المتسرعون في التخطئة < هدمٌ لا بناء > !! ..


المنهج الاستقرائي يدل على جديةٍ في البحث عن الحقيقة ، ومن تصدَّر له وقد كَـمُلت له أدوات التمكن في علوم آلة الشريعة : أوجد ذلك إقناعـــًا لطالب الحق .. ومن الانتزاع لتلك المعاني من دلائل الخطاب القرآني قوله تعالى : ( الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ) فيستفاد منها : أنّ الطالب لا يتكلم في علم حتى يتقنه ، مُـجرياً بحوثَه ، واستنباطه على نتاج الأئمة الكبار من أهل التمكن والدراية ..


فإنْ وجدَ نتاجه في غالب أمره موافقاً لتلك الأنفاس العالِـمَة ، فذلك إخبارٌ بلحاقه لركب أهل الإصلاح والبناء ، وإنْ رأى من نفسه مخالفةً طرديةً لقلم وفقه أهل التمكن ، فهنا يعود على نفسه بالنقاد واللائمة ، إذ ضرورة العلم والعقل تحكم بخطأ المبتدئ المخالف لجمعِ الكبارِ المبارك في رسوخ العلم والاستقراء ..


ومن فقه الطالب الجاد : أن يتهم رأيه بالتخطئة قبل تغليط المنقول عن أهل العلم والفضل ، وفي الأثر : < اتهموا الرأي في الدين > أي غلطوا آراءكم قبل تخطئة الوارد في الدين ، ولم يحصل لكم دراية بحقيقة المراد من خطاب الشرع .. فقد يَـفْهم من المنقـــول غيـرَ مارد قاصده ، فيغير عليه نقداً وتخطئةً ، والزلل منه لا من غيره ..


يقول السبكي - رحمه الله - في طبقات الشافعية الكبرى (2/18) :
( فكثيراً ما رأيت من يسمع لفظةً فيفهمها على غير وجهها ، والخبرة بمدلولات الألفاظ ولا سيما الألفاظ العرفية التي تختلف باختلاف عرف الناس ، وتكون في بعض الأزمنة مدحاً ، وفى بعضها ذماً ؛ أمر شديد لا يدركه إلا قعيد بالعلم ) ..


وليس ذلك دعوة للتقليد والمنع من البحث والنظر .. بل هي دعوة إلى معرفة منازل الطالب ومراتبه في العلم ، فكم مِنْ مخطِّئ للكبار يجد نفسه بعد زمنٍ أنه كان من الغالِطين لا المغلِّطين !! ..


والتصدر للتأصيل والتفريع دون إحاطة في التصور لمسائل العلم ؛ ينتج عنه تكثير للخلاف ، وفساد للوصال .. والنقد من رأس القلم ، تلك بضاعة يتقنها الكثيرُ من أحلاس الفراغ من العلم والمعرفة ..


فللحديث رجال يُعرفون به .. وللتساويد نساخٌ وكتاب


والمتصدرون المتسرعون في التخطئة ، دون تمكن ومعرفة ودراية لفقه علم المنقول .. لهم وجود في زمنِ قلـةِ العلم ، وحب التصدر قبل التأهل ..


ومما يسلي فيه المؤمن المتبــع نفسه ، ويهون عليه ذاك المصـــــاب العظيم .. قــول ذلك العــالم الفـــذ ابن قتيبة - رحمه الله - قال : ( قد كنَّا زمانًا نعتذر من الجهل، فقد صِرْنا الآن نحتاج إلى الاعتذار من العلم! وكنَّا نؤمِّل شكر النَّاس بالتَّنبيه والدِّلالة، فصِرْنا نرضَى بالسَّلامة ، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحـــــوال ، ولا ينكر مع تغير الزمان ، وفي الله خَلَفٌ، وهو المستعان ) ..


لَيْسَ الْبَلِيَّةُ فِي أَيَّامِنَا عَجَباً ... بَلِ السَّلَامَةُ فِيهَا أَعْجَبُ الْعَجَبِ


حسن الحملي ..