أ.د. الشريف حاتم العوني
الجمعة 14/03/2014
عيشوا مع أفكاركم !
اسمحموا أن أحدثكم عن نفسي اليوم ، لكونه حديث من جرب فعرف !
حيث إني لأعيش مع أفكاري أهنأ عيش وأغناه عن الخلق ؛ إذ إن حقيقة التفكير لا تقبل الشراكة أصلا، ولذلك فلا يمكن أن تعيش مع أفكارك عيشة حقيقية؛ إلا وحدكما !
ولذلك فإني لا أقول : إنك لا تحتاج أحدا يفكر معك ؛ لأن وجود أحد سيعكر فكرك .. لن أقول ذلك ؛ لأن الصواب هو أن أقول : لا يمكن لأحد أن يفكر معك أصلا !!
يمكن لغيرك أن يعطيك أسباب التفكير في شيء ما ، يمكنه أن يزودك بالمعلومات التي تجعلك تصيب أو تخطئ ؛ لكنه لا يمكنه أن يفكر معك ، ولا يمكنه أن يؤثر في مسار التفكير ؛ إلا إذا سمحت له أنت بذلك ، بأن يطلب منك الانقياد لأفكاره بغير تفكير ( التقليد الأعمى )! فحتى المعلومات الخاطئة التي قد يزودك بها الآخرون، أنت قادر بالتفكير أن تتثبت من صحتها وخطئها .
وما أحسن قول الناس : ( عقلك في راسك = تعرف خلاصك ) .
لكني ( مع ذلك ) أحتاج الناس حولي ، لا لكي أدفأ بحبهم فقط ( على الأهمية البالغة لذلك ) ، ولكن لكي يكونوا رافدا مهما للأفكار ، ولكي لا أجنح في أفكاري بعيدا عن واقعي وعمن أحببتهم وأحبوني .
والحمدلله ، فعملي في الجامعة يتيح لي هذه العزلة، ورتبت لقاء المحبين والطلاب في يوم محدد ، ليكون رافدا للأفكار ، لا مانعا ولا مكدرا .
وهكذا أجد دائما في خلوتي سلوتي ، وفي وحدتي أنسي ، وبين مكتبتي ( المتراكبة الكتب ) وأفكاري جنتي وحياتي .
أجد في أفكاري حياة قلبي بالتفكير في ربي ! في تأمل حبه ورحمته وعظيم جلاله وكمال جماله عز وجل .
أجد فيها القيام بواجب نصح أمتي وتصحيح أخطائها ، في محاولة اكتشاف الداء ، ووصف الدواء .
أجد فيها مركزا لتحرير مذاهب العلماء وفهم مآخذ الفقهاء والتفقه في الدين .
أجد فيها معملا لتحليل المقالات ، وتنقية التراث من ركام الأخطاء التي تراكمت على صواباته .
أجد فيها لذة مشاعر الشعراء ، وأحاسيس المرهفين، وثاقب نظر الأدباء .
أجد فيها سعة فضاء العلم ، وتواضع قدرات الإنسان عن احتوائه .
أجد فيها ملجأ من وحوش انعدام الإنسانية وسوء الأخلاق ، وروضة يستريح فيها المحارب من ساحة مصاولة الغلاة وفضح جهالات المتعالمين وكشف زيفهم .
أجد فيها كل ما يدعوني لكي أتشبث بهذه الخلوات، ولا أرضى بها بديلا .
جربوا الحياة مع الأفكار ؛ إنها جنة الله في أرضه، وهي جنة تتسع كلما توسعت في إعطائها أكبر وقت في حياتك .