05-04-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
بعد تقريظ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على الكتاب, وبيان أثر سلاح الكلمة والبيان في نشر دين الله والذود عنه وعن حماه, في عصر كثرت فيه محاولات اختراق هذا الدين باسم التطوير والتجديد, جائت مقدمة المؤلف التي أكد فيها على أن من أكثر الأفكار التي ابتليت بها الأمة وظهر خطرها (الحداثة) التي تسعى لهدم كل موروث وقديم, مبينا أهم أسباب تأليفه لهذا الكتاب, المتمثلة بالخطر العقائدي في فكر الحداثة, وسيطرة الحداثيين على كثير من الأقسام الثقافية كالصحافة والإعلام والفنون وغيرها.


الحداثة في ميزان الإسلام (نظرات إسلامية في أدب الحداثة)
هجر للطباعة والنشر
ــــــــ
بعد تقريظ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على الكتاب, وبيان أثر سلاح الكلمة والبيان في نشر دين الله والذود عنه وعن حماه, في عصر كثرت فيه محاولات اختراق هذا الدين باسم التطوير والتجديد, جائت مقدمة المؤلف التي أكد فيها على أن من أكثر الأفكار التي ابتليت بها الأمة وظهر خطرها (الحداثة) التي تسعى لهدم كل موروث وقديم, مبينا أهم أسباب تأليفه لهذا الكتاب, المتمثلة بالخطر العقائدي في فكر الحداثة, وسيطرة الحداثيين على كثير من الأقسام الثقافية كالصحافة والإعلام والفنون وغيرها.
في المبحث الأول من الكتاب كشف المؤلف عن جذور الحداثة التاريخي, مبينا أن الحداثة مذهب غربي النشأة والأصل, ولا جذور له في الإسلام رغم محاولة الحداثيون العرب إيجاد تلك الجذور أو الأصول, ليقوموا عند اليأس من إيجاد تلك الجذور بنقل الحداثة الغربية كصورة طبق الأصل إلى بلاد المسلمين.
وقد اعترف الكثير من منظري الحداثة أنها ذات جذور غربية, فهذا محمد برادة يؤكد في مقال له بمجلة (فصول) أن الحداثة مفهوم مرتبط أساسا بالحضارة الغربية وبسياقاتها التاريخية, وما أفرزته تجاربها في مجالات مختلفة, مما يؤكد أن الحداثة العربية ابن غير شرعي للمفكريين الغربيين منذ بودلير وحتى يومنا هذا.
وفي لمحة موجزة عن تاريخ الحداثة في الغرب يؤكد المؤلف أن الغالبية متفقون على أن بداياتها الحقيقية كانت في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي على يد بودلير, وهذا لا يعني عدم صلتها بما سمي بعصر النهضة في القرن الخامس عشر, حين انفصلت المجتمعات الأوربية عن الكنيسة وثارت على تسلطها.
ثم عدد المؤلف المذاهب الفكرية الغربية التي ظهرت تباعا, بدءا بالكلاسيكية فالرومانسية ثم الواقعية فالرمزية التي تغنى بها الكثير من أدبائنا حتى اليوم, وقد ذكر المؤلف أهم من تزعم كل مدرسة من هذه المدارس الفكرية الأدبية.
وحتى يظهر انحطاط هذا الفكر ومناقضته لأخلاق المسلمين وعقائدهم, ذكر المؤلف نبذة عن حياة (بودلير) الذي يعتبر أبو الحداثة, المليئة بالرذيلة والفواحش والمنكرات, فقد عاش عيشة الفسوق والانحلال كما يقول محبوه, وأصيب بداء الزهري, وكانت له علاقات شاذة مع مومسات باريس, ولاذ في المرحلة الأخيرة من حياته بالمخدرات والشراب, كما أنه يحب تعذيب الآخرين ومصاب بمرض انفصام الشخصية كما يقول ابراهيم ناجي في ترجمته لديوان (أزهار الشر) لبودلير.
ثم ذكر المؤلف وارث الحداثة عن بودلير وهما: مالارميه وبول فاليري, لتصل في الغرب إلى شكلها النهائي عند الأمريكي اليهودي عزرا باوند, والانكليزي توماس إليوت, كما لم ينس المؤلف ذكر من تأثر بالحداثة وتزعمها في العالم العربي من أمثال: السياب ونازك والبياتي وأدونيس وغيرهم, مستعرضا بعض حماقاتهم المخالفة لأبسط قواعد العلم والمنطق والدين, كتبنيهم الدارونية واعتبارها فتحا علميا رغم نقدها من علماء الغرب.
كما لم ينس المؤلف ذكر موجز عن تاريخ الحداثة العربية, التي تسللت إلى ديار الإسلام على أيدي المنهزمين فكريا, محاولين شرعنة هذا الفكر بالتنقيب عن أي أصول له في التاريخ الإسلامي دون جدوى.
في المبحث الثاني حاول المؤلف إبراز سمة الغموض في أدب الحداثة والغاية منه, فبين غموض الحداثة الذي يصل بالقارئ إلى فقده الرؤية فيما يقرأ: هل هو جد أم هزل, ثم ذهب المؤلف يسرد الأمثلة الكثيرة من نماذج كتابات الحداثيين العرب التي يلفها الغموض الشديد, ليتساءل بعد ذلك: هل هذا الغموض يأتي اتفاقا أم هو أمر مقصود لازم في أدب الحداثة؟؟
ويأتي الجواب بأن غاية هذا الغموض هو كسر الإطار العام للغة العربية, وتحويلها مع مرور الأيام ومع استبدال مفرداتها وتراميبها إلى لغة جديدة لا صلة لها باللغة الأم, تماما كما حصل باللغة اللاتينية, التي تحولت مع مرور الأيام وبهذه الطريقة إلى لغات كثيرة.
وبالإضافة إلى الغاية الأولى هناك غاية أخطر, وهي إيجاد واقع فكري منفصل ومقطوع عن واقع الأمة وماضيها العلمي والعقلي, من خلال غموض رموزهم الوثنية وإشاراتهم الإلحادية, التي تبعد الأمة عن جذورها التوحيدية الدينية, وقد ساق المؤلف الكثير من الإشارات الرمزية الوثنية التي استخدمها رموز الحداثة في بلادنا العربية.
وفي المبحث الثالث بين المؤلف أن الحداثة منهج فكري يسعى لتغيير الحياة الإسلامية, موضحا في البداية أن الإسلام لا يحكم على الغايات فحسب بل هناك أحكام للوسائل أيضا, أما الحداثيون فيطالبون بالنظر إلى أدبهم من الناحية الشكلية والفنية دون النظر إلى الأفكار التي يحملها, وبعيدا عن حكم الأخلاق والعقيدة والدين, فلا ضير أن يدعو أدبهم للإلحاد والزنا والخمر ما دام النص جميلا ومقبولا فنيا, وقد ساق المؤلف الكثير من النصوص من كتب وأدب الحداثيين للتدليل على يقول.
كما أوضح المؤلف كذب الحداثيون بادعائهم أنهم لا يهتمون بمضمون أدبهم, بل هم في الحقيقة أصحاب فكر يسعى لتغيير الحياة وفق أسس محددة ومناهج مضبوطة, وهي بالجملة مخالفة لتعاليم الإسلام ومبادئه, بل إن جميع الحداثيين يعلنون أن كتاباتهم ثورة على العقيدة والفكر والقيم المجتمعية الموجودة, وهل في الدول العربية غير الإسلام قيمة عليا عند الناس يتمسكون بها؟؟
وبعد هذا العرض لمنهج الفكر الحداثي أراد المؤلف في المبحث الرابع أن يعرض لمواقف بعض الحداثيين من الإسلام وقيمه, والتي تقف بلا شك موقف العداء والحرب الشعواء على كل تعاليم الإسلام وقيمه وثوابته, فعرض المؤلف مثلا لقصيدة حداثية من الشعر الحر لمحمد جبر الحربي, والتي ألقيت في مهرجان (المربد) بالعراق, وهي مليئة الثورة والتبرم من كل شيء, وفيها الغمز واللمز بحق النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم.
كما عرض المؤلف لما كتبه محمد العلي في مجلة الشرق عدد 362 عن أزمة الفن في بلادنا, وقد أورد فكرته بأسلوب ساخر من طريقة المنسلمين في خفظ السنة النبوية: (حدثنا الشيخ إمام عن صالح بن عبد الحي.... ) كما تناول ما كتبه سعد الصويان وعبد الله الزيد ومحمد الثبيتي, ليورد المؤلف في نهاية الفصل الرد على ترهات وهرطقات الحداثيين, بكلامه وما كتبه عبد الرحمن الأنصاري في هذا المجال.
في المبحث الخامس حاول المؤلف استقراء رموز الحداثة العربية والأسوة والقدوة لديهم, وارتباط الحداثة المحلية بها, وذلك من خلال أمثلة مليئة بالثناء والمدح, مرورا بنشر أخبارهم والدراسات عنهم, ومن أهم هذه الرموز:
1- عبد العزيز المقالح: وهو يساري عربي مغرم بماو الصيني, وقد امتدحه الحداثي عبد الله الزيد واعتبره رمزا ثقافيا لشباب أمة الإسلام, والمقالح هذا صاحب ديوان شعر بعنوان: (قبلة إلى بكين).
2- عبد الوهاب البياتي: والذي تلقى الإطراء والإعجاب من أكثر من جريدة ومجلة حداثية, وهو شاعر عراقي ماركسي, تضمت قصائده الإلحاد والكفر الصريح, وخاصة في قصيدته : (ميدان ماركس إنجلز), ناهيك عن تهكمه باللغة العربية.
3- محمود درويش: وهو عضو الحزب الشيوعي الفلسطيني, والذي حمل علم حزب (راكاح) الشيوعي الإسرائيلي في مؤتمر فيينا, وصفته الصحف والمجلات العربية بأنه أعظم شعراء العرب قاطبة, وأنه لا تخلو تجارب الشعراء العرب الأولية في جيلنا من أثر محمود درويش...
4- أدونيس : وهو شاعر نصيري كان اسمه علي أحمد سعيد, ثم ترك النصيرية واعتنق الشيوعية وتسمى باسم أصنام الفينيقيين (أدونيس), تقدمه المجلات والصحف على أنه من كبار المبدعين الذي تجاوز النمطي والتقليدي كما يقولون.
وهكذا يكمل المؤلف تلك النماذج التي تعتبر رموز الحداثة وقدوتها, من أمثال صلاح عبد الصبور وعبد الله العروري المغربي ومحمد عابد الجابري وغيرهم كثير.
وفي المبحث السادس تناول المؤلف أساليب الحداثيين في نشر أفكارهم ومن أهم هذه الأساليب:
1- السيطرة على الملاحق الأدبية والثقافية في أغلب الصحف وتوجيهها لخدمة فكرهم ومناوأة ومحاربة غيرهم.
2- التغلغل في الأندية الأدبية لتوجيهها لخدمة الحداثة وأهدافها.
3- إفراد صفحات لكتابة القراء خاصة الشباب, ومن خلالها يتم اكتشاف أصحاب الميول الحداثية وتسليط الضوء عليها, وجذب هؤلاء إليهم من خلال دغدغة مشاعر الشهرة وحب الظهور في نفوسهم.
4- نشر الإرهاب الفكري ضد مخالفيهم واتهامهم بشتى التهم والنعوت, في مقابل الإشادة بفكرهم بصورة مثيرة تجعل الفرد ينقاد إليهم.
5- إقامة الندوات والأمسيات الشعرية والقصصية والنقدية والمسرحية في طول البلاد وعرضها, حتى لا يكاد يخلو أسبوع من تلك النشاطات والإمسيات.
6- الدفع برموزهم للمشاركة في المهرجانات الدولية كمهرجان جرش بالأردن والمربد بالعراق وأصيلة بالمغرب.
7- استكتاب رموزهم الفكرية من خارج البلاد واستقدامهم للمشاركة في الأمسيات وإلقاء المحاضرات وإجراء المقابلات معهم.
8- المرحلية في الإعلان عن أفكارهم, فيبدؤون بما لا يثير الناس أولا, ثم يتدرجون به إلى جوهر الحداثة الإلحادي.
وفي المبحث السابع والأخير استعرض المؤلف لبعض ما قيل في الحداثة ممن وقفوا في وجهها وكشفوا زيفها وخبثها, من خلال النقل دون التعليق, فذكر ما قاله: محمد المفرجي في صحيفة المسائية, وكذلك ما كتبه صالح العوض في الجزير , وأنور الجندي وغيرهم.
وفي الختام فإن الكتاب يستحق القراءة بحق لما تضمنه من معلومات علمية منهجية عن الحداثة وجذورها وتاريخها وحقيقتها, والتنبيه لخطرها على الشباب المسلم والأمة الإسلامية بشكل عام.