تابع العام:
هل تدخل الإناث في الخطاب العام؟
[المتن]:
[والإناث في الجمع بالواو والنون، ومثل: «كلوا واشربوا» عند القاضي، وبعض الحنفية، وابن داود؛ لغلبة المذكر، واختار أبو الخطاب، والأكثرون: عدم دخولهن(1)].
[الشرح]:
(1) (والإناث): يعني وتدخل الإناث.
(في الجمع بالواو والنون): كالمسلمين والمؤمنين، هذا جمع خاص بالذكور، خاص من جهة الصيغة، عام من جهة المادة؛ لأن بعض الجموع قد تختص صيغة ومادة، مادة بمعنى الحروف، إذا قيل: "الرجال"، جمع يختص به الرجال الذكور، والمعنى هذا مأخوذ من الرجولة، جمع "رجل"، والرجل هذا معنى، هل المرأة أو الأنثى تشارك الذكر في هذا المعنى؟ لا.
إذًا قوله: "الرجال"، هذا جمع باتفاق أنه لا يشمل الإناث. لماذا؟
لأنه مختص من جهة المادة بالذكور.
كذلك ما يكون مساويا أو مستويا فيه الإناث والذكور؛ كـ "من"، و "ما"، و "الناس"، نقول: هذا يشمل الذكور والإناث باتفاق.
بقي ما كان شاملا بالمادة لا بالصيغة، لو قيل: "المسلمون" بواو ونون، نقول: هذا جمع مذكر سالم، من جهة الصيغة خاص، لكن الإسلام خاص بالذكور أو مشترك؟ مشترك.
هذا بعض من محل الخلاف.
قال: (والإناث في الجمع بالواو والنون): يعني وتدخل الإناث في الجمع المذكر السالم الذي يكون بالواو والنون؛ لأن هذا اللفظ وإن اختص من جهة الصيغة بالذكور، إلا أنه من جهة المعنى عام؛ فيشمل الإناث والذكور.
لكن الأصح أنه لا يشمل الإناث؛ لأن العرب قد فرّقت، بل الشرع فرّق: {إن المسلمين والمسلمات}، وكذلك القاعدة العامة في اللغة أن من أراد أن يجمع مسلم ومسلم ومسلم أتى بواو ونون، ومن أراد أن يجمع مسلمة ومسلمة ومسلمة أتى بألف وتاء، فالأصل في الجمع أن يكون فرعا عن المفرد، فإذا كان مسلم لا تدخل فيه المرأة والأنثى، حينئذ صار المسلمون لا يشمل الإناث، وكما أن مسلمة لا يشمل الذكر فكذلك المسلمات لا يشمل الذكور، فحينئذ يختص كل واحد من النوعين بجمع يخصه، بدلالة تخصه.
يرد الإشكال: {واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين}، {وكانت من القانتين}، هذا محل الإشكال الذي أورد في هذه المسألة؛ أنه أُطلق الجمع بواو ونون على الأنثى.
نقول: هذا بقاعدة التغليب، والكلام في قاعدة التغليب ليس كالتأصيل.
التأصيل؛ الأصل أن يُوضع لكل من الذكور والإناث صيغة تخصه، ثم إذا غُلّب عند الاجتماع فهذه مسألة أخرى عند النحاة، أما من حيث أن يُقال: إن لفظ "المسلمون" يدخل فيه ابتداء الإناث، هذا ليس بصحيح، وإنما إذا اجتمع "مسلمون" و "مسلمات" فغُلِّب الذكور على الإناث، نقول: هذا وافق قاعدة عربية، وهو تغليب الذكور على الإناث ولا إشكال.
لكن هل هو استعمال حقيقي أو مجازي؟
استعمال مجازي، ليس بحقيقي، وأكثر الأصوليين على هذا.
(ومثل: {وكلوا واشربوا}): الواو هذه خاصة بالذكور، وأما النسوة فيُقال: "كلن" و "اشربن" بنون الإناث.
(عند القاضي، وبعض الحنفية، وابن داود؛ لغلبة المذكر): إذا كان من باب الغلبة فلا إشكال ولا نزاع، أما عند التأصيل والنظر إلى الصيغة مجردة دون غلبة أو دون استعمال الشرع، فنقول: لا، "المسلمون" لا يشمل الإناث، كما أن "المسلمات" لا يشمل الذكور، هذا هو الأصح.
وأما استعمالها في الشرع فلا بأس، بل لو قيل: {إن المسلمين والمسلمات} أو {كلوا واشربوا} له حقيقة شرعية فلا إشكال.
ما المانع أن يقال: الأصل في لغة العرب أنه لا يعم الإناث؟
ولكن لما كان متعلَّق "المسلمون" و "المسلمات" الأحكام الشرعية، والشرع له طريقته الخاصة في الأحكام والحقائق، لو قيل: إنه حقيقة شريعة لا بأس، فإذا أُطلق المسلمون يشمل الإناث، لكن حقيقة شرعية، لأن الإناث شقائق الرجال، فكل ما ثبت للذكور فهو عام في الإناث إلا بدليل شرعي، فحينئذ قال: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ}[البقرة43] ليس خاصا بالذكور، بل يشمل الإناث.
(واختار أبو الخطاب، والأكثرون: عدم دخولهن): وهذا أصح من حيث اللغة.
وأما استعماله في الشرع مرادا به الإناث، نقول: هذا من باب التغليب.
ولو قيل: إنه حقيقة شرعية فلا إشكال؛ يعني لم يخالف الأصول.
لو قيل: الأمر له حقيقة شرعية مغايرة للحقيقة اللغوية، النهي له حقيقة شرعية مغايرة للحقيقة اللغوية؛ لا بأس.