السلام عليكم ورحمة الله
الشيطان لا سلطان له على الإنسان إلا بالوسوسة ولا يقدر على شيئ والمسألة شرحها إبن القيم -رحمه الله تعالى- بوضوح إذ قال:
" وفى حديث آخر: " إن العبد إذا لعن الشيطان يقول: إنك لتلعن ملعناً ". ومثل هذا قول القائل: أخزى الله الشيطان ، وقبح الله الشيطان، فإن ذلك كله يفرحه ويقول علم ابن آدم أني قد نلته بقوتي ، وذلك مما يعينه على إغوائه ، ولا يفيده شيئاً، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من مسه شيء من الشيطان أن يذكر الله تعالى، ويذكر اسمه ، ويستعيذ بالله منه ، فإن ذلك أنفع له، وأغيظ للشيطان " انتهى من -زاد المعاد(2/355)-.
ولتوضيح المسألة أكثر ورفع اللبس ننقل لكم فتاوى أخرى أكثر شمولا وأسأل الله السداد والتوفيق :
حكم لعن الشيطان ولعن شخص معين ؟
فتوى رقم: 142631
منقول من الشبكة الإسلامية
السؤال: ..سمعت أنه يوجد حديث أن الشيطان إذا لعناه ينتفخ (أي بفرح أو يتكبر) فهل صحيح وما هو، وإن كان موجوداً فكيف نلعن الشيطان ونحن نقرأ القرآن ألن يفرح، وكذلك هل يجوز لعن الشخص بعينه إن كان مستحقاُ للعن كالظالم أي نقول "لعنة الله على فلان" أم بشكل عام أي نقول "لعنة الله على الظالمين" وأخيراً إن كان لا يجوز لعن الشخص بعينه فدائماً ما أقرأ بعد ذكر اسم عبدالله بن سلول رأس المنافقين يتم لعنه، هل يجوز ذلك؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما النهي عن لعن الشيطان فسيأتي الكلام عنه، وعلى أية حال.. فإن لعن الشيطان أمر حاصل ومفروغ منه، فقد لعنه الله تعالى، فقال: {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} -الحجر:35-، وقال تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا(117) لَّعَنَهُ اللّهُ...(118)} -النساء-.
وقد ثبت النهي عن قول تعس الشيطان لأن ذلك ربما يزيده تعاظماً، كما في حديث أبي المليح عن أبيه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثر بعيري، فقلت: تعس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقل تعس الشيطان فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت ويقول: بقوتي صرعته ولكن قل: بسم الله فإنه يصغر حتى يصير مثل الذبابة". -أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح. قاله: شعيب الأرناؤوط.-.
وقال الطحاوي في مشكل الآثار: "نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه بذلك موقع للشيطان أن ذلك الفعل كان منه ولم يكن منه، إنما كان من الله عز وجل، وأمره أن يقول مكان ذلك: بسم الله -حتى لا يكون عند الشيطان أنه كان منه عنده في ذلك فعل". انتهى.
وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة بالله من الشيطان للتخلص من كيده ووسوسته، فقال: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} -فصلت:36-.
وقال تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ(97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ(98)} -المؤمنون-، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "إذا قام إلى الصلاة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه" -رواه أحمد والترمذي-.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من حَالَ الشيطان بينه وبين صلاته إلى الاستعاذة منه، ففي حديث عثمان بن أبي العاص: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعود بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً" -رواه مسلم..-
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الشيطان فقد روى الإمام مسلم في باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة، حديثا عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: "أعوذ بالله منك"، ثم قال: "ألعنك بلعنة الله، ثلاثاً"، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك، قال: "إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة".
وقال القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: "قال الله تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا(117) لَّعَنَهُ اللّهُ...(118)} : أصل اللعن الإبعاد، وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط وغضب، فلعنة الله على إبليس -عليه لعنة الله- على التعيين جائزة، وكذلك سائر الكفرة الموتى كفرعون وهامان وأبي جهل..." انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
"أما لعن الشيطان فإن الله لعنه في كتابه في أكثر من موضع لما تكبر وامتنع عن امتثال أمر الله له للسجود لآدم لما خلقه، سجود تكريم وإجلال، ووصفه الله بأنه رجيم وأنه لعين، فهو من المطرودين عن رحمة الله وجنته يوم القيامة، قال الله تعالى:{إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا(117)لَّ َنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا(118)} -النساء-. وقال تعالى: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ(34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ(35)} -الحجر-. وقد لعنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة عندما جاهده وأراد أن يضره ويفتك به. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: "أعوذ بالله منك"، ثم قال: "ألعنك بلعنة الله، ثلاثاً". وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: "إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة". وعلى ذلك فإنه يجوز للإنسان أن يلعن الشيطان إذا تعرض له ليضره أو جاهده ووسوس له ليفتنه عن طاعة الله، لكن لا يترك التعوذ منه بالله، والإكثار من ذكر الله وقول: بسم الله ونحو ذلك من الأذكار والأدعية المشروعة، ليتحصن المسلم بالله من شره، وعملاً بالآيات والأحاديث السابقة، وينبغي للإنسان أن لا يجعل لعن الشيطان ديدنه بدون سبب، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم"انتهى.
"وأما لعن الشخص المعين فلا يجوز على الراجح إلا إذا علم موته على الكفر، فابن أُبي وأشباهه من الكفار الذين ماتوا على الكفر يجوز لعنهم، وأما الأحياء فلا نلعنهم لأنا لا ندري ما يختم لهم به، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: (كان أهل العلم يختارون فيمن عرف بالظلم ونحوه مع أنه مسلم له أعمال صالحة في الظاهر -كالحجاج بن يوسف وأمثاله- أنهم لا يلعنون أحداً منهم بعينه، بل يقولون كما قال الله تعالى: "ألا لعنة الله على الظالمين". فيلعنون من لعنه الله ورسوله عاماً، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها". ولا يلعنون المعين. كما ثبت في صحيح البخاري وغيره: أن رجلا كان يُدعى حماراً وكان يشرب الخمر. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلده، فأتي به مرة، فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله". وذلك لأن اللعنة من باب الوعيد والوعيد العام لا يقطع به للشخص المعين لأحد الأسباب المذكورة: من توبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة. وغير ذلك.. وطائفة من العلماء يلعنون المعين كيزيد، وطائفة بإزاء هؤلاء يقولون بل نحبه لما فيه من الإيمان الذي أمرنا الله أن نوالي عليه. إذ ليس كافراً، والمختار عند الأمة: أنا لا نلعن معينا مطلقاً. ولا نحب معينا مطلقاً) ". انتهى.
وفي حاشية الجمل على المنهج: "ويحرم لعن المسلم المستور ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة كالفاسقين والمصورين، وأما لعن المعين من كافر أو فاسق فقضية ظواهر الأحاديث الجواز وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا من علم موته على الكفر". انتهى.
والله أعلم.
*****
حكم لعن المعين
فتوى رقم: 36674
منقولة من الإسلام سؤال وجواب
السؤال: ما حكم لعن ( وليس سب فقط ) اليهود والنصارى أفرادا أو جماعات أحياءً كانوا أم أمواتا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
قال صاحب لسان العرب: اللعن: الإبعاد والطرد من الخير، وقيل الطرد والإبعاد من الله، ومن الخَلْق السب والدعاء.
واللعن يقع على وجهين:
الأول: أن يلعن الكفار وأصحاب المعاصي على سبيل العموم، كما لو قال: لعن الله اليهود والنصارى. أو: لعنة الله على الكافرين والفاسقين والظالمين أو: لعن الله شارب الخمر والسارق. فهذا اللعن جائز ولا بأس به. قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/203) : "ويجوز لعن الكفار عامة" اهـ .
الثاني: أن يكون اللعن على سبيل تعيين الشخص الملعون سواء كان كافراً أو فاسقاً، كما لو قال: لعنة الله على فلان ويذكره بعينه، فهذا على حالين:
1- أن يكون النص قد ورد بلعنه مثل إبليس ، أو يكون النص قد ورد بموته على الكفر كفرعون وأبي لهب ، وأبي جهل ، فلعن هذا جائز .
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/214): "ويجوز لعن من ورد النص بلعنه، ولا إثم عليه في تركه" اهـ.
2- لعن الكافر أو الفاسق على سبيل التعيين ممن لم يرد النص بلعنه بعينه مثل: بائع الخمر – من ذبح لغير الله – من لعن والديه – من آوى محدثا - من غير منار الأرض – وغير ذلك.
"فهذا قد اختلف العلماء في جواز لعنه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يجوز بحال.
الثاني: يجوز في الكافر دون الفاسق.
الثالث: يجوز مطلقا " اهـ -الآداب الشرعية لابن مفلح (1/303)-.
واستدل من قال بعدم جواز لعنه بعدة أدلة، منها:
1- ما رواه البخاري (4070) عن عبد الله بن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا" بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} -آل عمران:128-.
2- ما رواه البخاري ( 6780 ) عن عمر أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجُلد، قال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنوه ، فو الله ما علمت ، إلا أنه يحب الله ورسوله".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (6/511) :
" واللعنة تجوز مطلقا لمن لعنه الله ورسوله، وأما لعنة المعين فإن علم أنه مات كافرا جازت لعنته، وأما الفاسق المعين فلا تنبغي لعنته لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يلعن عبد الله بن حمار الذي كان يشرب الخمر، مع أنه قد لعن شارب الخمر عموما، مع أن في لعنة المعين إذا كان فاسقا أو داعيا إلى بدعة نزاعاً " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد" (1/226):
" الفرق بين لعن المعين ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم ؛ فالأول (لعن المعين) ممنوع، والثاني (لعن أهل المعاصي على سبيل العموم) جائز، فإذا رأيت مُحدثا، فلا تقل لعنك الله، بل قل: لعنة الله على من آوى مُحدثا، على سبيل العموم، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صار يلعن أناسا من المشركين من أهل الجاهلية بقوله: "اللهم ! العن فلانا وفلانا وفلانا" نهي عن ذلك بقوله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} -آل عمران:128- رواه البخاري" اهـ.
والله تعالى أعلم .
*****
والله أعلم
والحمد لله