زلة العالم < خلاف غير معتبر > ..
شذوذ الأقوال انفراداً ، والبعد عن إعمال الأدلة واقعاً ، وضعف الاستدلال استنباطاً وتنزيلاً .. ؛ لا يعد ذلك من الخلاف المعتبر المانع من التسليم والاتباع للقول الراحج ، ولا يكون مصححاً للأخذ بالقول المرجوح ..
يقول ابن الحصار :
فليس كل خلافٍ جاء معتبرا ... إلا خلافٌ له حظٌّ من النظرِ
ومن أمارات وعلامات الخلاف الغير معتبر :
• التفرد برأي يخالف المشهور بين جماهير أهل العلم ..
• المخالفة البينة لنص المسألة ..
وهذه الصفة من المخالفة تواضع أهل العلم على تسميتها : < بزلة العالم > والتي يحرم متابعته عليها ، واعتماد قوله فيها ..
يقول الإمام الشاطبي - رحمه الله - في الموافقات (5/136) : ( أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ، ولا الأخذ بها تقليدًا له وذلك ؛ لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدًّا بها ؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن يُنسب صاحبها إلى التقصير ، ولا أن يُشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً ، فإنَّ هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين ) ..
ويقول مبيناً موضوعية السبب في عدم اعتماد مثل هذا الزلل والخطأ : خلافاً في المسائل الشرعية : ( لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاده، ولا هي من مسائل الاجتهاد، وإنْ حصل من صاحبها اجتهاد، فهو لم يصادف فيها محلاً، فصارت في < نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد !! > ، وإنما يـُـعد في الخلاف : الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة، كانت مما يقوي أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل ، أو عدم مصادفته فلا، فلذلك قيل : إنه لا يصح أن يعتد بها في الخلاف، كما لم يعتد السلفُ الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل، والمتعة، ومحاشي النساء، وأشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها ) ..
والزلل من بعض أهل العلم حاصل في كل وقت وحين ، وواجب الديانة عدم المتابعة لزللهم ، وخطأهم ، وجعله خلافاً معتبراً يقصده الباحث في مناظرته وتأصيله ؛ بل الصواب هو معرفة الحق وعمله ، وتفعيله ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في الفتاوى الكبرى ( 6/94) :
( فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم ، إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة ، وهذا باب واسع لا يحصى ، مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ، ولا يسوغ اتباعهم فيها، كما قال سبحانه : < فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ > .
قال ابن مجاهد ، والحكم بن عتيبة ، ومالك وغيرهم : ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال سليمان التيمي إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ، قال ابن عبد البر هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً ) ..
• وضابط معرفة الخلاف الغير معتبر يبينه الشاطبي (5/140 ) بقوله :
( إنَّ له ضابطاً تقريبيًا، وهو : أن ما كان معدودًا في الأقوال غلطًا وزللًا قليل جدًّا في الشريعة، وغالب الأمر أنَّ أصحابها منفردون بها، قلمَّـا يساعدهم عليها مجتهد آخر، فإذا انفرد صاحبُ قولٍ عن عامة الأمة، فليكن اعتقادك أن الحق في المسألة مع السواد الأعظم < من المجتهدين > ، لا من المقلدين ) والله الموفق ..
حسن الحملي ..