ما هي الصوفية، ومن هو الصوفي؟!
هل الصوفية يعرفون أصل تسميتهم؟
!
بقلم: أكرم بن محمد زيادة الفالوجي الأثري
الصوفية: مذهب يكاد يكون عند أكثر الديانات السماوية، وغير السماوية، ولا يختص بالمسلمين، وقد اختلف أهل التصوف في نسبته على أقوال عديدة، ومن لم يُعْرَفْ نَسَبُهُ من أبنائه فهو (لقيط)، وصاحبه وأبناؤه أدعياء، وكذلك الصوفية. وقد أُشْكِلَ سبب التسمية على شيوخهم، وقدمائهم، وأوليائهم، وعارفيهم!! الذين ـ بزعمهم ـ جمعوا علمي الظاهر والباطن، فهذا: «صاحب مد اليد، مولانا، القطب، الغوث، السيد، أحمد الرفاعي رضي الله عنه.. بركة الإسلام، وأستاذ الخواص والعوام، القطب، الغوث، المقدم، الذي امتازه الله على أوليائه بتقبيل يد النبي، صاحب الأيادي الجليلة، والخوارق الجزيلة، حامل الخفيفة والثقيلة، سيدنا الشيخ الكبير، السيد أحمد، ابن السيد أبي الحسن علي الرفاعي.. ابن سيد الأمة، وسند الأئمة، زوج البتول، وصهر الرسول، الذي قدره كاسمه (حسن)، وعلي أمير المؤمنين أبي الحسنين الإمام علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وذلك سنة [556] ست وخمسين وخمسمائة؛ السنة التي عاد بها من سفر حجه المبارك، قدس الله أسراره، وضاعف إرشاده وأنواره، في رباطه الشريف، بأم عبيده، على كرسي وعظه، في مجالس معدودة، جمعناها في هذا الجزء، وسميناه: «البرهان المؤيد لصاحب مد اليد مولانا الغوث الشريف الرفاعي أحمد»، وها هي كما تلقيناها منه رضي الله عنه قال نفعنا الله به:
«من أين جاء اسم الصوفية؟ أي سادة! الفقير على الطريق ما دام على السنة، فمتى حاد عنها زل عن الطريق. قيل لهذه الطائفة الصوفية، واختلف الناس في سبب التسمية، وسببها غريب لا يعرفه الكثير من الفقراء، وهو أن جماعة من مضر يقال لهم بنو الصوفة، وهو الغوث ابن مر بن أد بن طابخة الربيط، كانت أمه لا يعيش لها ولد، فنذرت إن عاش لها ولد لتربطن برأسه صوفة، وتجعله ربيط الكعبة، وقد كانوا يجيزون الحاج، إلى أن مَنَّ الله بظهور الإسلام فأسلموا، وكانوا عُبَّاداً، وَنُقِلَ عن بعضهم حديثُ رسول الله، فمن صحبهم سمي بالصوفي، وكذلك من صحب من صحبهم، أو تعبد ولبس الصوف ـ مثلهم ـ ينسبونه إليهم، فيقال: صوفي، وَنَوَّعَ الفقراءُ الأسبابَ، فمنهم من قال: التصوف: الصفاء. ومنهم من قال: المصافاة. وغير ذلك.
وكله صحيح من حيث معناه لأن أهل هذه الخرقة التزموا الصفاء والمصافاة، وعملوا بالآداب الظاهرة، وقالوا إنها تدل على الآداب الباطنة، وقالوا: حسن أدب الظاهر، عنوان أدب الباطن. وقالوا: من لم يعرف أدب الظاهر، لا يؤتمن على أدب الباطن. كل الآداب منحصرة في متابعة النبي قولاً، وفعلاً، وحالاً، وخلقاً، فالصوفي آدابه تدل على مقامه، زِنُوا أقواله، وأفعاله، وأحواله، وأخلاقه، بميزان الشرع، يُعلم لديكم ثقل ميزانه وخفته، خُلُقُ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، قال تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ [الأنعام:38]. من التزم الآداب الظاهرة دخل في جنسية القوم، وحسب في عدادهم، ومن لم يلتزم الآداب الظاهرة فهو فيهم غير، لا يلتبس حاله عليهم، لأن استعمال الآداب دليل الجنسية، بل تكون علة الضم. قال رويم ـ رحمه الله تعالى ـ: «التصوف كله أدب». وهذا الأدب الذي أشارت إليه الطائفة أدب الشرع.
كن متشرعاً ودع حاسدك يكذب عليك، وينسب ما يجب إليك.
ولست أبالي من رماني بريبة إذا كان سري عند ربي منزها
إذا كنت عند الله غير مريب فما ضرني واش أتى بغريب

انتهى كلام الرفاعي بحروفه من كتاب «البرهان المؤيد» (ص 27 ـ 28) لتلميذه شرف الدين الواسطي.
فإذا كان (صاحب مد اليد مولانا القطب الغوث السيد..) ـ وهو من هو في القوم! ـ لا يعرف أصل مذهبه وطريقته في دينه، ومعتقده، فكيف بمن دونه وغيره؟!
ثم رأينا لزاماً أن نعمل بوصية (صاحب مد اليد مولانا القطب الغوث السيد..) وأن نَزِنَهُ بميزان الشرع؛ لنعلم ثقل ميزانه وخفته! فوجدناه في ميزان الشرع خفيفاً، ينادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعوه من دون الله، وهو صلى الله عليه وسلم الذي جاء بشرع يجعل من هذا الدعاء عبادة لغير الله، تُحْبِطُ العملَ، وَتُبْطِلُ الإيمانَ، كما بلغ عن ربه: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ{7 3} مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{74} [الحج:73-74] أم أنه صلى الله عليه وسلم خلق ذباباً أو غيره، ومن قال من أهل الشرع الصحيح بجواز دعائه صلى الله عليه وسلم بعد موته.
ولماذا مدَّ النبي صلى الله عليه وسلم يده له من قبره لتحظى بها شفته دون غيره!! علماً أنه صلى الله عليه وسلم في حياته لم يكن يمد يده لأصحابه ليقبلوها، كما يفعل مشايخ الصوفية في زماننا، وعلى مدى الأزمنة الماضية، وانظر «تهذيب الرفاعية» (27).
والقلب الصوفي يختلف عن قلوب الناس، كما يختلف البطن الصوفي عن بطون العباد، فإن كان البطن الصوفي كبيراً يحتاج إلى من يرضيه بالطعام والشراب ـ كما سيأتي قريباً ـ فالقلب الصوفي كبير أيضاً، وهو حي لا يموت كما قال أبو سليمان الداراني القائل:
«القلب الصوفي قد رأى الله، وكل شيء يرى الله لا يموت، فمن رأى الله فقد خُلِّدَ، وكل كلمة خطها الصوفيه كانت خالدة، كالقلب الصوفي خالدة لا تموت، لأنها ارتبطت بالله، واستهدفت رضاه، واقتبست من هداه، وأشرقت بحبه وأضاءت بنوره». «التعرف لمذهب أهل التصوف» (ص: 3)
وهذا القلب الصوفي لا يعرف إلا (التعرف) كما يقول مقدم ومحقق كتاب: «التعرف لمذهب أهل التصوف» لمؤلفه: محمد الكلاباذي أبو بكر، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1400هـ. وينكر ويتعارض مع كل ما يتعلق بالعلوم الشرعية والطبيعية، ولا يجوز قياسه بتلك العلوم، لأنها عاجزة عن إدراك كنهه، ومعرفة حقيقته، ولت تقود إلا إلى الظلمة، فيلخص ذلك بقوله:
«إن أمر التصوف ـ في الواقع ـ ليس أمر جدل، أو بحث، أو أخذ، ورد، وإنما هو: (تعرف).
والقياس فيه، والمنطق، والاستدلال، والبحث، والدراسة، والأسلوب العلمي، يصيب ظاهراً منه، وشكلاً، أو رسماً، وربما كانت حجاباً، أو ظلمةً، تبعد الدارس عن النور، بدل أن تغمره بلألائه.
ومن المؤكد أن الذين لا يعلمون إلا ظاهراً من الأمر، هم عن الحقيقة محجوبون.
والتصوف تجربة، والتجربة شعور، والشعور ليس منطقاً، ولا برهاناً، إنما هو (تعرف).
وحينما دخل المنطق والبرهان في التصوف، وكان أوضحُ مَثَلٍ لذلك دراسات المستشرقين، ومن لف لَفَّهَمْ من الشرقيين، أفسد ذلك التصوفَ لأنه حول النبع المتدفق إلى ركودٍ آسنٍ، وحول السناء المتلألئ إلى ظلمة حالكة، وأرجع فضل الله ونعمته إلى مرض من الأمراض يعالج بالمادة، ويشفى بالعقاقير.
إن التصوف ليس علماً، وإذا تدخل العلم فيه أفسده، كإفساد العلم المزيف للدين، حينما تدخل في الوحي والنبوة والألوهية، ونقول: «العلم المزيف» لأن العلم الصحيح لا يتعدى حدوده، وللعلم الصحيح دائرته، وهي التجربة المادية التي لا يتعداها.
والتصوف تجربة روحية، وليس للمادة شأن بالروح، فليس للعلم بالمعنى الحديث إذاً شأن بالتصوف.
إن العلم أرض ومادة وحس، والتصوف سماء، وروح، وذوق، وأمر التصوف في النهاية (تعرف) لا دراسة، أو جدل، أو علم.
وإذا ما وصلنا إلى هذه النتيجة ـ التي هي في رأينا ـ صحيحة كل الصحة، فإن معنى ذلك أن من لا يشعر بالشعور الصوفي فإنه لا يتعرف عليه، كما أن من لم يسلك طريقاً معيناً بالذات ـ ولو مرة واحدة ـ فإنه لا يتعرف على ما فيه من ظل ظليل، أو زهور ناضرات، وقديما قالوا: «من ذاق عرف». انتهى. من «التعرف لمذهب أهل التصوف» (ص: 11ـ12).
وهذا الذَوَاقُ أدى إلى اغتراف يتناقض في جوهره مع هذا الذي قاله هذا الصوفي هنا، إذ من عجائب ما سمعت من بعض الصوفية، ما قاله أحد الكتاب المتصوفة ويدعى (حسن حميد) في مقابلة إذاعية في إذاعة دمشق، ليلة الاثنين؛ الرابع عشر، من رمضان سنة 1426 هـ. الموافق 17/تشرين أول/2005م ـ حول رموز وإشارات وألفاظ الصوفية ـ حيث ساوى في شهادته بين التصوف والفلسفة، فعد فيما عد من الصوفية: الفارابي، وابن سينا، وأفلاطون، والسهروردي، والحلاج، وأرسطو!!!.
ومن الطرائف المضحكات المبكيات التي ذكرها: «أنه كان خلال دراسته في جامعة دمشق كلما قرأ صفحة من كتب القوم كافأ نفسه على ذلك بالطعام، وأدخل عليها من الطعام ما يعوض الطاقة التي فقدها في فهم كلامهم، لأن كلامهم ـ حسب رأيه ـ يستنفد الطاقات لفهمه، لأنه يقرب من الحق!». انتهى. بمعناه.
وهكذا يكون الاغتراف بعد الذواق كما أراد صاحبه الذي سبقه. فأين كلام الحق: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر:17 و22و32و40]، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً[الإسراء:82]، و قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء [فصلت:44] . من كلام الصوفية الذي لا يزيد الصوفيين إلا حيرةً، وجوعاً، ونهماً للطعام، ولعل هذا سر ارتباط الصوفية وحلقاتهم، ومجالسهم، و(حضراتهم) بالطعام والشراب، والذي ينم عن ضعف أو انعدام في الإيمان. كما أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله:«والمؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء». رواه البخاري (5078) ومسلم (2060) ـ كلاهما، وغيرهما ـ عن ابن عمر، ولهما، ولغيرهما فيه طرق وألفاظ، والموضعين السابقين يبينان سبب إيراد ابن عمر للحديث، إذ قال نافع: «كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه، فأدخلت رجلا يأكل معه، فأكل كثيراً فقال: يا نافع! لا تُدْخِلْ هذا عَلَيَّ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول. وذكره.
إذاً فهذه شهادة الصوفية على أنفسهم، لا شهادة مخالفيهم عليهم:
1ـ لا يعرفون أصلاً لتسميتهم بهذا الاسم.
2ـ ضرورة وزنهم بميزان الشرع لا غيره.
3ـ تناقضهم في اعترافهم بهذا الميزان وقبوله.
4ـ لا يتعدى التصوف الذوق، والعلوم تفسده.
5ـ التصوف لا يمت للعلم والمنطق والتجربة بصلة.
6ـ الذوق عند الصوفية يؤدي إلى التعرف فالاغتراف.
7ـ والاغتراف يكون بالنهم في الطعام والشراب، ومكافأة النفس الصوفية بهما لتقوى على التذوق والفهم الصوفيين.
8ـ ميزان الشرع النبوي الذي يَدْعُونَ إليه يدينهم، ويحكم عليهم بمخالفته
جنبنا الله وإياكم الهوى، والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وألزمنا ـ وإياكم ـ شرع محمد صلى الله عليه وسلم نَزِنُ به أنفسنا، ونزن به غيرنا، ويزننا به مولانا ـ مع فضله ـ يوم لا ينفع مال ولا بنون.
والحمد لله رب العالمين