الموضوع: احوال اهل الكتاب في بغداد ايام الحكم العثماني

احوال اهل الكتاب في بغداد

ايام الحكم العثماني

الغرض من هذا البحث البسيط هو ليس رداً على اقوال الاقليات و دحض مزاععمهم بالاضطهاد باعتبارهم اقليات غير مسلمة في وسط منطقة اسلامية بل الكشف بان المجتمع الشرقي و بالاخص العراقي هو الاقل تعنصرا و تعسفا ولم اقل معدوما فالطبيعة البشرية تغلب التطبع.لو تأملنا

في وضع اهل الكتاب بلمحة سريعة هذه الأيام لوجدنا تغييراً في خريطة

تواجدهم الديمغرافية لأسباب معلومة اثرت فيهم مثلما اثرت تماماً على كل الطوائف والأديان في العراق فقد طالهم التهجير كما طال السنه في المناطق الشيعيه والشيعه في المناطق التي اريد لها ان تكون سنيه.. في حين عاش اهل الكتاب في هذا البلد لمئات بل للآلاف السنين وهم جزء لا يتجزأ من النسيج الأجتماعي لشعبها الأصيل..

عاشت الاقليات في المنطقة في زمان كان بة التطهير العرقي و قتل البشر اسهل من شربة ماء. عصر كانت للطرف الاخر فية القوه الغالبة عسكريا و اقتصاديا, ومنا من قرأ في كتب التاريخ عن اكبر عملية تطهير عرقي و ديني في اسبانيا انذاك (حيث اندحرت بلاد الاندلس و قد تم ذبح او ترحيل من لا يغير دينة, بل على الذين غيروا دينهم ان يثبت اعتناقهم المسيحيه عمليا بتربية الخنازير و هذا وقع على المسلمين و اليهود).

ولا يخلو وقتنا الحاضر من شتى انواع الطرق الملتويه لطمس معالم وآثار الحضارة الأسلامية في كل مكان في العالم وبحجج واهية.

شخصيا شاهدت هدم جامع في اليونان, اثينا وهي من مخلفات الاتراك وبحجة انها آيلة للسقوط في منتصف الثمانينات من القرن العشرين. وكذلك نشاهدعلى التلفاز اخواننا الفلسطنيين و ما يعانوه من سلب وتجبر اكثر بكثير من قرارات هارون الرشيد و المتوكل بحق اليهود.

بينما نجد في الشرق الاوسط و العراق على وجه الخصوص قرى و محلات في بغداد مسيحية بالكامل و اخرى يهودية, وهذا وحده علامة من علامات التعايش و قبول الاخر.

ولابد من الأشاره الى الأعتماد الكامل في هذا

الموضوع على المصادر الغربية حيث هي اقرب الى عقل وقلب الاقليات باعتبارهم جهه ليس لها مصلحة في الموضوع.

ولاية بغداد العثمانية الممتده من ديار بكرعلى ضفتي نهري دجلة والفرات و من ديار بكر الى اليمن, مساحة شاسعة تحوي على كثير من المدن منها الموصل و عنة والبصرة والكويت ففي 1878 تم فصل الموصل عن بغداد و تبعتها ولاية البصره سنة1884م.

هناك من يعتقد ان اسم بغداد كان موجوداً قبل حكم العباسين و حتى قبل الاسلام و يقال انها مذكوره في التلموذ و هو احد اهم كتب الديانة اليهودية. كتب اثناء السبي اليهودي و جلب اليهود الى مدينة بابل, ومن اشهر الاسرى الذين قادهم الملك نبوخدنصر الى بابل هو النبي دانيال و جعلة من كبار القصر فيما بعد.

في بابل ايضاً ظهر نبيهم حزقيال المعروف بـ (ذي الكفل) ويزور قبره المسلمون واليهود في المدينة المسماة باسمه إلى اليوم في الجنوب..
وفي العراق كذلك، جمع (عزرا) أسفار التوراة، ومات في العراق، وقبره في مدينة (العزير) في الجنوب.

عندما بنى المنصور بغداد المدوره في منطقة الكرخ كان هناك قنطره تدعى قنطرة اليهود على نهر الكرخا.

امر الخليفة العباسي هارون الرشيد بان يلبس اليهود و النصارى ما يميزهم عن اخوانهم المسلمين و منعهم من ركوب الخيل و لكنهم عاشو بسلام ووئام ولهم الحرية في العباده و بناء المعابد الخاصة لكل منهم, تكاثروا ضمن قوانين تحمي حقوقهم (في زمن غير زمننا هذا اذ ليس ثمة ناصر ولا جمعية حقوق انسان و لا محكمة دوليه ...الخ)

في القرن الثاني عشر كان لليهود شبة حكم ذاتي فالخليفة المكتفي قد كلف صموئيل هسديا و هو من اغنياء اليهود بان يجمع لة الضرائب من عوائل اليهود و تعد بالف عائلة و عشرة عوائل يسوعية وكان لهم ثلاثة كنيس بالاضافة الى بيت دانيال على ضفة النهر.

اما اليسوعين فكان لهم كبير اسمة عالي و ابنة ساموئيل. هجر قسم من اليهود العراق حيث لم تكن بدافع الرغبة بالذهاب الى اوربا او نتيجة اضطهاد واقع عليهم بل كان نتيجة الهجوم و الزحف المغولي.

كان هناك طبيب في بغداد اسمة سعد الدولة و الذي استشير من قبل ارغون المغولي في جميع الامور الاقتصادية و كان عمود القوه التي يتكئ علية باقي اليهود ايام ارغون و نتيجة ذلك سالت كثير من دمائهم في شوارع المدينة بعد وفاة ارغون.

الحدث الاخر هو اكتساح تيمورلنك بداية القرن الخامس عشر و الذي اجبرالكثير من اليهود باللجوء الى بغداد.

أول ما قامت به هذه الجيوش الغازية من جرائم كانت حملة وحشية لإبادة المسيحيين وغير المسيحيين في العراق حيث ذبحت الآلاف و دمرت كنائس و اضطر الناجين الى الاحتماء بجبال كردستان.

في القرن السادس عشر احتل الاتراك العثمانيون العراق بعهد سليمان القانوني حيث يذكر المعاملة الحسنة التي عامل بها هذا السلطان المعروف بالحكمة، لدرجة أن أحدهم المعروف بإسحق زرقاني بعث برسالة الى يهود ألمانيا والمجر يدعوهم فيها الى الهجرة الى بلاد الأتراك.

كما أسست معابد وبنيت مراقد يهودية كحال قبر (النبي ناحوم) في قرية (القوش) المجاورة للموصل أو (يوشع) الكاهن في الكرخ

الرحالة تكسيرا البرتغالي قد زار بغداد بداية القرن السابع عشر و اشار الى وجود 200-300 عائلة يهودية داخل سور بغداد يعيشون في مناطق قريبة من خاناتهم (اسوقهم).

وبها 200-300 دار من اليهود وعشرة بيوت من الارمن و ثمانية بيوت من المسحين النسطورين (النسطورين هم جماعة ورقة ابن نوفل والمنتشرين منذ القدم في الشرق الاوسط و قد انقرض او كاد ان ينقرض هذا المذهب و الذي يعتبر عيسى ابن مريم هو رسول الله مشابة للتعاليم الاسلامية لذلك لم يتصادم المسلمين معهم عقائديا) كذلك حدث عن وجود قبر او مبنى صغير له احترام من الاسلام واليهود حيث يقال انه مدفون به رجل دين يهودي من كبار القسسة عبارة عن ضريح عليه صندوق من الخشب وباتجاه الراس لوحة من النحاس كتب عليها القس الكبير يوشع.

الرحالة بيتر ديللا الايطالي زار مدينة عانة و التقى بالشيخ فياض ابو ريشا وعلى ضفاف النهر توجة الى بغداد و دخلها من مدينة الكاظمية بتاريخ 25 تشرين الاول 1616م و احب بغداد المدينة باسوارها و بساتينها و ناسها فتزوج من بنت بغدادية بعمر ستة عشر و هي معالي ينت حبيب جان جويريده من اكابر عوائل بغداد النسطوريين وامها من الارمن و عمل لها عرس لم يرى مثلة. كانا يتخاطبا بالتركية حيث الرحالة لا يعرف العربية. توفيت هذه العروس البغدادية و هي حامل على اثر الحمى في30 كانون الاول 1621م في مدينة مينا في بلاد فارس وقد ذكر الاب حداد ان الرحالة قد حنط زوجتة واكمل رحلتة ليدفنها في مقبرة العائلة في روما و قد احاط قبرها بالنفائس من بلاد العرب و مصر و فارس و هذه قمة في الرومانسية لكن الاب قد غفل حدث مهم و هوالاضطرابات و سقوط بغداد الدموي بيد الصفويين و الذي منعة من اخذها الى بغداد القريبة علية و قريبة على نفس زوجتة لذلك اضطر الى اخذها معة في رحلت العوده الى روما و حمل معة من النفائس الشرقية الى مرقدها لكي يشعر بانها في ارض مألوفة.

اما الرحالة نيبور1766م فقد ذكر ان اليهود هنا يتمتعون بحرية اكبر من اوربا و اشار الى النسطورين و الى بطريكهم في القوش (ايليا) وتحت اشرافة و نفوذه الديني 300 قرية مسيحية. اما جماعة العمادية من النسطورين فلهم بطريك اخر كذلك اشار الى النسطورين في الموصل و الى اليعقوبيين المسيحيين.

فأن هذا المذهب النسطوري انتشر بشكل رئيسي بين مسيحي العراق شرق نهر الفرات وموجود في الهند وفارس و حتى الصين و هو السائد في شبة الجزيره العربية في القرن السابع وهي ايام فجر الرسالة الاسلامية و علية عندما نقرأ في كتب التاريخ عن الموقف المشرف للنصارى في دعم بداية الرسالة كان هذا موقف النسطورين اصحاب الاب ورقة بن نوفل. فبحسب النسطورية لا يوجد اتحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص يسوع المسيح مما يجعلة مع تناغم و العقيدة الاسلامية. ونسطور هو بطريك القسطنطنية 428م الىٍ 432م. للاسف انقرض النسطورين نتيجة حملات التبشيرية في القرن التاسع عشر والعشرين التي مرت على العراق و باعتقادي الخاص هذه خساره كبيره نتيجة قلة وعي الدولة.

وتوجد مقاطعات صغيرة تخضع بصورة غير مباشرة للولايات السابقة مثل العمادية وزاخو ومنطقة ( جكارية ) وتقع شرق العمادية ويسكنها النسطوريون ولهم بطريرك خاص بهم.

في 10 اذار وصل نيبور الى كركوك ويقول عنها انها تقع في وادي جميل وخصب وفيها حامية للإنكشاريين وتضم اضرحة الأنبياء دانيل وميخائيل واليعازر

وفي طريقه الى الموصل يمر بالعديد من القرى المسيحية مثل كرماليس والقوش ويقول ان بطريرك النسطوريين يقيم في القوش واسمه ايليا واخبره ان مناطق نفوذه تشمل 300 قرية مسيحية.

يملك مسيحي الموصل عشر كنائس ويقول لم يشاهد مثلها في بلاد الشرق ولاسيما كنيسة النسطوريين وكنيسة اليعقوبيين. كما يقول انه فوجئ بجو التسامح الديني الموجود في المدينة حيث لايوجد في اي بلد في الشرق مثل هذا الجو . ويبلغ عدد منازل المسيحين 1200 منزلا ومنازل اليهود 150 منزلا ورأى ان اليهود يتمتعون في الموصل بحرية تفوق تلك التي يتمتع بها يهود اوربا.

تضم مدينة الموصل 15 خانا ينزل بها الأجانب ، وتحوي حمامات ومقهى واسواق شعبية معظمها لعائلة عبد الجليل اي اقارب امين باشا حاكم المدينة ، ويقول ان عبد الجليل كان نسطوري الأصل . وعائلة عبد الجليل ذات نفوذ واسع في المدينة الذي اجبر السلطان على تعيين احد افرادها حاكما على الموصل.

بداية القرن التاسع عشر كان في بغداد اغنى صيرفي وهو حسقيل بغدادلي و كان على اطلاع عالي في امور السياسة فاستدعي الى اسطنبول ليشغل مركز صراف باشي 1820 الى 1826 هو ما يعني بمحافظ البنك المركزي و بعد مده صدر بحقة عقوبة الاعدام بامور تتعلق بقضية تخص الارمن في مدينة عادليا في اسيا الصغرى.

الرحالة بنجامين الثاني1847 يؤشر الى وجود 3000 اسرة يهودية و في حالة ميسوره وسعيدين في معيشتهم في بغداد و تحت رعاية حاخام باشي يعقوب ابن يوسف و آليا عبيدا ورابين بن عبدالله , كان كل رجل يهودي يدفع ضربة بين 15 الى 120 بيزه .

ناشي يوسف موشي رابين يذكر وجود تسعة كنيست في بغداد منها ثمانية في محلة واحدة ة التاسع كنيست ضخم مشيد على 16 ركيزه يسمى بيت كنست شيخ اسحاق.

اما فيما يخص الجانب التجاري فقد كان لليهود الباع الأكبر,

فتجارة بغداد مع الهند (وهي ليست بالشيئ القليل)كان مسيطراً عليها من قبل اليهود الذين يملكون المصانع في كلكتا و مونبي(بونبي) و سنغافورا و يقال عنهم مسيطرين على مصادر البضاعة و مصادر الخزن و التصريف و مصادر المال و الصيرفة و كان عدد اليهود 16000 نسمة و 1500 نسمة من المسيحيين و 40 الف مسلم داخل اسوار بغداد.

وأسست عام 1840م المدرسة اليهودية الكبيرة المعروفة بـ بيت زيلخا لتخريج الحاخامات..

في 1860 الرحالة بيتمان من برلين حدد 1300 عائلة يهودية في بغداد و هي بحدود 2300 شخص يدفعون الضرائب و اقدم عائلة فيهم انحدرت من مدينة عانة.

في نفس هذا العام حدثت ضجة و مشكلة هي مرقد حسقيل الذي يدعي اليهود زيارتة شهريا (المشكلة ليست دينية بل حول ملكية الارض التي بها المرقد).

وهذا ما حدث سنة 1898م حول مرقد النبي اليهودي يوشاع الذي ذكره الرحالة تكسيرا.

1877 م حل بلاء الطاعون على بغداد و فتك باهلها و قد لجاء اليهود الى اتخاذ مخيم خارج السور و في عزلة تامة ولا تذكر اي قصص عن مأساتهم وقد تكون اضرارهم سطحية.

في عام 1890 قدر عدد اليهود 53800 يهودي في ولاية بغداد منهم 52500 داخل سور بغداد و 500 في الحلة و 800 في كربلاء.

كما طبع اليهود عدة كتب في القرن التاسع عشر منها قصة استر باللغة العربية من مطبوعات ساسون مردخ موشي و غيرها من كتب الدين.

هذا هو تاريخ العراق الحضاري متعدد المنابع و الافكار و الاديان كلوحة طبيعية ملونة,واليوم ننظر اليها وقد فقدت جزاً من الوانها عن قصد او بدون قصد فما علينا اليوم هو البحث عن انامل فنان بارع ليعيد اليها ما ذهب منها و المحافظة على ماتبقى من الوانها الأصيلة.

بحث و اعداد

غزوان فاضل قره علي

رد الله بغداد إلى المسلمين رد جميلا .