يقول العلامة ابن القيم_ رحمه الله_:" فَمِنْ مَقَامِ الْإِحْسَانِ يَرْقَى إِلَيْهِ, فَإِنَّهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ مُشَاهَدَةُ مَعْبُودِهِ، حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ _ وَتَمَكَّنَ فِي ذَلِكَ _ صَارَ لَهُ مَلَكَةً أَخْمَدَتْ أَحْكَامَ نَفْسِهِ، وَتَبَدَّلَ بِهَا أَحْكَامًا أُخَرَ، وَطَبِيعَةً ثَانِيَةً، حَتَّى كَأَنَّهُ أُنْشِئَ نَشْأَةً أُخْرَى غَيْرَ نَشْأَتِهِ الْأُولَى، وَوُلِدَ وِلَادًا جَدِيدًا.

وَمِمَّا يُذْكَرُ عَنِ الْمَسِيحِ _عَلَيْهِ السَّلَامُ_ أَنَّهُ قَالَ:" يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَنْ تَلِجُوا مَلَكُوتَ السَّمَاءِ حَتَّى تُولَدُوا مَرَّتَيْنِ".

سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ _ رَحِمَهُ اللَّهُ_ يَذْكُرُ ذَلِكَ, وَيُفَسِّرُهُ بِأَنَّ الْوِلَادَةَ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: هَذِهِ الْمَعْرُوفَةُ.

وَالثَّانِيَةُ:
وِلَادَةُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَخُرُوجُهُمَا مِنْ مَشِيمَةِ النَّفْسِ، وَظُلْمَةِ الطَّبْعِ.

قَالَ: وَهَذِهِ الْوِلَادَةُ لَمَّا كَانَتْ بِسَبَبِ الرَّسُولِ كَانَ كَالْأَبِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ قَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِين َ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ )(1).

قَالَ: وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَزْ وَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] , إِذْ ثُبُوتُ أُمُومَةِ أَزْوَاجِهِ لَهُمْ: فَرْعٌ عَنْ ثُبُوتِ أُبُوَّتِهِ.

قَالَ: فَالشَّيْخُ وَالْمُعَلِّمُ وَالْمُؤَدِّبُ أَبُ الرُّوحِ, وَالْوَالِدُ أَبُ الْجِسْمِ".


ينظر مدارج السالكين: (ج3_ص540), منزلة الوجد.

__________________
( 1) انظر تفسير ابن كثير: (ج3_ص468), والقرطبي: (14_ص123), والدر المنثور: (ج5_ص182).