الحمد لله

يظن أغلب الناس - مسلمون ونصارى ويهود - أن الشيطان والمسيح الدجال هما مخلوقان مختلفان منفصلان عن بعضهما ولا رابط بينهما. هذا الظن لطالما تسبّب في اختلافٍ وتصادمٍ وتعارضٍ لدى كثير من الناس لمئات السنين. فمن متمسّكٍ بالنصوص قائلٍ بأن الدجال لم يخرج بعد، ورأيه معتبر، إلى متأوّل للنصوص قائلٍ بأن الدجال خرج فعلاً ورأيه كذلك معتبر، إلى قائل بأن الدجال هو آدمي بعينه ورأيه معتبر، إلى قائل بأن الدجال هو منظمة أو دولة أو حضارة ورأيه كذلك معتبر، إلى غير ذلك من التصادم والتضارب. وأنا هنا أقول: إن المسيح الدجال ليس هو إلا الشيطان بعينه في جسد آدمي، وبقولي هذا سيزول التصادم والتعارض بإذن الله كما سأبين لاحقاً.

سأبين أولاً فيما يلي الأسباب التي دعتني إلى الاعتقاد بأن المسيح الدجال ليس هو إلا الشيطان بعينه تلبس في جسد آدمي:

1 – يقول الله تعالى: "قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)" سورة الأعراف.

لا شك أن الشيطان هو المخلوق الوحيد الذي أنظره الله إلى يوم يبعثون، فهو حي بأذن من الله ولم يمت منذ أن لعنه الله وأخزاه، ولا أعلم من كتاب الله وسنة نبيه ما يفيد بأن هناك مخلوقاً آخر من مخلوقات الله (المعادية) لبني آدم من لم يسرِ عليه الموت ولن يسري حتى قيام الساعة سوى الشيطان. لكني أعلم كذلك من سنة رسول الله أن هناك مخلوقاً له خرجات وخرجات، تحرّى خروجه رسول الله وأمر أصحابه أن يتحروا خروجه وحذر من فتنته، وهو المسيح الدجال، بما يدل على أن الدجال حي كذلك منذ دهور كما الشيطان. وحيث أن هناك مخلوقاً واحداً فقط من المنظرين المعادين لبني آدم فليس من تفسير إلا أن يكون هذا الدجال هو الشيطان بعينه.

من خلال طرحي لهذه النقطة في السابق وجدت من رد بالقول أن الشيطان ليس هو المخلوق الوحيد المنظر، والدليل قول الله تعالى: "قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)" - سورة الأعراف. من يقول بهذا فعليه أن يثبت أن "من" هنا هي من التبعيضية وليست من البيانية.

2 – جاء في صحيح البخاري: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - - قَالَ «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ ، إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ».

من هذا الحديث نعلم أن الأنبياء جميعاً حذروا قومهم المسيح الدجال، ولكننا نعلم من كتاب الله وسنة نبيه أن الأنبياء جميعاً حذروا قومهم من مخلوق آخر كذلك، ويكاد يكون التحذير من ذلك المخلوق الآخر أساس كل دعوتهم، إنه الشيطان الرجيم، العدو المبين لبني آدم، والشواهد من كتاب الله لتحذير الأنبياء قومهم من الشيطان كثيرة جداً لا متسع لسردها. وهذا يدل على أن المسيح الدجال هو الشيطان بعينه.

3 – يقول الله تعالى: "قالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)" - سورة الإسراء.

خطة الشيطان ومنتهى أمله وهدفه بعد أن قنط من رحمة الله هو أن يحتنك ذرية آدم أجمعين، وذلك بإضلالهم بكافة الطرق والأساليب منذ أن هبط مع آدم وحتى قيام الساعة. هذه الخطة يشترك فيها معه المسيح الدجال، فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبت أن أغلب ذرية آدم إلا قليلاً سيتبع الدجال ويصدقونه. وبالتالي فليس المسيح الدجال سوى الشيطان بعينه.

4 – يقول الله تعالى: "يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)" – سورة الأعراف

نعلم من هذه الآية وغيرها أن الشيطان حي وموجود بيننا، ولكننا لا نراه من حيث يرانا هو، وهذا يسري تماماً على المسيح الدجال، فهذا الأخير له خرجات وخرجات لإضلال البشر على مر العصور، حتى أن كثيراً من العلماء نتيجة لعدم فهمهم العلاقة بين الشيطان والدجال قالوا بأن الدجال هو قابيل الذي قتل أخاه، وهو السامري الذي صنع العجل، وهو الحضارة الغربية التي أفسدت في البر والحر، وهو قناة الجزيرة الإباحية الدجالة التي يتبعها جهلاء المسلمين بلا وعي وكأن ما يذاع فيها كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وغيرها من خرجات الدجال، ولكننا لم نر الدجال عياناً في هذه الشخوص التي ارتكبت الخطايا وأفسدت في الأرض وأضلت كثيراً من خلق الله، بل كل ما نرى من الدجال أفعاله من خلال هذه الشخوص. وحيث أننا نعلم دور الشيطان المنصوص عليه في كتاب الله وهو الوسوسة لبني آدم لجرهم لارتكاب الخطايا بدون أن يظهر هو عياناً، فلهذا يشترك الدجال والشيطان في رؤية أفعاله مع عدم قدرتنا على رؤيته.

5 – يقول الله تعالى : " قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)" – سورة النمل

وعن عامر بن عبدة قال: قال عبد الله: "إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم، فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون ، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلا أعرف وجهه، ولا أدري ما اسمه يحدث" - رواه مسلم في صحيحه

نعلم من كتاب الله وسنة نبيه ما للشياطين من قوى وقدرات هائلة وحيل بارعة بها تستطيع أن ترهب أعين الناس فتظهر لهم الآيات فيخيل إليهم من سحرهم أنها حقيقة، فما بالك بقوى أبليس نفسه وهو كبير الشياطين ورئيسهم! لا شك أنه يمتلك قوى وقدرات تمكنه من الإتيان بسحر عظيم وخوارق لا يستطيع ضعاف الإيمان إلا أن يصدقوه ويظنوا أنها آيات من عند الله إن سلطها عليهم. هذا بالضبط ما جاء في السنة من وصف المسيح الدجال، فهو يمتلك من القدرات العظيمة ما يجعله يوهم الناس فيخيل إليهم أنه يميت الأحياء ويحيي الموتى، إلى غير ذلك من خدعه وسحره وحيله فيصدقوه. مما يدل على أنه والشيطان مخلوق واحد.

6 - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -- قَالَ « مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ». ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) - رواه مسلم في صحيحه

هذا الحديث يؤكد العلاقة بين الشيطان وبين اليهودي القطط الذي جاء وصفه في السنة، وأن اجتماعهما في جسد واحد هو الدجال. فالمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام لم ينخسه الشيطان، لأن الله تقبل دعوة امرأة عمران فأعاذه من النخس، فابى الشيطان إلا أن ينخسه، لكنه بالطبع لا يستطيع معاندة قدرة الله العظيم التي قضت منعه من ذلك، ولهذا، سينخس الشيطان ذلك اليهودي أكبر نخسة نخسها الشيطان لأحد من بني آدم في تاريخ البشرية، فيتكلم على لسانه ويدعى أنه المسيح عيسى ابن مريم فيصدق الناس أنه المسيح بن مريم، وما هو إلا المسيح الدجال، فيضلهم جميعاً. وكأن لسان حاله يقول لرب العزة:

"يا ربِّ، هذا الذي أعذته من نخستي، وعزتك وجلالك، لآخذن به خلقاً كثيراً."

وسيفعل -لعنه الله وأخزاه- كما ثبت في السنة

7 – روى الإمام أحمد والطحاوي في فتنة الدجال عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويبعث الله معه –يعني الدجال- شياطين تكلم الناس، ومعه فتنة عظيمة، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفساً ثم يحييها فيما يرى الناس، لا يسلط على غيرها من الناس، ويقول: أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب"، قال: "فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام فيأتيهم، فيحاصرهم، فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى ابن مريم فينادي من السحر، فيقول: يا أيها الناس، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جني، فينطلقون فإذا هم بعيسى ابن مريم، فتقام الصلاة، فيقال له: تقدم يا روح الله، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه"، قال: "فحين يرى الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشي إليه، فيقتله حتى إن الشجرة والحجر ينادي: يا روح الله ، هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله"

من المعلوم أن الذين يشتد عليهم حصار الدجال ويجهدهم جهداً شديداً هم صفوة عباد الله في آخر الزمان من المسلمين المؤمنين الذين لم يتبعوا الدجال، والمؤمن المسلم يؤتيه الله البصيرة حتى ليكاد يرى بنور الله ما لا يراه غيره من الذين أعمى الله أبصارهم وأصم آذانهم. هؤلاء المسلمون المؤمنون هم الذين يتبعون المسيح ابن مريم حين ينزل، وحين يسألهم: يا أيها الناس، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ يقولون: هذا رجل جني! تُرى ماذا رأى هؤلاء الصفوة من عباد الله في آخر الزمان في الدجال ليقولوا أنهم رجل جني؟ حكمهم على الدجال هذا حكم معتبر، ويجب الوقوف عنده طويلاً، لا بد أنهم رأوا منه ما يدل على أنه جنّي، أي: رجل ممسوس يتكلم الشيطان على لسانه ويبطش بيديه.

8 - من الغريب والعجيب -يتساءل كثير من الناس- أن فتنة الدجال رغم أنها أكبر فتنة يتعرض لها البشر منذ خلق الله آدم وحتى تقوم الساعة لم يتناولها القرآن! فعلاً، ألا يسأل أحدكم نفسه: كيف لمثل هذه الفتنة العظيمة ألّا تذكر في القرآن طالما هي بهذه الأهمية وبهذه الضخامة؟ فسّر العلماء عدم ذكر المسيح الدجال في القرآن تفسيرات كثيرة غير مقنعة على الإطلاق، والحقيقة أنهم لو اعتنقوا فكرة بحثي هذا لما اضطروا إلى ذلك أصلاً، ففتنة الدجال ذكرت فعلاً في القرآن أكثر مما يتصور كثير من المسلمين. ببساطة لأن الدجال هو الشيطان بعينه، والشيطان ذُكر وحُذّر منه في القرآن مراراً وتكراراً.

السؤال الآن هو: لماذا التبس على الناس أمر الشيطان والمسيح الدجال حتى ظنوا أنهما مخلوقان مختلفان منفصلان؟

السبب هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قبله أنبياء الله جميعاً عليهم السلام حذروا قومهم من الشيطان في كل مناسبة وبشكل متواصل من أدوار عدة للشيطان يلعبها لإهلاك بني آدم، وهي الأمر بالفحشاء والسوء وسفك الدماء وغيرها من الخطايا، ولكن الأنبياء حذروا قومهم في مناسبات نادرة من أخطر دور يلعبه الشيطان على الإطلاق من بين هذه الأدوار الخبيثة سيأتي في قابل الدهور. هذا الدور هو انتحال الشيطان لشخصية نبي الله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.

حين سمّى رسول الله الشيطان باسم المسيح الدجال وهو يحذر الناس منه، كان يقصد التحذير من الشيطان بعينه، ولكنه لم يكن يقصد كل أدوار الشيطان في إغواء بني آدم المذكورة سالفاً فهذه ذكرها لهم مراراً وتلاها عليهم تكراراً من القرآن، بل كان يقصد التحذير من دور واحد للشيطان هو أخطر أدواره على الإطلاق، وهو انتحاله لشخص عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم. تعلمون أن المسيح عيسى بن مريم الحقيقي هو رجل من بني آدم يحبه ويحترمه ويقدسه المسلمون واليهود والنصارى على السواء وان اختلف منطلق كل منهم لحبه. فالمسلمون يعتبرونه نبي الله الذي رفعه الله إليه والذي سيعود في آخر الزمان. والنصارى يعتبرونه مخلّصهم وربهم وابن ربهم. واليهود يعتبرونه نبيهم وملكهم الموعود الذي سيمكن لهم حكم العالم. الشيطان يعلم ذلك تمام المعرفة، ويعرف مدى حب بني آدم على اختلاف معتقداتهم للمسيح عيسى بن مريم، ولذلك فهو لن يفوت فرصة استغلال هذا الحب والتبجيل لإضلالهم.

الشيطان حي موجود منذ هبط آدم، يلازمه ويجري منه مجرى الدم في العروق، يقوم بعمله الدؤوب في إغواء البشر، وقد أهلك طوال هذه العصور من البشر خلقاً كثيراً، أمم تتبعها أمم تسبب الشيطان في إهلاكها جميعاً. وكآخر ضربة له في آخر الزمان يريد الشيطان أهلاك أكبر عدد ممكن دفعة واحدة وفي وقت واحد، ويريد هذه المرة أن يخرج على بني آدم ليروه رؤية العين، فيمعن بذلك ويتمادى في الاستهزاء بهم مصداقاً لقوله تعالى: "قالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ"، فالشيطان يستصغر شأن آدم منذ أول يوم رآه فيه، ويريد أن يثبت لله أن ذلك المخلوق الطيني الذي فضله عليه أقل شأنا من أن يهلكه وهو متخفي، بل يستطيع حتى لو ظهر له عياناً أن يخدعه ويهلكه وذريته جميعاً. ولكن، وحيث أن الشيطان مخلوق ناري لا جسد مادي له ولا يمكن للآدميين أن يروه بسبب طينيتهم، فلابد للشيطان للخروج وإظهار نفسه لبني آدم من جسد آدمي يتخذه مطية يتكلم من خلاله إلى البشر فيغويهم الغواية الكبرى، وهي ادعاؤه أنه المسيح بن مريم، ربهم الأعلى، فيحتنك بذلك البقية الباقية من بني آدم جميعاً في فتنة وابتلاء لم سيبق له مثيل في تاريخ البشرية. تلك المطية، الجسد الآدمي، هو جسد ذلك الرجل اليهودي القطط الذي جاء وصفه في الأحاديث الشريفة، قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِى عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّى أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ".

بهذا الفهم، نستطيع أن نوفق بين من يقول أن المسيح الدجال لم يخرج بعد وبين من يقول أنه خرج فعلاً... لأن هذا الاختلاف الذي طال أمده سببه أن الفريق الأول يتكلم عن الجسد الآدمي للدجال وهو ذلك الشاب اليهودي القطط، أما الفريق الثاني فيتكلم عن الجوهر الناري للدجال. فالجسد الناري خرج فعلاً منذ أول يوم وضع فيه آدم قدمه على الأرض وهو الشيطان، أما الجسد الآدمي فهو فعلاً لم يخرج بعد بل لم يولد بعد وسيولد في المستقبل شاباً يهودياً قططاً كما وصفه رسول الله.

بهذا المعنى يكون الفريقان محقّين كلٌ من وجهة نظره، فيوم خروج الدجال الذي ورد في السنة هو اليوم الذي يتلبس فيه الشيطان جسد ذلك الشاب اليهودي ويتكلم إلى البشر على لسانه، ذلك الشاب اليهودي هو رجل ملعون قدّر الله عليه الشقوة وأي شقوة. أظنه سيفعل من الأفاعيل قبل أن يتلبسه الشيطان ما يجعله يستحق ذلك العقاب الفريد. أظنه -والله أعلم- رجلاً فتياً حرباً على الإسلام مذ بلغ الحلم، أراه يخطط ويدبر في الخفاء كما يخطط ويدبر يهود اليوم ضد الإسلام ويظهر للناس وجهاً واحداً بريئاً، أراه يشن الحروب الخفية ويحيك المؤامرات الدنيئة للنيل من الإسلام والمسلمين، أراه يفسد ويسفك الدماء ولا يتورع عن قتل أخيه ومضاجعة أمه، أراه يحمل في قلبه حقداً رهيباً على كل ما يمت للإسلام بصلة، المهم أنه رجل ملعون مكتوب عليه الشقاء بما كسبت يداه، فليس أفضل عقاب يستحقه رجل كهذا من أن يكون في نهاية أمره مطية للشيطان الأكبر يتلبس جسده فيخاطب بني آدم بلسانه حتى يصرعه ابن مريم. هذا الرجل سيولد في المستقبل ويجده الشيطان أفضل من يتلبس في صورته من بني آدم، فيكون ذلك اليهودي القطط رجلاً ممسوساً يتخبطه الشيطان، ولكن هذه المرة ليس أي شيطان بل هو إبليس الذي أخرج أبانا آدم من الجنة بعينه.

الحقيقة، لدي كثير مما أقوله في هذا الموضوع، ولكني لا أريد أن أطيل عليكم، وأترك البقية لبصيرتكم وتدبركم. كل ما أود قوله هو أن تتفكروا في موضوع الدجال مع الأخذ بهذه الفكرة في أذهانكم وسوف تتكشف لكم حقائق كثيرة ومثيرة وسوف تجدون تفسيرات كثيرة لكثير من الغموض واللبس الذي أحاط بموضوع المسيح الدجال.

أخيراً لا مندوحة لي من القول بأن هذه الفكرة ليست ترفاً فكرياً، بل هي في غاية الأهمية، فمنذ وصلت لهذا الفهم لقضية الدجال زاد إيماني بديني كما لم يزد من قبل، ولم تعد شبهات النصارى واليهود والملاحدة تؤثر فيّ بفضل الله ومنته، ولم أعد أظن أن أعداء الإسلام غلبونا بما يحيكونه ضد الإسلام. أنا الآن على يقين أنهم هم أنفسهم مخدوعون، فحربهم على الإسلام هي خديعة أوقعهم الشيطان فيها ليهلكهم هم أنفسهم، وهو ما زال في طريقه لإهلاكهم كلما زادوا طغياناً وحرباً على الإسلام، ولهذا صرت أشفق عليهم بدل أن ألعن غباء المسلمين الذي أطمع وأضحك عليهم الأمم.

هذا والله أعلم.... إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان... والسلام