أحسن الله إليكم شيخنا.
أحسن الله إليكم شيخنا.
7 - ذكر ابن الصلاح إطلاق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي، وقال: (وكان الحاكم أبو عبد الله والخطيب البغدادي يسميان كتاب الترمذي (الجامع الصحيح).
فاستدرك ابن كثير قائلًا: (وهذا تساهل منهما، فإن فيه أحاديث كثيرة منكرة).
وقول الحافظ أبي علي بن السكن وكذا الخطيب البغدادي في كتاب السنن للنسائي، إنه صحيح!.
فاستدرك ابن كثير أيضًا قائلًا: (فيه نظر وإن له شرطًا في الرجال أشد من شرط مُسْلمٍ، غيرُ مُسَلَّمٍ؛ فإن فيه فإن فيه رجالًا مجهولين إما عينًا أو حالًا، وفيهم المجروح، وفيه أحاديث: ضعيفة ومعللة ومنكرة، كما نبهنا عليه في (الأحكام الكبير).
قلت: (أبو البراء): لا غضاضة من إطلاق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي، وذلك من باب الأغلبية، فإن الأغلب على أحاديثهما الصحة وليس الضعف، فالحكم للأكثر لا للكل، والله أعلم.
بارك الله فيك .
لعل استدراك ابن كثير أقرب ، والله أعلم .
فهذه التسمية في الحقيقة غير دقيقة ؛ أولاً : لم يسمه المصنف بهذا ، فكيف يسوغ لنا تسميته وتغيير اسمه ، أو إطلاق هذا عليه .
ثانيا : لم يشترط المصنف نفسه الصحة ، فكيف نلزمه بما لم يلزم به نفسه ، وفي جامع الترمذي أحاديث كثيرة ضعيفة بل منكرة كما قاله ابن كثير . والله أعلم .
وفيك بارك الله أبا البراء .
كيف على الأغلب ، وفيه أحاديث كثيرة ضعيفة منكرة ؟!
الحكم يكون للأغلبية إذا كان فيه أحاديث قليلة توصف بالضعف أو النكارة ، كما يقولون : النادر لا حكم له . إذن الحكم للغالب .
لكن هنا ليست الأحاديث الضعيفة بقليلة حتى توصف بالنادرة ، بل هي كثيرة . والعلم عند الله .
نفع الله بكم ، واصلوا وصلكم الله بطاعته ورضاه .
8 - نقل ابن الصلاح تعريف الترمذي للحديث الحسن قائلًا: (ورُوِّينا عن الترمذي أنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده ما يتهم بالكذب، ولا يكون حديثًا شاذًا، ويروى من غير وجه، ونحو ذلك).
فاستدرك ابن كثير على ابن الصلاح النقل قائلًا: (وهذا إذا كان قد رُوى عن الترمذي أنه قاله؛ ففي أيِّ كتاب له قاله؟ وأين إسناده عنه؟ وإن كان فُهِمَ من اصطلاحه في كتابه: (الجامع) فليس ذلك بصحيحٍ؛ فإنه يقوله في كثير من الأحاديث: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه).
قلت: (أبو البراء):ابن كثير يعترض ويشكك في صحة النقل، وليس على التعريف نفسه، والقول فيه قول ابن الصلاح لذا العراقي قائلًا: (وهذا الإنكار عجيب! فإنه في آخر العلل التي في آخر الجامع، وهي داخلة في سماعنا وسماع المنكر لذلك وسماع الناس).
9 - قال ابن الصلاح بعد أن ذكر تعريف بعض العلماء للحديث الحسن فذكر أنه ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور، لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، ولا هو متهم بالكذب، ويكون متن الحديث قد روي مثله، أو نحوه من وجه آخر.
فيخرج بذلك عن كونه شاذًا أو منكرًا، ثم قال: وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.-قلت: (أبو البراء): أي الحسن لغيره-
فاستدرك ابن كثير عليه قائلًا: (قلت: لا يمكن تنزيله؛ لما ذكرناه عنه، والله أعلم).
قلت: (أبو البراء): قول ابن كثير: (لا يمكن تنزيله)، يعني والله أعلم لقول الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه).
وأجيب: بإن الغرابة في كلام الترمذي قد تكون الغرابة النسبية، وقيل: إنما يريد أن لا يكون معناه غريبًا، بإن يروى المعنى عن صحابي آخر.
10 - قال ابن الصلاح عند مبحث الحديث الحسن وأن من مظان وجوده سنن أبي داود: (فما وجدناه في كتابه مذكورًا مطلقًا، وليس فيه واحد من الصحيحين، ولا نصَّ على صحته أحدٌ، فهو حسن عند أبي داود).
فاستدرك عليه ابن كثير قائلًا: (قلت: الروايات عن أبي داود بكتابه: (السنن) كثيرة جدًا، ويوجد في بعضها من الكلام، بل والأحاديث ما ليس في الأُخرى، ولأبي عبيد الآجُرِّي عنه أسئلة في الجَرح والتعديل، والتصحيح والتعليل، كتابٌ مفيدٌ، ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في: (سننه)، فقوله: (وما سكت عليه فهو حَسَنٌ)، وما سكت عليه في: (سننه) فقط؟ أو مطلقًا؟، هذا مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له).
قلت: (أبو البراء): ابن كثير اعترض على رأي ابن الصلاح -رحمه الله- بشيئين:
الأول: هو بمثابة التنبيه أكثر من كونه اعتراضًا، وهو: أن أبا داود يروى سننه أكثر من راوي، فقد تقف على رواية ليس فيها كلام، فتحكم بأنه حسن، وقد يكون أبو داود تكلم على هذا الحديث، في مكان آخر، فإذن يعني كأن ابن كثير -رحمه الله- يحث القارئ على تتبع أكبر قدر ممكن من روايات سنن أبي داود.
ثانيًا: قال ابن كثير -رحمه الله-: (إن أبا داود له كلام، خارج السنن على أحاديث ورواه). ومن أهمها: الأسئلة المعروفة بـ(أسئلة الآجرّي لأبي داود)، وهى مطبوعة، وفيها كلام لأبي داود على بعض الأحاديث، وعلى بعض النسخ، وعلى بعض الرواة بالتضعيف، فإذًا كأن ابن كثير يقول: هل المراد ما سكت عنه في سننه فقط؟ أو ما سكت عنه جملة؟ وهل مرادك يا ابن الصلاح؟ ما سكت عليه في سننه، أو ما سكت عنه؟
والظاهر أن ابن الصلاح يريد ما سكت عنه في السنن، فابن كثير -رحمه الله- كأنه يقول: لا يصح هذا؛ لأن أبا داود قد يضعف أحاديث سكت عنها في سننه، قد يضعفها في مكان آخر، مثل: أسئلة الآجري، وهذا اعتراض صحيح، والله أعلم.
تنبيه: العراقي في: (التقييد والإيضاح صـ 40 - 41): ( وهو كلام عجيب، وكيف يحسن هذا الاستفسار بعد قول ابن الصلاح: (إن من مظان الحسن سنن أبى داود)، فكيف يحتمل حمل كلامه على الإطلاق في السنن وغيرها؟ وكذلك لفظ أبى داود صريح فيه، فأنه قال: ذكرت في كتابى هذا الصحيح إلى آخر كلامه.
وأما قول ابن كثير: من ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه، إن أراد به أنه ضعف أحاديث ورجالًا في: (سؤالات الآجُرَّي) وسكت عليها في السنن فلا يلزم من ذكره لها في السؤالات بضعف أن يكون الضعف شديدًا فانه يسكت في سننه على الضعف الذي ليس بشديد كما ذكره هو.
نعم؛ إن ذكر في السؤإلات أحاديث أو رجالًا بضعف شديد وسكت عليها في السنن فهو وارد عليه ويحتاج حينئذ إلى الجواب والله أعلم).
وتعقبه الشيخ شاكر في حاشيته على المختصر: (1/ 137 - 138)، قائلًا: (الظاهر أن الحافظ العراقي لم يفهم كلام ابن كثير على وجهه الصحيح، فإن ابن الصلاح يحكم بحسُن الأحاديث التي سكت عنها أبو داود، ولعلَّه سكت عن أحاديث في: (السنن) وضعفها في شيء من أقواله الأخرى، كإجاباته للآجُرِّي في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل.
فلا يصح إذن أن يكون ما سكت عنه في: (السنن) وضعفه في موضع آخر من كلامه حسنًا، بل يكون عنده ضعيفًا، ومع ذلك فإنه يدخل في عموم كلام ابن الصلاح.
واعتراض ابن كثير صحيح واضحٌ، وإنما لجأ ابن الصلاح إلى هذا اتباعًا لقاعدته التي سار عليها من أنه لا يجوز للمتأخرين التجاسُرُ على الحكم بصحة حديث لم يوجد في أحد الصحيحين أو لم ينص أحد من أئمة الحديث على صحته، وقد رددنا عليه فيما مضى).
قلت: (أبو البراء): ومسألة غلق ابن الصلاح قد سبق الكلام عليها فراجعه غير مأمور.
وكذا قال الزركشي ت 794 وهو تلميذ ابن كثير ـ أي قبل العراقي في الوفاة ت 806 ، وهما أقران ـ في نكته على ابن الصلاح 1 / 307:
72 - ( قوله ) " وروينا عن أبي عيسى الترمذي " يعني في "العلل" التي في آخر الجامع ، وإنما ذكرت هذا لأن شيخنا ابن كثير توقف في ثبوت هذا عنه وقال " لا نعلمه في كتابه ولا اصطلح عليه "
73 - ( قوله ) " ألا يكون في إسناده من يتهم بالكذب "
احترز به عما في سنده متهم فإنه ضعيف
زادنا الله وإيِّاكم علمًا وفهمًا، شيخنا الفاضل.
بورك فيك أبا البراء ، واصل وفقك الله .
11 - قال ابن الصلاح عند ذكره لتعريفات العلماء للحديث الحسن: ( وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذيُّ والخطابيُّ ما يَفْصِلُ الحسن عن الصحيح، وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث، فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، ولا هو متهم بالكذب، ويكون متن الحديث قد روي مثله أو: نحوه من وجه آخر، فيخرج بذلك عن كونه شاذًا أو: منكرًا.
ثم قال: وكلام الترمذي على هذا القسم يُتنزل).
فاستدرك عليه ابن كثير قائلًا: (قلت: لا يمكن تنزيله لما ذكرناه عنه. والله أعلم).
قلت: (أبو البراء): يعني ابن كثير بكلامه كيف يكون متن الحديث قد روي مثله أو: نحوه من وجه آخر، والترمذي أحيانًا يقول: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)؟.
قلت: (أبو البراء): وقد أجاب الشيخ أحمد شاكر على هذا الإشكال بقوله: (الذي يبدو لي في الجواب عن هذا: أن الترمذي لا يريد بقوله في بيان معنى الحسن: (ويروى من غير وجه نحوه)، أن نفس الحديث عن الصحابي يروى من طرق أخرى؛ لأنه لا يكون حينئذ غريبًا، وإنما يريد أن لا يكون معناه غريبًا؛ بأن يروى المعنى عن صحابي أخر، أو: يعتضد بعمومات أحاديث أخر، أو: نحو ذلك مما يخرج به معناه عن أن يكون شاذًا غريبًا، فتأمل).
قلت: (أبو البراء): أي أن الغرابة في كلام الترمذي المراد بها الغرابة النسبية وليست الغرابة المطلقة، وتعريف ابن الصلاح هذا هو للحسن لغيره.
فائدة:
استدرك ابن الملقن في كتابه: (المُقنع): (1/ 85)، على ابن الصلاح في قوله: (لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته)، فقال: (في هذا نظر؛ لأن الأصح أن رواية المستور الذي لم تتحقق أهليته مردودة، فكيف يجعل ما يرويه من قسم الحسن، وينزل عليه كلام الترمذي؟! وليس في كلامه ما يدل عليه، لكون الاحتجاج لم يقع به وحده).
قلت: (أبو البراء): ظني أن في نظر ابن الملقن نظر؛ لأن الترمذي أطلق في تعريفه أن لا يكون في إسناده متهم بالكذب، والمستور -وهو مجهول الحال: هو من روى عنه روايان أو: أكثر ولم يوثقه إمام معتبر- ليس متهمًا بالكذب والله أعلم.
12 - عند ذكر ابن الصلاح لقول الترمذي: (حسن صحيح): قال: (ومنهم من يقول: هو حسن باعتبار المتن، صحيح بإعتبار الإسناد).
فاستدرك ابن كثير عليه قائلًا: (وفي هذا نظر أيضًا، فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم، وفي الحدود والقصاص، ونحو ذلك).
قلت: (أبو البراء): وحاصل كلام ابن الصلاح أن المراد بالحُسن، الحسن اللغوي لا الاصطلاحي، أي: اطمئنان النفس للحديث واستراحتها وقبولها له، واستشكل عليه ابن كثير أن الترمذي يقول مثل هذا المصطلح في أحاديث مروية في صفة جهنم والحدود، واستشكاله صحيح.
أما عن التوجيه الصحيح لكلام الترمذي فقد اختلف العلماء فيه اختلافًا كبيرًا على نحو من بضعة عشر قولًا، والسبب في ذلك عدم إفصاح الترمذي عن مراده، لذا ضرب كلٌ بسهمه في توجيهه، والذي يظهر والله أعلم أن جواب ابن رجب الحنبلي هو الأقرب للصواب:
وهو أن قول الترمذي: (حسن)، أي باعتبار أوصاف الحسن عند الترمذي، وهي: (أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب - أن لا يكون الحديث شاذًا - أن يروى نحمه من حديث آخر).
وقوله: (صحيح)، أي: باعتبار حال راويه وأنه من الثقات العدول الحفاظ الذين يصحح حديثهم. والله أعلم. للمزيد ينظر كتاب: (تقريب علم الحديث): (127 - 140)، لشيخنا طارق بن عوض الله.
نفع الله بك حبيبنا الغالي أبا البراء .
وأحسن من تكلم عن هذا الحافظ ابن رجب في شرح العلل ، وكل من تكلم في هذا المصطلح ( حسن صحيح ) أو غيره عند الترمذي ، فإنه ينقل كلام ابن رجب رحمه الله .
السلام عليكم جزاكم الله خيرا ونفع بكم