عبرة في نهاية الظلمة :
كان أحد وزراء السلاجقة مشهورا بالظلم ، وهو علي بن أحمد بن علي بن عبد الله ، أبو غالب الأصبهاني .
يحكى عنه أنه كان يقول : لقد استحييت من كثرة التعدي على الناس وظلمي من لا ناصر له !!
ومرة عزم على الخروج من بغداد ، واللحوق بالمعسكر ، فأخذ الطالع لوقت خروجه ، وركب في موكب عظيم بالتجمل والزينة الكاملة ، بين يديه الجند والمطرقون بالسيوف والجراب والدبابيس ، واجتاز من السوق ، فلما وصل إلى مضيق هناك ، خرج أصحابه كلهم بين يدي دابته ، وبقي منفردا ؛ لضيق الموضع ، فوثب عليه رجل من دكة هناك ، فضربه بسكين ، فوقعت في بغلته ، وهرب الضارب نحو دجلة ، فتبعه الغلمان كلهم ، ومعهم السلاح ، وخلا منهم المكان ، فظهر رجل آخر كان متواريا ، فضربه بسكين في خاصرته ، ثم جذبه عن البغلة إلى الأرض ، وجرحه عدة جراحات ، فعاد أصحاب الوزير ، فوثب عليهم اثنان لم يريا قبل ذلك ، فحملا عليهم مع الذي جرحه ، فانهزم ذلك الجمع الذين كانوا مع الوزير ، ولم يبق معه من يرد عنه ، ولا من يخلصه ، فوثب عن ضعف وقلة حركة ، وأراد الارتقاء إلى غرفة هناك ؛ ليختفي بها ، فعاد إليه الذي جرحه ، وجر برجله ، وأنزله ، وجعل يضربه بالسكين في مقاتله ، والوزير يستغيث إليه ، ويستعطفه ، وقال : أنا شيخ ، فلم يقلع عن ذبحه ، وجعل يكبر بأعلى صوته : أنا مسلم !! أنا موحد !!
وكانت امرأة الوزير قد خرجت قبل ركوبه إلى المخيم ، في زينة فاخرة ، ومعها الجنائب والخدم والغلمان والجواري ، فلم تستقر في مخيمها حتى جاءها الخبر بقتل الوزير ، فرجعت مع الجواري ، وهن حواف حواسر ، عليهن المسوح (لباس المصيبة) ، بعد الموشّي والمذهّب ، كما قال أبو العتاهية :
رُحْنَ في الوشي فأصبحن عليهن المسوحُ
كل نطاح من الدهر له يومٌ نطوحُ
لستَ بالباقي ولو عُمِّرتَ ما عُمر نوحُ
فعلى نفسك نُحْ إن كنتَ لا بد تنوحُ
قلت : وليس بعيدا عن هذه النهاية ، كانت نهاية القذافي ، بل هي أعبر !!
د. حاتم العوني.