السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
تساءل بعض الإخوة في ملتقى أهل التفسير عن الآيات التي تتحدث عن شهادة الأعضاء و الجوارح يوم القيامة هل هي خاصة بالكفار و المنافقين أو عامة لكل الناس حتى المؤمنين منهم؟ و قد استعنت بالله و أرسلت إليه بهذا الجواب:
الذي يظهر و الله أعلم أن هذه الآيات خاصة بأهل الكفر و النفاق، فالمؤمن الموحد و إن كان عاصيا لا يمكن أن يحاول الكذب على الله حيث إن ما معه من التوحيد و الإيمان يمنعه من ذلك، فسيقر بذنوبه و مخالفاته و الله تعالى يقابل ذلك بالستر و العفو و المغفرة، بخلاف الكافر -و المنافق- الذي ليس معه من الإيمان ما يزجره عن الكذب، حيث سيحاول كتمان كفره و جرائمه و التملص من موبقاته، فعندئذ يختم الله تعالى على فيهه و تنطق جوارحه و أعضائه بكل ما يسوءه -عياذا بالله-.
و قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:"إن الله تعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه و ستره من الناس و يقرره بذنوبه فيقول : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه و رأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا و أنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه ; و أما الكافر و المنافق فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" ص ج:1894 -.
و روى الإمام ابن جرير الطبري تعالى بسنده عن أبي موسى الأشعري، قال: يُدعى المؤمن للحساب يوم القيامة، فَيَعْرضُ عليه رَبُّه عملَه فيما بينه وبينه، فيعترف فيقول: نعم أيْ رب، عملتُ عملتُ عملت. قال: فيغفر الله له ذنوبه، ويستره منها. قال: فما على الأرض خَليقة ترى من تلك الذنوب شيئًا، وتبدو حسناته، فَوَدَّ أن الناس كلهم يرونها، ويُدعى الكافر والمنافق للحساب، فَيَعرضُ رَبُّه عليه عمله، فيجحد وفيقول: أي رب، وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل. فيقول له الملك: أما عملت كذا، في يوم كذا، في مكان كذا؟ فيقول: لا وعزتك أيْ رب ما عملتُه. فإذا فعل ذلك خُتِم على فيه. قال أبو موسى الأشعري: فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى، ثم تلا الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ .
قال الفخر الرازي تعالى:"الختم لازم الكفار في الدنيا على قلوبهم وفي الآخرة على أفواههم ، ففي الوقت الذي كان الختم على قلوبهم كان قولهم بأفواههم/ كما قال تعالى : ذَالِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ (التوبة : 30) فلما ختم على أفواههم أيضاً لزم أن يكون قولهم بأعضائهم ، لأن الإنسان لا يملك غير القلب واللسان والأعضاء ، فإذا لم يبق القلب والفم تعين الجوارح والأركان.اهــ
و قال الحافظ تعالى:"وقوله تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ : هذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة، حين ينكرون ما اجترموه في الدنيا، ويحلفون ما فعلوه، فيختم الله على أفواههم، ويستنطق جوارحهم بما عملت."اهــ.
و المسألة تحتاج إلى مزيد بحث لكن هذا ما تيسر في هذه العجالة و من كان عنده تفصيل فلا يبخل و الله أعلم و أحكم.