قال الامام ابن حزم في كتابه
التقريب لحد المنطق والمدخل إليه
بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية
ص195-196
«..الجهل لا خير فيه والعلم إذا لم يستعمله صاحبه فهو اسوأ من الجاهل، وعلمه حجة زائدة عليه.
واياك وتقليد الآباء فقد ذم الله عز وجل ذلك ولو كان محمودا لعذر من وجد آباءه زناة أو سراقا أو على بعض الخلال التي هي اخبث مما ذكرنا ان يقتدي بهم.
واياك والاغترار بكثرة صواب الواحد فتقبل له قولة واحدة بلا برهان، فقد نخطر في خلال صوابه بما هو أبين واوضح من كثير مما اصاب فيه.
واقنع من خصمك بالجد على أن ينصر قوله ولا تطالبه بالاقرار بالغلبة فليس ذلك من فعال أهل القوة.
وهذا باب لا ينتج الا العداوة وان يوصف بلؤم الظفر ولتكن رغبتك في ان تكون محقا عالما في الحقيقة، وان سميت مبطلا جاهلا أحمق مغلوبا، اكثر من رغبتك في ان تسمى محقا عالما عاقلا غالبا وانت في الحقيقة مبطل جاهل مغلوب؛ بل لا ترغب في هذا أصلا واكرهه جدا ولك فيمن وصفه الجهال بذلك قبلك من المرسلين عليهم السلام والأفاضل المتقدمون افضل اسوة واكرم قدوة، وكذلك أن توصف بالفسق وانت فاضل خير من ان توصف بالفضل وانت فاسق.
وتحفظ من الخروج من مسألة إلى مسألة قبل تمام الاولى وبيانها فهذا من فعال اهل الجهل.
واحذر مكالمة من ليس مذهبه الا المضادة والمخالفة أو الصياح والمغالبة، فلا تتعن به ولو أمكنك صرفه عن ضلالة بالوعظ لكان حسنا، فان لم يكن فبالزجر والقدع فان كان ممتنع الجانب فليجنب كما يجتنب المجنون فأذاه اكثر من أذى المجانين.
وتحفظ من الكلام بحيث يتعصب عليك ظلما وتحفظ من أن تجيب نفسك عن خصمك مثل ان تقول له: إن قلت كذا ألزمك كذا فلعله لا يقول ذلك فتخزى، إلا أن يكون مؤلفا، فلا بد لك من إنصاف خصمك وتقصى حججه والا كنت ظالما.
وتحفظ ان تقول خصمك ما لم يقل فتكذب. وتحفظ من ان تجيب من لم يسألك فتحصل على الخزي؛ واقل ذلك ان يعرض عنك فكيف إن قال لك: لم اسألك.
ولا تتكلم على لسان مناظر غيرك حتى يدع الكلام ويبيح لك مناظره ان تكلمه، فأقل ما في هذا يقول لك: انا غني عن نصرك، ويقول له خصمه: انا اقويك به مباركا لك فيه فتخزى جدا.
واياك والكلام في علم من العلوم حتى تتبحر فيه إلا على سبيل الاستفهام والتزيد الا ما احسنت منه فقط.
واعترف لمن هو أعلم منك فهذا زين لك ولا تبخسه حقه فان تنقصك اياه [ليس نقصا له] بل هو نقص فيك.
واياك والامتداح بما تحسن واترك ذلك فهو من غيرك فيك أحسن.
ولا تحقر احدا حتى تعرف ما عنده فربما فجأك منه ما لم احتسب، وليس ذلك الامن فعل اهل النوك الذين لا يحصلون.
واحذر كل من لا ينصف وكل من لا يفهم، ولا تكلم الا من ترجو انصافه وفهمه، وانفق الزمان الذي يمضي ضياعا في مكالمة من لا يفهم ولا ينصف فيما هو أعود عليك تعش غانما سالما من المغالط وهذان حظان جليلان جدا.
واجعل بدل كلامك حمد الله عز وجل على السلامة من مثل حاله ولا تتكلم الا في ابانة حق واستبانته.
»