هل الليل من غروب الشَّمس إلى طُلوعها؟ أو من غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر؟
    أما في اللغة العربية: فكلاهما يُسمَّى ليلاً، قال في «القاموس»: «الليل: من مغرب الشَّمس إلى طُلوع الفجر الصَّادق أو الشمس»[(217)].
    أما في الشَّرع: فالظَّاهر أن الليل ينتهي بطلوع الفجر، وعلى هذا نقول: الليل الذي يُنَصَّفُ من أجل معرفة صلاة العشاء:
    من مغيب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، فنِصْفُ ما بينهما هو آخر الوقت، وما بعد منتصف الليل ليس وقتاً للصَّلاة المفروضة، إنما هو وقت نافلة وتهجُّد.

    ______________________________ _____________


    ...فإن قيل: ما الحكمة في جعلها في هذه الأوقات؟
    فالجواب:
    أمَّا الفجر: فإن ظُهور الفجر بعد الظَّلام الدَّامس من آيات الله عزّ وجل التي يستحقُّ عليها التَّعظيم والشُّكر، فإن هذا النُّور السَّاطع بعد الظَّلام الدَّامس لا أحد يستطيع أن يأتيَ به إلا الله؛ لقوله تعالى: {{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيَكُمْ بِضِيَاءٍ}} [القصص: 71] .

    وأما الظُّهر: فلأنَّ انتقال الشَّمس من الناحية الشرقية إلى الغربية أيضاً من آيات الله عزّ وجل، فإنه لا يستطيع أحدٌ أن ينقلها من هذه الجهة إلى هذه الجهة إلا اللَّهُ عزّ وجل.

    وأما العصر: فلا يظهر لنا فيها حكمة، ولكنَّه لا شَكَّ أن لها حكمةً بالغةً.

    وأما المغرب: فالحكمة فيها كالحكمة في صلاة الفجر، وهو أن الليل من آيات الله عزّ وجل العظيمة التي يستحقُّ عليها الشُّكر والتَّعظيم.

    وكذلك نقول في العِشَاء: لأنَّ مغيب الشَّفق وزوال آثار الشَّمس، هو أيضاً من الآيات العظيمة الدَّالة على كمال قدرة الله عزّ وجل وحكمته.





    - المرجع الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله -
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (وَمَنِ انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ وَفَحُشَ ... أَعَادَ): أي: من تكشفت بعض عورته في الصلاة، وكان هذا الانكشاف فاحشًا عُرفًا بطلت صلاته.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وإن انكشف من العورة شيء يسير عُفي عنه؛ لأن اليسير يشق التحرز منه، وإن كثر بطلت الصلاة به؛ لأن التحرز منه ممكن، وإن أطارت الريح ثوبه عن عورته، فأعاده بسرعة، لَمْ تبطل صلاته؛ لأنه يسير فأشبه اليسير في العورة([1])))اهـ.
    قوله: (أَوْ صَلَّى فِي نَجِسٍ ... - ثَوْبًا أَوْ بُقْعَةً – أَعَادَ): وذلك لأن اجتناب النجاسة شرط لصحة الصلاة كما سيأتي؛ فإن تعمد عدم اجتناب النجاسة، بطلت صلاته ووجبت عليه الإعادة، وأما إن كان لا يعلم بوجود النجاسة، فلا إعادة عليه؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى»، وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا([2])».
    فدل هذا الحديث على أن من لم يكن متعمدًا فلا يعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعِد؛ ودل أيضًا على أن من كان عامدًا فعليه الإعادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام بخلعه فور علمه بتنجسه، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة رضوان الله عليهم بإزالة النجاسة.
    قوله: (أَوْ غَصْبٍ - ثَوْبًا أَوْ بُقْعَةً – أَعَادَ): وكذلك لو صلى في ثوب مغصوب أو بقعة مغصوبة فعليه الإعادة؛ والمغصوب: كلُّ ما أُخِذَ من مالكه قهرًا بغير حقٍّ، سواءٌ أُخِذَ بصورة عقد أو بدون صورة عقد.
    فمثلًا: لو جاء إنسان لآخر وغصب منه أرضًا وصَلَّى فيها؛ فصلاته لا تصحُّ؛ لأنها مغصوبة.
    ولو جاء إنسانٌ إلى آخر وقال: بِعْنِي أرضك، قال: لا أبيعها، قال: بِعْهَا وإلا قتلتك، فباعها إكراهًا، وصَلَّى فيها المُكْرِه فلا تصحُّ؛ وإن كانت مأخوذة بصورة عقد([3]).
    وقولهم بعدم صحة الصلاة في المغصوب – سواء كان ثوبًا أو بقعة -، كقولهم بعدم صحة الوضوء بالماء المغصوب؛ فالدليل هو هو؛ وهو أن الإسلام نهى عن الغصب؛ فلا تصح العبادة بشيء منهي عنه، ولا فيه.
    وقد تقدم أن الصحيح في المسألة صحةُ العبادة مع الإثم؛ للغصب؛ وذلك لأن النهي جاء عن شيء خارج.
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((ولا أعلم دليلًا أثريًّا يدلُّ على عدم صحَّة الصَّلاة في الأرض المغصوبة؛ لكنَّ القائلين بذلك علَّلوا بأن الإنسان منهيٌّ عن المقام في هذا المكان؛ لأنه مِلْك غيره، فإذا صَلَّى فصلاتُه منهيٌّ عنها؛ والصَّلاة المنهيُّ عنها لا تصحُّ؛ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «من عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، ولأنها مضادَّة للتعبُّد، فكيف يُتعبَّد لله بمعصيته؟
    والقول الثَّاني في المسألة: أنها تصحُّ في المكان المغصوب مع الإثم؛ لأن الصلاة لم يُنْهَ عنها في المكان المغصوب، بل نُهيَ عن الغصب، والغصب أمر خارج، فأنت إذا صَلَّيت فقد صَلَّيت كما أُمرتَ، وإقامتك في المغصوب هي المحرَّمة.
    وأما قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، فلا دليل فيه على عدم صحَّة الصلاة في المكان المغصوب إلا لو قال: "لا تصلُّوا في الأرض المغصوبة"، فلو قال ذلك لقلنا: إن صلَّيت في مكان مغصوب، فصلاتُك باطلة، لكنه قال في النَّهي عن الغصب: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وهذا يدلُّ على تحريم الغصب لا على بُطلان الصَّلاة في المغصوب.
    والقول الثاني في هذه المسألة هو الرَّاجح([4])))اهـ.
    قوله: (لَا مَنْ حُبِسَ فِي مَحَلٍّ نَجِسٍ أَوْ غَصْبٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ): أي: مَنْ حُبِس في محلٍّ نجس أو مغصوب، فلا إعادة عليه؛ لأنه مُكره، والإكراه عذر شرعي؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ([5])».

    [1])) ((الكافي)) (1/ 227).

    [2])) أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، والدارمي (1418)، وابن خزيمة (786)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (284).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (2/ 248).

    [4])) السابق.

    [5])) أخرجه ابن ماجه (2043)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (82).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #34
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (الرَّابِعُ: اجْتِنَابُ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ): الشرط الرابع من شروط صحة الصلاة هو اجتناب النجاسة في البدن والثوب والبقعة؛ ودليل اجتاب النجاسة في هذه الثلاثة، ما يلي:
    أولًا: دليل اجتناب النجاسة في البدن: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ([1])».
    وفي لفظ لمسلم: «لَا يَسْتَنْزِهُ عَنِ الْبَوْلِ».
    وهذا دليل على أنَّه يجبُ التنزُّه من البول، وكذلك أحاديث الاستنجاء والاستجمار كلُّها تفيد أنه يجب التنزُّه من النَّجاسة في البدن.
    ثانيًا: دليل اجتناب النجاسة في الثوب: قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4].
    وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: «إِذَا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ»، فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجِ الدَّمُ؟ قَالَ: «يَكْفِيكِ غَسْلُ الدَّمِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُه([2])».
    وحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى»، وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا([3])».
    فهذه الأدلة تدل على وجوب اجتناب النجاسة في الثوب.
    ثالثًا: أدلة اجتناب النجاسة في البقعة: قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
    وحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ([4]).
    فدل على وجوب اجتناب النجاسة في البقعة.
    ويُستثنى من هذا النجاسةُ المعفوُّ عنها؛ كيسير الدم ويسير القيح والصديد([5])، فلا يجب اجتنابها.
    كما يُعفى عن النجاسات مع عدم القدرة على إزالتها؛ فإن حُبِس ببقعة نجسة، وصلى صَحَّتْ صلاته؛ لأنه مُكْره، والإكراه عذر شرعي؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ([6])».
    قوله: (وَمَنْ جَبَرَ عَظْمَهُ أَوْ خَاطَهُ بِنَجِسٍ - وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ - لَمْ يَجِبْ): أي: لَمْ يجب قلعه، وتصح صلاته؛ للضرورة؛ لأن ذلك يبيح ترك التطهر من الحدث، وهو آكد([7]).
    قوله: (وَيتَيَمَّمَ إِنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ): فإن كان الشيءُ النجسُ الذي جَبَرَ به عظمه أو خاطه به، ظاهرًا لَمْ يُغَطِّه اللحمُ، وجب له التيمم؛ على ما تقدم في كتاب الطهارة أن النجاسة في البدن غير المقدور على إزالتها، يُتَيمم لها، وهذا هو المذهب.
    والراجح أن النجاسة لا يُتيمم لها؛ لعدم الدليل على ذلك؛ فلا يجب عليه التيمم.
    والتفريق بين ما غطاه اللحم وما لم يُغَطِّه اللحم؛ أن ما غطاه اللحمُ صار في حكم النجاسة الباطنة؛ كالْعَذِرة والبول.
    قوله: (وَلَا تَصِحُّ بِلَا عُذْرٍ فِي مَقْبَرَةٍ وَخَلَاءٍ وَحَمَّامٍ): أي: لا تصح الصلاة في مقبرة، ولا خلاء – وهو مكان قضاء الحاجة -، ولا حَمَّام – وهو المكان الذي يغتسل فيه -؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ، إِلَّا الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ([8])».
    وقد جاء النهي عن الصلاة في هذه الأماكن؛ لأنها مواضع للنجاسة، وتزيد المقبرة بعلة أخرى؛ وهي أنَّ الصَّلاة في المقبرة قد تُتَّخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبُّه بمن يعبدُ القُبور؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَلَوْلَا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا([9]).
    قوله: (وَأَعْطَانِ إِبِلٍ): ولا تصح الصلاة أيضًا في أعطان الإبل - وَهِي الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَرْبِضُ فِيهَا وتأوي إِلَيْهَا عِنْد رُجُوعهَا مِنَ الْمَرْعَى -؛ ودليل ذلك حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ» قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ»، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «لَا»([10]).
    فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم، والنهي يقتضي الفساد.
    قوله: (وَمَجْزَرَةٍ): أي: ولا تصح في مجزرة - وهو الموضع الذي تُجْزَرُ فيه الإبل، وتذبح فيه البقر والغنم -؛ لأجل النجاسة التي فيها من دماء الذبائح، فتحرم الصلاة فيها([11]).
    قوله: (وَمَزْبَلَةٍ): ولا تصح الصلاة في المزبلة - وَهِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَالْكُنَاسَةُ وَالزُّبَالَةُ -؛ وذلك لأنها مظنة النجاسة.
    قوله: (وَقَارِعَةِ طَرِيقٍ): أي: ولا تصح الصلاة في قارعة الطريق؛ لأن فيه تضييقًا على الناس.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ: يَعْنِي الَّتِي تَقْرَعُهَا الْأَقْدَامُ؛ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ؛ مِثْلُ الْأَسْوَاقِ وَالْمَشَارِعِ وَالْجَادَّةِ لِلسَّفَرِ؛ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيمَا عَلَا مِنْهَا يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَلَمْ يَكْثُرْ قَرْعُ الْأَقْدَامِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَقِلُّ سَالِكُوهَا، كَطُرُقِ الْأَبْيَاتِ الْيَسِيرَةِ([12])))اهـ.
    وقال المرداوي رحمه الله: ((وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِ طُولًا، إنْ لَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ، لَا عَرْضًا؛ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي طَرِيقِ الْأَبْيَاتِ الْقَلِيلَةِ([13]))).
    قلت: والصحيح أن الصلاة في قارعة الطريق صحيحة؛ لعدم الدليل على بطلانها؛ وفعلها يحرم أو يكره بحسب درجة التضييق على المارَّة.
    وقد ورد حديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالمَجْزَرَةِ، وَالمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ([14]).
    وهو حديث ضعيف لا يصح.
    قوله: (وَلَا فِي أَسْطِحَتِهَا): أي: لا تصح الصلاة على أسْطُح هذه الأماكن المذكورة؛ لأن الهواء له حكم القرار.
    والصحيح صحتها؛ لعدم الدليل.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَإِنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْحُشِّ([15]) أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ عَطَنِ الْإِبِلِ أَوْ غَيْرِهَا، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُصَلِّي فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَ سَطْحَهَا، حَنِثَ، وَلَوْ خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ.
    وَالصَّحِيحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - قَصْرُ النَّهْيِ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُعَدَّى إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنْ كَانَ تَعَبُّدِيًّا فَالْقِيَاسُ فِيهِ مُمْتَنِعٌ؛ وَإِنْ عُلِّلَ فَإِنَّمَا تَعَلَّلَ بِكَوْنِهِ لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا يُتَخَيَّلُ هَذَا فِي سَطْحِهَا))اهـ.

    [1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (216)، ومسلم (292).

    [2])) أخرجه أحمد (8767)، وأبو داود (365)، وصححه الألباني في «الإرواء» (168).

    [3])) أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، والدارمي (1418)، وابن خزيمة (786)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (284).

    [4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (221)، ومسلم (284).

    [5])) انظر أدلة المذهب في العفو عن هذه الأشياء، في كتاب الطهارة، فصل النجاسات وكيفية تطهيرها.

    [6])) أخرجه ابن ماجه (2043)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (82).

    [7])) انظر: ((الكافي)) (1/ 221).

    [8])) أخرجه أحمد (11788)، وأبو داود (492)، والترمذي (317)، وابن ماجه (745)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (1/ 320).

    [9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1330)، ومسلم (529).

    [10])) أخرجه مسلم (360).

    [11])) ((حاشية الروض المربع)) عبد الرحمن بن قاسم (1/ 543).

    [12])) ((المغني)) (2/ 35).

    [13])) ((الإنصاف)) (1/ 493).

    [14])) أخرجه الترمذي (346)، وابن ماجه (746)، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (287).

    [15])) الحُشُّ: الْبُسْتَان. وَفِيه لُغَتَانِ: حُشٌّ وحَشٌّ. وَجَمْعُهُ حِشَّان. وَسُمِّي مَوضِع الخلَاء حُشًّا؛ لأَنهم كَانُوا يقضون حوائجهم فِي الْبَسَاتِين. ((تهذيب اللغة)) (3/ 254).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #35
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: «فإن أحرمَ باجتهاد فَبَانَ قَبْلَه فَنَفْلٌ وإلا فَفَرْضٌ» ... فإن قيل في الصُّورة الثانية التي تكون نَفْلاً: لماذا صارت نَفْلاً وهو لم ينوِها؛ وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمالُ بالنيَّات» ؟
    فالجواب: أن يُقال: صلاة الفريضة تتضمَّن نيَّتين:
    نيَّةَ صلاة، ونيَّةَ كونها فريضة، فنيَّةُ كونها فريضة بَطَلَت لتبيُّن أنها قبل الوقت، فيبقى نيَّةُ كونها صلاة، ولهذا ينبغي أن يُذكر هنا قاعدة، ذكرها الفقهاء في قولهم: «وينقلب نَفْلاً ما بان عَدَمُهُ، كفائتةٍ لم تَكُنْ، وفرضٍ لم يدخلْ وقتُهُ».
    مثال ذلك: إنسان ظَنَّ أن عليه صلاةً فائتةً، فصلَّى، ثم تبيَّن أنَّه قد صلاَّها من قبل، فتكون هذه الصلاة نافلة.
    ومثال الفرض الذي لم يدخل وقتُهُ: أن يصلِّي المغربَ ظنًّا منه أن الشَّمس قد غربت، ثم يتبيَّن أنها لم تغرب، فتكون هذه نافلة، ويُعيدُها فرضاً بعد الغروب.


    قوله: «وإن أدرك مكلَّفٌ» ، «المكلَّف»: هو البالغ العاقل، ووُصِفَ بذلك للزوم العبادات له، والعبادات نوع إلزام وتكليف، وإن كان ليس فيها مشقَّة، لكن الإنسان ملزمٌ بها.

    قوله: «من وقتها قدْرَ التَّحريمة» ، أي: قَدْرَ تكبيرة الإحرام، وهذا مبنيٌّ على أن المعتبر في إدراك الصَّلاة هو إدراك تكبيرة الإحرام.

    قوله: «ثم زالَ تكليفُه» ، أي: بأن جُنَّ بعد العقل، أو أُغميَ عليه.

    قوله: «أَوْ حَاضَتْ، ثُمَّ كُلِّفَ وَطَهُرتْ؛ قَضَوْها» ، أي: المرأة بعد دخول وقتِ الصَّلاة بِقَدْرِ تحريمة، فزال تكليفُها، لكن لا لفوات شرط، ولكن لوجود مانع الوجوب وهو الحيض، وإلا فهي بالغة عاقلة، ولهذا فرَّق المؤلِّف فقال: «ثم كُلِّفَ، وطَهُرَت»، أي طَهُرَت الحائض. وفي هذا لَفٌّ ونشرٌ مرتَّبٌ.
    فقوله: «ثم كُلِّف»، عائد على قوله: «ثم زال تكليفُه».

    وقوله: «طَهُرت»، عائد على قوله: «أو حاضت»، فاللفُّ والنَّشر هنا مرتَّبٌ، ومعنى اللَّفِّ والنَّشرِ المرتَّب: أنك إذا أتيت بالحكم عائداً على ما سبق، فإن كان على ترتيب ما سبق؛ فهو مرتّب، وإن كان على خلافه؛ فهو غير مرتَّب؛ ويُسمَّى «مشوَّشاً».


    مثال غير المرتَّب:
    قوله تعالى: {{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}}، ثم قال: {{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}} ، فبدأ بحكم الثاني قبل الأول.

    ومثال المرتَّب: قوله تعالى: {{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}} ، {{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ}} ، فبدأ بحكم الأوَّل.

    وقوله: «ثم كُلِّفَ وطَهُرَت؛ قَضَوها». كيف قال: «قَضَوها» وقد قال قبل ذلك: «إن أدرك مكلَّف من وقتها»، وقال: «ثم حاضت» ولم يقل: قضياها؟ لأنَّ المراد بالمكلَّف هنا الجنس، أو العموم؛ لوقوعه بعد الشَّرط، فلهذا صَحَّ أن يعود الضمير على اثنين مجموعاً. «قَضَوها»، أي: قَضَوا تلك الصَّلاة.
    مثال الحائض: امرأة حاضت بعد أن غربت الشَّمسُ، وبعد أن مضى مقدار تكبيرة الإحرام، فنقول لها: إذا طَهُرْتِ وجب عليك قضاء صلاة المغرب، وأما صلاة العشاء فلا يلزمها قضاؤها، لأنَّه أتى عليها الوقتُ وهي حائضٌ...

    ...وقال بعض أهل العلم: لا يلزمه قضاء الصَّلاة؛ إلا إذا أدرك من وقتها قَدْر ركعة ؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أدركَ ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة» ، وهذا لم يُدرك ركعة. هذان قولان.
    وقال بعض أهل العلم ـ واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ: لا يلزمه القضاء لا المكلَّف ولا الحائض؛ إلا إذا بقي من وقت الصَّلاة بمقدار فعل الصَّلاة فحينئذ يلزم القضاء.
    الأدلة:
    أما دليل الأوَّل الذي يجعل ذلك منوطاً بتكبيرة الإحرام: فبناءً على التّعليلِ السَّابق: أنَّه أدرك جُزءاً من الصَّلاةِ، والصَّلاةُ لا تتجزَّأ، فيكون كما لو كان أدركها كاملة.
    وأما القائلون بإدراك رَكعة فحجَّتُهم الحديث: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة».
    وأما الذين قالوا: إنه لا يلزمه حتى يتضايق الوقت عنها فقالوا: إن الإنسان له أن يؤخِّرَ هذه الصَّلاة حتى يتضايق وقتها، فإذا طرأ المانع فقد طرأ عليه في وقت يجوز له تأخيرها إليه، وهو غير مفرِّط ولا معتدٍ؛ بل فاعل ما يجب عليه، ولأن هذا الأمر يقع كثيراً في حيض النِّسَاء، ولم يُنقل أن المرأة إذا حاضت في أثناء الوقت أُلزِمَت بقضاء الصَّلاة التي حاضت في أثناء وقتها، والأصل براءة الذِّمة، وهذا التَّعليل تعليلٌ قويٌّ جداً.
    وبناءً عليه: إذا زال التكليف، أو وُجِدَ المانعُ في وقت واسع، فإنَّ هذه الصَّلاة لا يلزم قضاؤها، فإنْ قضاها احتياطاً فهو على خير، وإن لم يقضها فليس بآثم، والعِلَّة كما ذكرت.
    وأجابوا عن الحديث: بأن قوله: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة» فالإدراك يكون في الغالب في الأخير لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «... ما أدركتم فصلُّوا»، أي: ما أدركتم في آخر صلاة الإمام، فالإدراك غالباً يكون في الأخير. ونقول: إذا أدرك من وقتها قَدْرَ فعلها فإنَّه يكون قد أدركها، أما إذا زال التَّكليف، أو وُجِدَ المانعُ في وقتٍ يجوز له التَّخيُّر فيه فإنه ليس بآثم ولا معتدٍ، فلا يُلزم بالقضاء.

    والقول الثَّاني أحوطُ.




    المصدر : الشرح الممتع (2/ 127-132) باختصار
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  16. #36
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    قوله: (وَيَجِبُ فَوْرًا قَضَاءُ فَوَائِتَ): لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا([1])».
    قوله: (مُرَتَّبًا): ويجب أن يكون قضاء الفوائت مرتبًا؛ لأن الله تعالى أمرنا بها على هذا الترتيب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا فاتته الصلاة صلاها مرتبة.
    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه، جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ([2]).

    قوله: «ويجب فوراً قضاء الفوائت» ، الواجب: ما أُمِرَ به على وجه الإلزام بالفعل.

    وقوله: «فوراً»، أي: مبادرة بدون تأخير.

    وقوله: «قضاء الفوائت»، القضاء: ما فُعِلَ بعد وقته المحدَّد له.
    والفوائت جمع فائتة، وهي كلُّ عبادة مُؤقَّتة خرج وقتها قبل فعلها؛ سواء كانت نَفْلاً أم فرضاً كالصَّلوات الخمس.
    دليل وجوب القضاء: قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نَامَ عن صلاةٍ أو نسيها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها». واللام في قوله: «فَلْيُصَلِّها» للأمر، والأمر للوجوب.

    ولأنَّ الذي فاتته العبادة شُغِلت ذمَّتُه بها، فوجبَ عليه قضاؤها؛ لأنها كانت دَيْناً كما قال الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام في المرأة التي سألته هل تحجُّ عن أمِّها قال: «أرأيت إنْ كان على أمِّكِ دَيْنٌ؛ أكنتِ قَاضِيَةً؟ اقضُوا اللَّهَ، فاللَّهُ أحقُّ بالوفاءِ».
    وقوله: «يجب فوراً قضاء الفوائت»، ظاهر كلام المؤلِّف أنَّه لا فرق بين أن يدعها عمداً بلا عُذر، أو يدعها لعُذر، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم: أن قضاء الفوائت واجب، سواء تركها لعُذر أم لغير عُذر، أي: حتى المتعمِّد الذي تعمَّد إخراج الصَّلاة عن وقتها يقال له: إنك آثم وعليك القضاء، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور أهل العلم ...

    قوله: «مرتِّباً» ، أي: يبدأ بها بالتَّرتيب، فإذا كان عليه خمس صلوات تبتدئ بالظُّهر، صَلَّى الظُّهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم الفجر.

    والدليل على ذلك ما يلي:

    1- قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نام عن صلاة، أو نسيها فَلْيُصلِّها...» فهذا يشمل عينَ الصلاة، وكيفيَّة الصَّلاة، وكذلك يشمل مكان الصلاة في موضعها من الصّلوات، فيلزم أن تكون في موضعها الترتيبي، فمثلاً: الظُّهر يصلِّيها ما بين الفجر والعصر، وحينئذ يكون صلاَّها، وكذلك المغرب ما بين العصر والعشاء.

    2- وكذلك ثبت عن النبيِّ عليه الصلاة والسَّلام أنه فاته أربعُ صلواتٍ في الخندق فقضاها مرتِّباً.

    3- وكذلك في الجَمْع؛ كان يجمع بين الصَّلاتين، فيبدأ بالأُولى .

    فكلُّ هذه الأدلَّة تدلُّ على أنه يجب الترتيب في قضاء الفوائت.






    المصدر: الشرح الممتع ( 2/ 136-144) باختصار
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  17. #37
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة

    قوله: (مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ أَوْ يَنْسَ أَوْ يَخْشَ فَوْتَ حَاضِرَةٍ أَوِ اخْتِيَارِهَا): هذه أعذار ترك الفورية أو الترتيب في القضاء.
    العذر الأول: التضرر: أن يكون القضاء على الفور سيسبب له ضررًا في بدنه أو ماله، أو غير ذلك؛ كمن به مرض لا يستطيع معه كثرة الصلاة، أو كمن سيسرق ماله إن صلى، ونحو ذلك؛ دفعًا للحرج والمشقة، وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]([3]).
    العذر الثاني: النسيان: أن ينسى الترتيب؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ الله: قَدْ فَعَلْتُ([4]).
    وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ([5])».
    العذر الثالث: أن يخش فوت وقت صلاة قد حضر وقتها: لأن أداء الصلاة التي حضر وقتها أولى.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((مثال ذلك: رَجُل ذكر أن عليه فائتة، وقد بَقِيَ على أن يكون ظِلُّ كلِّ شيء مثليه ما لا يتَّسع للفائتة والحاضرة، ماذا نقول؟
    الجواب: نقول: قَدِّم الحاضرةَ.
    ورَجُل آخر ذكر فائتة، وقد بقيَ على طُلوع الشَّمس ما لا يتَّسع لصلاة الفائتة والفجر؛ ماذا نقول له؟
    الجواب: نقول: قَدِّم الحاضرةَ، وهي الفجر.
    ودليل الوجوب ما يلي:
    أولًا: أن الله أمر أن تُصلَّى الحاضرةُ في وقتها، فإذا صَلَّيتَ غيرها أخرجتها عن الوقت.
    ثانيًا: أنك إذا قدَّمت الفائتة لم تستفدْ شيئًا، بل تضرَّرت؛ لأنَّك إذا قدمت الفائتة صارت كلتا الصَّلاتين قضاء، وإذا بدأت بالحاضرة صارت الحاضرة أداء والثانية قضاء، وهذا أولى بلا شَكٍّ([6])))اهـ.
    العذر الرابع: أن يخش فوت وقت الاختيار للصلاة الحاضرة: فعليه أن يصلي الحاضرة قبل فوات وقت الاختيار؛ لأن تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة محرم، كما تقدم.
    قوله: (الثَّالِثُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ): الشرط الثالث لصحة الصلاة ستر العورة؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
    وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ([7])».
    وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «مَا السُّرَى يَا جَابِرُ» فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: «مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ»، قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ - يَعْنِي ضَاقَ - قَالَ: «فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ([8])».
    فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاتزار، وهو ستر أسفل الجسد.
    وقد نُقل الإجماع على الصلاة لا تصح مِمَّنْ صلى عُريانًا.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ خَالِيًا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا بُدَّ مِنَ اللِّبَاسِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عُرْيَانَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اللِّبَاسِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ([9])))اهـ.
    وقال أيضًا: ((بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ إنْ كَانَ ضَيِّقًا اتَّزَرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا الْتَحَفَ بِهِ؛ كَمَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتٍ كَانَ عَلَيْهِ تَغْطِيَةُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ([10])))اهـ.
    قوله: (وَيَجِبُ حَتَّى خَارِجُهَا): أي: ويجب ستر العورة حتى خارج الصلاة؛ وذلك لعموم الأحاديث الواردة في ذلك، كما سيأتي.
    قوله: (وَفِي خَلْوَةٍ وَظُلْمَةٍ): ويجب سترها في خلوة وظلمة؛ ودليل ذلك حديث بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: «إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ»، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا، قَالَ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ([11])».
    قوله: (بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ): أي: يجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة؛ فإن وصف لون البشرة لم يعتد به؛ لأنه غير ساتر([12]).
    قال المرداوي رحمه الله: ((إذَا كَانَ يَصِفُ الْبَشَرَةَ لَا يَصِحُّ السَّتْرُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَيُبَيِّنَ مِنْ وَرَائِهِ الْجِلْدَ وَحُمْرَتَهُ.
    فَأَمَّا إنْ كَانَ يَسْتُرُ اللَّوْنَ، وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ، لَمْ يَضُرَّ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَضُرُّ إذَا وَصَفَ التَّقَاطِيعَ، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ، لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ([13])))اهـ.
    قال المؤلِّف رحمه الله: «ويَسْقطُ التَّرتيبُ بنسْيَانِهِ، وبخَشْيَةِ خُرُوجِ وقت اختيار الحاضرة» ، فذكر أنه يسقط بشيئين:

    الأول: النسيان، فلو كان عليه خمس فرائض تبتدئ من الظُّهر، فنسي فبدأ بالفجر مع أنها هي الأخيرة؛ نقول: قضاؤه صحيح؛ لأنه نسي. لو بدأ بالعصر قل الظُّهر نسياناً صَحَّ القضاء؛ لأنه يسقط بالنسيان.
    والدليل: عموم قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] .

    الثاني: «خشية خروج وقت اختيار الحاضرة»، في هذه العبارة أربعُ إضافات، ومثلُ هذا عند البلاغيين خارجٌ عن البلاغة لكثرة الإضافات، لكن نقول: إذا كان لا يتَّضحُ المعنى إلا بذلك؛ فليس بخارج عن البلاغة، ويمكن أن يُعَدَّلَ لفظُ المؤلِّف فيُقال: «وإذا خشي أن يخرجَ وقتُ الحاضرة المختار»، وعلى كل حال فالمعنى، أنَّه إذا كان يخشى أن يخرجَ وقتُ اختيار الحاضرة فإنه يسقط التَّرتيب، وإذا خشيَ أن يخرجَ الوقتُ كلُّه من باب أولى، وليس عندنا وقت ضرورة على القول الرَّاجح إلا في صلاة العصر؛ لأنه سبق لنا أن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل، وأما من جعله ينتهي بطلوع الفجر؛ فيجعل ما بين نصف الليل وطلوع الفجر وقت ضرورة...

    قوله: «وَمِنْها سَتْرُ العَوْرَةِ» ، أي: من شروط الصَّلاة ستر العورة والسَّترُ بمعنى التغطية.
    والعَوْرة: هي ما يسوءُ الإنسان إخراجه، والنَّظر إليه؛ لأنها من «العَوَر» وهو العيب، وكلُّ شيء يَسُوءُكَ النَّظرُ إليه، فإن النَّظر إليه يُعتبر من العيب...

    قوله: «فيجب بما لا يَصِفُ البَشَرة» ، «يجب» الفاعل يعود على «سَتْرِ العَوْرَة»، أي: فيجب سَتْر العَوْرَة «بما» أي: بالذي، ويجوز أن نجعل «ما» نكرة موصوفة، أي: بثوب لا يَصِفُ بَشَرَتَه. أي: يُشترط للسَّاتر ألاَّ يصفَ البشرة، لا ألاَّ يبيِّن العُضوَ. ووَصْفُ الشيءِ ذِكْرُ صِفَاتِه، والثوب لا يصف نطقاً، ولكن يصفه بلسان الحال، فإذا كان هذا الثَّوب الذي على البدن يبيِّنُ تماماً لون الجلد فيكون واضحاً، فإنَّ هذا ليس بساتر. أما إذا كان يُبيِّن مُنتهى السِّروال من بقيِّةِ العضو ـ مثلاً ـ فهذا ساتر...




    المصدر : الشرح الممتع ( 2/ 144-156) باختصار
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  18. #38
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: «وعورة رَجُلٍ وأَمَةٍ، وأُمِّ وَلَدٍ، ومُعْتَقٍ بعضُها، من السُّرَّة إلى الرُّكبة...» ، بدأ المؤلِّف يفصِّل في العورة.

    فالعورة في الصَّلاة على المشهور من مذهب الحنابلة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مغلَّظة، ومخفَّفة، ومتوسِّطة.

    فالمخفَّفة: عورة الذَّكر من سبع إلى عشر سنوات، وهي الفَرْجَان فقط، أي: إذا سَتَرَ قُبُلَهُ ودُبُرَه فقد أجزأه السَّتْرُ، ولو كانت أفخاذهُ بادية.

    والمغلَّظة: عورة الحُرَّة البالغة؛ فكلُّها عَورة إلا وجهها؛ فإنه ليس عورة في الصَّلاة، وإن كان عورة في النَّظر، ونحن نضطر إلى أن نعبِّرَ بكلمة عورة، ولو كُنَّا في باب ما يجب ستره في الصَّلاة تبعاً للمؤلِّف، ولو صَلَّت في بيتها وليس عندها أحد لَوَجَبَ أن تَسْتُرَ كلَّ شيء إلا وجهها.

    والمتوسِّطَة: ما سوى ذلك، وحدُّها ما بين السُّرَّة والرُّكبة، فيدخلُ فيها الذَّكر من عشر سنوات فصاعداً، والحُرَّة دون البلوغ، والأَمَةُ ولو بالغة.

    وقوله: «وعورة رَجُل» إلى أن قال: «من السُّرَّة إلى الرُّكبة». الرَّجل في الأصل: الذَّكر البالغ، والمُراد هنا: من بلغ عشر سنين فما فوق، وقد ذكر المصنِّفُ ـ أي: في العورة المتوسطة ـ أربعة أصناف:

    أولاً: الذَّكَر من عشر سنوات فما فوق، فعورته من السُّرَّة إلى الرُّكبة، سواء كان حُرًّا أم عبداً.

    ثانياً: الأَمَةُ ـ ولو بالغة ـ وهي المملوكة، فعورتها من السُّرَّة إلى الرُّكبة، فلو صلَّت الأَمَةُ مكشوفة البدن ما عدا ما بين السُّرَّة والرُّكبة، فصلاتها صحيحة، لأنَّها سترت ما يجب عليها سَتْرُه في الصَّلاة...

    وقوله: «وأُمِّ ولد» هذا هو الثالث، وأُمُّ الولد: هي الأَمَة التي أتت من سيِّدها بولد، وهي رقيقة حتى يموت سيِّدُها، فإذا مات سَيِّدُها عُتقت بموته وحُكمها حكم الأَمَة؛ أي: أن عورتها من السُّرَّة إلى الرُّكبة.

    وقوله: «ومُعْتَقٍ بعضُها» هذا هو الرابع، أي: بعضها حُرٌّ وبعضها رقيقٌ.
    مثال ذلك: أَمَة بين رَجُلين مملوكةٌ لهما، فإذا أعَتقَ أحدُهما نصيبه عُتِقَ الباقي، وأُخذ من السَّيد المُعْتِق قيمته لمالك النصف، فإذا كان الذي أعتق نصيبه فقيراً فإن المشهور من المذهب أنه لا يُعتق الباقي، وعَلَّلوا ذلك بأنه لو سرى العتقُ إلى الباقي تضرَّر الشريك بأن خرج من ملكه بدون عِوض...

    فإن قال قائل: لماذا لا تعطونها حكم الحُرَّة تغليباً لجانب الحَظر، واحتياطاً للواجب؟
    فالجواب: أن الشرط لم يتحقَّق، فالمسألة هنا ليست لوجود مانع، بل هي لفوات شرط، والشرط هو الحُرِّية الكاملة، وليس هنا حرية كاملة فالشَّرط لم يتمَّ، ولا بُدَّ من استتمام الشُّروط، ولهذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتُكم عنه فاجتنبوه».
    وعلى هذا؛ فالمرأة المُعْتق بعضُها كالأَمَة الخالصة.

    وقوله: «من السُّرَّة إلى الرُّكبة»، المعروف أن ابتداء الغاية داخل لا انتهاؤها إذا ذُكِرَ ابتداؤها، مثل أن تقول: لك من الأرض من ههنا إلى ههنا. وعلى هذا تكون السُّرَّة في ظاهر كلام المؤلِّف داخلة في العَوْرَة؛ لأنها ابتداء الغاية فيجبُ سَتْرها، والرُّكبة غير داخلة.

    وفي المسألة أقوال :
    أحدها: أن الرُّكبة داخلة في العَوْرة فيجب سَتْرها.
    القول الثاني: أن السُّرَّة والرُّكبة كلتيهما من العَوْرَة فيجب سترهما.
    القول الثالث: ـ وهو المشهور من المذهب ـ أن السُّرَّة والرُّكبة لا تدخلان، فلا يجب سترهما، وعلى هذا؛ فالعبارة التي تخرجهما أن يقال: «ما بين السُّرَّة والرُّكبة».

    قوله: «وكُلُّ الحُرَّةِ عَوْرَة إلا وَجْهَهَا» ، فيجب ستر جميع بدنها إلا وجهها، وليس هناك دليلٌ واضحٌ على هذه المسألة، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الحُرَّة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها وهو الوجه والكَفَّان والقدمان.
    وقال: إن النِّساء في عهد الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام كُنَّ في البيوت يلبسن القُمُص، وليس لكل امرأة ثوبان ، ولهذا إذا أصابَ دَمُ الحيضِ الثوبَ غسلته وصَلَّت فيه ، فتكون القدمان والكَفَّان غير عورة في الصَّلاة؛ لا في النَّظر...




    المصدر: الشرح الممتع (2/ 156-161) مختصرا
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  19. #39
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: «ومن انْكَشَفَ بعضُ عَوْرَتِهِ وفَحُشَ» ، «مَنْ» شرطيَّة «انكَشَفَ» فعل الشَّرط «أعَادَ» جوابه.
    «انكشف» أي: زال عنه السَّترُ و«بعض العورة» يشمل السَّوأة وغيرها مما قلنا إنه عورة.
    وقوله: «فَحُشَ»، أي: غَلُظَ وعَظُمَ، ولم يُقيِّده المؤلِّفُ رحمه الله بشيء، يعني لم يقلْ: قَدْرَ الدِّرهم، أو قَدْرَ الظُّفْر، أو قَدْرَ جُبِّ الإبرة وما أشبه ذلك، فيُرجعُ إلى العُرف؛ لأن الشيءَ إذا لم يُقيَّد بالشَّرع أُحِيْلَ على العُرف، وعليه قول النَّاظم:
    وكلُّ ما أَتَى ولم يُحدَّدْ
    بالشَّرع كالحِرْزِ فبالعرف احدُدْ

    وعلى هذا فنقول: «فَحُشَ» أي عُرْفاً، فإذا قال النَّاس: هذا كبير، كان فاحشاً. وإذا قالوا: هذا يسير، يكون غير فاحش ولا يؤثِّر...

    ...وخلاصة هذه المسألة:
    أولاً: إذا كان الانكشاف عَمْداً بطلت الصَّلاة، قليلاً كان أو كثيراً، طال الزَّمنُ أو قَصُرَ.
    ثانياً: إذا كان غير عَمْدٍ وكان يسيراً، فالصَّلاة لا تبطل.
    ثالثاً: إذا كان غير عَمْد، وكان فاحشاً لكن الزمن قليل، فظاهر كلام المؤلِّف أنها تبطل، والصَّحيح أنها لا تبطل.
    رابعاً: إذا انكشف عن غير عَمْد انكشافاً فاحشاً، وطالَ الزَّمن بأن لم يعلم إلا في آخر صَلاتِهِ، أو بعد سلامه، فهذا لا تصحُّ صلاته؛ لأنَّه فاحش والزَّمن طويل...




    المصدر : الشرح الممتع (2/ 170-173) باختصار
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  20. #40
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: «لا مَنْ حُبِسَ في مَحَلٍّ نَجِسٍ» ، معطوف على قوله: «أعاد»، أي: لا يُعيد من حُبِسَ في مَحَلٍّ نجسٍ، ولم يتمكَّن من الخروج إلى مَحَلٍّ طاهرٍ؛ لأنَّه مُكره على المُكْثِ في هذا المكان، والإكراه حكمه مرفوع عن هذه الأمة، كما قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «إن الله تجاوز عن أُمَّتي الخطأ والنسيانَ وما استُكرِهُوا عليه».

    والفرق بينه وبين مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نجس أنَّ مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نجسٍ ليس مُكرهاً على الصَّلاة فيه، ولذلك لو أُكره على الصَّلاة في ثوبٍ نجس، فإنه يُصلِّي فيه ولا إعادة.

    ولكن كيف يُصلِّي من حُبِسَ في مَحَلٍّ نَجِسٍ؟
    الجواب: إن كانت النَّجاسة يابسة صَلَّى كالعادة، وإن كانت رطبة صَلَّى قائماً ويركع ويرفع من الرُّكوع، ويجلس على قدميه عند السُّجود، ويومئ بالسُّجود، ولا يضع على الأرض شيئاً من أعضائه؛ لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}}، لأنَّه إذا كانت رَطْبَة يجب أن يتوقَّاها بقَدْرِ الإمكان، وأقلُّ ما يمكن أن يباشر النَّجاسة أن يجلس على القدمين، ولا يقعد مفترشاً ولا متورِّكاً، لأنه لو قَعَد لتلوَّث ساقُه وثوبُه وركبتُه، والواجب أن يُقلِّلَ من مباشرة النَّجاسة.




    ​المصدر : الشرح الممتع ( 2/ 182-183)
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •