تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 107

الموضوع: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

  1. #41

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع العام:

    هل تدخل الإناث في الخطاب العام؟


    [المتن]:

    [والإناث في الجمع بالواو والنون، ومثل: «كلوا واشربوا» عند القاضي، وبعض الحنفية، وابن داود؛ لغلبة المذكر، واختار أبو الخطاب، والأكثرون: عدم دخولهن(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والإناث): يعني وتدخل الإناث.

    (في الجمع بالواو والنون):
    كالمسلمين والمؤمنين، هذا جمع خاص بالذكور، خاص من جهة الصيغة، عام من جهة المادة؛ لأن بعض الجموع قد تختص صيغة ومادة، مادة بمعنى الحروف، إذا قيل: "الرجال"، جمع يختص به الرجال الذكور، والمعنى هذا مأخوذ من الرجولة، جمع "رجل"، والرجل هذا معنى، هل المرأة أو الأنثى تشارك الذكر في هذا المعنى؟ لا.

    إذًا قوله: "الرجال"، هذا جمع باتفاق أنه لا يشمل الإناث. لماذا؟

    لأنه مختص من جهة المادة بالذكور.

    كذلك ما يكون مساويا أو مستويا فيه الإناث والذكور؛ كـ "من"، و "ما"، و "الناس"، نقول: هذا يشمل الذكور والإناث باتفاق.

    بقي ما كان شاملا بالمادة لا بالصيغة، لو قيل: "المسلمون" بواو ونون، نقول: هذا جمع مذكر سالم، من جهة الصيغة خاص، لكن الإسلام خاص بالذكور أو مشترك؟ مشترك.

    هذا بعض من محل الخلاف.

    قال: (والإناث في الجمع بالواو والنون): يعني وتدخل الإناث في الجمع المذكر السالم الذي يكون بالواو والنون؛ لأن هذا اللفظ وإن اختص من جهة الصيغة بالذكور، إلا أنه من جهة المعنى عام؛ فيشمل الإناث والذكور.

    لكن الأصح أنه لا يشمل الإناث؛ لأن العرب قد فرّقت، بل الشرع فرّق: {إن المسلمين والمسلمات}، وكذلك القاعدة العامة في اللغة أن من أراد أن يجمع مسلم ومسلم ومسلم أتى بواو ونون، ومن أراد أن يجمع مسلمة ومسلمة ومسلمة أتى بألف وتاء، فالأصل في الجمع أن يكون فرعا عن المفرد، فإذا كان مسلم لا تدخل فيه المرأة والأنثى، حينئذ صار المسلمون لا يشمل الإناث، وكما أن مسلمة لا يشمل الذكر فكذلك المسلمات لا يشمل الذكور، فحينئذ يختص كل واحد من النوعين بجمع يخصه، بدلالة تخصه.

    يرد الإشكال: {واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين}، {وكانت من القانتين}، هذا محل الإشكال الذي أورد في هذه المسألة؛ أنه أُطلق الجمع بواو ونون على الأنثى.

    نقول: هذا بقاعدة التغليب، والكلام في قاعدة التغليب ليس كالتأصيل.

    التأصيل؛ الأصل أن يُوضع لكل من الذكور والإناث صيغة تخصه، ثم إذا غُلّب عند الاجتماع فهذه مسألة أخرى عند النحاة، أما من حيث أن يُقال: إن لفظ "المسلمون" يدخل فيه ابتداء الإناث، هذا ليس بصحيح، وإنما إذا اجتمع "مسلمون" و "مسلمات" فغُلِّب الذكور على الإناث، نقول: هذا وافق قاعدة عربية، وهو تغليب الذكور على الإناث ولا إشكال.

    لكن هل هو استعمال حقيقي أو مجازي؟


    استعمال مجازي، ليس بحقيقي، وأكثر الأصوليين على هذا.

    (ومثل: {وكلوا واشربوا}): الواو هذه خاصة بالذكور، وأما النسوة فيُقال: "كلن" و "اشربن" بنون الإناث.

    (عند القاضي، وبعض الحنفية، وابن داود؛ لغلبة المذكر):
    إذا كان من باب الغلبة فلا إشكال ولا نزاع، أما عند التأصيل والنظر إلى الصيغة مجردة دون غلبة أو دون استعمال الشرع، فنقول: لا، "المسلمون" لا يشمل الإناث، كما أن "المسلمات" لا يشمل الذكور، هذا هو الأصح.

    وأما استعمالها في الشرع فلا بأس، بل لو قيل: {إن المسلمين والمسلمات} أو {كلوا واشربوا} له حقيقة شرعية فلا إشكال.

    ما المانع أن يقال: الأصل في لغة العرب أنه لا يعم الإناث؟

    ولكن لما كان متعلَّق "المسلمون" و "المسلمات" الأحكام الشرعية، والشرع له طريقته الخاصة في الأحكام والحقائق، لو قيل: إنه حقيقة شريعة لا بأس، فإذا أُطلق المسلمون يشمل الإناث، لكن حقيقة شرعية، لأن الإناث شقائق الرجال، فكل ما ثبت للذكور فهو عام في الإناث إلا بدليل شرعي، فحينئذ قال: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ}[البقرة43] ليس خاصا بالذكور، بل يشمل الإناث.

    (واختار أبو الخطاب، والأكثرون: عدم دخولهن):
    وهذا أصح من حيث اللغة.

    وأما استعماله في الشرع مرادا به الإناث، نقول: هذا من باب التغليب.

    ولو قيل: إنه حقيقة شرعية فلا إشكال؛ يعني لم يخالف الأصول.

    لو قيل: الأمر له حقيقة شرعية مغايرة للحقيقة اللغوية، النهي له حقيقة شرعية مغايرة للحقيقة اللغوية؛ لا بأس.

  2. #42

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع العام:

    إذا حكي عن الصحابي فعلا من أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- ظاهره العموم:


    [المتن]:

    [وقول الصحابي: «نَهَى عن المُزابَنَةِ»، و«قَضَى بالشُّفْعَة»؛ عام(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    بمعنى أن الصحابي إذا حكى فعلا من أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- بصيغة ظاهرها العموم فهل يكون عاما أو لا؟ هذا محل نزاع.

    (وقول الصحابي نهى):
    أي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    (عن المزابنة، وقضى بالشفعة):
    المزابنة والشفعة سبق الكلام فيهما.

    هل المزابنة تعمّ كل شخص تعامل بها فيكون منهيا؟ والشفعة تعم كل شخص تعلق به هذا الحكم فتكون عامة؟

    هذا المحل الذي أراده المصنف.

    قال: (عام): وعليه الأكثر؛ لأن الصحابي إذا سمع صيغة النهي حملها على النهي، وهو عدل، وضابط، ولغوي، فلا يصرف غير الأمر عن الأمر، فإذا روى ما يدل على العموم؛ يدل على أنه قد جزم بأنه للعموم، أو جزم بأن هذا أمر، أو جزم بأنه نهي؛ لأنه إذا قال: "نهى عن المزابنة"، هو لم ينقل لفظ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإذا قيل: "قضى بالشفعة"، لم ينقل لنا اللفظَ، فحينئذ حكمه بكون المسموع من النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرا؛ نقول: هذا حجة، الصحابي في مثل هذا حجة، والمسألة فيها نزاع.

  3. #43

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع العام:

    حكم العام إذا ورد على سبب خاص:


    [المتن]:

    [والمعتبر اللفظ، فيعم وإن اختص السبب، وقال مالك وبعض الشافعية: يختص بسببه(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والمعتبر اللفظ، فيعم وإن اختص السبب، وقال مالك وبعض الشافعية: يختص بسببه):

    إذا ورد العام على سبب خاص فهل يُسقِط عمومه أو لا؟

    الجمهور على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ كآيات الظهار، نزلت في أوس بن الصامت وزوجته، وآيات اللعان نزلت في عويمر عجلان وزوجته، وقيل: هلال بن أمية، وآيات القذف نزلت في شأن عائشة -رضي الله عنها-، الآيات هذه كلها من حيث اللفظ عامة، ومن حيث السبب خاصة، فهل نقول: يشمل اللفظ عائشة وغيرها؟ هل تشمل آيات الظهار أوس بن الصامت وغيره؟ أو نقول: إنه خاص به، ويُقاس عليه غيرُه؟

    هذا محل نزاع، والأصح أن يقال: العبرة بعموم اللفظ؛ لأن اللفظ هو الشرع، ونحن متعبدون بامتثال وبفهم الشرع، وأما السبب فلا أثر له إلا من حيث كون الحكم ورد على سببه، فإذا ورد الحكم على سبب لا يلزم منه ألا يكون غير السبب داخلا في لفظ العام، بل يكون اللفظ العام شاملا لسببه ولغيره.

    (والمعتبر اللفظ):
    يعني النظر إلى اللفظ، الحجة حينئذ تكون في اللفظ.

    (فيعم وإن اختص السبب):
    لكن ما الفائدة من ذكر السبب باعتبار اللفظ العام؟ يعني هل بينهما علاقة؟

    يكون نصا فيه؛ بمعنى أنه لا يجوز إخراجه، ولذلك نقول: دلالة اللفظ العام على السبب الوارد له أو عليه دلالة قطعية، وإذا كانت دلالة قطعية لا يجوز تخصيصها.

    ولذلك قال:

    واجزم بإدخال ذوات السبب وارو عن الإمام ظنا تُصِب

    بعضهم قال: اللفظ العام يشمل صورة السبب ظنا، وهذا خطأ؛ لأنه لو كانت ظنا لجاز إخراجها، وإذا جاز إخراجها حينئذ نزل القرآن على أي شيء؟ وخرج الجواب من النبي -صلى الله عليه وسلم- على أي سؤال؟

    لا بد أن يكون الجواب مطابقا للسؤال، وقد أخرجنا السؤال أصلا من حيّز العام، حينئذ أين المطابقة؟ فيصير اللفظ عبثا.

    ولذلك نقول: الصواب: أن صورة السبب داخلة في اللفظ العام.

    (وقال مالك، وبعض الشافعية: يختص بسببه):
    ولا يتعداه إلى غيره، وكل من وُجدت فيه أوصاف السبب قيس على ذلك السبب فدخل في الحكم، حينئذ إذا اختصت آيات الظهار -مثلا- بأوس، هم لا يقولون: بأن غير أوس لا تشمله آيات الظهار، لا، يقولون: دلّت آيات الظهار على غير أوس بالقياس عليه، فيأتون لقصة أوس وتنقيح وتحقيق إلى آخره يُنظَر في العلل، إذا وُجدت في زيد نقول: زيد أصلا ليس داخلا في نص الآية، وإنما نقيسه على أوس.

    ونحن نقول: لا، هو شامل له باللفظ.

  4. #44

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع العام:

    تعارض العمومين:


    [المتن]:

    [فإن تعارض عمومان وأمكن الجمع بتقديم الأخص أو تأويل المحتمل فهو أولى من إلغائهما، وإلا فأحدهما ناسخ إن عُلِمَ تأخره، وإلا تساقطا(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (فإن تعارض عمومان): التعارض هو التقابل والتمانع، وعند الأصوليين: أن يتقابل دليلان يخالف أحدهما الآخر.

    (فإن تعارض عمومان وأمكن الجمع): لأن الأصل في تعارض الأدلة؛ القاعدة العامة: إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، هذا متفق عليه، فإذا جاء عندنا عمومان متعارضان، نقول الأولى: أن نجمع بينهما ولا نُسقط أحدهما؛ لأن إلغاء أحدهما إلغاء لبعض الشرع.

    (وأمكن الجمع بتقديم الأخص):
    بأن يكون أحدهما عاما من وجه خاصا من وجه؛ قُدّم الأخص على الأعم، «من بدل دينه فاقتلوه» "مَن" عامة تشمل الذكور والإناث، إذا المرتد يُقتَل، والمرتدة تُقتَل، عام، "نهى -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النساء"، عام، النساء يشمل المرتدة والحربية وغيرهما، إذًا وقع تعارض، المرأة المرتدة بحديث «من بدل دينه فاقتلوه» تُقتل، وبحديث "نهى عن قتل النساء" لا تُقتل، ماذا نصنع؟

    لا بد من الجمع؛ فنُقدم الأول: «من بدل دينه فاقتلوه»، فحينئذ تقتل المرأة المرتدة، ونحمل الثاني بأنه خاص بالكافرة الأصلية ما لم تباشر القتال؛ لسياق القصة التي ورد فيها النهي، هذا جمع بين الدليلين، ومتى أمكن الجمع بين الدليلين لا يُعدَل عنهما أبدا بأي وجه من وجوه الجمع.

    (أو تأويل المحتمل):
    يعني ورد حديث محتمل، مثّلوا لذلك بحديث: «إنما الربا في النسيئة»، هذا فيه نفي لربا الفضل، هذا كالصريح في نفي ربا الفضل، وحديث أبي سعيد «الذهب بالذهب . .» إلى آخره يثبت ربا الفضل، فوقع التعارض، ماذا نصنع؟

    قالوا: «إنما الربا في النسيئة» يُحمل على الربا الأغلظ والأشد، فلا يكون نفيا حينئذ لربا الفضل.

    (فهو):
    يعني الجمع.

    (أولى من إلغائهما
    ): متى ما أمكن التأويل فهو أولى من الإسقاط؛ أولى من إلغائهما.

    (وإلا):
    لم يمكن الجمع؛ بأن تعذر الجمع.

    (فأحدهما ناسخ للآخر)
    : أحد العامين ناسخ للآخر؛ بأنه رافع للحكم.

    (إن عُلِمَ تأخره)
    : إذًا توفر فيه شرطا النسخ، وهو عدم إمكان الجمع، مع العلم بالتأريخ، {فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم}، {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، هذا عام، وهذا عام {فمن تطوع خيرا}، هذا مطلق عاجز وغيره، {فمن شهد منكم الشهر}، قالوا: الثاني ناسخ للأول، المراد المثال لا النقاش في المسألة.

    (وإلا):
    يعني وإلا يُعلَم تأخر الثاني.

    (تساقطا):
    فلا يُعمَل بأحدهما دون الآخر؛ لأنه ترجيح بلا مُرجح.

    إذًا القاعدة أنه "إذا تعارض عمومان: الأصل الجمع بأي طريق بوسائل الجمع"، ثم إن عُلم التأريخ والثاني ناسخ وإلا تساقطا.

    والتعبير بالتساقط هذا فيه نوع إشكال، ونقول: نتوقف فيهما حتى يرد المُبين.

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    الدولة
    الجزائر العميقة ولاية الجلفة
    المشاركات
    494

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    بارك الله فيك على هذا الحهد القيم والمفيد واصل أخي

  6. #46

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوأحمد المالكي مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك على هذا الحهد القيم والمفيد واصل أخي
    حيا الله أبا أحمد المالكي، وجزاه خيرا على كلامه العاطر، ونسأل الله القبول.

  7. #47

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    باب الخاص:

    الخاص وتعريفه:


    [المتن]:

    [والخاص: يقابل العام(1)، وهو ما دلّ على شيء بعينه(2)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والخاص: يقابل العام):

    (الخاص): اسم فاعل، خصّ يخص خاصا.

    (يقابل العام): سبق أن العام من جهة اللغة هو الشامل، حينئذ إذا قابله الخاص فهو غير الشامل، العام: هو المستوعب المستغرق، والخاص: غير المستوعب وغير المستغرق.

    ولما كان العام يدخله التخصيص ناسب ذكر الخاص بعده.

    الخاص في اللغة: مأخوذ من الانفراد وقطع الاشتراك، وإذا أخذته بالمقابلة فقلت: العام: الشامل، والخاص: غير الشامل، لا بأس؛ لأنه يقابله، يقال: خُصّ فلان بكذا؛ أي انفرد به، ولم يشاركه أحد.

    والخاص من جهة الاصطلاح: قال المصنف -رحمه الله-:

    (2)
    (وهو ما دلّ على شيء بعينه):

    (وهو): أي الخاص.

    (ما):
    جنس يشمل العام والخاص؛ لأن المقام هنا مقام تعريف الخاص الذي هو مقابل العام؛ فنقول: (ما): جنس؛ أي لفظ، فحينئذ يشمل العام والخاص، والخاص -كما سبق- يقابل العام؛ فيأخذ بعض أحكامه، وكما أن العام وصف للألفاظ، كذلك الخاص وصف للألفاظ، وكما يقال: معنى عام، يقال: معنى خاص، ولفظ عام، ولفظ خاص.

    لكن في الاصطلاح: الأغلب إذا أُطلق الخاص أُريد به اللفظ، وإذا أرادوا المعنى قالوا: أخص، وإذا أرادوا اللفظ هناك قالوا: عام، وإذا أرادوا المعنى قالوا: أعم؛ يعني جعلوا أفعل التفضيل للمعنى في الاصطلاحين، وجعلوا اسم الفاعل للفظ، لماذا؟

    قالوا: لأن المعنى أهم، وما جُعِل اللفظ إلا ليُجعَل دليلا على المعنى، ولذلك نقول: الوضع هو جَعل الوضع دليلا على المعنى، إذًا المعنى مدلول عليه، وهو المقصود، واللفظ دليل، حينئذ تكون العناية بالمعاني أهم، فلذلك أُعطيت أفعل التفضيل.

    (دل على شيء بعينه): أخرج العام.

    (دل): يعني ذو دلالة؛ يعني يُفهَم منه.

    (على شيء بعينه):
    بذاته، بنفسه، فالمدلول عليه يكون معينا، بخلاف العام؛ فإنه اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له كما عرفه المصنف، حينئذ يكون الخاص لفظ لا يستغرق، فيكون قد دل على شيء بعينه، وأوضح من هذا أن يُقال:

    الخاص: هو اللفظ الدال على محصور بشخص أو عدد.

    (الخاص هو اللفظ الدال على محصور): إذًا عندنا استغراق، وعندنا حصر، متقابلان، العام أخذ الاستغراق، والحصر عند الخاص.

    (اللفظ الدال على محصور بشخص): كالأعلام "زيد"، و "عمرو"، و "خالد"، إذا أُطلق انصرف إلى الذات، وهو شيء مخصوص محصور.

    (أو عدد): كأسماء الأعداد، وسواء دل عليه بالعدد الاسم؛ كـ "عشرة"، و "مائة"، و "ألف"، أو بالتثنية؛ كـ "رجلين"، "رجل": هذا يدل على شخص، و "رجلان": يدل على اثنين؛ محصور، و "رجال": بالتنكير يدل على ثلاثة.

    إذًا (اللفظ الدال على محصور بشخص أو عدد): (بشخص): سواء كان كالأعلام؛ أعلام الأشخاص، أو كان باللفظ الواحد؛ كالنكرة إذا قيل: "رجل" في الإثبات، نقول: النكرة في سياق الإثبات لا تعم، هذا الأصل ما لم تكن في سياق الامتنان، فحينئذ إذا قال: "جاء رجل"، "رجل" غير مستغرق، غير عام، فإذا لم يكن عاما تعين أن يكون خاصا؛ لأن القسمة ثنائية، إذًا انتفى العموم (الاستغراق) ثبت الخصوص وعدم الاستغراق، فإذا قيل: "جاء رجل"، يعني واحدا، "جاء رجلان"؛ أي اثنان، "جاء رجال"؛ أي ثلاثة، ولا نزيد إلا بقرينة؛ لأنه في سياق الإثبات، يُحمَل على أقل ما يدل عليه الجمع، إذًا حصل الحصر هنا. "جاء عشرة رجال": أيضا هذا محصور باسم العدد.

    إذًا كل لفظ يدل على شخص أو عدد فهو خاص، وكل لفظ يستغرق بلا حصر نقول: هذا عام.

  8. #48

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع باب الخاص:

    مراتب العام والخاص:


    [المتن]:

    [ولهما طرفان وواسطة(1)؛ فعام مطلق، وهو ما لا أَعَمَّ منه؛ كـ "المعلوم"(2)، وخاص مطلق، وهو ما لا أَخَصَّ منه؛ كـ "زيد"(3)، وما بينهما فعام بالنسبة إلى ما تحته، خاص بالنسبة إلى ما فوقه؛ كـ "الموجود"(4)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ولهما طرفان وواسطة):

    (ولهما):
    أي العام والخاص.

    (طرفان وواسطة
    ): هذا تقسيم له -للفظ- بحسب مراتبه علوا وواسطة وسفلا؛ لأن العام والخاص إما أن يكون لفظ العام عاما ولا أعم منه؛ لأننا نقول: اللفظ يستغرق، ثم هذا الاستغراق مراتب، قد يكون الاستغراق يستغرق شيئا، ويكون هذا اللفظ الدال على الاستغراق داخلا تحت لفظ آخر، وقد لا يكون داخلا تحت لفظ آخر؛ فحينئذ إذا بلغ اللفظ العام المستغرق أعلى الدرجات بحيث لا يدخل تحت غيره؛ قيل: هذا عام لا أعم منه، وإذا كان يدخل تحت غيره نقول: هذا عام إضافي.

    كذلك الخاص، خاص لا أخص منه؛ يعني عندنا لفظ دال على شخص أو عدد، أقل ما يصدق عليه لفظ ولا يحتمل غيره البتة كـ "الأعلام"؛ أعلام الأشخاص، لو قيل: "زيد"، هذا لا يحتمل إلا الذات التي وُضع لها اللفظ، نقول: هذا خاص لا أخص منه، وما بينهما واسطة.

    (2)
    (فعام مطلق، وهو ما لا أَعَمَّ منه؛ كـ "المعلوم"):

    يعني لا يعلوه عام، لا يدخل تحت غيره البتة؛ مثل "المعلوم"، كل ما تعلق به العلم فهو معلوم، سواء كان موجودا أو معدوما، فالعلم يتعلق بالموجودات، ويتعلق بالمعدومات، بل في حق الرب -جل وعلا- يتعلق بالمستحيلات، {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام27]، هذا يحصل أو لا يحصل؟

    لا يحصل، مستحيل، لكن تعلق به علم الرب -جل وعلا-، فحينئذ متعَلّق العلم الموجود والمعدوم والمستحيل، لذلك صار لفظ "المعلوم" عام، لا أعم منه؛ لأن كل شيء من الموجودات ومن المعدومات ومن المستحيلات داخل تحت هذا اللفظ.

    هل هناك لفظ يدخل تحته المعلوم؟


    لا يوجد، ولذلك قيل: هذا اللفظ لا أعم منه، عام مطلق، وفي تحديد اللفظ الذي يكون عاما مطلقا خلاف بين الأصوليين، لكن المشهور هو ما ذكره المصنف هنا.

    (3)
    (وخاص مطلق، وهو ما لا أَخَصَّ منه؛ كـ "زيد"):

    كالأعلام التي تُطلَق ويُراد بها الأشخاص؛ لأن لفظ "زيد" إذا أُطلق انصرف إلى الذات المُشَخَصّة المُشاهَدة في الخارج، لا يمكن أن يدخل تحت هذا اللفظ غير الذات، لكن لفظ "زيد" من حيث هو قبل التسمية لفظ مشترك، ثم إذا عُلِّق بمسماه، نقول: امتنع الاشتراك، وإذا سمي هذا "زيد"، نقول: لفظ "زيد" لا يشاركه غيره البتة، إذًا لا يدخل إلا ذات المسمى، فلا يشركه غيره، أما لفظ "المعلوم" فيشارك غير الموجود؛ كالمعدوم والمستحيل.

    (4)
    (وما بينهما فعام بالنسبة إلى ما تحته، خاص بالنسبة إلى ما فوقه؛ كـ "الموجود"):

    (وما بينهما)
    : يعني العام المطلق، والخاص المطلق.

    (فعام بالنسبة إلى ما تحته، خاص بالنسبة إلى ما فوقه):
    هذا كما ذكرناه في النامي، والحيوان، والإنسان.

    نقول: "الإنسان" نوع من أنواع "الحيوان"، فرد من أفراده، إذًا "الحيوان" جنس؛ لأنه يشمل "الإنسان" وغيره، الجنس: ما عمّ اثنين فصاعدا، فـ "الحيوان" يشمل "الإنسان" وغيره، يشمل "الإنسان"، و "الفرس"، و "البغل" .. إلى آخره، ثم هو خاص باعتبار "النامي"؛ لأن "النامي" -يعني ما يقبل النمو- ليس مختصا بـ "الحيوان"، فيدخل فيه "النبات".

    فنقول: "النامي": جنس يشمل "الحيوان"، ويشمل "النبات"؛ إذًا "الحيوان" باعتبار "النامي" فرد من أفراده، فهو خاص، و "الحيوان" باعتبار "الإنسان" جنس.

    إذًا نظرنا إلى لفظ "الحيوان"؛ فإذا به عام باعتبار "الإنسان"، وخاص باعتبار "النامي".

    (وما بينهما فعام):
    كـ "الحيوان" بالنسبة إلى ما تحته؛ كـ "الإنسان"، خاص؛ أي الحيوان بالنسبة إلى ما فوقه؛ كـ "النامي".

    مثّل بـ "الموجود"، هذا خاص بالنسبة لـ "للمعلوم"؛ لأن المعلوم يشمل "الموجود" وغيره، كل موجود معلوم ولا عكس، كما نقول: كل إنسان حيوان ولا عكس؛ لانفراد الحيوان بصدقه على ما ليس بإنسان، كذلك هنا نقول: كل معدوم فهو معلوم ولا عكس، ليس كل معلوم فهو موجود، نقول: كل موجود فهو معلوم ولا عكس؛ لصدق المعلوم على المعدوم والمستحيل، فليس كل معلوم يكون موجودا، إذًا هو باعتبار المعلوم أخص؛ لأنه فرد من أفراده، وباعتبار الجوهر وغيره –كالعرض- هو علم؛ لأن الموجود ينقسم إلى جوهر وعرض.

    الجوهر: ما يقوم بذاته.

    والعرض: ما لا يقوم بذاته؛ كالصفات، لا بد لها من محل؛ كالبصر لا يمكن أن يوجد بصر إلا في عين، والطول لا يمكن أن يوجد طول إلا في عمود، أو في إنسان، أو في شجرة، ونحو ذلك، حينئذ نقول: الموجود باعتبار المعلوم خاص، ثم هو ينقسم إلى جوهر وعرض فيكون عاما.

    إذًا وُصف اللفظ الواحد بكونه خاصا عاما.

    يرد السؤال: هل يجتمع الوصفان (الخصوص والعموم) في لفظ واحد؟


    نعم يجتمعان، لكن لا من جهة واحدة وإنما باعتبارين، من جهتين مختلفتين، ننسب اللفظ إلى ما هو أعلى فيكون خاصا، وننسب اللفظ إلى ما هو أدنى منه فيكون عاما.

    أما الخاص الذي لا أخص منه، نقول: هذا لا يوصف إلا بالخصوص، والعام الذي هو لا أعم منه هذا لا يوصف إلا بالعموم، إذًا قد يجتمعان وقد يفترقان.

  9. #49

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع باب الخاص:

    تعريف التخصيص:


    [المتن]:

    [والتخصيص: إخراج بعض ما تناوله اللفظ(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والتخصيص: إخراج بعض ما تناوله اللفظ):

    بعدما عرّف لك الخاص قال:

    (والتخصيص)
    ؛ لأنه هو المراد هنا.

    (والتخصيص)
    : مصدر، خصص، يُخصص، تخصيصا، والمراد به خُص بكذا.

    التخصيص لغة: الإفراد.

    وعرفه هنا بقوله: (إخراج بعض ما تناوله اللفظ): والمراد باللفظ الذي تناول ما أُخرج بالتخصيص هو اللفظ العام؛ لأن التخصيص يَرِد على العام، يكون اللفظ عاما فيَرِد التخصيص بدليل يشتمل على لفظ خاص، فنُخرج بعض ما تناوله لفظ العام بهذا الدليل المُخصص، يكون اللفظ العام -من حيث هو- متناولا ومستغرقا لجميع الأفراد، فيأتي دليل يدل على اختصاص أو إخراج بعض تلك الأفراد التي تناولها اللفظ العام، فلا يشملها اللفظ المسلط على اللفظ العام، بل تختص بحكم خاص.

    {وَالْمُطَلَّقَ تُ}: لفظ عام، {وَالْمُطَلَّقَ تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}، عندنا محكوم عليه، ومحكوم به، وحكم.

    فالمحكوم عليه هنا: لفظ عام، وهو {المطلقات}، هذا عام، "أل" موصولية، وهي من صيغ العموم، حينئذ صار مستغرقا، فكل مطلقة يشملها اللفظ، سواء كانت حاملا أم حائلا، سواء دُخل بها أو لا، آيسة أم لا، اللفظ عام يشمل كل مطلقة، صغيرة كبيرة، أيا كانت، فاللفظ يشملها.

    والحكم: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}، إذًا كل مطلقة عدتها ثلاثة قروء، هذا من حيث اللفظ.

    لكن جاء نص آخر أخرج بعض ما تناوله اللفظ، وهو لفظ المطلقات، فعيّن له حكما يخالف ذلك الحكم الذي عُلق على العام: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق4]، إذًا المُطلقة الحامل هل هي داخلة في قوله تعالى: {المطلقات}؟

    فيه تفصيل: إن أُريد داخلة من حيث اللفظ، فاللفظ يشملها، اللفظ متناول للمطلقة الحامل من حيث اللفظ لا من حيث الحكم، ولذلك قصر العام على بعض أفراده؛ يعني قصر حكمه، فحينئذ الحكم الذي نُزل في الآية على كل فرد فرد من أفراد المطلقات، نقول: هذا يشمل كل من لا يتناوله دليل التخصيص.

    قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ}، هذا إن دل على أن حكم الحامل المطلقة مخالف لما نُصّ عليه في الآية فليس داخلا في العموم، فحينئذ الإخراج يكون من الحكم لا من اللفظ هنا.

    (إخراج بعض):
    لا كل، لو كان إخراجا للكل لكان نسخا؛ لأن النسخ رفع الحكم عن كل الأفراد، لمّا كان عن البعض علمنا أنه تخصيص.

    (إخراج بعض ما تناوله اللفظ العام):
    الإخراج هنا لا من حيث الاستعمال؛ ولذلك نقول: العام المخصوص: هو ما قُصد به جميع أفراده استعمالا لا حكما.

    فحينئذ قوله: (إخراج) هل هو من الحكم أو من اللفظ؟

    نقول: ليس من اللفظ بل هو من الحكم؛ لأن دلالة المطلقات على المطلقة الحامل دلالة لغوية، وحينئذ إذا عُلم أن اللفظ عام من جهة اللغة؛ تخصيصه لا بد أن يكون من جهة اللغة، ولا مُخصص؛ لأن اللفظ هنا اسم مفعول دالّ على ذات متصفة بصفة، وهذا اللفظ من حيث وضعه في اللغة يدل على كل ذات اتصفت بمطلق الصفة، فلا يتخصص به بعض الصفات دون البعض الآخر، وإنما يكون الإخراج هنا للحكم، فيكون التقدير {الْمُطَلَّقَات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} لا يشمل قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ} المطلقات الحوامل؛ لخصوصهن بدليل آخر، أما اللفظ فهو شامل لهن.

    إذًا (إخراج بعض ما تناوله اللفظ): الأحسن منه أن يُقال: قصر العام على بعض أفراده؛ يعني حكم العام على بعض أفراده، ولهذا اشتهر هذا التعريف الثاني.

    (قصر العام): هذا من إضافة المصدر إلى مفعوله، وحينئذ يكون من الذي قد قصر؟ القصر حكم من؟

    حكم الشارع؛ لأن التعميم والتخصيص حكمان شرعيان، فالذي يُعمِّم الحكم على جميع الأفراد هو الشارع، والذي يخصص البعض ويخرج بعضا دون بعض هو الشارع، إذًا (قصر العام): هذا من إضافة المصدر إلى مفعوله، والفاعل محذوف للعلم به؛ لأن البحث في الشرعيات.

    (قصر العام): أي قصر الشارع العام، والمراد بالقصر العام ليس قصر اللفظ، وإنما هو قصر الحكم، فحينئذ الحكم في الأصل يكون شاملا لكل فرد فرد من أفراد الموضوع، ولكن جاء دليل قصر؛ يعني حمل ذلك الحكم المتعلق بأفراد العام على بعض الأفراد دون بعض.

    ولذلك نقول: إن دلالة العام على أفراده كلية؛ بمعنى أن كل فرد فرد يصدق عليه الحكم استقلالا، {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} {المشركين}: نقول: هذا لفظ عام محكوم عليه بالقتل، زيد المشرك، وخالد المشرك إلى آخره، كل فرد من هؤلاء الأفراد يصدق عليهم الحكم؛ كأنه قال: فاقتل خالدا المشرك، فاقتل عمرًا المشرك، فاقتل بكرًا المشرك، ولذلك ذكر الشيخ الأمين -رحمه الله- أن القضية المركبة بحكم على لفظ عام هو في قوة قضايا متعددة.

    وحيثما لكل فرد حُكما

    فإنه كلية قد عُلما

    في قوة قضايا متعددة؛ يعني بدلا من أن يُقال لك: اقتل زيدا المشرك، اقتل عمرًا المشرك، هاتان جملتان، اقتل بكرًا المشرك، ثالثة، رابعة، عشرة، مائة، ألف، قال: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} اختصر لك هذه كلها، وقال لك: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} حينئذ كل من وُجد واتصف بوصف الشرك فهو داخل بالقوة؛ لأنه في قوة قولك: خالد مشرك، وثبت قوله: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} إذًا اقتل خالدًا، فحينئذ لا يمنع العقل -عندما تجزأت أفراد اللفظ العام وصار كل فرد يستقل بحكم دون الآخر- أن يأتي الشرع ويستثني بعض الأفراد.

    ولذلك سيأتي أنه قال: (ولا خلاف في جواز التخصيص)، هل يجوز أن يخصص اللفظ العام؟

    نعم يجوز؛ لأن مدلوله كليا، ليس بشيء واحد، هو لم يقل: اقتلوا خالدا، ثم نقول: خالد هذا عام، وهل يرد عليه تخصيص أو لا؟

    نقول: لا، اقتلوا خالدا، هذا موضوعه خاص، ولا يقبل التخصيص، لكن {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ}: لفظ عام، وهو يتجزأ، له آحاد، فحينئذ نقول: هذه القضية قضية كلية.

    وحيثما لكل فرد حُكما
    فإنه كلية قد عُلما
    مدلوله كلية إن حكم

    عليه في التركيب من تكلم

    مدلوله: أي العام؛ كلية.

    إن حكم عليه في التركيب من تكلم: بمعنى أنه يُحكَم على اللفظ العام بأنه كلية بعد التركيب لا قبلها.

    لو قال: مشركون فقط هل ثم حكم؟

    لا، ليس عندنا حكم، حينئذ حيثما لكل فرد حُكم لا بد أن يقع لفظ العام في ضمن جملة اسمية أو فعلية.

    (قصر العام على بعض أفراده): إذًا هذا هو التخصيص؛ أن يرد لفظ عام يتناول أفرادا بلا حصر فيأتي لفظ آخر يخص بعض الأفراد بحكم مخالف للحكم السابق، لا بد أن يكون الحكم مخالفًا حتى يُعد تخصيصا.

    فإن كان بحكم لا يُخالف لا يكون تخصيصا، لو قال: "أكرم الطلاب"، نقول: "الطلاب": لفظ عام يصدق على محمد وبكر وخالد إلى آخره، و "أكرم": هذا هو الحكم، حينئذ نقول: "أكرم الطلاب": كلية؛ بحيث يتبع الحكم -الذي هو الإكرام- كل فرد فرد فرد على جهة السواء، كل طالب يدخل في اللفظ، حينئذ لا بد أن يوجد له نصيب من الحكم، وأن يكون النصيب الذي من الإكرام لخالد مساويا لبكر، مساويا لعمرو، إلى آخره.

    لو قال: "أكرم الطلاب"، "أكرم الطالب زيدا"، و "زيد" هذا من الطلاب، هل نقول: قصر الحكم؟ قصر العام على بعض أفراده؟ هل هذا تخصيص؟

    لا يُعَد؛ لأن الحكم مُتحد، وشرط التخصيص أن يكون الحكم مختلفا، لكن التنصيص على "زيد" لزيادة اهتمام.

    أما لو قال: "أكرم الطلاب، ولا تُكرم زيدًا"، حينئذ يُعَد تخصيصًا، فـ "الطلاب": لفظ عام يشمل زيدا وغيره، ولكن جاء دليل يخص "زيدا"، فحينئذ لا يستحق الإكرام، حينئذ قصر العام -أي حكمه- على بعض أفراده دون البعض الآخر.

    نقول: القصر المراد به الحكم، وأن يكون هذا الحكم مخالفا لحكم العام، فإن كان متحدا معه فلا يُعَد تخصيصًا، وبعض الفقهاء يَطْرُد القاعدة؛ كأن المراد عند الأصوليين الحكم ولو لم يختلف؛ يعني قصر العام على بعض أفراده ولو لم يختلف الحكم.

    نقول: ليس بصحيح، هذا قد يقع فيه بعض الفقهاء، فكلما وجدت نصا قد حكم الشارع على فرده، ثم هذا الفرد داخلٌ في ضمن عام قد سُلّط عليه حكم لا يخالف ذاك الخاص فلا تقول: هذا من باب التخصيص، وإنما هو ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام، فلا يُعَد تخصيصا.

  10. #50

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع باب الخاص:

    الفرق بين النسخ والتخصيص:


    [المتن]:

    [فيفارق النسخ(1)، بأنه رفع لجميعه(2)، وبجواز مقارنة المخصِّص(3)، وعدم وجوب مقاومته(4)، ودخوله على الخبر بخلاف النسخ(5)].

    [الشرح]:

    (1)
    (فيفارق النسخَ):

    أراد أن يبين لك الفرق بين التخصيص والنسخ، ثَم تشابه بينهما، ذكر بعض الفروق المهمة فقال:

    (فيفارق النسخَ)
    : ما هو الذي يفارق؟

    التخصيص.

    (2)
    (بأنه رفع لجميعه):

    أي النسخ رفع لجميع الحكم، وأما التخصيص فهو تبعيض الحكم، ولا بأس أن تقول: النسخ: رفع لجميع ما تناوله اللفظ.

    (3)
    (وبجواز مقارنة المخصّص):

    المخصِّص قد يكون مقارنا للعام {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران97]، {الناس}: لفظ عام، {من استطاع}: مُخصص؛ لأنه بدل، والبدل من المخصصات المتصلة، ولا يجوز ذلك في النسخ، لا بد في النسخ أن يكون الخطاب الثاني متراخيا عن الخطاب الأول.

    (4)
    (وعدم وجوب مقاومته):

    يعني لا يشترط في المخصِّص أن يكون مساويا للمخصَّص من جهة الدلالة والثبوت؛ لأن النسخ عند الجمهور يلزم فيه مساواة الناسخ للمنسوخ في ثبوته ودلالته، ولا يشترط في المخصِّص أن يكون مساويا للعام في ثبوته، بل يجوز تخصيص المتواتر بالآحاد، والآحاد بالآحاد، ويجوز تخصيص الكتاب بالسنة ولو كانت آحادا، لكن في النسخ عند الجمهور لا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد، والصواب الجواز كما سيأتي.

    يجوز تخصيص القرآن بآحاد السنة
    ؛ كما في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}، هذا مخصوص بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم»، وهو آحاد.

    (5)
    (ودخوله على الخبر بخلاف النسخ):

    أي دخول التخصيص، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}، هذا مخصوص -كما سيأتي- بالحس، {اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، خبر دخله التخصيص بالعقل، لكن النسخ لا يدخل الأخبار، وإنما يدخل الأحكام فقط.

  11. #51

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع باب الخاص:

    حكم التخصيص:


    [المتن]:

    [ولا خلاف في جواز التخصيص(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ولا خلاف في جواز التخصيص):

    (ولا خلاف)
    : يعني بين الأصوليين في جواز التخصيص مطلقا، سواء كان أمرا أم نهيا أم خبرا؛ لدليلين:

    أولا:
    وقوعه في الكتاب والسنة، دائما يُستدَل بالوقوع على الجواز، إذا وقع حينئذ نقول: جائز؛ لأنه لو لم يجز لما حصل.

    {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} هل كل سارق يُقطَع؟ لا، إذًا هناك تخصيص.

    {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}، هل كل زان يُجلَد؟ لا.

    {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}، هل كل ولد يرث ولو كان عبدا؟ ولو كان قاتلا؟ لا، إذًا لا بد من الاستثناء.

    حينئذ هذه الأدلة مُخصَّصة، وهذا مُجمَع عليه بين الصحابة.

    ثانيا:
    التخصيص فيه صرف للفظ عن إرادة جميع الأفراد بالحكم إلى البعض، فإذا قال: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} المشركين: يشمل كل من اتصف بصفة الشرك ولو كانوا من أهل الذمة، ومعلوم أن أهل الذمة يشتَرط لهم {حتى يعطوا الجزية عن يد}، حينئذ لا يجوز القتل.

    فنقول: النص هنا صرف اللفظ -الذي هو المشركين- عن الجميع إلى البعض، فصار من إطلاق الكل مرادا به البعض، ولو قيل: بأنه مجاز -والأصح أنه حقيقة- هل يمنع العقل وجود المجاز؟!

    لا يمنع العقل وجود المجاز، فحينئذ القول: جواز التخصيص ولو أدى إلى أن دلالة اللفظ على الأفراد بعد التخصيص مجاز، والمجاز لا يمنعه العقل، فحينئذ نقول: لا مانع من وجود التخصيص.

    لكن نفي الخلاف بين الأصوليين -كما ذكر المصنف- فيه نظر، بل كثير من الأصوليين نازع في بعضها، بعضهم أخرج الأمر، بعضهم أخرج الخبر، لكن في الأحكام الشرعية يكاد يكون الاتفاق بينهم، أما في الأخبار وفي النواهي فيها نوع خلاف.

    (ولا خلاف في جواز التخصيص)
    : لكن بشرط أنه لا يصح دعوى التخصيص إلا بدليل صحيح، شرط التخصيص أنه لا يثبت إلا بدليل صحيح، لا بد من إقامة الدليل أولا وصحته، وبعد ذلك نحكم بالاستثناء.

    يعني بعد ثبوته نقول: يجب العمل بدليل التخصيص إذا صح في صورة التخصيص، ثم إهدار هذه الصورة من دلالة العام، فنقول: "المطلقات"، "وإن كن أولات حمل"، ماذا نصنع؟

    عندنا دليل عام ودليل خاص، نُقدم الخاص في الصورة التي دلّ عليها، ثم نأتي لدليل "والمطلقات": تشمل المطلقة الحامل، فحينئذ نقول: إهدار هذه الصورة من النص، فإذا دخلت المطلقة الحامل في قوله: {والمطلقات} لغة نُهدرها من جهة تعلق الحكم بها، {والْمُطَلَّقَا ُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}، نقول: الحكم يشمل غير المطلقة ومن استُثني معها.

    هل اللفظ يدل على المطلقة؟

    نقول: نعم، حينئذ الحكم بالتخصيص مُقدّم على إطلاق المطلقات على المُطلقة الحامل، فشمول اللفظ لها لغة لا حكما.

  12. #52

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع باب الخاص:

    المخصصات وأنواعها:


    [المتن]:

    [والمخصِّصَاتُ تسعة(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والمخصّصَاتُ تسعة):

    المخصصات: جمع مُخصِّص، والأصل في المُخصِّص هو فاعل التخصيص، وهو الشارع؛ لأن الإخراج والمُخرِج -الذي ذُكر سابقا- هو بإرادة المتكلم، المخصص هو فاعل التخصيص، ثم جعله الأصوليون حقيقة عرفية أو مجازا في الدليل المفيد للتخصيص، فقوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ}، في الأصل لا يُعَد مُخصِّصا؛ لأن الله -عز وجل- هو المُخصِّص في الأصل، وإنما أُطلق لفظ المُخصِّص على قوله: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ}؛ لأنه هو الذي أفاد، هو الذي دلّنا على أن المطلقة الحامل مُخرَجة من النص السابق، فلذلك سُمي مخصِّصا؛ لأنه أفاد التخصيص، وهذا مجاز أو حقيقة عرفية.

    والمخصصات عندهم نوعان: متصلة ومنفصلة.

    المتصلة:
    هي التي لا تستقل بنفسها؛ يعني تكون مقارنة للفظ العام، وهذا يشمل عندهم خمسة أشياء: الصفة، والشرط، والبدل، والغاية، والاستثناء.

    لماذا سُميت متصلة؟


    لأنها متصلة باللفظ، تقول: "أكرم الطلاب إلا زيدا"، متصل، لا تقول: "أكرم الطلاب"، وتأتي بعد شهر وتقول: "إلا زيدا"، هذا ليس بكلام.

    والمخصص المنفصل:
    هو الذي يستقل بنفسه، فيوجد حينئذ دون اللفظ العام؛ كأن يكون اللفظ عاما في الكتاب فيخصصه العقل، أو يكون عاما في الكتاب والسنة فيُخصَص بالحس، أو يكون العام في السنة فيخصَص بالكتاب، إذًا مستقل، أو يكون في سورة البقرة فيخصص في سورة الأحزاب، فيكون منفصلا، بخلاف المخصصات المتصلة، فإنما تكون متصلة بالجملة نفسها.

    ولذلك البدل لا بد من مُبدَل منه، وهو في كلام واحد.

    الغاية: "حتى" و "إلى"، نقول: هذا لا بد وأن يكون هنا مُغيّا، وهو سابق. كذلك الشرط. كذلك الصفة.

    {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا}[النساء93]، الحال ما تُوجد هكذا، وإنما توجد في ضمن جملة، لا بد لها من فعل وفاعل، أو جملة اسمية على قول سيبويه.

    هنا ذكر المخصصات المنفصلة، قال:

    (وهي تسعة):
    وترك المخصصات المتصلة، وذكر منها الاستثناء فقط؛ لطوله وكثرة أحكامه، وتلك الأربعة واضحة وبينة، من دَرَسَ اللغة يعرفها.

  13. #53

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات:

    المخصصات المنفصلة:


    (1) الحسّ:


    [المتن]:

    [(الحِسُّ) كخروج السماء والأرض من {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}(1)

    [الشرح]:

    (1)
    ((الحِسُّ)؛ كـ خروج السماء والأرض من {تُدَمّرُ كُلَّ شَيْءٍ}):

    (الحس):
    هذا الأول، والمراد به المشاهدة؛ الإدراك بالبصر، وليس المراد كل الحواس؛ لأنه لو جُعل كل الحواس مخصصات؛ حينئذ الذوق مخصص، والإشارة مخصصة، واللمس مخصص، فحينئذ تضيع دلالات الألفاظ العامة؛ ولذلك حُدّت بالمشاهدة؛ بالبصر؛ لضبط هذا المخصٍّص؛ لأن اعتباره لا بد منه، وإذا فُتح الباب لما تُرك عامٌ إلا وقد خُص بالحواس، وقد أجمعوا على أنه -الحس؛ يعني المشاهدة- من المخصصات بالإجماع.

    (
    كخروج السماء والأرض من قوله -جل وعلا-: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}):

    {تدمر}: أي الريح.

    {كل}: من ألفاظ العموم.

    {كل شيء}: حتى السماء والأرض، اللفظ عام.

    لكن الحس أخرج السماء والأرض وما لم تدمره تلك الريح.

    إذًا خروج السماء والأرض من قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}.

    وبعضهم يرى أن المخصِّص هنا لفظي، لكن الأكثر على أنهم يمثلون بهذا المثال للمخصص الحسي، ولا مانع من اجتماع مخصصان فأكثر على نص واحد؛ كما نقول: وجوب الصلاة ثابت بالكتاب والسنة والإجماع إلى آخره، كذلك هنا {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} والسماء والأرض لم يأمرها الرب -جل وعلا- بتدميرها.

    {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ}: هي لم تأتِ على السماوات والأرض، فجعل بعضهم {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}، التخصيص هنا ليس بالحس، أو مضافا إلى الحس بتخصيص اللفظ؛ لأن الحس ليس بلفظ.

    فحينئذ نقول: التخصيص قد يكون بلفظ، وقد يكون بمعنى؛ التخصيص بالمعنى؛ كالمشاهدة هنا {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}، دلّ الحس على أن بعض أفراد النص غير مراد بالنص، أو إن شئت قل: المخصِّص لفظي؛ إما المتصل به، وهو {بِأَمْرِ رَبِّهَا}، والسماوات والأرض لم يأمرها الرب -جل وعلا- بتدميرها، أو منفصل؛ لقوله تعالى: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ ِ}، وهي لم تأتِ على السماوات والأرض.

    كذلك قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}، مع أنها لم تُؤتَ ملك سليمان، وإنما {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} مما يُؤتاه الملوك.
    {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}: البلد الحرام، مع أنه ثَمّ أشياء ما جاءت.

    نقول: هذا مخصوص بالحس، بالحس ندرك أن بعض الثمرات لم تصل إلى البلد الحرام.

  14. #54

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات المنفصلة:

    (2) العقل:


    [المتن]:

    [و(العقلُ) وبه خرج من لا يفهم من التكاليف(1)].

    (1)
    (و(العقلُ) وبه خرج من لا يفهم من التكاليف):

    (والعقل):
    هذا الثاني، العقل من المخصصات، وهذا محل خلاف، لكن الجماهير على أنه من المخصصات، سواء كان ضروريا أو نظريا.

    ضروريا؛ بحيث يدل العقل ضرورة على أن هذا الفرد ليس داخلا في النص، {اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، هذا لفظ عام، و "شيء": يُطلق على الرب -جل وعلا-: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ}، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، حينئذ نقول: اللفظ من حيث هو يشمل، لكن دلّ العقل ضرورة على أنه -جل وعلا- بذاته وأسمائه وصفاته ليس مخلوقا، بل هو الخالق -جل وعلا-.

    (وبه خرج من لا يفهم التكاليف):
    هذا دليل عقلي نظري، نظر في الأحكام الشرعية، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم يريان أنه لا يطلق على الأحكام الشرعية تكاليف، ولهم رأيهم.

    (وبه خرج من لا يفهم التكاليف):
    كالصبي والمجنون، دلّ العقل على أن الصبي غير مُكلَّف، والمجنون غير مُكلَّف؛ لأن التكاليف لا بد فيها من نية، والعقل لا يتصور وجود النية، ولا القصد من مجنون، ولا من الصبي الذي لا يميز، فحينئذ نقول: دلالة عدم تكليف الصبي والمجنون: العقل، كذلك مع النص: «رُفع القلم عن ثلاث»، وذكر منهم: الصبي والمجنون.

  15. #55

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات المنفصلة:

    (3) الإجماع:


    [المتن]:

    [والإجماعُ، والحق أنه ليس بمخصص، بل دال على وجوده(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والإجماعُ، والحق أنه ليس بمخصص، بل دال على وجوده):

    (والإجماع):
    المخصص الثالث المنفصل: الإجماع.

    (والحق أنه ليس بمخصص، بل دال على وجوده):
    سواء نُقل إلينا أم لم يُنقل، حينئذ الإجماع بذاته ليس مخصصا؛ لأن الإجماع لا ينعقد إلا بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا كان كذلك فبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تشريع ولا وحي، فكيف يكون الإجماع مستقلا في إثبات الأحكام؟!

    قالوا: لا، الإجماع لا بد وأن يكون مستندا إلى دليل من كتاب وسنة، فيكون اتفاق الأمة على أن هذا الحكم مدلول عليه بهذا الدليل، قد يُنقَل الدليل، وقد لا يُنقَل، فيبقى الحكم مُجمعا عليه؛ مثاله حديث أبي سعيد، يقول -رضي الله عنه-: قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، ولذلك بعضهم يقول: لا يكاد يوجد مثال لتخصيص الإجماع دون دليل، لكن في ظني هذا المثال يصلح، «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» ولو تغير، «لا ينجسه شيء»: "شيء": نكرة في سياق النفي، فحينئذ تعم؛ يعني لا يُحكَم بنجاسة الماء مطلقا ولو وقع فيه ما وقع، سواء أثّر أم لم يؤثّر، هذا ظاهر النص، لكنهم أجمعوا على أنه إذا تغير الماء بأثر النجاسة في طعمه أو لونه أو رائحته فإنه يأخذ حكم النجاسة فيصير الماء نجسا.

    أما حديث أبي أمامة فهو ضعيف، ولا يصح عند أهل الحديث أن يكون الإجماع مقويا للحديث وإن قال به بعض الأصوليين، حديث أبي أمامة عند البيهقي: «إلا ما يغير طعمه أو ريحه»، هذا الاستثناء فيه ضعف في سنده.

    هل يصح أن يكون الإجماع مصححا لهذا الحديث؟ وحينئذ يُجعَل هذا الحديث هو مستند الإجماع؟

    نقول: الأصح عند أهل الحديث -وهم العمدة- أنه لا يصح الإجماع مقويا للسند الذي ثبت ضعفه.

    فحينئذ نقول: هذا إجماع مستقل، ولا يُعرَف له دليل.

    لكن هل هو إجماع مستقل لم يستند إلى دليل؟

    نقول: لا، الإجماع على الحكم مستنبط من كتاب أو سنة، لكن ما هو الدليل الذي استنبط منه هذا الحكم؟

    الله أعلم، لم يُنقَل إلينا.

  16. #56

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات المنفصلة:

    (4) النصّ الخاص:


    [المتن]:

    [والنص الخاص كـ (لا قَطْعَ إلا في ربع دينار)(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والنص الخاص كـ (لا قَطْعَ إلا في ربع دينار)):

    الرابع: قال: (والنص الخاص): يعني أن يرد نص خاص بالمعنى السابق؛ أن يكون لفظ دال على محصور بشخص أو عدد فيشمل ما كان النص من كتاب أو سنة، والسنة سواء كانت متواترة أو آحادا، فيكون عاما من هذه الحيثية، إذًا النص الخاص يكون مخصصا؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار» لقوله جل وعلا:{وَالسَّارِ قُ وَالسَّارِقَةُ} هل كل سارق يُقطَع؟

    لا، وإنما يُحَد بقدر نصاب السرقة، قال: «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، فنقول: «لا قطع إلا في ربع دينار» نص خاص من السنة، سواء حكمنا عليه بأنه متواتر أم آحاد، فهو يعتبر مخصِّصا ومقدما على قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}.

    والواجب حينئذ العمل بما دلّ عليه دليل التخصيص، وإهدار تلك الصورة التي دلّ عليها اللفظ العام دون حكم؛ يعني لا نسلط عليها حكم العام، فنقول: كل من سرق دون ربع دينار لا تقطع يده، مع أن النص: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقطَعُوا} عام يشمل ربع دينار وما دونه، نقول: لا، تُهدَر الصور أو الأفراد التي هي دون الربع فلا يتسلط عليها الحكم.

    أما الاسم فهذا لا بأس به، لو سرق زيتونة نقول: هذا سارق، لكن هل نرتب عليه الحكم؟

    الجواب لا، الكلام في الحكم لا في الاشتقاق.

  17. #57

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع (4) النصّ الخاص:

    هل يشترط تأخر النصّ الخاص؟


    [المتن]:

    [ولا يشترط تأخُّره(1)، وعنه: بلى(2)، فيقدم المتأخر وإن كان عاما(3)، كقول الحنفيّة(4)، فيكون نسخا للخاص، كما لو أفرده(5)، فعلى هذا متى جُهل المتقدم تعارضا(6)؛ لاحتمال النسخ بتأخر العام، واحتمال التخصيص بتقدُّمه(7)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ولا يشترط تأخُّره):

    هذه أحكام تتعلق بالنص الخاص:

    هل يشترط أن يكون متأخرا عن اللفظ العام؟

    الأصح أنه لا يشترط، ولذلك قال:

    (ولا يُشترط تأخره)
    : الضمير يعود على النص الخاص، يُخصَّصُ العام سواء كان متقدما أو متأخرا؛ سواء كان النص الخاص متقدما على العام أو متأخرا؛ يعني قوله -جل وعلا-: {والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} «لا قطع إلا في ربع دينار»، هذا يحتمل أن قوله تعالى: {والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} متقدمًا في النزول، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، إذًا المخصِّص جاء متأخرا، ويحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، وبعد ذلك نزل قوله تعالى: {والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} هل هما في كلا الحالين سواء؟

    فيه نزاع، الأصح أنه سواء.

    أو جُهل؛ هل هو متقدم أو متأخر؟

    نقول: الواجب العمل بما دل عليه النص العام، وإخراج تلك الصورة من دلالة اللفظ العام.

    إذًا يُعمَل به مطلقا، متى ما وقف المجتهد على نص عام ونص خاص لا يبحث أيهما أسبق في النزول وأيهما أسبق في الوجود حتى يخصص أو يُعمم، تعمل به مطلقا سواء كان النص الخاص متقدما على العام أو متأخرا إن عُلم التأريخ أو لم يعلم الحكم واحد.

    (2)
    (وعنه: بلى):

    (وعنه)
    : أي عن الإمام أحمد رواية أخرى.

    (بلى):
    يعني يشترط تأخره، فإن كان متقدما لا يكون تخصيصا، وإنما يكون نسخا على التفصيل الذي سيذكره؛ يعني لا يُجزَم إذا كان متقدما بأنه تخصيص، بل فيه تفصيل.

    (وعنه بلى):
    يعني يشترط تأخره، هذا لقول ابن عباس: "كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث"، عليه لو كان الأحدث عاما هو المُقدّم، ونترك الخاص، وإذا كان الأحدث هو الخاص نعمل بالخاص، ونهدر تلك الصورة في اللفظ العام.

    لكن الأحدث فالأحدث، الأصح أن المراد به النسخ، إن كان الأحدث رافعا لجميع أفراد اللفظ العام السابق يؤخذ بالأحدث فالأحدث.

    (3)
    (فيقدم المتأخر وإن كان عاما):

    يعني لو جاء أولا: «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، إذًا نقول: ما دون ربع دينار لا قطع فيه، ثم بعد ذلك نزل قوله -صلى الله عليه وسلم-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} هذا لفظ عام يدل على مطلق القطع، حينئذ نقول: هذا النص ناسخ للنص السابق إن كان المتأخر هو العام، لماذا؟

    لأنه في الجزئية التي دلّ عليها اللفظ العام صار رافعا للحكم السابق؛ لأن نص: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} له دلالتان، دلالة على ما هو دون القطع، ودلالة على ما هو دون الربع الدينار وما هو أعلى، النص السابق قال: «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، ثم جاء النص من القرآن، وفيه: أن القطع فيما هو دون الربع دينار، وقع تعارض أو لا؟

    في نفس الصورة هذا يثبت وهذا ينفي، وهذا هو حقيقة النسخ، فعينُ الحكم الذي أثبته النص نفس الصورة: «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، جاء النص العام أثبت أن القطع يكون فيما هو دون الربع دينار، فحينئذ لا يمكن الجمع، فنقدم المتأخر على المتقدم فنعتبره ناسخا، هذه وجهة الإمام أحمد -رحمه الله-، لكن أكثر الأصحاب على مخالفته.

    (4)
    (كقول الحنفيّة):

    استدلالا بقول ابن عباس: "كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث".

    لكن نقول: لنا أن في تقديم الخاص عملا بكلا الدليلين، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، هذا دليل وله حكم خاص، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} نقول: هذا دليل وله حكم خاص، إذا استثنينا من قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ما هو دون الربع دينار عملنا بالدليلين، جمعنا بين السنة والقرآن، وإذا قدمنا {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} وجعلناه ناسخا لحديث: «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، عملنا بدليل واحد، وأهملنا دلالة «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
    بل هذه عادة الصحابة، لم يُنقَل عن واحد منهم أنه بحث عن المتقدم والمتأخر، وجميع النصوص الواردة؛ مثل: {يوصيكم الله في أولادكم} أنها مخصوصة بالعبد، والغير قاتل، إلى آخره، لم يُنقل حرف واحد -مع الإجماع أنها مُخصَّصة- عن السلف والصحابة أنهم كانوا يبحثون عن المتأخر والمتقدم ليخصصوا به، أو يكون العام ناسخا للخاص إذا تقدم الخاص على العام.

    (5)
    (فيكون نسخا للخاص، كما لو أفرده):

    كأنه ورد خاص وخاص، «لا قَطْعَ إلا في ربع دينار»، القطع فيما هو دون الربع دينار، حينئذ صارا متعارضين.

    (6)
    (فعلى هذا متى جُهل المتقدم تعارضا):

    وإذا تعارضا توقفنا، وهذه مصيبة؛ لأن أكثر النصوص العامة والخاصة والمخصوصة لا نعلم أيها المتقدم وأيها المتأخر؛ لأنه إذا لم يبحث ويسأل الصحابة، من الذي يبحث؟! ومن أين يأتينا النقل؟! انقطع الطريق، حينئذ تتعارض الأدلة، وينبني عليها الوقوف في كثير من الأحكام حتى يرد ما يُرجح أحد الاحتمالين، فعلى هذا متى جُهل المتقدم تعارض العام والخاص، لماذا؟

    (7)
    (لاحتمال النسخ بتأخر العام، واحتمال التخصيص بتقدُّمه):

    إذا لم يُنقَل أيهما المتقدم وأيهما المتأخر احتمل أن المتأخر هو العام فيكون ناسخا، ويحتمل أن المتأخر هو الخاص فيكون مخصصا، وحينئذ إذا تعارضا نقول: الله أعلم، لا ندري ما الحكم حتى يرد ما يُرجح أحد الاحتمالين.

  18. #58

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع (4) النصّ الخاص:

    هل الكتاب يخصص السنة؟


    [المتن]:

    [وقال بعض الحنفية: الكتاب لا يخصص السنّة، وخرّجه ابن حامد رواية لنا(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وقال بعض الحنفية: الكتاب لا يخصص السنّة، وخرّجه ابن حامد رواية لنا):

    لما قال: (والنص الخاص): هذا يشمل الكتاب والسنة، الكتاب يخصص الكتاب، والكتاب يخصص السنة، والسنة تخصص الكتاب، والسنة تخصص السنة مطلقا متواترة وآحادا، ولم يتعرض لها المصنف، ذكرناها في "شرح الورقات"، لكن هنا مسألة تعرض لها كالاستثناء من السابق: (والنص الخاص)، قال:

    (وقال بعض الحنفية: الكتاب لا يخصص السنة):
    مطلقا متواترة أو آحادا؛ يعني لا يمكن أن يرد اللفظ العام في السنة ويرد المخصِّصُ في الكتاب؛ {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}[النحل44]، أيهما المُبيِّن وأيهما المُبيَّن؟

    المُبيَّن القرآن، والسنة مُبيِّنة، لو خصص الكتابُ السنةَ لصار الفرع أصلا، اجتهادات، آراء، الله -عز وجل- يقول: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}، أنت المُبيِّن، قولك وتقريرك -صلى الله عليه وسلم- هو السنة، فحينئذ هو مُبيِّن، والكتاب مُبيَّن، فلو جاء اللفظ العام في المُبيِّن لانقلبت الآية، فصار الكتاب مُبيِّنًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وقوله وفعله مُبيَّنا، قالوا: هذا لا يمكن أن يكون.

    لكن الجمهور على التخصيص، ومسألة قلب الفرع أصلا، أو الأصل فرعا يخالفه ما نُقل عن الصحابة رضي الله عنهم، فكانوا يخصصون الكتاب بالسنة، والسنة بالكتاب، والمتواتر بالآحاد، والآحاد بالمتواتر؛ لأنه كله وحي، وكله شرع، فيخصص بعضه بعضا، لا مانع عقلا من تخصيص الكتاب بالسنة، والسنة بالكتاب، ولذلك استدل الجمهور بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}[النحل89]، والسنة شيء، السنة داخلة في قوله تعالى: {لِّكُلِّ شَيْءٍ}؛ إذًا القرآن يُبيَّن بالسنة، والقرآن أيضا بيان، والقرآن ينسخ بعضه بعضا، والقرآن يخصص بعضه بعضا، إذًا هو نفسه مُبيِّن ومُبيَّن؛ لأنه ورد في مواضع عام؛ كقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}، وورد في مواضع أخرى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}، إذًا بيّن بعضه بعضا.

    (
    وخرجه ابن حامدٍ رواية لنا): يعني الحنابلة؛ رواية تخريج من قول الإمام أحمد: السنة مفسرة للقرآن ومُبينة له، هكذا قال الإمام أحمد، أخذ ابن حامد من هذا أن الكتاب لا يخصص السنة؛ لأنه حينئذ يصير المُبيِّن مُبيَّنًا.

    والصواب: أن كلا منهما يخصص الآخر، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، ثَمّ إجماع الصحابة على هذا، ثم نصوص في السنة مخصصة بالكتاب، والوقوع يدل على الجواز.

  19. #59

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات المنفصلة:

    (5) المفهوم:


    [المتن]:

    [والمفهومُ؛ كخروج المعلوفة بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «في سائمة الغنم الزكاة» من قوله: «في أربعين شاةً شاةٌ»(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (والمفهومُ؛ كخروج المعلوفة بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «في سائمة الغنم الزكاة» من قوله: «في أربعين شاةً شاةٌ»):

    (والمفهوم):
    هذا الخامس، يعني ومن المخصصات المنفصلة: المفهوم، وهو ما دلّ عليه اللفظ لا في محل النطق، عندنا منطوق ومفهوم، وسيأتي بيانهما في موضعه، إذًا المفهوم يكون مخصِّصا.

    واعتبر الإجماع جل الناس وقسمي المفهوم كالقياس

    إذًا الإجماع يكون مخصِّصا، وقسما المفهوم: الموافقة والمخالفة يكونان مخصِّصين، وكذلك القياس.

    (كخروج المعلوفة بقوله
    -صلى الله عليه وسلم-: «في سائمة الغنم زكاة»): السائمة: هي التي ترعى، والمعلوفة: التي يُصرف عليها عند صاحبها.

    «في سائمة الغنم زكاة»: هذا خاص بالسائمة، الزكاة: مبتدأ، و«في سائمة الغنم»: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وتقديم ما حقه التأخير يفيد القصر والحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، إذًا تثبت الحكم في المذكور؛ في المنطوق به -وهو السائمة-، وتنفيه عما عداه؛ لأن الغنم إما سائمة وإما معلوفة، لا ثالث، وهنا يُثبَت الحكم في السائمة ويُنفى عن المعلوفة، من أين أخذت النفي عن المعلوفة؟

    من النطق أو من الفهم؟

    هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق.

    ما معنى دل عليه اللفظ؟

    لأنك أخذته من المركب، لا في محل النطق، محل النطق خاص بالسائمة، النفي المسلط على المعلوفة أخذته بالمفهوم، إذًا قوله: «في أربعين شاةً شاةٌ»، "شاةٌ": يشمل المعلوفة، ويشمل السائمة، فنقول: «في أربعين شاةً شاةٌ» نقيده ونخصصه بالسائمة، ونُخرج المعلوفة، أخرجنا المعلوفة بالمفهوم؛ لأن منطوق «في سائمة الغنم زكاة»، ومنطوق «في أربعين شاةً شاةٌ» لا تعارض، بل هو ذكر بعض الأفراد، ولا يخالف الحكم؛ لأن «في أربعين شاةً شاةٌ»، هذا كأنه قال: في السائمة زكاة، وقوله: «في سائمة الغنم زكاة» لا يعارضه، وإنما بقي التعارض بين منطوق قوله: «في أربعين شاةً شاةٌ»، المنطوق يشمل المعلوفة، أخرجه بمفهوم الحديث السابق: «في أربعين شاةً شاةٌ».

    وهذا مثله مثل حديث أبي سعيد السابق: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، مطلقا، سواء كان دون القلتين أو زاد عليهما، لكن حديث ابن عمر: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث»، دل بمنطوقه على أن الماء إذا بلغ قلتين فأكثر لا ينجسه شيء، وبمفهومه -الذي هو دون القلتين- معناه أنه يحمل الخبث مطلقا ولو لم يتغير.

    الجمهور على تخصيص حديث أبي سعيد المنطوق بمفهوم حديث ابن عمر، وهذا أرجح؛ لأن المفهوم دليل شرعي؛ وإذا كان دليلا شرعيا يُعامل معاملة الأدلة الشرعية عند التعارض وعند عدم التعارض.

    فإذا لم يتعارض المفهوم قال بعضهم: تُثْبَتُ به الأحكام الشرعية. وإذا تعارض قالوا: ننظر هل عارض المنطوق أو لا؟

    إن عارض المنطوق قالوا: المنطوق أقوى فيُقدَم عليه.

    لا، الصحيح إن كان المنطوق عاما فيُخصَّص بالمفهوم؛ لأن كلا منهما دليل شرعي، المفهوم دليل شرعي لو لم يُعارض وجب ثبوت الأحكام الشرعية به، فإذا تعارض حينئذ تقول: تعارض دليل شرعي مع دليل شرعي فنُجري قاعدة التعارض، فإذا كان هذا عام حديث أبي سعيد: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» ولو كان دون القلتين، نقول: لا، مفهوم حديث ابن عمر إن كان دون القلتين ينجس بمجرد الملاقاة، فيُخصَّص حديثُ أبي سعيد بمفهوم حديث ابن عمر كالحديث الذي ذكرناه.

    وإنما ذكرته لأن بعضهم يرى أن إذا تعارض منطوق ومفهوم قال: المنطوق أقوى، فيُقدَّم على المفهوم، وهذا غير صحيح، لكن لو كان المنطوق خاصا فعارض خاصا في محل الصورة يكون الكلام مسلما، لا نعارض، نقول: هذا حق؛ لأنه لا يمكن الجمع، فنقدم المنطوق الخاص على المفهوم الخاص، أما إذا كان المنطوق عامًا فلا، والجمهور على هذا.

  20. #60

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات المنفصلة:

    (6) فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم:


    [المتن]:

    [وفعلُه صلّى الله عليه وسلّم(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وفعلُه صلّى الله عليه وسلّم):

    مثّل بعضهم بقوله جل وعلا: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}[البقرة222]، هذا مخصَّص بحديث عائشة: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرها فتأتزر وهي حائض فيباشرها"، هل قول عائشة المخصِّص أو فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

    فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، المباشرة هي فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    لكن يرد السؤال أين العام في قوله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}؟

    الفعل المضارع إذا وقع في سياق الشرط أو النهي أو النفي نقول: صار من صيغ العموم؛ كالنكرة إذا وقعت في سياق النفي أو النهي، {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ}: نهي عن أي قربان، كل قربان سواء كان بوطء الجماع أو غيره، مطلقا، ولو مماسة نقول: هذا منهي عنه، لكن جاءت السنة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينام مع عائشة في لحاف واحد وكان يباشرها .. إلى آخره، فنجعل المراد بـ {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ} الوطء، ويكون فعله -صلى الله عليه وسلم- هو المخصِّص.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •