السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله
حول سماع شيخنا ظهير الدين حفظه الله لصحيح مسلم أقول:
سألت الشيخ حفظه الله هاتفيا سنة 1426 وأنا في الهند عن سماعه لصحيح مسلم، وكنت عازما على قراءته عليه، فأجابني: إنه قرأ النصف الأول منه فقط على شيخه أحمد الله الدهلوي، وأجاز له. وكان سؤالي عامًّا: ماذا قرأ على أحمد الله؟ دون التطرق للمكان في أي مدرسة.
وهذا الجواب جعلني أصر على قراءة صحيح مسلم على شيخنا عبد القيوم الرحماني رحمه الله، رغم تمنعه من إقرائه ابتداء، وما لاقيته في قراءة البخاري من مشقة عليه، ذلك لأنه تلقى صحيح مسلم كاملا عن شيخه أحمد الله، ثم يسر الله ختم مسلم عليه بفضله وعونه.
وبعد رجوعي من الهند أخبرت بعض الإخوة عن الشيخ، ثم كتبت عنه في ملتقى أهل الحديث على ما أذكر، وأحسب أنني من أشاع خبره وروايته بين غالب أهل الرواية خارج بلده.
وكان ممن زاره في الهند الشيخ فيصل العلي سنة 1427، وسأله، فأجابه بنفس الجواب والتفصيل.
وكذلك علمت أنه أخبر الشيخ صالح العصيمي بذات الجواب والتفصيل، وهو حول ذلك التاريخ، وأثبت ذلك في كتابه السراج المطبوع في شوال سنة 1432.
بعيد ذلك بيسير بلغنا أن الشيخ أنيس الرحمن الأعظمي أحد محدّثي الهند وقدماء طلاب الشيخ استنكر التحديد المذكور بنصف الكتاب، وقال: إن شيخنا ما صار يقول بسماع النصف منه إلا بأخرة، وإلا فما أخبر به قديما أنه إنما قرأ على أحمد الله يسيرا من أول صحيح مسلم وأجازه. ولقيت الشيخ الأعظمي في الكويت السنة الماضية وأخبرني بذلك، ولعله قال إنه سمعه منه من نحو ثلاثين سنة.
وقبيل ذلك بيسير كان قد وصل للشيخ في الهند أحد من بلوته بعدم الثقة -ممن حاول بوصوله الاستحواذ على الشيخ، وحجب الناس عنه إلا من طريقه، واشتراط مبالغ كبيرة مقابل تنسيق القراءة عليه، علمت من أحدهم أنها وصلت لألفي ريال سعودي لليوم الواحد!- فصار شيخنا بعدها يقول إنه سمع كامل صحيح مسلم على أحمد الله، وأنه قرأ عليه النصف الأول في المدرسة الرحمانية، وأكمله عليه بعد انتقال الشيخ أحمد الله إلى المدرسة الزُّبيدية فيها؟! وصار شيخنا يصر على هذا القول، وهذا الكلام لعله استجد من نحو سنتين فقط، وسمعت هذا من الشيخ أنا والناس.
وعلمتُ أن أحد الزملاء المشايخ المعتنين ذهب للشيخ، وطالع أصول إجازته، وسألت اثنين من طلبته أن يسألوه هل سماعه للصحيح مذكور في أوراق الشيخ التي رآها وإجازته المكتوبة من أحمد الله، فنقلا عنه ما يفيد النفي، وأن إثبات ذلك هو من مشافهة الشيخ لا غير.
ومن المعلوم لمن يطالع كتب الجرح والتعديل والعلل أن المحدّثين حال أخذهم عن الراوي يحرصون على ضبط مروياته ورؤية أصوله إن استطاعوا، فإن رأوا في ضبط صدره اختلافا قدّموا الأقدم من كلامه، خصوصا إن كان الأقدم أقل جودة، فإن عادة الواهم الزيادة وتجويد السند، ويتأكد عند عدم وجود ما يدل عليه من كتابه وأصوله، والأمثلة كثيرة لا تخفى على أهل النقد والصنعة، دون سواهم.
ومن المعلوم أن كبر السن وبعد العهد من مظان الوهم وخفة الضبط، وقد تضاف لها عوامل مثل وجود من يلقّن بقصد أو بغير قصد، بفهم أو دونه، مع فتنة تكاثر الطلبة، وشره أخذ المال للتحديث، وغير ذلك من الأمور العامة التي قد تطرأ على الرواة -وكلامي ههنا عام- ورأينا بعض ذلك في مشايخ من المعاصرين، نسأل الله السلامة والعصمة والتثبيت للجميع.
وإنني بناء على ما لديّ من معطيات لا أقدر أن أُثبت لشيخنا سماعا سوى ما قاله أولًا، فإنه يُعل ما سمعتُه منه، فكيف بما قاله حديثا جدًّا؟ ولا سيما أن قضية الإكمال بهذه الصورة ذُكرت عن غيره من أقرانه، فزاد عندي احتمال الوهم أو التلقن.
نعم، لو وُجد نص صريح في إجازة أحمد الله لشيخنا تغير الحال، وأما إن بقي الاعتماد على الإعلام الشفوي فالأقدم يبقى المقدَّم.
هذا؛ وإن قراءة كتاب بهذه الحال لا ضير فيه إسناديًا لتحقق سماع شيخنا لجزء منه على الأقل -بإذن الله- وإجازته العامة من شيخه، ولكن الراوي عليه التيقظ والتحرز في العبارة وصيغة الأداء، وغاية الأمر أن يقول عن رواية شيخنا عن شيخه: قراءة لبعضه -إن لم يكن جميعه- وإجازة. فههنا يكون احتاط لنفسه.
ومن لطائف إسناد شيخنا أنه يكاد ينفرد بالرواية بالإجازة عن صاحب التحفة عبد الرحمن المباركفوري، وهو مثل قِرْنه أحمد الله سمع الصحيح على نذير حسين، فمن النادر جمعهما معا في سند عن نذير، ولو بالإجازة، وفي النهاية: لن يعدم خيرًا القارئُ لسنّة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا ما رأيت بيانه بعد أن سألني جماعة عن الموضوع، فأجبتُ فيه ببيان أرجو أنه علمي مجرد لا أبتغي فيه إلا صيانة الرواية، مع كامل احترامي وتقديري لشيخنا، ومعرفتي بجهوده العلمية الطويلة ببلاده.
وأقول إلحاقًا إنه لا ينبغي أذية الشيخ وامتحانه في الأمر بعد معرفة ما سبق، ولا أن يأتي من يصطاد بالماء العكر ويحاول الوقيعة والفتنة لمآرب شخصية غير علمية، ورحم الله من أنصف من نفسه، وتوخى الصواب وصحح النية والعمل.
حفظ الله شيخنا، وبارك في حياته وعمله وذريته، وختم للجميع بإحسانه.
والحمد لله رب العالمين
كتبه محمد زياد بن عمر التكلة.
20 شوال 1434
-------------
ملاحظات:
1) تعمدت تأخير نشر الكلام للعموم إلى نهاية قراءة مسلم لئلا أكون سببا في تثبيط وحرمان من رام سماعه.
2) ملخص ما سبق قلته من قبل الدورة الحالية بوقت لعدد من الإخوة.
3) من مصلحتي أن يثبت سماع شيخنا لجميع الكتاب لأن لي فيه سماعًا عليه، ولكن الرواية أمانة، والتثبت واجب.