تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 80

الموضوع: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

  1. #41

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    ما تثبت به عدالة الراوي:

    [المتن]:

    [وغير الصحابي لا بدّ من تزكيته كالشهادة، والرواية عنه تزكية في رواية، بشرط أن يُعلم من عادة الراوي أو صريح قوله أنه لا يروي إلا عن عدل، والحكم بشهادته أقوى من تزكيته(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وغير الصحابي لا بدّ من تزكيته كالشهادة، والرواية عنه تزكية في رواية، بشرط أن يُعلم من عادة الراوي أو صريح قوله أنه لا يروي إلا عن عدل، والحكم بشهادته أقوى من تزكيته):

    (وغير الصحابي لا بد من تزكيته كالشهادة):
    كما أن الشهود لا بد من تزكيتهم كذلك غير الصحابي لا بد من تزكيته، كما ذكرنا في الشروط السابقة أن الأصل فيها العدم، فحينئذ لا بد من العلم بوجودها، التكليف، هل سمع؟ تحمّل بالغا أو لا؟ هل أدى بالغا أولا؟ هل هو حال كونه متحملا مسلما أو لا؟ لا بد من وجود هذه الشروط.

    (وغير الصحابي لا بد من تزكيته):
    لا بد أن يزكيَهُ عالم بأسباب الجرح والتعديل.

    (والرواية عنه):
    عن غير الصحابي.

    (تزكية):
    فإذا روى عنه من عُرف بأنه لا يروي إلا عن ثقة أو روى عنه ثقة قال: (تزكية)؛ يعني إذا لم نجد نصا لعالم بأن الراوي الفلاني ثقة.

    (والرواية عنه تزكية في رواية عن الإمام أحمد بشرط أن يُعلَم من عادة الراوي أو صريح قوله أنه لا يروي إلا عن عدل)
    : يعني بعض المحدثين صرّح أنه لا يروي إلا عن عدل، فإذا قال: "عن رجل"، أو قال: "حدثني الثقة"، أو "حدثني من لا أتهمه"، فحينئذ قال: نحكم بأنه ثقة؛ بأنه عدل؛ لأن هذا الراوي المحدث الإمام قد حدث عنه، وعلمنا من حاله أو من صريح قوله أنه لا يحدث إلا عن ثقة.

    وَلَيْسَ فِي الأَظْهَرِ تَعْدِيـلًا إِذَا
    عَنْهُ رَوَى الْعَدْلُ وَلَوْ خُصَّ بِذَا
    والأرجح عند المتأخرين أنه لا يعد، بل عند أكثر أهل الحديث أنه لا يعد تعديلا، بل حاله حال غيره لا بد من البحث والفحص، ولذلك قال السيوطي:

    وَلَيْسَ فِي الأَظْهَرِ تَعْدِيـلًا إِذَا
    عَنْهُ رَوَى الْعَدْلُ وَلَوْ خُصَّ بِذَا
    "وليس في الأظهر": يعني القول الأظهر، "إِذَا عَنْهُ رَوَى الْعَدْلُ ولو خُص بذا" ولو خص بأنه لا يروي إلا عن العدول؛ نقول: هذا لا يعد تعديلا، بل لا بد من التنصيص، ولا بد من البحث والفحص.

    إذًا والرواية عنه تزكية في رواية، إذًا الرواية الأخرى لا تعتبر تزكية، وهي أرجح، بشرط أن يُعلَم من عادة الراوي أو صريح قوله أنه لا يروي إلا عن عدل؛ ولذلك يقول القاسمي مُحشِّيًا على هذا: "خالف في ذلك الأكثر؛ فذهبوا إلى أن الرواية المذكورة ليس بتعديل"، وهذا أصرح، ورجحه السيوطي في ألفيته.

    (والحكم بشهادته أقوى من تزكيته)
    : إذا قضى القاضي بشهادة زيد مثلا كان ذلك تعديلا له؛ لأن الشهادة يُشترط فيها العدالة، لا بد أن يكون مُعدلا، {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[الطلاق2]، فإذا قضى القاضي بشهادة زيد كان هذا الشاهد عدلا، فحينئذ الحكم بشهادته يعتبر تعديلا ولا إشكال في هذا.

  2. #42

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    تعريف الجرح:

    [المتن]:

    [والجرح: نسبة ما تُرَدُّ به الشهادة(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والجرح: نسبة ما تُرَدُّ به الشهادة):

    (والجرح)
    هذا مقابل للتعديل، عندنا تعديل وتجريح، والجرح ما هو؟ قال:

    (نسبة ما ترد به الشهادة):
    يعني أن يُنسَب إلى راوي الحديث ما لو نُسب إلى الشاهد في مقام الشهادة لردت شهادته؛ كأن يكون كذابا، أو فاسقا، أو لا يُعتمد عليه، أو لا يوثق في حديثه، أو عديم الأمانة، نقول: ترد الشهادة، فحينئذ إذا نُسب إلى الراوي ما تُرد به الشهادة يُعتبر مجروحا، قال تعالى في الشهادة: {ممن ترضون من الشهداء}، والفاسق والكذاب لا نرضاه، {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ}، نقول: غير العدل لا يُؤمَن.

  3. #43

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    ترك العمل بالشهادة ليس جرحا:

    [المتن]:

    [وليس ترك الحكم بشهادته منه(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وليس ترك الحكم بشهادته منه):

    (وليس ترك الحكم بشهادته منه):
    يعني وليس ترك الحكم بشهادة زيد مثلا يعتبر من الجرح؛ لأنه قال في المقابل: (والحكم بشهادته أقوى من تزكيته)، إذًا يعتبر تعديلا له، لكن إذا ترك القاضي شهادة زيد؛ ردّ شهادته، هل يعتبر جرحا؟ إذا قبل شهادته يعتبر تعديلا، وإذا ردها هل يعتبر جرحا؟

    لا؛ لأن سبب الرد في الشهادة ليس مبناه دائما ما يُوجب الفسق، لا، قد يرده للتهمة؛ تهمة القرابة؛ يأتي ويشهد لابنه، يرده القاضي، هل الرد هذا يعتبر جرحا؟ لا.

    إذًا قوله: (وليس ترك الحكم بشهادته منه): لا بد من زيادة: (منه أي من الجرح؛ أي وليس ترك الحكم بشهادته من الجرح؛ لاحتمال وجود سبب آخر لترك العمل بشهادته غير الفسق؛ كعداوة أو تهمة قرابة.

  4. #44

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    هل يشترط العدد في الجرح؟ وهل يجب ذكر سبب الجرح؟

    [المتن]:

    [ويقبل ـكالتزكيةـ من واحد(1)، ولا يجب ذكر سببه، وعنه: بلى، وقيل: يُسْتَفْسَرُ غيرُ العالم(2)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ويقبل ـ كالتزكية ـ من واحد):
    ذكرنا هذا.

    واثنان إن زكاه عدل والأصح
    إن عدّل الواحد يكفي أو جرح
    وهذا مذهب الأئمة الأربعة.

    (2) (ولا يجب ذكر سببه، وعنه: بلى، وقيل: يُسْتَفْسَرُ غيرُ العالم):

    (ولا يجب ذكر سببه):
    يعني سبب الجرح، إذا قال: "فلان مردود الرواية"، أو "لا يُقبَل خبره"، لا بد أن يُبين أو لا؟

    قال: لا يجب؛ لأن أسباب الجرح معلومة؛ لأنه يحصل بأمر واحد، وهذا الأمر الواحد أمر معلوم مستفيضٌ عند المُجرحين والمُعدلين؛ حينئذ إذا قال: "فلان لا يوثق بحديثه"، أو "لا تُقبَل روايته"، أو قال: "فلان فاسق"، أو "فلان كذاب"؛ قال: (لا يجب ذكر سببه)، وهذا ليس على إطلاقه.

    (وعنه بلى):
    وفي الرواية الأخرى عن الإمام أحمد قال: (بلى)؛ يعني يجب ذكر السبب؛ لأن أسباب الجرح فيها خلاف، قد يجرح بما لا يكون جارحا، فحينئذ لا بد أن يُبين، لا بد أن يذكر السبب الذي من أجله جرح الراوي ذاك؛ لأنه لو أراد أن يُبين لا يحتاج إلى صفحات، بخلاف العدالة، العدالة ذكرها يطول؛ يصلي، ويصوم، ويفعل، ويقوم الليل، هذه أسباب تعديل، لكن الجرح يكفي بواحد، قصة واحدة تكفي، فذكر سبب الجرح لا يشق عليه.

    كذلك يُقال: أسباب الجرح مما يختلف فيها المجرحون، قد يُجرح زيد بما لا يُجرح الآخر، فلا بد من ذكر السبب.

    (وقيل)
    : قول ثالث.

    (يُستفسر غير العالم):
    يعني يُقبل الجرح من غير ذكرٍ لسببه، من غير بيان لسببه إذا كان الجارح عالما بأسباب الجرح والتعديل، وأما غير العالم فلا بد من أن يُبين السبب.

  5. #45

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    تعارض الجرح والتعديل:

    [المتن]:

    [ويقدم على التعديل، وقيل: الأكثر(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ويقدم على التعديل، وقيل: الأكثر):

    يعني إذا تعارض الجرح والتعديل أيهما يُقدّم؟

    قال: (ويقدم على التعديل): أي عند التعارض.

    وَقَدِّمِ الْجَرْحَ وَلَوْ عَدَّلَهُ .......... أَكْثَرُ فِي الأَقْوَى، فَإِنْ فَصَّلَهُ

    على كل يُقدّم الجرح على التعديل إن فصّل، وإن لم يُفصّل فحينئذ يُنظَر في تعارض الجرح والتعديل.

    وذكر رواية أخرى أنه إذا كان المجرحون أكثر قُدم المجرحون، وإذا كان المُعدلون أكثر يعني من المُجرحين قُدم المعدلون.

    (وقيل: الأكثر):
    يعني من الجارحين أو المُعدلين، وأهل الحديث لهم نظر خاص في مثل هذه المسائل.

  6. #46

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    ألفاظ الرواية من الصحابي:

    [المتن]:

    [و[أما] ألفاظ الرواية، فمن الصحابي خمسة(1): أقواها: سمعته، أو أخبرني، أو شافهني(2)، ثم قال: كذا؛ لاحتمال سماعه من غيره(3)، ثم أمر، أو نهى(4)، ثم أُمرنا، أو نُهينا؛ لعدم تَعَيُّن الآمر، ومثله: من السنّة(5)، ثم كنا نفعل، أو كانوا يفعلون، فإن أضيف إلى زمنه فحجة؛ لظهور إقراره عليه، وقال أبو الخطاب: (كانوا يفعلون) نقل للإجماع، خلافا لبعض الشافعية(6)].

    [الشرح]:

    (1)
    (و[أما] ألفاظ الرواية، فمن الصحابي خمسة):

    لما انتهى من الحكم على الصحابي وغير الصحابي بالتزكية والتعديل والتجريح انتقل إلى بيان ألفاظ الروايات.

    قال: (وأما ألفاظ الرواية): أي في نقل الحديث لا بد من ألفاظ تدل على الاتصال وإلا لحُكم بعدم اتصال السند، فحينئذ لا بد من النظر في الصيغة التي يؤدي بها الراوي؛ لأن من الصيغ ما يُفهَم منها اتصال السند، ومن الصيغ ما هي محتملة، ومن الصيغ ما تدل على عدم الاتصال.

    (فمن الصحابي خمسة):
    لأن الناقل إما أن يكون صحابيا، وهو الذي يكون في آخر السند، وإما أن يكون غير صحابي، وهو ممن يأخذ عن الصحابي.

    (2)
    (أقواها: سمعته، أو أخبرني، أو شافهني):

    (أقواها)
    : يعني أعلاها في الاحتجاج.

    (سمعت أو أخبرني أو شافهني):
    إذا قال الصحابي: "سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-"، "أخبرني النبي -صلى الله عليه وسلم-"، "شافهني النبي -صلى الله عليه وسلم-"، هذه أعلى درجات الأداء؛ لأنها تدل على عدم وجود الواسطة، والصحابي ثقة عدل، إذا قال: "سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-"، حينئذ سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    (3)
    (ثم قال: كذا؛ لاحتمال سماعه من غيره):

    ثم المرتبة الثانية
    (قال كذا): "قال" هذه تحتمل، إذا قال شخص: "قال زيد"، يحتمل أنه سمعه ويحتمل أنه لم يسمعه؛ ولذا قال:

    (لاحتمال سماعه من غيره):
    نزلت هذه مرتبة، "قال كذا"، و "فعل كذا" مثلها.

    (لاحتمال سماعه من غيره)
    : لكن نقول: الصحابي إذا قال: "قال النبي -صلى الله عليه وسلم-" وجزم؛ فاحتمال السماع من الغير ضعيف، لو كان في غير الصحابة نعم، أما في حق الصحابة لا، الاحتمال الذي يكون في صيغة "قال كذا" أو "فعل كذا"؛ نقول: هذا الاحتمال مرجوح، ويكون الراجح السماع.

    إذًا (لاحتمال سماعه من غيره): نقول: الراجح حمله على عدم الواسطة هو أنه سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما عبر بهذا لحسب المقام.

    (4)
    (ثم أمر، أو نهى):

    ثم المرتبة الثالثة
    (أمر أو نهى)، إذا قال: "أمر" ولم يقل: "النبي -صلى الله عليه وسلم-"، أو قال: "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم" أو "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-"؛ فهذا ليس كـ "سمعته" أو "أخبرني" أو "شافهني" أو "قال كذا".

    لماذا إذا قال: "أمر" جعلها دون الثانية؟

    لأنها تحتمل الواسطة، إذا قال: "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-" يحتمل أنه أخبره صحابي آخر فنسبه للنبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة، ويحتمل أمرا ثانيا، -هم يقولون هذا-، إذا قال الصحابي: "أمر"، نقول: لا، هذا يحتمل، يحتمل الصحابي فهم أنه أمر وليس بأمر، أو أنه نهي وليس بنهي، وهذا غير صحيح، ولكنهم يذكرون هذا، نقول: نجعله في المرتبة الثالثة "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-" أو "نهى" لاحتمال الواسطة؛ أنه نُقل إليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أو نهى، ويُزاد عليه احتمال آخر، وهو أن يعتقد ما ليس بأمرٍ أمرًا، ثم "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-" يحتمل الخصوصية، وليس بأمر عام، فلهذه الأمور الثلاثة قالوا: إذًا هي دون المرتبة الثانية.

    والصواب: أنه إذا قال: "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-" فقد أمر، والصحابي إذا فهم الأمر من النبي -صلى الله عليه وسلم- ففهمه حجة؛ لأن فهم مدلول الأمر هذا أمر لغوي، وهم في أعلى درجات الفصاحة -رضي الله عنهم-، هم علماء في اللغة، حينئذ إذا فهم الأمر من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو كما فهم، وإذا فهم النهي من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو كما فهم؛ بل قوله وفهمه مُقدَّم على غيره، ولذلك إذا لم يكن ثم خلاف بين الصحابة فقوله حجة بشرطه كما سيأتي.

    إذًا قوله: "أَمر" أو "نَهى" نقول: الصواب أنه للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

    (5)
    (ثم أُمرنا، أو نُهينا؛ لعدم تَعَيُّن الآمر، ومثله: من السنّة):

    (ثم أُمرنا أو نُهينا)
    : هناك "أمر"، وهنا "أُمرنا" أو "نُهينا" نقول: هذا أيضا يحتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أن يكون "أُمرنا" أو "نُهينا" الآمر هو أبو بكر أو عمر -رضي الله عنهما-، فحينئذ لوجود هذا الاحتمال ولوجود الواسطة وعدم المباشرة نزلت مرتبة رابعة.

    (لعدم تعيين الآمر)
    : من هو الآمر؟

    قالوا: يحتمل، ومحل الخلاف في غير أبي بكر -رضي الله عنه-، اختلفوا في "نُهينا" و "أُمرنا"، ومحل الخلاف في غير أبي بكر، لو قال أبو بكر -رضي الله عنه-: "أُمرنا" و "نُهينا"، ليس فوق أبي بكر إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن لو قال عمر؛ فيحتمل أنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أنه الخليفة الراشد الأول؛ لأنه له ولاية، حينئذ لو "أمرهم" وقال: "أُمرنا" لكان حقا، ولو قال: "نُهينا" وقد نهى أبو بكر لكان حقا، إذًا فيه احتمال، قالوا: هذا الاحتمال من عدم تعيين الآمر نزلت درجة، ولذلك إذا تعارض حديثان -وهذا يفيد عند التعارض- حديث مُصرح بـ "سمعت" وحديث "نُهينا" أو "أُمرنا"، حينئذ تأتي هذه من المُرجحات، إذا لم يكن الجمع إلا بهذا الطريق فما صرح فيه بالسماع مقدم؛ لأنه منقول بلفظ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وللقطع بعدم الواسطة، و "أُمرنا" و "نُهينا" هذا فيه واسطة، وإن كان الأصح أنه يُحمَل على أن الآمر والناهي هو النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    وَلْيُعَطَ حُكْمَ الرَّفْعِ فِي الصَّوابِ
    نَحْوُ: مِنَ السُّنَّةِ، مِنْ صَحَابِي
    كَذَا: أُمِرْنَا، وَكَذَا كُنَّا نَرَى
    فِي عَهْدِهِ، أَوْ عَنْ إِضَافَةٍ عَرَى
    (ومثله من السنة): إذا قال الصحابي: "من السنة كذا" يُحمل على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو كان ثم احتمال آخر أنها سنة أبي بكر أو سنة عمر أو عثمان أو علي.

    نقول: الأصل إذا أطلق الصحابة مثل هذه الألفاظ فإنما يعنون بها صاحبَ الشرع، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو كان ثم احتمال فهو احتمال لغوي؛ يعني بالنظر إلى الصيغة، لو نظرنا إلى اللفظ (أُمرنا) مبني لما لم يسم فاعله، يحتمل، لكن هذا يُقرن بفعل الصحابة، باستقراء كلامهم وباستقراء أفعالهم أنهم يطلقون هذه العبارات في غير الشارع، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

    الجواب: لا، فحينئذ نقطع بكون هذه الألفاظ كلها إذا أطلقها الصحابي فمراده النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يكون حقيقة عرفية، أما إذا نظرنا إلى المباحث اللغوية وإلى كل لفظ على حدة حينئذ تأتي هذه الاحتمالات، ثم هذه الاحتمالات احتمالات عقلية، فليُثبَت أن صحابيا أطلق: "من السنة" ولم يرد بها سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو قال: "أمر النبي" وتبين أنه لم يأمر، أو "نهى" وتبين أنه لم ينه، حينئذ يختلف الحكم، أما مجرد تجويزات عقلية فلا.

    (6)
    (ثم كنا نفعل، أو كانوا يفعلون، فإن أضيف إلى زمنه فحجة؛ لظهور إقراره عليه، وقال أبو الخطاب: (كانوا يفعلون) نقل للإجماع، خلافا لبعض الشافعية):

    (ثم)
    : المرتبة الخامسة.

    (كنا نفعل)
    : هكذا دون أن يُقيدها بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    (أو كانوا يفعلون)
    : دون إضافة إلى زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

    (فإن أضيف إلى زمنه فحجة):
    يعني من قال: "كنا نفعل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-"، هذا أعلى درجة، ليس فيه إشكال، أعلى درجة من قوله: "كنا نفعل" ولم يضفه إلى زمنه -صلى الله عليه وسلم-، لماذا؟

    (لظهور إقراره عليه):
    -صلى الله عليه وسلم-، إذا قال: "كنا نفعل في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-" صار إقرارا، كما قال جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل"، هذا صار إقرارا من الله -عز وجل-، كذلك لو قال: "كنا نفعل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-" سواء علمنا أنه شاع فبلغ النبي أو لم يشع فيبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه إن شاع فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- لا إشكال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقره، فإذا لم يبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان سرا -كما هو في العزل ونحوه- نقول: هذا أقرّه الله -جل وعلا- من سبع سماوات؛ لأن الزمن زمن تشريع، فحينئذ لا يُسكَت على مُنكر.

    (وقال أبو الخطاب: "كانوا يفعلون"):
    يعني إذا قال الراوي عن الصحابي: "كانوا يفعلون".

    (نقل للإجماع)
    : لأنه لا يقول ذلك إلا ويقصد إقامة الحجة، فيُحمَل على من قولهم حجة، وهو الإجماع.

    (خلافا لبعض الشافعية):
    وهذا يحتاج إلى نظر.

  7. #47

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    قول الصحابي في نسخ الخبر وتفسيره:

    [المتن]:

    [ويقبل قوله: "هذا الخبر منسوخ" عند أبي الخطاب، ويرجع إليه في تفسيره(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ويقبل قوله: "هذا الخبر منسوخ" عند أبي الخطاب، ويرجع إليه في تفسيره):

    (ويقبل قوله)
    : أي قول الصحابي -رضي الله عنه-.

    (هذا الخبر منسوخ عند أبي الخطاب)
    : إذا حكم الصحابي بكون هذا الخبر منسوخا فلا إشكال، فنذهب إلى قوله، ونقول بقوله إلا إذا تبين ما هو خلافه؛ لأنه قد يسمع الناسخ ويظنه ناسخا، وقد يكون أمرا آخر حدث في آخر الزمن ولم يطلع عليه، وكم من أمور يحكم فيها ابن مسعود -رضي الله عنه- وتكون منسوخة بأدلة أخرى! يعني قولهم: (ويُقبل قول الصحابي: هذا الخبر منسوخ): إذا لم يكن ما هو آكد في الأخذ به.

    (ويرجع إليه في تفسيره):
    إذا كان الحديث فيه إجمال وفسره الصحابي فقوله أولى الأقوال، والنظر والوقوف مع قوله أولى ما يُوقَف ويُعتَبر عند تفسير الحديث، خاصة إذا كان راوي الحديث؛ حينئذ نقول: أولى، لكن لا نتقيد به كما يظنه بعض الأحناف، ولذلك يقولون: الحجة فيما روى لا فيما رأى؛ لأنه قد يرى رأيا وتكون السنة على خلافه، لكن الأحناف كثيرا ما يتركون الحديث بسبب أن أبا هريرة أفتى بكذا، ويكون قد رواه، فنرد عليهم نقول: الحجة فيما روى لا فيما رأى، هذا رأيه، لكن إذا لم يُعارَض، إذا لم يكن غيره حينئذ يكون أولى ما يُعتَمد.

  8. #48

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    ألفاظ الرواية لغير الصحابي:

    (1) قراءة الشيخ على الراوي:


    [المتن]:

    [ولغيره مراتب: أعلاها: قراءة الشيخ عليه في مَعْرِضِ الإخبار فيقول: «حدثني» أو «أخبرني» و«قال» و«سمعته»(1).

    [الشرح]:

    (1)
    (ولغيره مراتب: أعلاها: قراءة الشيخ عليه في مَعْرِضِ الإخبار فيقول: «حدثني» أو «أخبرني» و«قال» و«سمعته»):

    (ولغيره مراتب):
    أي لغير الصحابة من ألفاظ الرواية مراتب أيضا.

    (أعلاها:
    قراءة الشيخ عليه): يعني على التلميذ؛ أن يقرأ الشيخ على التلميذ، هذا أعلى المراتب وأعلى الدرجات؛ لأنه يسمع لفظ الشيخ ففيه من التثبت والتحفظ ما لا يكون في غيره؛ يعني يسمع إخراج المخارج، يسمع إلى الحركات . . إلخ من لفظ الشيخ، وهذا أولى في التثبت والتحفظ.

    (
    في معرض الإخبار): هذا قيد؛ يعني أن يقرأ الشيخُ على التلميذ في معرض الإخبار؛ يعني لا في معرض المذاكرة؛ لأنهم كانوا يتساهلون في المذاكرة ما لا يتساهلون في الإخبار.

    (فيقول)
    : التلميذ إذا قرأ عليه الشيخ.

    (حدثني)
    : إذا كان وحده، أو "حدثنا" إذا كان معه غيره.

    (أو "أخبرني" و "قال" و "سمعته")
    .

  9. #49

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    تابع ألفاظ الرواية لغير الصحابي:

    (2) القراءة على الشيخ:


    [المتن]:

    [ثم قراءته على الشيخ. فيقول الشيخ: نعم، أو يسكت، خلافا لبعض الظاهرية، فيقول: «أخبرنا» أو «حدثنا» قراءةً عليه، لا بدونه، في رواية(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ثم قراءته على الشيخ، فيقول الشيخ: نعم، أو يسكت، خلافا لبعض الظاهرية، فيقول: «أخبرنا» أو «حدثنا» قراءة عليه، لا بدونه في رواية):

    المرتبة الثانية:
    (ثم قراءته على الشيخ): الطالب يقرأ على الشيخ، وهذا يسمى بالعرض عند أهل الحديث.

    (فيقول الشيخ: نعم):
    يعني يؤيد هذه القراءة.

    (أو يسكت)
    : ويكون سكوته حينئذ رضا بما قرأ الطالب، وليس ثم خطأ.

    (خلافا لبعض الظاهرية)
    : لأنهم قالوا: لا بد أن ينطق الشيخ بصحة ما قُرئ عليه، فسكوته ليس بدليل على الرضا.

    (فيقول):
    الطالب إذا قرأ على الشيخ.

    (أخبرنا، أو حدثنا، قراءة عليه):
    يعني ليس كالأول، الأول يقول: "أخبرنا"، "حدثنا"، "قال"، "سمعت"، والثاني هنا يقول:
    "حدثنا"، "أخبرنا قراءة عليه"؛ يعني يقول: "أخبرنا قراءة عليه"، و "حدثنا قراءة عليه"، والظاهر من كلام المصنف أن القيد لـ "أخبرنا" و "حدثنا" بكلمتين، وهو رواية عن الإمام أحمد.

    (لا بدونه في رواية): "بدونه" الضمير يعود على القيد، وهو قراءته عليه؛ يعني لا يُطلق فيقول: "أخبرنا" "حدثنا"، فحينئذ يكون كذبا؛ لأنه اصطُلح على أن "أخبرنا" و "حدثنا" فيما إذا قرأ الشيخ على الطالب، وإذا قرأ الطالب على الشيخ فقال: "أخبرنا" ولم يزد قراءة عليه يكون فيه لبس، وفيه كذب.

    (لا بدونه):
    لأنه يوهِم السماع من لفظ الشيخ، وهذا كذب في الرواية فلا يجوز.

    (في رواية)
    : أي رواية عن الإمام أحمد أنه لا بد من القيد؛ أنه يقول: "أخبرنا" أو "حدثنا" لا بدونه في رواية، وفي رواية أخرى أنه يجوز أن يقول: "أخبرنا" و "حدثنا" بدون قيد، وفي رواية ثالثة وقول آخر الفرق بين "حدثنا" و "أخبرنا"؛ فيجوز في "أخبرنا"، ولا يجوز في "حدثنا"، على كل حال هذه اصطلاحات ذهبت وماتت.

  10. #50

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    حكم إبدال قول الشيخ "حدثنا" بـ "أخبرنا" وعكسه:

    [المتن]:

    [وليس له إبدال إحدى لفظتي الشيخ: "حدثنا"، أو "أخبرنا" بالأخرى، في رواية(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وليس له إبدال إحدى لفظتي الشيخ: حدثنا، أو أخبرنا بالأخرى في رواية):

    هذا إن عُلم أنه يُفرق؛ لأن ثَم من يفرق بين "أخبرنا" و "حدثنا"، فإذا كان الشيخ يفرق بين "أخبرنا" و "حدثنا"؛ فإذا قال: "أخبرنا" لا يجوز للطالب أن يرويه بـ "حدثنا"، وإذا قال: "حدثنا" لا يجوز أن يرويه بـ "أخبرنا"؛ لأن الشيخ يفرق بين الثنتين، هذا في رواية، والرواية الأخرى الجواز.

  11. #51

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    تابع ألفاظ الرواية لغير الصحابي:

    (3) الإجازة:


    [المتن]:

    [ثم الإجازة، فيقول: أجزت لك رواية الكتاب الفلاني، أو مسموعاتي(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ثم الإجازة، فيقول: أجزت لك رواية الكتاب الفلاني، أو مسموعاتي):

    (ثم)
    : المرتبة الثالثة من مراتب تحمل حديث.

    (الإجازة):
    أن يأذن الشيخ بالرواية عنه.

    (فيقول):
    وهذه صفة الإجازة، يقول للطالب:

    (
    أجزت لك رواية الكتاب الفلاني): وهذا تعيين، إذًا تكون الإجازة مُعينة، فلا بد أن تكون مُعينة، أو تكون عامة.

    (أو مسموعاتِي):
    إذًا الإجازة يشترط فيها أن تكون بمعين، وأن تكون عامة، فإذا قال: "أجزتك أن تروي عني بعض مسموعاتي" لا تصح؛ لأنها مجهولة.

    ويشترط في الإجازة أن تكون بمعين، وبعضهم يقول: لمعين، فلو قال: أجزت لأهل الأرض، بعضهم لا يجوز ذلك، وإن كان توسعوا في الإجازة توسعا غريبا.

  12. #52

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    تابع ألفاظ الرواية لغير الصحابي:

    (4) المناولة والوجادة:


    [المتن]:

    [والمناولة، فيناوله كتابا، ويقول: "اروه عني"، فيقول: "أنبأنا"، وإن قال: "أخبرنا"؛ فلا بدّ من إجازة أو مناولة(1)، وحكي عن أبي حنيفة وأبي يوسف منع الرواية بهما(2)، ولا يُجيز الرواية "هذا الكتاب سماعي" بدون إذنه فيها، ولا وجوده بخطه، بل يقول: "وجدت كذا"(3)، ومتى وجد سماعه بخط يوثق به وغلب على ظنه رواه وإن لم يذكره خلافا لأبي حنيفة، وإن شك فلا(4)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والمناولة، فيناوله كتابا، ويقول: اروه عني، فيقول: أنبأنا، وإن قال: أخبرنا؛ فلا بدّ من إجازة أو مناولة):

    (والمناولة):
    وهذا نوع من الإجازة.

    (فيناوله كتابا):
    هي نوع من الإجازة، الأولى؛ يقول: "أجزت لك الكتاب، تروي عني كتابي"، فتذهب السوق وتأخذ منه كتابا وترويه عن الشيخ، وهذه يناوله نفس الأصل الذي عند الشيخ، الشيخ يكون قد ضبط أصلا ما كصحيح البخاري يقول: "ارو عني هذا الكتاب"، هذه مناولة، هي آكد من الأولى، هي نوع من الإجازة لكنها أعلى؛ لأنها أضبط.

    (ويقول: اروه عني):
    وهذا إذن في الرواية، لا بد من الإذن، فلو أعطاه الكتاب وسكت ما صحت، لا بد أن يقول له: "ارو عني هذا الكتاب"، "اروه عني".

    (فيقول):
    إذا أراد أن يُبلغ ويروي الطالب.

    (أنبأنا):
    فإذا قال "أنبأنا" نفهم أنها مناولة، تفريق دقيق.

    (وإن قال: أخبرنا):
    له أن يقول: "أخبرنا" لكن.

    (فلا بد من):
    زيادة قيد أخبرنا:

    (إجازة أو مناولة):
    يقيد كما هنا قال: "أخبرنا" أو "حدثنا قراءة عليه"، هنا وإن قال: "أخبرنا الطالب" بدلا من "أنبأنا" والموقع والمحل هنا موقع أو محل مناولة فلا بد مِن إجازةً، هكذا تضبطها، "من": حرف جر, و "إجازةً" قصد لفظه، "أخبرنا إجازةً"، "حدثنا إجازةً".

    (فلا بد مِن إجازةً أو مناولةً):
    يعني بالنصب فيهما، لا تقل: "من إجازةٍ"؛ لأن المقام مقام "اروه عني" وحصل إذن، حينئذ إن قال: "أخبرنا" فلا بد أن تزيد قيد، وهو إجازة أو مناولة.

    (2)
    (وحكي عن أبي حنيفة وأبي يوسف منع الرواية بهما):

    يعني بالإجازة والمناولة، وهذا عند المتأخرين، وأكثر من ينسب إلى المتقدمين من أبي حنيفة وغيره أن المنع محمول على غير العالم بما في الكتاب، أما العالم فيجوز له الرواية؛ لأن البعض توسعوا إلى زماننا هذا، قد يُعطي من لم يُعرَف بعلم إجازة، "اروِ عني كتبي" أو "اروِ عني كذا"، والأولى أن تكون الإجازة لعالم بما في الكتاب، والمنع من الإجازة والمناولة هنا محمول عند أبي حنيفة لمن لم يكن عالما بالكتاب، فإن كان عالما فلا إشكال؛ لأن الإجازة ما أُعطيت إلا من أجل اكتساب الوقت واختصار الوقت كما هو معلوم.

    (3)
    (ولا يُجيز الرواية هذا الكتاب سماعي بدون إذنه فيها ، ولا وجوده بخطه، بل يقول: وجدت كذا):

    (ولا يُجيز الرواية هذا الكتاب سماعي بدون إذنه فيها):
    هذه النسخة بهذا التركيب لا إشكال، وفي الحاشية يقول: (ولا تجوز الرواية بقوله "خذ هذا الكتاب" أو "هو سماعي" بدون إذنه فيهما): يعني لو قال له: "خذ هذا الكتاب" أو قال: "هذه مسموعاتي" ولم يأذن له بالرواية هل يجوز له أن يرويها إجازة أو مناولة؟ لا يجوز، هذا مراده.

    (ولا يجيز الرواية):
    هذا التركيب لا بأس به، هم يقولون: فيه خلط.

    (ولا يُجير الرواية "هذا الكتاب سماعي" بدون إذنه فيها):
    لأن جواز الرواية مستفاد من الإذن فيها، وهو معدوم هنا، إذًا إذا قال الشيخ للتلميذ: "هذا كتابي"، "هذا سماعي"، إن قال: "اروه عني"، صح أن يرويه، إن لم يقل فالمنع؛ لأنه مجرد خبر، والإجازة والمناولة لا بد لها من الإذن، وليس عندنا إذن هنا.

    (ولا وجوده بخطه)
    : يعني لو وجد الشيء بخط شيخه فإنه لا يرويه عنه ولو كان شيخه، إلا إذا أخذ إجازة عامة مطلقة؛ حينئذ يصح أن يرويها عنه، أما هكذا لا يجوز.

    (بل يقول: وجدت كذا)
    : ما يسمى بالوجادة عند أهل الحديث، "وجدت بخط فلان كذا وكذا".

    (4)
    (ومتى وجد سماعه بخط يوثق به، وغلب على ظنه رواه وإن لم يذكره، خلافا لأبي حنيفة، وإن شك فلا):

    (ومتى وجد سماعه)
    : يعني التلميذ من شيخه.

    (بخط يُوثق به، وغلب على ظنه):
    أنه سمعه من الشيخ.

    (وغلب على ظنه)
    : لا يشترط في الإجازة هنا اليقين، بل متى ما غلب على ظنه وجد السماع، كانوا قديما يكتبون في آخر المجلس الأسماء، لو وجده بخط يوثق فيه وظن في نفسه أنه سمع هذا الكتاب أو هذه الأحاديث من شيخه.

    (رواه):
    يعني جاز له أن يرويه.

    (وإن لم يذكره)
    : الضمير يعود إلى: (ومتى وجد السماع)؛ يعني جاز له أن يرويه اعتمادا على الخط وإن كان ناسيا للسماع؛ لأن مبنى الرواية على غلبة الظن، وقد وُجد.

    (خلافا لأبي حنيفة):
    -رحمه الله تعالى-؛ حيث قال: لا يجوز ذلك؛ قياسا على الشهادة، وفرْقٌ بين الشهادة والرواية كما هو معلوم عند أهل الحديث.

    (وإن شك فلا)
    : هنا غلب على ظنه، وهنا شك؛ استواء الأمرين، استواء الطرفين، إن شك في سماع الحديث من شيخه فلا يروه عنه.

  13. #53

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    إذا أنكر الشيخ الحديث فهل تقبل رواية الفرع؟

    [المتن]:

    [فإن أنكر الشيخ الحديث، وقال: لا أذكره، لم يقدح، ومنع الكَرْخِيُّ منه(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (فإن أنكر الشيخ الحديث، وقال: لا أذكره، لم يقدح، ومنع الكَرْخِيُّ منه):

    (فإن أنكر الشيخ الحديث):
    بدون جزم، بهذا القيد "بدون جزم"؛ يعني لم يقل: كذب عليه، أو "لم أروه"، شك.

    (وقال: لا أذكره):
    أو "لا أستحضره"، أو "نسيته"، أو "لا أعرفه" قُبل الحديث.

    (لم يقدح):
    في الفرع، الذي هو التلميذ؛ لأنه عدل، وأخبر، وطروء النسيان على الشيخ لا يمنع من قبول الحديث، ولذلك ألّف السيوطي رسالة كاملة (المؤتسي فيمن حدث ونسي)، يُحدث وينسى، لا بأس، يحدُث هذا حتى في الأمور العادية، فعلى كل يقبل الحديث هنا، ولم يقدح في الفرع؛ لأن الراوي عدل جازم بالرواية، فإن جزم الشيخ بأن كذّب الراوي رُد الحديث لكذب أحدهما دون تعيين، إذا جزم وكذّب الراوي في الإنكار نقول: رُد الحديث ولا يُقبل، ولا يطعن لا في الأصل ولا في الفرع.

    (ومنع الكرخي منه):
    الضمير يعود على أي شيء؟ (فإن أنكر الشيخ الحديث بدون جزم، وقال: لا أذكره لم يقدح، ومنع الكرخي منه): قال: يقدح؛ لأن الفرع تبع للأصل، فإذا طُعن من جهة الأصل لا بد وأن يستلزم الطعن في الفرع؛ يعني إذا قال الشيخ: نسيت فلا بد أن يُطعَن في رواية الفرع.

    وليس هذا بصحيح، بل أكثر أهل الحديث على أنه لا يطعن في الحديث.

  14. #54

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    زيادة الثقة:

    [المتن]:

    [ولو زاد ثقة فيه لفظا أو معنى قبلت(1)، فإن اتحد المجلس؛ فالأكثر: عند أبي الخطاب(2)، والمُثْبِتُ: مع التساوي في العدد والحفظ والضبط(3)، وقال القاضي: روايتان(4)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ولو زاد ثقة فيه لفظا أو معنى قبلت):

    هذا ما يُعنوَن له بالزيادة في زيادة ثقة.

    (ولو زاد ثقة):
    هذا شرط، فلو لم يكن ثقة لا تُقبَل زيادته.

    (لفظا أو معنى):
    يعني زاد في الحديث كلمة، هذه الكلمة قد لا تؤثر من جهة المعنى، لا تؤثر في الحكم، أو زاد كلمة تؤثر في
    الحكم؛ بأن تكون أعم من تلك الكلمة التي في الحديث الآخر، هذا مراده لفظا أو معنى؛ يعني قد يزيد الراوي كلمة فلا تؤثر في الحكم، وقد يزيد كلمة فتؤثر في الحكم؛ كأن تكون الكلمة التي أبدلها تكون خاصة، وهذه عامة، إذًا زادت الأفراد.

    (قُبلت): مطلقا، وهذا منهج أكثر الأصوليين وأكثر المتأخرين من أهل الحديث، والأصح أنه يُفصَّل في كل حديث على حدة؛ يعني لا يُعطَى قاعدة عامة لكل حديث؛ أنه إذا زيدت فيه زيادة بأنها تُقبَل.

    (2) (فإن اتحد المجلس، فالأكثر: عند أبي الخطاب):

    (فإن اتحد المجلس): مجلس الحديث.

    (فالأكثر عند أبي الخطاب): يعني أكثر الرواة زادوا هذه اللفظة قُبلت، وإن كان أكثر الرواة لم يرووا هذه اللفظة رُدت، العبرة بالأكثرية عند أبي الخطاب.

    (3) (والمُثْبِتُ مع التساوي في العدد والحفظ والضبط):

    (والمثبت):
    للزيادة.

    (مع التساوي في العدد والحفظ والضبط):
    إذا كان اتحد المجلس وكانت العبرة بالأكثر وتساووا في العدد، وليس عندنا أكثرية، وتساووا في الضبط والحفظ، قالوا: المُثبت للزيادة مُقدَّم؛ لأن معه زيادة علم، والنافي هذا ناقص.

    (4)
    (وقال القاضي: روايتان):

    (وقال القاضي):
    أبو يعلى.

    (روايتان):
    عن الإمام أحمد؛ الأولى: يُقدَّم المُثبِت؛ لأن معه زيادة علم، والثانية: يُقدَّم النافي؛ لأن الأصل عدم الزيادة.

  15. #55

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    الرواية بالمعنى:

    [المتن]:

    [ولا يتعين لفظه، بل يجوز بالمعنى لعالم بمقتضيات الألفاظ عند الجمهور، فيبدل اللفظ بمرادفه، لا بغيره. ومنع منه بعض المحدثين مطلقا(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ولا يتعين لفظه، بل يجوز بالمعنى لعالم بمقتضيات الألفاظ عند الجمهور، فيبدل اللفظ بمرادفه، لا بغيره. ومنع منه بعض المحدثين مطلقا):

    (ولا يتعين لفظه، بل يجوز بالمعنى):
    هل يجوز رواية الحديث بالمعنى؟

    جمهور السلف على أنه يجوز، لكن يُشترط في أنه غير المُتعبَد به، يعني لا يأتي يروي حديث "التحيات" بالمعنى، أو "الأذان"، أو "الإقامة"، لا، لا يقبل هذا، بل تبقى على أصلها، إنما تكون فيما يُستنبَط من أحكام، لكن ليس على إطلاقه، قيّده، هنا قال:

    (لعالم):
    هذا الذي يجوز، أما عدا العالم فلا يجوز، حينئذ تأتي أهمية اللغة للمُشتغل بالحديث إذا أراد أن يروي بالمعنى.

    (لعالم بمقتضيات الألفاظ عند الجمهور)
    : مقتضيات الألفاظ يعني أن يعرف هذا عام، هذا خاص، هذا مُطلق، هذا مُقيَد.

    (فيبدل اللفظ بمرادفه، لا بغيره):
    يأتي إلى لفظ فيرويه بمرادفه؛ بحيث لا يزيد معنى ولا يُنقص معنى، والأمر ليس بالسهل؛ أن يأتي بلفظ يُرادِف الحديث، ثم هذا اللفظ الذي أتى به لا يزيد معنى على الحديث ولا يُنقص، هذا يحتاج إلى أن يكون موسوعة، وخاصة في فقه اللغة؛ يعني العلم بما وُضعت له الألفاظ، "جعل اللفظ دليلا على المعنى"، هذا هو الوضع، هذا عند الجمهور كما ذكر.

    (بمرادفه لا بغيره)
    : لأنه لو غيَّره أو أبدله بغيره لا بد وأن يزيد أو يُنقص في المعنى، لا بد، شاء أو أبى، كل من أبدل لفظا نبويا بلفظ غير مرادف فلا بد أن يُنقص أو يزيد؛ لأن اللغة إما أن تكون ألفاظ مترادفة أو لا، إن لم تكن مترادفة لا بد من التفاوت في المعاني، وإذا كانت مترادفة فلا بد من التساوي في المعاني، وإنما يكون التغاير في الألفاظ.

    (ومنع منه بعض المحدثين مطلقا):
    سواء كان عالما بمقتضيات الألفاظ أو لا، ولكن الأكثر على الأول.

  16. #56

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    مرسل الصحابي:

    [المتن]:

    [ومراسيل الصحابة مقبولة(1)، وقيل: إن عُلِمَ أنه لا يروي إلا عن صحابي(2)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ومراسيل الصحابة مقبولة):

    مراسيل: جمع مُرسَل، وهو مأخوذ من الإرسال، وهو الإطلاق، وهو ما أخبر به الصحابي عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أو فعله ولم يسمعه أو يشاهده، بخلاف المُرسَل عند غير الصحابي.

    الْمُرْسَلُ الْمَرْفُوعُ بِالتَّابِـعِ أَوْ
    أشهرها الأول .............
    ذِي كِبَرٍ أَوْ سَقْطُ رَاوٍ قَدْ حَكَوْا
    .............................

    (ومراسيل الصحابة مقبولة):
    لأنهم عدول، معلوم أن الصحابي إذا روى قولا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يسمعه، أو روى فعلا عن النبي ولم يره؛ لا بد وأن يكون أخذه عن صحابي آخر، فحينئذ يكون الواسطة المجهولة بين الصحابي وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابي آخر، وإذا حكمنا بأنهم عدول كلهم؛ إذًا لا نبحث، نقول: "جهالة الصحابي لا تضر"، "ومراسيل الصحابة مقبولة"، وهذا عليه أئمة الحديث؛ لأنه موصول مرسل.

    وَمُرْسَلُ الصَّاحِبِ وَصْلٌ فِي الأَصَحْ

    هكذا قال السيوطي؛ لأن حقيقته أنه رواه عن صحابي آخر.

    (2)
    (وقيل: إن عُلِمَ أنه لا يروي إلا عن صحابي):

    (وقيل: إن عُلِمَ أنه لا يروي)
    : عائشة -رضي الله عنها- تقول: كان أول ما بُدئ به الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرؤيا الصالحة، هذا متى؟

    قبل أن تُولد عائشة -رضي الله عنها-، إذًا لا بد أنها أخذته إما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم تذكره، وإما عن صحابي آخر.

    (وقيل إن عُلِمَ أنه)
    : أي الصحابي.

    (لا يروي إلا عن صحابي)
    : نقول: كلهم هكذا، هذا الشرط متحقق في الجميع، ووجود بعض الصحابة يروي عن بعض التابعين؛ هذا موجود، لكنه ليس في الأحاديث، وإنما في الإسرائيليات وما على شاكلتها.

  17. #57

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    مرسل غير الصحابي:

    [المتن]:

    [وفي مراسيل غيرهم روايتان: القبول، كمذهب أبي حنيفة وجماعة من المتكلمين، اختارها القاضي، والمنع، وهو قول الشافعي، وبعض المحدثين، والظاهرية(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وفي مراسيل غيرهم روايتان: القبول، كمذهب أبي حنيفة وجماعة من المتكلمين، اختارها القاضي والمنع، وهو قول الشافعي، وبعض المحدثين، والظاهرية):

    (وفي مراسيل غيرهم روايتان):
    يعني هل يُقبَل مُرسَل غير الصحابي؟

    والمشهور أنه مرفوع التابعي مطلقا سواء كان كبيرا أو صغيرا.

    الْمُرْسَلُ الْمَرْفُوعُ بِالتَّابِـعِ، أَو ذِي كِبَرٍ أَوْ سَقْطُ رَاوٍ قَدْ حَكَوْا
    أَشْـهَرُهَا الأَوَّلُ، ثُمَّ الْحُجَّـة بِــهِ رَأَى الأَئِمـَّةُ الثَّـلاثَـةُ
    وَرَدُّهُ الأَقْوَى ............... ..............................

    لأنه سقط راوٍ ليس بصحابي، إذًا لا نعلم هذه الواسطة، لا بد من ثبوت العدالة، وسقط صاحبها، فحينئذ لا بد من التوقف، ولا نحكم بصحة الحديث.

    (وفي مراسيل غيرهم روايتان):
    يعني عن الإمام أحمد.

    (القبول)
    : يعني قبول مرسل غير الصحابي؛ لأن العدل لا يحذف الواسطة مع الجزم بالخبر إلا وهو عالم بأن الواسطة ثقة، لا يحذف هذه الواسطة إلا وقد ضمن لنا أنه ثقة، فحينئذ أسقطه، لكن نقول: الصواب: القول الثاني.

    (وفي مراسيل غيرهم روايتان: القبول كمذهب أبي حنيفة وجماعة من المتكلمين، اختارها القاضي، والمنع للجهل بالساقط)
    :
    "ورده الأقوى" هكذا قال السيوطي.

    (للجهل بالساقط): وهو قول الشافعي وبعض المحدثين والظاهرية، وإن كان الشافعي له شروط فيها معلومة.

  18. #58

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    خبر الواحد فيما تعم به البلوى:

    [المتن]:

    [وخبر الواحد فيما تعم به البلوى مقبول، خلافا لأكثر الحنفية(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وخبر الواحد فيما تعم به البلوى مقبول، خلافا لأكثر الحنفية):

    قعّدنا قاعدة قبل ذلك: أن خبر الواحد دلت الأدلة الشرعية على قبوله، وعلى أنه إذا لم يقع اختلاف في رده وقبوله فيُفيد العلم، حينئذ نقول: ما أثبت حُجية خبر الواحد -وهو الأدلة الشرعية وإجماع الصحابة- هل فرقت بين خبر وخبر؟

    إذا كان في الحدود لا يُقبَل، إذا كان مخالفًا للقياس لا يُقبَل، إذا كانت تعم به البلوى لا يُقبَل، نقول: هذه التفصيلات -كل ما استفصل أو فُصل في أخبار الآحاد- فهو مبني على اجتهاد أو قياس أو رأي، فحينئذ كل ما سيذكره المصنف نقول: مبناه الاجتهاد والرأي والنظر.

    وإذا ثبت أصل المسألة بدليل شرعي فحينئذ نقول: لا اجتهاد ولا نظر ولا قياس؛ لأن الأدلة عامة، حُجية خبر الواحد ثبتت بالشرع، والأدلة عامة مطلقة لم تُقيد ولم يستفصل الصحابة، بل حملوا جميع أخبار الآحاد على الحجية، واحتجوا على بعضهم لبعض بهذه الآحاد حينئذ نقول: أي تفصيل فهو مردود أيًا كان قائله.

    (وخبر الواحد فيما تعم به البلوى مقبولٌ خلافا لأكثر الحنفية)
    أي المتأخرين.

    (وخبر الواحد):
    يعني حديث خبر الواحد.

    (فيما تعم به البلوى):
    يعني ما يكثر وقوعه في الناس، بعضهم يرى أكثر المتأخرين إذا كانت تعم البلوى بالحكم الشرعي ويحتاجه أكثر الناس قالوا: هنا لا يُقبل خبر الواحد؛ لأنه مظنون، لا بد أن تكون الدواعي قد وُجدت لنقله والسؤال عنه بكثرة، وهذا أمر غريب؛ لأن أشد ما يحتاجه الناس وتكثر فيه الدعوى: التوحيد، ومع ذلك بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذا؛ واحدا «إنك تأتي قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله»، ثم قال: «فإن أجابوك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صلوات ثم الصدقة»، وهذه مما تعم به البلوى أو لا؟

    هذا أولى من الوضوء، وأولى من الغسل، وأولى من السواك ونحوها، فإذا قُبل خبر الواحد وقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- واحدا وهذا فعله وهو حجة، نحتج بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث واحدًا، إذًا لو لم يكن معاذ حجة على من يبلغه هذا الخبر لما بعث النبي معاذا واحدا، لبعث له عشرة حتى يحصل التواتر أو عشرين، حينئذ نقول: ما تعم به البلوى، وهو ما يكثر وقوعه عند الناس أكثره أصول الدين، وقد حصل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث الآحاد إلى القبائل يخبرون بأمور تتعلق بالعقيدة، وهي آكد ما يكون على الناس، وخبر الواحد فيما تعم به البلوى؛ كرفع اليدين في الصلاة، هكذا مثّل المُحشِّي؛ كرفع اليدين في الصلاة ونقض الوضوء بمس الذكر ونحوه حُجة، من خالف أن ما تعم به البلوى تتوفر الدواعي على نقله فيشتهر عادة، إذا كثر السؤال عنه من الناس فلا بد وأن يشتهر، نقول: عائشة -رضي الله عنها- حصل خلاف بين الصحابة فيمن جامع ولم يُنزِل هل يجب عليه الغسل أو لا؟ هذا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مما تعم به البلوى، فقالت: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل"، ماذا نقول في هذا؟ نرده لأنه تعم به البلوى؟ فلو كان حديثا صحيحا لاشتهر واشتهر عند الناس وروته عائشة وأم سلمة .. إلخ، نقول: لا يُقبَل، ولو كان مما تعم به البلوى، فوروده غير مشتهر دليل بطلانه هكذا يقول بعض الأحناف.

    والجواب: لنا قبول السلف من الصحابة وغيرهم خبر الواحد مطلقا، ولهم اعتراضات أخرى.

  19. #59

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    خبر الواحد في إثبات الحدود وما تسقط به الشبهة:

    [المتن]:

    [وفي الحدود وما يسقط بالشبهة خلافا للكرخي(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وفي الحدود وما يسقط بالشبهة خلافا للكرخي):

    يعني إذا جاء خبر الواحد يُثبت حدًا أو ما تسقط به الشبهة والحدود؛ أيضا نقول: هذا يُقبَل؛ لأن الحدود أيضا تثبت بغلبة الظن، وكل هذه المسألة مبناها أن خبر الواحد يفيد الظن، هذه هي المصيبة عندهم؛ خبر الواحد يفيد الظن، فحينئذ لا بد أن يكون القاطع الذي يُقطَع به لا يثبت بمثل هذا، لا بد أن يثبت بمقطوع ولا يثبت بمظنون، ولذلك علل الكرخي هنا؛ لأنه مظنون غير مقطوع بصحته.

    لماذا لا نقبل خبر الواحد في الحدود؟

    نقول: لأنه مظنون غير مقطوع بصحته، فصار شبهة فيه، فلا يثبت به الحد، خبر الواحد صار شبهة.

  20. #60

    افتراضي رد: "مباحث الأدلة" مصححة منقحة .. للعلامة أحمد بن عمر الحازمي

    خبر الواحد المخالف للقياس:

    [المتن]:

    [وفيما يخالف القياس، وحكي عن مالك تقديم القياس(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وفيما يخالف القياس، وحكي عن مالك تقديم القياس):

    (وفيما يُخالف القياس):
    يعني خبر الواحد مقبول فيما يُخالف القياس؛ يعني يقدم على القياس، والصحيح أنه ليس في الشرع مسألة تُخالف القياس؛ بل الشرع كله -سواء في الأصول وما استثناه الشرع- موافق للقياس، رد ابن القيم هذا في (إعلام الموقعين) بكلام طويل أنه لا يوجد؛ لأنه يأتي بعض الفقهاء يقول لك: العرايا على خلاف القياس، كيف على خلاف القياس؟

    الأصل أنها ربا، نقول: لا، هي على وفق القياس الأصل والفرع كلاهما على وفق القياس، وليس عندنا في الشريعة ما هو على خلاف في القياس.

    (وحُكي عن مالك تقديم القياس):
    على خبر الواحد، والشيخ الأمين -رحمه الله تعالى- يقول: "هذا لا يثبت عن مالك، مالك أجلّ من أن يُقدِّم القياس على خبر الواحد".

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •