28-02-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ولكي يظهر في الأمة ذلك المنهاج للإحياء الإسلامي، بين الكاتب أنه لابد من إيجاد "معالم" مرشدة، توفر الجهود وتطلق الطاقات...تحكم خطي الأمة وتوجه سير أفرادها. ولابد من معالم في طريق الإحياء الإسلامي: حتي لا نبتعد عن الإسلام "وسيلة" ونحن نتجه إليه "هدفا"، وحتي نجمع إلي "إخلاصنا" "الاستراتيج ة الصائبة" فتثمر جهودنا في الدنيا، ويقبلها الله في الآخره.


الكتاب: الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة
المؤلف: د. محمد محمد بدري
الناشر: دار الصفوة
الطبعة: الأولى 1432هـ، 2011م
عدد الصفحات: 240 صفحة
ـــــــــ
في مقدمة كتابه يشير الدكتور محمد بدري إلى أن واقع الأمة الاسلاميه اليوم هو واقع أمه ماتت أو كادت أن تموت، ولذلك فإن المنهاج المنشود لتغيير هذا الواقع، لابد أن يكون منهاج "إحياء شامل" يجدد للأمة أمر دينها علماً وعملاً ودعوةً وجهاداً حتي تسترد عافيتها وتدرج علي طريق الرشد من جديد.
ولكي يظهر في الأمة ذلك المنهاج للإحياء الإسلامي، بين الكاتب أنه لابد من إيجاد "معالم" مرشدة، توفر الجهود وتطلق الطاقات...تحكم خطي الأمة وتوجه سير أفرادها. ولابد من معالم في طريق الإحياء الإسلامي: حتي لا نبتعد عن الإسلام "وسيلة" ونحن نتجه إليه "هدفا"، وحتي نجمع إلي "إخلاصنا" "الاستراتيج ة الصائبة" فتثمر جهودنا في الدنيا، ويقبلها الله في الآخره.
وعلي طريق بيان هذه المعالم، كتب المؤلف هذا البحث الذي أستمد أفكاره من القرآن والسنة، ومن طروحات أهل السنة والجماعة المتميزة حاضراً وماضياً، ومن مبدأ "التجديد" و"الإحياء" المعروف في التاريـخ الإسلامي.
بدأ المؤلف منهاجه الإحيائي بباب حمل عنوان "الفرقان الاسلامي.. وانطلاقة الإحياء"، وفيه تحدث المؤلف عن عدة أمور منها بيانه أننا مسؤولون عن هزائمنا، وتخلفنا الحضاري.. مشيراً إلى أن رفض كل محاولة تسعي إلي اتخاذ ممارسات الأمم الأخرى مشجباً لتعليق هذه الهزائم وتبريرها.
مبينا أن سنه الله وشرعة السماء (غيّر نفسك تُغَيّر واقعك).. ولكنها ليست سنه (فرد) وإنما سنة (مجتمع) و(أمة)، بمعني أنه وإن كان التغيير ينصب علي الذات في إطارها الفردي بالدرجة الأولي، لكنه لا يؤتي ثماره المرجوة إلا إذا انسحب علي الأمة والقوم.
وعلى طريق الفرقان الذي اختاره الكاتب بين أن إحياء الأمة الإسلامية يستلزم رفض الأفكار السلبية والخاطئة في مجال العقائد والسلوك والعلاقات الاجتماعية، وقبول الأفكار الصحيحة التي تكون الأساس الذي يقوم عليه التغيير.
مشيرا إلى أن إن الأفكار الخاطئة، والمفاهيم المنحرفة تُشَكِّل أمتنا شبكه واسعة، تبدأ من العقيدة وتنتهي بالسلوك، مروراً بالعلاقات الإجتماعيه والمواقف السياسيه. ويمثل هذا الإخطبوط الذي يمدسيقانه إلي كل مجالات الحياة، يمثل قيوداً وأغلالاً تمنع الأمة من التحرك إلي التغيير.
وختم المؤلف هذا الباب ببيان الواجب الأول للدعاة إلي هذا الدين في الأرض، ألا وهو إنزال اللافتات الخادعة المرفوعة علي الأوضاع الجاهلية، والتي تحمي هذه الأوضاع لسحق جذور هذا الدين في الأرض جميعاً.. مشيراً إلى أن نقطه البدء في أي حركه إسلاميه هي تعريه الجاهلية من ردائها الزائف، وإظهارها علي حقيقتها...شركاً وكفراً.
وجاء الباب الثاني بعنوان "الهوية الإسلامية..وإحيا ء الأمة"، وفيه ركَّز المؤلف على مسألة الهوية وأهمية الحفاظ عليها، فأشار إلى أن لكل أمة من الأمم (ثوابت) تمثل القاعدة الأساسية لبناء الأمة. وفي طليعة هذه الثوابت تأتي (الهويّة) باعتبارها المحور الذي تتمركز حوله بقية الثوابت، والذي يستقطب حوله أفراد الأمة. ولا تستحق أمة من الأمم وصف (الأمة) حتي تكون لها هويتها المستقلة والمتميزة عن غيرها من الأمم.
فبين المؤلف أن الإسلام قد بلور (هوية الأمة الإسلامية) ومنح أفرادها (الجنسية) الإيمانية، فاجتمعوا حول الإسلام وربط بينهم حبل الله كارتباط الجسد الواحد.. ولم يستطع الغزو العسكري أو الفكري أن يحكم الأمة الإسلامية بغير الإسلام إلا في ظل سياسة العصا الغليظة، والاستبداد السياسي، والظلم الاجتماعي، والأنظمة الجبرية .. حيث تلغي إنسانية الإنسان، وتطارد حريته، وتصادر هويته... واليوم يبقي الإسلام هو (وحده) المنهج الذي يمثل خصائص الأمة ومنطلقاتها الإعتقادية وأهدافها الحضارية.. ذلك أنه هو (هوية الأمة الإسلامية).
ثم تحدث المؤلف عن التغريب واثره على الهوية الإسلامية فبين أن أعداء الأمة الإسلامية قاموا- عبر تخطيط ماكر خبيث- بتحويل روح العداء لهم، والتي يشعر بها المسلم من خلال عقيدة الولاء والبراء، قاموا بتحويل هذه العداوة إلي شعور المحبة والارتياح، بل إلي انبهار وشعور بأنهم القادة والسادة، وقد حدث ذلك عبر خطوات: (التغريب) حيث تم هدم الشخصية الإسلامية وبناء الشخصية الغربية.
وختم المؤلف هذا الباب ببيان أهمية إحياء الأمة الإسلامية مشيراً إلى أن لا سبيل أمامنا لإخراج أمتنا من التبعية إلي الريادة إلا عبر (إحياء) الهويّة الإسلامية، وإيجاد (المشروع الحضاري الإسلامي).. ليكون ذلك سبيلاً إلي استقطاب أفراد الأمة، وملء الفراغ الاجتماعي، لتزول ظواهر الاغتراب، ويتولي (أولو الألباب) قيادة الأمة.. وتصبح (الهوية الإسلامية) حافزاً للتغيير، ودافعاً للفاعلية، وهاجساً لصنع الحضارة.
وفي طريقه لرسم معالم إخراج الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة تحدث المؤلف في بابه الثالث عن التـربيـة الشاملـة.. وإحيـاء الربّـانيـة، وفيه بين أن الإسلام يتعامل مع مشكلات الأمة الإسلامية بكل مناهجه الفكرية، وتربيته السلوكية، وتشريعاته الاقتصادية والسياسية ...الخ، وكل (جزء) من الإسلام يعالج (جزءاً) من مشاكل الأمة.. ومن ثم يصل بالأمة– بل والمجتمع البشري– إلي حياة متوازنة وحضارة متكاملة تُعَبّر بصدق عن فطرة الإنسان وكيانه الشامل.
ومن هنا فلابد من توجيه إسلامي شامل يطرح الإسلام بشكل شمولي، لا يهتم بالعقيدة فحسب بل يهتم بالأخلاق والأفكار والتصورات أيضاً. ولا يصف الواقع الفاسد فقط، بل يحدد الطريق إلي تغييره، ويرسّخ في الفرد الثقة بقدرته علي القيام بهذا التغيير.
وفي الباب الرابع تحدث المؤلف عن مسألة إحياء الأمة.. ودور الحكم الإسلامي في هذا الأمر، وفيه بين أن النظام الإسلامي هو النظام الذي يسمح بمشاركة الأمة في التغيير وفي الحكم، ويعد مبدأ الشورى أصلاً من أصول هذا النظام، ولذلك يختلف هذا النظام اختلافاً كلياً وجذرياً مع كل النظم الاستبدادية التي يكون الحكم فيها فردياً تستقر فيه سلطة الأمر والنهي بين يديّ حاكم فرد، ويغيب فيه دور الأمة في التغيير والحكم.
وأكد المؤلف على الدور التاريخي للحركة الإسلامية الحديثة تجاه الإسلام وتجاه الأمة الإسلامية. مشيراً إلى أن هذه الحركة لم تكن لتقدر علي القيام بدورها ومسؤولياتها كاملة إلا إذا كانت تمتلك رصيداً جماهيرياً في الأمة، وتستند إلي قاعدة شعبية قوية تدخل بها دائرة الصراع مع الأنظمة العلمانية لإقامة الحكم الإسلامي.
وختم المؤلف هذا الباب ببيان أن إحياء الأمة الإسلامية هو الذي يجعل للحركة الإسلامية قوة الضغط علي الباطل والجاهلية، حتى يُسَلّم هذا الباطل أو يزول.
وعن صفات جيل التمكين لهذه الأمة كان حديث المؤلف في بابه الخامس والذي جاء تحت عنوان "الطليعة المؤمنة..وقيادة الأمة"، وفيه بين المؤلف أنه لا سبيل إلي إحياء الأمة الإسلامية، وقيامها بدورها الحضاري، إلا أن يتولي قيادة الأمة (الفقهاء) الذين يتصفون بصفات المؤمنين والشهداء ويتحركون علي أساس من الوعي بقيم الوحي (قرآناً وسنة) مع الدراية بشؤون الواقع.. ويقومون بحشد طاقات الأمة، وتوحيد صفوفها، والاستفادة من جهود أفرادها في سبيل الوصول إلي الأهداف عبر رحلة التغيير.
لذلك فإن الأمة الإسلامية في حاجة إلي (صفوة) من الرجال ذوي إرادة وفعالية، يحسّون مأساة الأمة، فيقومون بالسعي الجاد من أجل تغيير واقعها، وتكون خطوتهم الأولي هي الانتقال من حالة (الحس) إلي حالة (الوعي) بأسباب واقع الأمة والطريق إلي إخراجها من هذا الواقع.
وجاء الباب الأخير تحت عنوان "الفاعلية الإسلامية.. والريادة البشرية"، وفيه بين المؤلف أن الأمة الإسلامية إذا أرادت النهوض واللحاق بركب الحضارة. بل وسبقه، فإنه لابد لها أن تستعيد ثقتها في نفسها، وتحافظ علي ريادتها واستقلالها، وتدرك ما لديها من طاقات وقوي ذاتية فتستخدمها في بناء حضارتها، ولا تضيعها في الفراغ أو تتركها لأعدائها يستخدمونها في إذلالها والتحكم فيها.
وأكد المؤلف على أن الأمة الإسلامية لن يكون لها مكان علي خريطة المستقبل إلا إذا تاب أبناؤها من خطيئة الكلام الكثير والعمل القليل، وإلا إذا شمر كل منهم عن ساعديه وتعبد لله في ليله ونهاره بالعمل الكثير.. وبدون ذلك، ستبقي هذه الأمة بين مطرقة الغرب الحاقد وسندان أفعال أبنائها العاجزة، والتي لا تعدو في كثير من الأحيان مجموعة من الكلمات.
كما أن حلبة الصراع الحضاري تفرض علي الأمة الإسلامية منطق الفاعلية. فلن تستطيع الأمة الإسلامية أن تستعيد مكانها وسط الأمم التي تصنع التاريخ وتقود البشرية إلا إذا تحرر أفرادها من جميع ضروب العطالة التي توقف الجهد، ومن سائر أعذار البطالة التي تبرر العجز والكسل.
وختاماً نسأل الله تعالى أن يجزي المؤلف خيراً على هذا الجهد، كما نسأله تعالى أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.