التمذهب < بين إعمال التعصب ، وإهمال التلقي > ..


الطريقُ إلى تحصيل العلم أصلاً وفرعــاً .. < مراحلٌ ونُــقَـلٌ > يـَـدريها من سلك تحقيق التحصيل من بابته المعروفة .. وعلى ذلك سائر الأئمة الأعلام ممن لهم قدم صدق في التمكن في العلم والمعارف ، والدعوة والجهاد الحسن .. وتراجمهم وأخبارهم مرقومة في تاريخ علماء الإسلام ..


وكان من نصحهم : أن الطالب يدرس في الابتداء على مذهب من المذاهب المتبوعة ؛ إذ به يصل إلى الأدلة الشرعية تأصيلاً وتقعيداً وفهماً وعملاً ..


وفي طريقه إلى الدارية بالشريعة ومطالبها ومقاصدها : يقرر ويذكر أهل الاتباع والاعتدال من أئمة العلم والأثر : أن الطالب يؤصل في قلبه وفؤاده بأن الحق ليس مقصوراً في واحد من تلك المذاهب المشهورة ؛ بل وجب عليه وجوب الاتباع للديانة : أن يتبع الدليل الناطق عند أي واحد من تلك المذاهب .. فإنْ لا ح له دليلٌ مُسَلَّـمُ الثبوتِ والدِّلالة ، مــال إليه أخـذاً وعملاً ..


محذرين ذلك السالك : من تتبع رخص المذاهب، وزلات المجتهدين، فمن فعل ذلك الترخص والتتبع ؛ فقد رق دينه ، وضعفت ديانته ، ولو أجلب بخيل حجج التيسر والتساهل ، فليس ذلك بعافيه من الملامة ..


ومن جـميل المنـقول المؤصل ، ما نقل عن الإمام الأوزاعي - رحمه الله - : ( من أخذ يقول المكيين في المتعة، والكوفيين في النبيذ، والمدنيين في الغناء، والشاميين في عصمة الخلفاء، فقد جمع الشر ) .


ومما يدرج التساهل في البيوع الربوية بالتحايل علي جوازها ، وغير ذلك مما فيه مخالفة للشرع ومطالبه ..


فإنْ أنس الطالب من نفسه فقهاً ، وتمكناً من آلة فقه الشرع ، وسعةً علم ، وحسن قصد، فله النظر والبحث في تلك المذاهب باحثاً عن الحق بدليله ؛ إذ بضرورة العلم والعقل : أن الحق لا يتعدد ، فمن لاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يجوز له تقليد واحد من تلك المذاهب والتعصب له ؛ بل يعمل بما تبرهن، ويتبع المذهب الآخر بالبرهان، لا بالتشهي والهوى ..


وموافقة الصواب : لا تخرج في الغالب عن تلك المذهب المتبوعة ، فعلى الطالب للعلم في الابتداء ؛ بل في التوسط : إذا رأى من نفسه درايــــةً في تخريج مسائل العلوم والنظر والاستنباط والاجتهاد ..


وكان منه في بحوثه ، وتخريجه مخالفــة لأهل التمكن من أهل العلم والنظر ، فهنا ينُـــصح بإلجام القلم واللسان في تفرده عن أهل الرسوخ ؛ فقد يأتي عليه زمان يعلم فيه عجلة ذلك الانفراد .. وتلك سنة متبعة عند الأقدمين ، ومن نظر في تاريخ العلم والفقه والفتوى والحياة عرف ذلك .. بل نفسه وعلمه وفهمه في تغيره دليلٌ على ذلك .. والله الموفق لكل خير ..


حسن الحملي ..