في الغزل الصوفي من الإيغال في الرمزية ، ما لا يمكن أن يحكم فيه غير الأديب الكبير ، ولا يمكن للفقيه الذي لم يبلغ درجة الإمامة في الأدب أن يحكم فيه ، فكيف بعوام المتمشيخين وطلبة العلم .
ومع غلوه في الرمزية ، والتي قد يُنتقد بعضها ، فإني أجد فيه أيضا فكرةَ إيجاد البديل عن غزل الغرائز ووصف العشق البشري ، فكأنهم يقولون للشعراء : وفّروا حبكم ، وأخلصوه لله تعالى ، فهو أعظم محبوب ، وأجمل موجود ، وأقرب قريب . كل جميل هو من جماله جمّله ، وكل لطيف بلطف منه لطّفه ، وكل روحين تلاقيتا وأنفاس هناك تخالطت فهو منها أقرب من الأرواح للأرواح ، وألذ أنفاس هي أنفاس المناجاة !
ولذلك كان هذا الغزل من أسرار التصوف ، التي تفتن من يقترب منها ممن يجهل رمزيتها ، ولو كُتمت احترقت قلوب العاشقين ! وهي نموذج للاستبدال بالتشوّق إلى الفاني تشوقًا إلى الباقي عز وجل !

د/حاتم العوني.