شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (281)
صـــــ(1) إلى صــ(16)
قال رحمه الله: [وشراؤه على شرائه: كأن يقول لمن باعَ سلعةً بتسعةٍ: عندي فيها عشرةً].
كما لا يجوز بيع المسلم على بيع أخيه كذلك لا يجوز شراؤه على شراء أخيه، أي: يسوم على سوم أخيه المسلم فمثلاً: هناك عمارة أو أرض عرضها رجل للبيع، ولما عرضها جاء الناس يشترون ويسومون، فالسوم لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن تعرض العمارة أو الأرض ويترك الخيار للجميع يسومون ويزيدون، مثل بيع المزايدة أو ما يقع في حراج السيارات من عرض السيارات للمزايدة، فيجوز لك في هذه الحالة أن تزيد الثمن على أخيك؛ لأنه بيع مزايدة، ولم يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حرم بيع المزايدة.
وهناك حديث ضعيف: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزايدة)، لكنه حديث ردّه العلماء، وممن ضعفه الإمام البخاري رحمه الله، لكن يكون الإشكال إذا حصل البت بين البائع والشاري فيأتي آخر ويقطع بينهما، فلو عرضت السيارة مثلاً في الحراج وثبت السعر والمزاد، فلا يجوز لك أن تأتي وتقطع ما بين الطرفين، أي: إذا بتا ورضيا على أن السيارة تباع بعشرة آلاف فقد سام أخوك بعشرة آلاف ورضي البائع بيعها بعشرة آلاف، فلا يجوز في هذه الحالة أن تقول: أعطيك فيها خمسة عشر أعطيك فيها أحد عشر أعطيك فيها اثني عشر؛ لأنك سمت على سوم أخيك بعد التراكن، فبعد ركون البائع للمشتري وحصول الطمأنينة في الثمن لا يجوز أن تسوم على سوم أخيك، وعلى هذا حمل قوله: (ولا يَسِمُ المسلم على سوم أخيه)، (نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه)، أي: أخيه المسلم.
يبقى السؤال بالنسبة للذمي الكافر: فلو أن كافراً عرض سلعته بمائة وأنت سلعتك عرضتها بتسعين، وجاء رجل يريد أن يشتري من الكافر فقلت له: أنا عندي نفس السلعة بتسعين فظاهر الحديث تحريم بيع المسلم على بيع أخيه، وهذا مفهومه أنه إذا كان كافراً وليس من إخوانه -كما يقوله بعض العلماء- أنه يجوز أن يبيع على بيعه، وأن يسوم على سومه.
قال رحمه الله: [ليفسخَ ويعقد معه، ويبطل العقد فيهما].
أي: ليفسخ البائع الثاني بيع الأول ويعقد معه على سلعته وصفقته واللام للتعليل أي: من أجل أن يفسخ، ومراده بقوله (ليفسخ) أي: يفسخ البيعة الأولى لأخيه المسلم، أو من أجل أن يفسخ بالسوم الثاني السوم الأول، وهذا يدل على أن السوم الأول قد ثبت؛ لأنه قال: يفسخ، معناه: أنه إذا كان أثناء المزايدة وأثناء العرض أنه لا بأس به، فخِطْبة الرجل على خِطْبة أخيه المسلم، وبيعه على بيع أخيه المسلم، وشراؤه على شراء أخيه المسلم كله محرم، وشرطه إذا حصل التراكن، لكن لو أنهما امتنعا عن إتمام العقد فيجوز للثالث أن ينشئ عقداً جديداً، كما لو أن تقدم لها رجل فلم ترضه أو امتنعت فتجوز خطبة الثاني؛ لأنها لم ترض بالأول، وهكذا إذا لم ترغبه ولم تبت فيه ولم يحصل التراكن يجوز خطبة الثاني، لما ثبت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله! إن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم قد خطباني، فقال صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فرجل لا يضع العصا عن عاتقه، انكحي أسامة)، فأمرها صلى الله عليه وسلم بنكاح الثالث، وهذا يفسر معنى قوله: (لا يبع على بيعه، ولا يخطب على خطبته) وهذا يكون في حالة التراكن والميل، أمّا إذا كان السوق سوق عرض، فقام أحدهم يصيح: بعشرة، والثاني يصيح: بتسعة، والثالث يصيح: بثمانية، فهذه أسواق المسلمين كلٌ يبيع سلعته ويعرض، ويصبح التنافس تنافساً شريفاً أو يكتب على محله السلعة بكذا، أو البضاعة الفلانية بكذا، فهذا تنافس شريف لا إشكال فيه.
فلما قال: (ليفسخ) دل على أن العقد الأول أوجب وتراكنا مع بعضهما، وأن الثاني دخل على الأول إمّا بيعاً وإمّا شراء ففي كلتا الحالتين يحرم، وهكذا بالنسبة للخطبة على الخطبة، كما سيأتي إن شاء الله في باب النكاح.
قال: [ويبطل العقد فيهما].
اختلف العلماء إذا باع على بيع أخيه أو سام على سوم أخيه فقال بعض العلماء: البيع الثاني باطل، كما هو مذهب الحنابلة والظاهرية وطائفة من أهل الحديث.
وقال جمهور العلماء: البيع الثاني صحيح، ولكنه يأثم ببيعه على بيع أخيه المسلم؛ لأن أركان البيع وشروطه تامة، وهذا ما يسمى بمسألة: هل النهي يقتضي فساد المنهي عنه؟ والصحيح -كما ذكرنا غير مرة-: أن النهي إذا لم يرجع إلى ذات المنهي عنه فلا يقتضي الفساد، وأن هذا يعتبر من باب انفكاك الجهة، فنقول: البيع صحيح؛ لأنه اشترى بالقيمة من مالك حقيقي برضا الطرفين في شيء معلوم وتوفرت شروط صحة البيع، فالبيع صحيح ومأمور بإتمامه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، لكن كونه أساء إلى أخيه المسلم وظلمه بالدخول عليه فهو آثم بهذا الفعل، وعلى هذا لا يحكم بفساد الصفقة الثانية، وهذا هو الصحيح
**البيوع التي تفضي إلى الربا
قال رحمه الله: [ومن باع ربوياً بنسيئة واعتاض عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة، أو اشترى شيئاً نقداً بدون ما باع به نسيئة لا بالعكس لم يجز].
قوله: [ومن باع ربوياً بنسيئة].
ذكر المصنف رحمه الله صورة من الصور التي يحرم فيها البيع لاشتماله على ما يفضي إلى الأمر المحرم وهو الربا، وصورة ذلك أن يبيع الطعام مثلاً بالنقد ثم يعتاض عنه بالطعام، والسبب في ذلك: أن الأصناف الربوية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يحرم فيه التفاضل والنَّساء.
القسم الثاني: ما يحرم فيه النَّساء ويجوز فيه التفاضل.
القسم الثالث: ما يجوز فيه الأمران.
والأصل في ذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مِثْلاً بمِثْل يداً بيد) فهذه الأشياء الستة التي اشتمل عليها حديث أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنه تسمى عند العلماء بالأصناف الربوية الستة، وهي تنقسم إلى الثلاثة الأقسام: فهناك ما يجب فيه التماثل والتقابض، كبيع ذهب بذهب وفضة بفضة، كأن يباع واحد من هذه الأصناف الستة بمثله، كبيع ذهب بذهب أو فضة بفضة أو بر ببر.
إلى آخره، فيجب التماثل، فتبيع الكيلو الذهب بالكيلو الذهب، ويجب التقابض، يعطيك وتعطيه قبل أن تفترقا من المجلس، فهذا بالنسبة للنوع الأول.
النوع الثاني: ما يجوز فيه التفاضل ولا يجوز فيه النَّساء، وذلك بمقابلة واحد من هذه الأصناف بواحد من جنسه، مع اختلافٍ في الصنف، كبيع الذهب بالفضة، فإنك إذا بعت الذهب بالفضة يجوز التفاضل، فتبيع الكيلو من الفضة بنصف كيلو من الذهب، ويجوز أن تبيع المائة غرام من الذهب بثلاثمائة غرام من الفضة، فلا يشترط التماثل؛ لكن يجب أن تعطيه ويعطيك في نفس المجلس، فلو اشتريت الذهب بالريالات الموجودة الآن وافترقتما قبل أن يقبض منك فحينئذٍ يكون الربا المحرم، وهو ربا النسيئة، كذلك لو بعت براً بشعير أو بعت تمراً بملح، فإنه يجوز أن تبيع الصاع بالصاعين وتفاضل في الوزن والكيل؛ ولكن يجب أن يكون يداً بيد.
فلو باعه مائة صاع من التمر بألف ريال إلى أجل ما، فلما حضر الأجل قال له: ليست عندي المائة ريال؛ ولكن خذ بدل مائة صاع من تمر مائة صاع من شعير أو مائة صاع من بر، فإنَّ بيع الشعير بالتمر لا يجوز إلا يداً بيد، قالوا: فلو قَبِل منه الطعام عوضاً عن الذهب في هذه اللحظة لصار كأنه باع التمر الذي باعه أولاً بالمطعوم الثاني وهو البر؛ ولكن نسيئةً وهو أجل الدين الذي وقع بينهما.
توضيح ذلك: جاء رجل إلى أخيه فقال له: بعني هذه المائة صاع.
قال: بألف.
قال: أشتريها منك بألف إلى نهاية الشهر أو إلى نهاية الأسبوع، فتم البيع وأوجبه، فيجوز أن تدفع الذهب لقاء التمر مؤجلاً، فلا بأس فيه، وأن تشتري بالفضة مؤجلاً أو بالذهب مؤجلاً ما دام أنه طعام لقاء الثمن؛ لأن الجنسين مختلفان، ففي هذه الحالة إذا باعه التمر نسيئةً بنقد من ذهب أو فضة جاز، فلو جاء وقت السداد وأراد أن يحوله من الذهب أو الفضة إلى طعام، فقد حوَّله إلى صنفٍ ربوي لا يجوز أن يبيع التمر به نسيئة؛ لأن البيع الأول الذي وقع بينهما لم يقع يداً بيد وإنما وقع بنسيئة، فلو قبل منه الطعام في ذلك الوقت -أعني: في المراضاة الثانية- فقد صار الأمر كأنه قد باع الطعام بالشعير نسيئةً، وهذا معنى قوله: [واعتاض عن ثمنه بما لا يباع به نسيئة].
أما لو اشتريت بالذهب وقلت له: أعطني مائة صاع بنصف كيلو من الذهب، قال: قبلت، قلت: أعطيك النصف كيلو من الذهب في نهاية الشهر، فلما انتهى الشهر قلت: ليس عندي ذهب؛ لكن أصرف لك بمثله فضةً، جاز إذا كان يداً بيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكى له ابن عمر أنه يبيع الإبل بالذهب ويبيع بالدراهم ويأخذ الدنانير قال: (لا يحل لك أن تفارقه وبينكما شيء) فأجاز له النبي صلى الله عليه وسلم صرف الذهب بالفضة؛ لكن بشرط أن يكون ذلك في مجلس العقد، هذا معنى العبارة، وحينئذٍ يكون هذا النوع من البيع من بيوع الذرائع الربوية؛ لأن الربا ينقسم إلى قسمين: الربا المحض، والذي هو الأصل، سواءً كان من الأصناف المنصوص عليها أو المقيسة.
والربا الذي هو ذريعة، بمعنى: أن البيع يئول إلى الربا، وهذا كله إن شاء الله سنبسطه في باب الربا، نسأل الله التيسير، وأن يبلغنا ذلك
**بيع العينة
قال رحمه الله: [أو اشترى شيئاً نقداً بدون ما باع به نسيئة] هذا بيع العينة (اشترى نقداً بدون ما باع به نسيئة)، فمثلاً باع رجل سيارةً إلى نهاية السنة بخمسين ألفاً وقيمتها نقداً بأربعين، فلما تم البيع إلى نهاية السنة جاء البائع وقال له: أنا أشتريها منك نقداً بأربعين، فأعطاه الأربعين فكأنه عاوضه عن الخمسين التي سيدفعها في نهاية السنة بأربعين نقداً وألغيت صورة البيع، وهذا ما يسمى ببيع العينة، وهو الذي ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) وهذا النوع من البيع جمهور العلماء على تحريمه، وهو يدل على أن الشريعة تنظر إلى حقيقة الأمر، فهنا عندنا صفقة وهي السيارة، فلو جئت واشتريت سيارة بخمسين ألفاً إلى نهاية السنة، فقد ثبت له عليَّ إلى نهاية السنة خمسون، فجاءني وقال: أعطيك أربعين ثمناً للسيارة، والسيارة فعلاً تستحق الخمسين إذا كانت إلى أجل وتستحق الأربعين إذا كانت نقداً، فأعطاني الأربعين، وأعطيته الخمسين وظاهر هذا ليس فيه ظلم، فهو لم يظلمني ولم أظلمه؛ لأن السيارة قيمتها حاضرة بأربعين وقيمتها إلى أجل بخمسين، لكن الأمر في الحقيقة آل إلى أني أخذت الأربعين لقاء الخمسين التي سأدفعها مقسطة أو أدفعها نقداً في نهاية السنة، وهذا عين الربا.
وعلى هذا فالربا منه ما هو ذريعة مثل الذي معنا، فإن صورة المسألة صحيحة؛ لأنك لو تأملت بيع العينة في الظاهر هو أنك تبيع السيارة بخمسين إلى نهاية السنة وتأخذ عنها أربعين نقداً فهذا ليس فيه إشكال؛ لكن الشريعة تنظر إلى ما آل إليه الأمر وهو أن اليد التي أخذت منها بخمسين وعاوضتك بالأربعين هي يد واحدة، فلو كانت مختلفة كأن تشتري من المعرض بخمسين ثم تذهب تبيعها نقداً بأربعين فلا بأس، وهذا سنبينه إن شاء الله.
وبناءً على ذلك: نفهم أن الشريعة قد تلغي صورة العقد إذا آل إلى الحرام، كما لو جئت مثلاً إلى مؤسسة وقلت له: أريد أن أشتري أثاث الزواج أو سيارة وذهبت وحددت السلعة وأتيت بفواتيرها أو كشوفها على أن يقوم الطرف الثاني بشرائها لك، فإن حقيقة الأمر في الظاهر حينما ترى أنه اشترى ثم حاز ثم باع إليك، ليس هناك شيء، لكن في الحقيقة كأنه دفع عنك المائة من أجل أن يقسطها عليك مائة وخمسين، فبدل أن يقول لك: خذ مائة ألف وردها مائة وخمسين، قال لك: أدفعها مائة ألف قيمة الأثاث أو غيره، وتدفعها أنت مائة وخمسين ألفاً، فآل الأمر في حقيقته إلى معاوضة على جهة الربا أعني: ربا التفاضل والنسيئة.
وعليه فإننا ننظر إلى حقيقة العقود؛ لأن المؤسسة حينما اشترت لم تشتر لنفسها، هذا أول شيء، ثانياً: أنها لم تشتر قبل أن يأتي هذا الرجل ويحدد لها السلعة ويأتيها بفواتيرها بل ويحدد لها المكان الذي تشتري منه، أو هي تحدد له المكان الذي يشتري منه، إذاً ليس هناك إطلاق لليد، ولو كان البيع على ثمنه وحقيقته لاشترته المؤسسة وأوجدت ذلك في مخازنها أو مستودعاتها ثم عاوضت مفاضلة وزيادة ولا بأس، لكن حينما يأتي المشتري ويقول: أريد السلعة الفلانية أو أريد السيارة الفلانية أو أريد المتاع الفلاني ويحدده ويحدد المكان الذي يشتري منه، ثم يقوم أو تقوم المؤسسة بالدفع عنه نقداً كانت حقيقة الأمر بدل أن يقول له: خذ المائة وردها بزيادة قال: سندفع المائة عنك على أن تردها بالزيادة، وعلى هذا فإننا لا ننظر إلى ظاهر الشيء دون أن ننظر إلى حقيقة ما فيه أو إلى ما يئول إليه أمره، وهو ما يسمى ببيوع الذرائع الربوية.
قال: (أو اشترى شيئاً نقداً بدون -أي: بأقل- ما باع منه نسيئة -الذي هو بيع العينة- لا بالعكس) فمثلاً: لو باعه نسيئة بخمسين وأخذ منه نقداً أربعين صار كأنها أربعين في مقابل خمسين؛ لكن لو أنه اشتراها نقداً بنفس الثمن الذي سيدفعها الآخر نسيئة فلا بأس، وهذا مذهب بعض العلماء، قالوا: لأن حقيقة الأمر لم يفاضله في النقد، أي: لو جئت تنظر لوجدت أن الخمسين في مقابل الخمسين فصارت كالدين، والدين يجوز إذا كان المبلغ الذي سيرده هو نفسه الذي أخذه فقالوا: في هذه الحالة تنتفي شبهة الربا فيجوز العقد ولا بأس بهذا النوع من البيع.
قال رحمه الله: [وإن اشتراه بغير جنسه أو بعد قبض ثمنه أو بعد تغير صفته أو من غير مشتريه أو اشتراه أبوه أو ابنه جاز].
وإن اشترى السلعة بغير جنسها، والأجناس عندنا جنسان: جنس أثمان، وجنس مطعومات، أو الأثمان والمثمونات، والمثمونات تشمل الأطعمة والعقارات والمنقولات الأخرى، فلو أنه باعه السيارة نسيئة إلى نهاية العام بمائة ألف ثم اشتراها منه ببيت أو بأرض فحينئذٍ لا توجد شبهة الربا؛ لأنه لا يئول الأمر إلى مبادلة أربعين بخمسين، وإنما آل الأمر إلى إدخال عين يجوز فيها التفاضل؛ لأن وجه التحريم وجود التفاضل بين الأربعين والخمسين؛ فإذا كان الذي اعتاض عنه وأدخله ثمناً مما يجوز فيه التفاضل حينئذٍ لا حرمة والأمر جائز.
توضيح ذلك: قلنا: لو باعه سيارة بخمسين إلى نهاية السنة فهذا بيع الأجل، واشتراها منه بأربعين نقداً، فآلت الحقيقة إلى أن الأربعين في مقابل الخمسين، وهذا لا يجوز؛ لأنه ربا الفضل، أما لو أنه اعتاض في البيع الثاني أي: جعل الثمن في البيع الثاني أرضاً أو سيارة فإن الثمن حينئذٍ خرج عن جنس الربويات التي يحرم فيها التفاضل، فيجوز حينئذٍ أن يقول له: هذه السيارة أشتريها منك بأرضية، أو أشتريها منك ببيتي، أو بمزرعتي؛ لأنه حينئذٍ يجوز التفاضل بين الثمن المدفوع وبين المثمن، وعلى هذا تنتفي شبهة الربا على الصورة التي أشار إليها المصنف رحمه الله بقوله: [وإن اشتراه بغير جنسه].
قال: [أو بعد قبض ثمنه].
لو أنك اشتريت السيارة بخمسين ألفاً إلى نهاية السنة ثم سددت المال وتم البيع وانتهى كل شيء فجاء البائع وهو صاحب المعرض واشتراها منك بأربعين جاز؛ لأنه قد أوجب البيع الأول ومضى، وحينئذٍ يجوز أن يشتري؛ لأنه بيع مستأنف، لكن لو اشترى منك قبل أن تسدد فمعنى ذلك أن يقع الربا في صورة المعاوضة كأنه دفع لك الناقص النقدي في مقابل الزائد إلى أجل.
قال: [أو بعد تغير صفته].
أي: تغيرت صفة المبيع، فمثلاً: باعه بيتاً بمائة ألف إلى نهاية العام وتغيرت صفة المبيع فأنقصت الثمن، فنقصان الثمن هنا ليس من أجل شبهة الربا وإنما من أجل نقصان المثمن فانتفت الشبهة، وبعض العلماء يمنع حتى ولو نقص عين المبيع لوجود عيب أو وجود ضرر فيه كتهدم الدار أو تغير السيارة أو حصل له حادث في السيارة فأنقص قيمتها فعاوضه عليها نقداً بقيمتها قالوا: إن النقص هنا ليس لقاء الأجل، وإنما من أجل ضعف السلعة أو قلة قيمة السلعة بما طرأ فيها من العيوب الموجبة للنقص
**حكم بيع التورق
قال: [أو من غير مشتريه].
كأن تشتري من المعرض السيارة بمائة ألف إلى نهاية السنة أو بمائة ألف مقسطة ثم تذهب وتبيع لطرف آخر، وهذا ما يسمى ببيع (التورق) وهو أن تشتري السلعة لا لذات السلعة وإنما من أجل الورق، ومثاله: أن تطرأ عليك ظروف، كأن يكون الإنسان محتاجاً لزواج أو محتاجاً لسداد دين أو محتاجاً لعلاج فلا يستطيع أن يذهب إلى الناس ويطلب منهم الدين أو لا يجد من يدينه، فيذهب ويشتري سيارة ويقسطها ويأخذ هذه السيارة بمائة ألف مثلاً، ثم يبيعها نقداً إلى غير المعرض الذي اشترى منه أو إلى غير الشخص الذي اشترى منه، فيجوز حينئذٍ ولا بأس، سواءً باع بنفس القيمة أو بأقل أو بأكثر، والسبب في هذا أنه لا شبهة للربا في هذا النوع من البيوع؛ لأنك حينما تشتري السيارة بمائة ألف إلى نهاية السنة، فإنه يجوز زيادة المال لقاء الأجل في البيع، وبيع التقسيط جماهير السلف والخلف على جوازه؛ لأن هناك نصوصاً قوية تدل على جوازه، ومنها: مكاتبة العبيد في القديم، قال تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور:33] والكتابة كانت بالأقساط، وتكون قيمته مفاضلة لقاء الأجل، والدليل حديث بريرة مع عائشة رضي الله عنها وأرضاها في قصتها فإنه كاتبها أهلها بالأقساط وقالت لها عائشة: (إن شئت نقدت الثمن)، وهذا بيع إلى أجل بأقساط، وعلى هذا فإننا نقول: لا بأس أن تبيع حاضراً وأن تبيع إلى أجل بالتقسيط؛ لكن بشرط أن يفارقك بعد أن يبت البيع، وسنبين هذه المسألة في مسألة بيعتين في بيعة، والتي سيذكرها المصنف في الباب الذي يلي هذا الباب، إن شاء الله.
إذاً لو أن رجلاً باع السيارة إلى غير المعرض الذي اشترى منه، فإنه يجوز حينئذٍ؛ لأنه لا شبهة في هذا النوع من البيع، وقال بعض العلماء: بتحريم هذا النوع من البيع، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليه، قالوا: لأنه في هذه الحالة كأنه يأخذ المعجل الذي هو الأربعين ألفاً في مقابل المؤجل الخمسين، فيصبح كأنه يعاوض مع التفاضل؛ ولأنه لم يشتر السلعة لذاتها وإنما اشتراها من أجل المال، ولذلك سموها (مسألة التورق)، وجمهور العلماء على الجواز، وكان شيخ الإسلام رحمه الله يفتي بالتحريم، وروجع في هذه المسألة أكثر من مرة، والذي يظهر رجحان مذهب الجمهور لما يلي: أولاً: لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275] وقد ذكرنا أن العلماء قالوا: إن هذه الآية عامة وهي حجة لكل من يقول: البيع صحيح وجائز حتى يقوم الدليل على التحريم.
ثانياً: أما التعليل عند من يحرمه بأنه إنما يريد الخمسين المعجلة لقاء المائة المؤجلة فنقول: إن شراء السلعة من أجل الثمن لا بأس به إذا كان طرفا العقد في البيع الأول والثاني مختلفين.
وتوضيح ذلك: أننا لو قلنا: إن العلة كونه يشتري من أجل المال لحرمت التجارات كلها؛ لأنه ما من تاجر يشتري السلعة إلا وهو يريد المال ولا يريد السلع، فهو حينما يشتري ألف كيس من الأرز مثلاًً، أو مائة كيس من البر فإنه لا يريد البر ولا الأرز؛ وإنما يريد أن يدفع الألف لقاء ألف وخمسمائة يكسبها، أو يشتري مثلاً سيارات بمليون وهو لا يريد السيارات ولا يريد أن يركبها كلها؛ وإنما يريد أن يبيع هذه التي اشتراها بالمليون بربح.
فلو قلنا: إن شراء السلعة من أجل المال سواء كان بالأقل ومعاوضة بالأكثر أو بالأكثر ومعاوضة بالأقل يقتضي التحريم لحرمت التجارات، وعلى هذا: ضعفت هذه الشبهة وهي قولهم: إنه اشترى من أجل المال وأخذ الكثير وعاوض بالقليل، وهذه صحيح في حال لو كان الشخص الذي تشتري منه وتبيع له واحداً، لكن إذا اختلف الشخصان فحينئذٍ انتفت شبهة الربا، وحل لك أن تشتري بالكثير وتبيع بالقليل، كما حل للتاجر أن يشتري بالقليل ويبيع بالكثير؛ لأنك إذا اشتريت السيارة مقسطة تشتريها بالكثير، ويكون سعرها مقسطاً أعلى من سعرها نقداً، فحينئذٍ تبيعها وتأخذ القليل، فكأنك اشتريت بالكثير ورضيت بالقليل، اشتريت بالكثير الذي هو إلى أجل، وبعت بالقليل الذي هو النقد، والتاجر عكسك.
والربا -كما تعلمون- إذا كان في النقد وهو الريالات يستوي أن يشتري بالقليل ويبيع بالكثير أو يشتري بالكثير ويبيع بالقليل؛ لأن الربا واقع في الاثنين وهو ربا الفضل، فلو قيل: إن هذا من الربا لاقتضى هذا تحريم التجارة؛ لأنه يشتري بالخمسين ويبيع بالستين، يشتري بالقليل ويبيع بالكثير، ولذلك ذهب جمهور العلماء رحمهم الله إلى جواز هذا النوع من البيع بشرط أن تكون الصفقة لشخصين مختلفين.
لكن لو أنه اشترى السيارة من المعرض بمائة ألف إلى نهاية السنة، وجاء رجل هو وكيل لصاحب المعرض يريد أن يشتريها منه نقداً بأقل حرم البيع، فيستوي أن يبيع على صاحب المعرض أو يبيع على وكيل يوكله صاحب المعرض؛ لأنه من جنس ما ذكرناه من الربويات.
قال: [أو اشتراه أبوه أو ابنه جاز] مثلاً: إذا جاء المحتاج واشترى سيارة من المعرض بمائة ألف إلى نهاية السنة، فإذا اشتراها منه صاحب المعرض قلنا: لا يجوز، يرد
**السؤال
ما الحكم إذا اشتراها والد صاحب المعرض أو ابنه؟ والسبب في تخصيص الأب والابن أن الشرع جعل الأب والابن كالشيء الواحد، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما فاطمة بضعة مني) ولذلك لا تجوز شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) فجعل الابن والأب كالشيء الواحد، فهل إذا باع إلى والد صاحب المعرض أو إلى والد الذي باعه نسيئة وأراد أن يشتري منه نقداً فهل يكون بمثابة بيعه على صاحب المعرض نفسه أم أن الأمر يختلف؟ قال بعض العلماء: إذا باع إلى والده أو باع إلى ابنه جاز، كما درج عليه المصنف رحمه الله
**الأسئلة
**قياس البيع بعد النداء في الصلوات الخمس على يوم الجمعة
**السؤال
هل يصح أن نقيس تحريم البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة على جميع الصلوات الخمس؟ وهل نقول بحرمة البيع بعد الأذان، أم بعد الإقامة، أثابكم الله؟
**الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فأما إبطال البيع بعد الأذان للصلوات الخمس فلا يقول به أحد من العلماء رحمهم الله، والبيع صحيح في غير الجمعة، وهذا بإجماع العلماء.
وأما بالنسبة لمتى يمضي فهذا فيه تفصيل عند العلماء: أنه إذا نودي للصلاة عليه أن يتعاطى الأسباب لإجابة داعي الله عز وجل وإدراك الجماعة، وأنه إذا تعاطى الأسباب المؤدية لفوات الجماعة عليه كان كالمتخلف عن الجماعة وحكمه في الإثم كحكم من ترك الجماعة؛ لأنه تعاطى أسباب التقصير فيتحمل الإثم من هذا الوجه.
وأما مسألة هل يجيب بعد الأذان أو يجيب بعد الإقامة، أو يلزمه السعي بعد الأذان أو بعد الإقامة؟ فهذا يختلف باختلاف البعد والقرب إلى المسجد؛ لكن إذا نهُي الناس عن البيع بعد الأذان فمنعهم المحتسب أو ولي الأمر يأتمرون؛ لأن هذا يعتبر من المصالح المرسلة، ولولي الأمر ذلك في باب المصالح المرسلة تحقيقاً لفريضة؛ لأنه إذا كانت لأمر ضروري وفريضة واجبة صارت واجبة؛ لأنه لو فتح هذا الباب لتساهل الناس، ولربما أُقيمت الصلاة وهم يتبايعون ويشترون، ولا شك أن المصلحة العظيمة في إصلاح أمور العباد أن يقيموا فريضة الله عز وجل، والله أمرهم بإجابة النداء، وعلى هذا فإنه إذا نهُي الناس بعد الأذان أو نهُوا بعد الإقامة، فهذا أمر يرجع إلى المحتسب؛ لأن الوقت الذي بين الأذان والإقامة -في الغالب- يستغل للطهارة وللوضوء، خاصة وأن المساجد تزدحم في دورات المياه في هذا الوقت، وهذا يحتاج إلى احتياط وقت كافٍ، فكونه يقدر هذا الوقت من باب المصالح هذا أمر لا شك أنه إن شاء الله يراد به مصالح الناس وصلاح أمور دينهم، وهو من الغيرة على فريضة الله التي فرض على عباده.
أما بالنسبة للبيع فالبيع صحيح بعد الأذان، وصحيح بين الأذان والإقامة.
والله تعالى أعلم
**حكم البيع بأقل مما في السوق
**السؤال
ما حكم قول بعض التجار للمشتري: اذهب وانظر في السوق ولك أقل من السوق أو أقل منه بكذا، فهل هذا من بيع المسلم على بيع أخيه، أثابكم الله؟
**الجواب
بالنسبة لهذا النوع لا يعتبر من بيعه على بيع أخيه، كما لو قال له: أبيعك إياها بعشرة وإنها في السوق لبعشرين، أو أبيعك إياها بتسعة وإنها في السوق لبعشرة، فبدل أن يخبره قال له: اذهب بنفسك؛ لأنه لو أخبره ربما شك في صدقه، فأراد منه أن يذهب بنفسه ويتأكد، فهذا لا بأس به، والبيع صحيح، ولا يعتبر هذا من بيعه على بيع أخيه؛ لأنه لم يقع بيع للأطراف الثانية، فهو الأول والبيع الذي بينه وبين الطرف الذي يريد أن يشتري هو البيع الحقيقي، وما عداه تبع ووقع بعده وليس بمؤثر ولا يضر.
والله تعالى أعلم
**حكم بيع البلح مع عراجينه
**السؤال
ما حكم شراء البلح إذا وزن بعراجينه، أثابكم الله؟
**الجواب
إذا بيع البلح وزناً لا يجوز أن يباع بالعراجين، ولا يباع في (الشماريخ) و (الشمروخ) الذي يكون من العرجون؛ والسبب في هذا أنه يزيد الوزن، وتصبح الثمار وهي حبات البلح مجهولة القدر؛ لأنه دخل عليها العذق ودخلت (الشماريخ) ووزنها مجهول، فلم نعلم كم وزن البلح؛ لأنك لا تريد (الشماريخ) ولا تريد العرجون وإنما تريد البلح نفسه وتريد التمر نفسه، فلا يجوز بيع البلح في (الشمروخ) وزناً، لكن لو قال له: هذا (الشمروخ) أبيعكه بمائة: صح؛ لأنه باعه عدداً ولم يبعه وزناً، فهناك فرق بين المسألتين: فإذا قال له: أبيعك إياه وزناً الكيلو منه بعشرة، ولا ندري كم وزن البلح من وزن (الشماريخ) والعرجون، فأصبح المبيع وهو البلح مجهول الوزن، كما لو قال له: أبيعك هذا الشيء الذي هو داخل العلبة أو داخل الكرتون الكيلو بكذا، فإن الكرتون لا ندري كم يزن، ولذلك تجدون في السلع دائماً يكتب -وهي من الأمور الطيبة المحمودة والموجودة هنا- الوزن الصافي كذا؛ لأنه لما يقول لك: الوزن الصافي أخرجك من الجهالة، لكن لو أعطاك وزن الماعون نفسه بالسمن الذي فيه، أو الماعون بالعسل الذي فيه صار جهالة للوزن**
الجمع بين قوله تعالى: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) وحديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون)
**السؤال
كيف نجمع بين قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون)، أثابكم الله؟
**الجواب
السعي في لغة العرب يطلق على معنيين: سعى إذا مضى، وسعى إذا اشتد في مشيه، فسعى بمعنى مضى تقول: سعيت إلى زيد، أي: ذهبت إليه ومضيت إليه، ولذلك القراءة الثانية تفسر هذه القراءة وهي قراءة: (فامضوا إلى ذكر الله) (امضوا) بمعنى اذهبوا، فيكون قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] أي: امضوا إلى ذكر الله، وليس المراد به الإسراع، الذي هو الرمل أو المشي باشتداد.
وأما بالنسبة للمعنى الثاني: وهو السعي والجري والهرولة، فهذا منهي عنه كما في الصحيح من حديث أبي هريرة: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون)، (إذا أقيمت الصلاة -هذا عام- فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، هنا قد يقول البعض: إن الحديث يقول: (إذا أقيمت الصلاة) في الآية قال: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) فيكون السعي إذا نودي للصلاة أي: صلاة الجمعة عند الأذان الأول، والمنع من السعي عند الإقامة، وهذا ضعيف؛ لأنه إذا مُنع من السعي عند الإقامة والحاجة أشد فمن باب أولى أن يمنع عند الأذان؛ لأن من فاتته الخطبة وأدرك الصلاة صحت جمعته وأجزأته، فهذا من باب التنبيه بالأدنى على ما هو أعلى منه، فإذا كان يحرُم عليك السعي للصلاة وأنت عند الإقامة، فمن باب أولى أن يحرم عليك وأنت بين الأذان والإقامة ويحرم عليك أثناء الأذان، وهذا مبني على علة بينها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (فإن أحدكم إذا عمد إلى المسجد فهو في صلاة)، (فإن أحدكم) جملة تعليلية، فكأنك إذا خرجت إلى المسجد تريد أن تصلي فأنت في صلاة، والمصلي لا يعبث، وعليه أن يمشي وعليه السكينة ويمشي مشياً يليق بما هو قاصد إليه من الوقوف بين يدي الله وأداء الفريضة التي أوجب الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيّه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والجهالة للمبيع تقدم معنا أنها توجب الفساد.
وأما إذا قال له: أبيعك هذا (الشمروخ) بمائة، فمعنى ذلك أنه وقع البيع على الكل؛ لأنه قد يأخذ (الشمروخ) وينتفع به، كأن يعطى علفاً للغنم فالبيع وقع على الاثنين معاً، فأنت تريد (الشمروخ) وتريد أيضاً العرجون ولم يدخل شيء مجهول في الوزن ولا في الكيل، وحينئذٍ البيع خرج عن الوزن والكيل وأصبح بالعدد فيجوز، ومن هنا يفرق في بيع التمر والبلح في (الشماريخ) بين أن يقال له: خذ هذا (الشمروخ) بمائة، فيقع البيع على الكل، وبين أن يبيعه إياه وزناً.
والله تعالى أعلم