ان كثيرا من بغاة العلم ورواده من جعل شغله الشاغل ما يحقق تشويه سمعة من له شان في الدعوة ، فيلصق به التهم جزافا ، التي طالما تحرز اهل العلم عن الوقوع في مواطنها كي لا يسئ الظن بهم فلا ينتفع بعلمهم ولو ادى ذلك الى التنازل عن حقهم، لهذا اثر عن بعض السلف انه قال:" من سلك مسلك التهم فلا يلومن من أساء به الظن
فيبحثون عما يوقعهم فيما يوجب الظن السيء بهم مما يحط من هيبتهم ، ويصد عن الانتفاع بهم ، بأراجيف باطلة وتهم مختلقة ، وليس لهم مستند في ذلك غير الاشاعات او الفهم الخاطئ لما استند اليه خصمهم او التعصب المذموم لمذهبهم فيتخذ من ذلك ذريعة لتأجج نار الفتنة وجعل المتهم في معرض الغيبة والسب والشتيمة و الاعراض عن سماع الحق منه بغير حق لا سيما اذا حُكم بكفر المتهم او ضلالته او خروجه عن دائرة اهل السنة والجماعة مما الخطر فيه اعظم دون عمل الفكر والعقل والنظر بعين البصيرة والانتهاج بنهج السلف في تقرير بينات التهم.
ويمكن تفسير صنيعهم من سوق تلك التهم شدة الغيرة على الدين وأهله لكنها غيرة مذمومة ليست من الدين في شيء بل قال صلى الله عليه وسلم : ( إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل، ومنها ما يبغض الله عز وجل، ... فأما الغيرة التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله عز وجل فالغيرة من غير ريبة..)، فالغيرة المطلوبة في ديننا هي الغيرة في الريبة ومواضع التهم لا اختلاق التهم والتكلف في تحقيقها مما يورث البغضاء و الكره والعداء ،قال ابن القيم رحمه الله :
(وغيرة العبد على محبوبه نوعان : غيرة ممدوحة يحبها الله , وغيرة مذمومة يكرهها الله ، فالتي يحبها الله : أن يغار عند قيام الرِّيبة , والتي يكرهها : أن يغار من غيْرِ رِيبة ، بل من مجرد سوء الظن ، وهذه الغيْرة تفسد المحبة ، وتوقع العداوة بين المحب ومحبوبه)
واشتغال طالب العلم بمثل هذا من آفات الطلب التي ينبغي ان يتورع عنها ويحذر الناس منها لأنها للشيطان مدخل ومنها لأرباب الفتن مقصد ولان اساءة الظن بالآخرين لا سيما العلماء الربانيين اثم عظيم وخطر دسيم
قال الطبري رحمه الله: "فإن إيقاع التهم بالبرآء والظنون السيئة بهم مأثم. واجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك واطرد عنهم سوء الظن بهم، وارفضه عنهم يعنك ذلك على اصطناعهم ورياضتهم. ولا يجدن عدو الله الشيطان في أمرك مغمزاً، فإنه إنما يكتفي بالقليل من وهنك فيدخل عليك من الغم في سوء الظن ما ينغصك لذاذة عيشك"
والطالب الحق هو الذي يترفع عما من شانه ان يقل الحياء ويكثر البلاء ككذبه على الاموات والاحياء بظنون سيئة والزامات باطلة.