قراءة في فصل دخول التشيّع بلاد المغرب من كتاب جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة ( دراسة في الصراع العقدي في المغرب العربي من الفتح الإسلامي إلى نهاية القرن الخامس ) ، د. إبراهيم التهامي




في نفس السياق الذي كتبت فيه مقالي السابق هذه قراءة اخرى في كتاب أخر لعلّه كان أكثر دقّة في وصف مميزات دعاة التشيع وطريقة عملهم التي لم تتغيّر في كثير من أبعادها إلاّ بما تقتضيه ظروف العصر وإن كنت أعتب على الكاتب حفظه الله عدم إشارته لدور دولة الأدارسة في تهيئة الظروف النفسية والإجتماعية لتقبّل الدعوة النصيرية الباطنية أو رفضها وإلى إنتباه النصيريين إلى الدور الحاسم الذي لعبته القبائل الامازيغية الكبرى الناقمة على ظلم ولاة الأمويين والعباسيين العباسيين في نجاح وقيام الحركات الإنفصالية في بلاد المغرب ولعلّه ترك ذلك عمدا لأمرين :


1 - أنّ كثيرا من المؤرّخين والباحثين يعتبرون دولة الأدارسة إمارة علوية سنيّة وليست دولة شيعية بالمعنى المعروف
2 - عدم وجود أثر تاريخ يدلّ على قيام جدل فكري بين العلماء الموالين للأدارسة وبين علماء المالكية ممّا يثبت صحّة النقطة الأولى فقد جاء في الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف والشؤون المغربية في حديثه عن دولة الأدارسة بالمغرب:(إذا كان الشائع في بعض الدراسات التاريخية أن تعد الدولة الإدريسية دولة شيعية، على أساس أن مؤسسيها وأئمتها كانوا من أهل البيت، فمن الثابت تاريخيا أن الأدارسة كانوا أهل سنة وجماعة. حيث تروي الكتب التاريخية روايات عن الإمام إدريس الأكبر تصب في هذا الاتجاه، فيروى عنه أنه قال مشيرا إلى مالك نحن أحق باتباع مذهبه وقراءة كتابه، يعني الموطأ، وأمر بذلك في جميع معاقله . ولم يعرف الأدارسة في بلادهم غير المذهب المالكي، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار مختلف الروايات التي تؤكد أن المذهب المالكي قد دخل المغرب في هذا العهد، وقبله كان دخول كتاب الموطأ.
لذلك لا يجد الباحث بدّاً من القول بأن نصرة مذهب السنة والجماعة كانت من الأسباب الحقيقية لقيام الإمامة الإدريسية ودوافع وجودها
) [بواسطة بحث للكاتب قاسم العلوش بعنوان : دولة الأدارسة بالمغرب بين الوهم الشيعي والحقيقة السنية]


لقد أسقط الدكتور عمر التهامي حفظه الله دعوى الشيعة أنّ مفتتح دعوتهم هو الإمام جعفر الصادق رحمه الله كما روي من إرساله لداعيتين : (وأمرهما أن يبسطا ظاهر علم الأئمة من آل محمّد صلى الله عليه وسلّم ) مبيّنا أنّ هذه الرواية مجهولة الصحّة خصوصا وقد رواها قاضي العبيدين المعروف بالزندقة والإلحاد في رسالته المشهورة باسم (رسالة افتتاح الدعوة) للقاضي النعمان .
بالإضافة إلى تقديم المراجع التاريخية السنية لصورة تناقض الصورة الرومنسية التي يرسمها القاضي النعمان في رسالته وقد ذكر ابن عذارى في البيان المعرب شيئا من ذلك فقال: (أن عبيد الله بمجرد وصوله من سجلماسة إلى القيروان حتى أظهر تشيعه القبيح، فسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه، وحكم بكفرهم وارتدادهم عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يستثن منهم إلا عليا وبعضا قليلا ممن أيدوه وناصروه.. )
[بالإضافة إلى كون الإمام جعفر الصادق من أهل السنة أيضا فلا يعقل أن يرسل داعيين ليمهدا بدعوتهما لقيام دولة باطنية ]
وهذا الأمر من الأهمية بمكان فالحديث عن كذب دعاوى الرافضة في إنتسابهم لأهل البيت يعدّ أحد أهم العوامل المساعدة على كشف حقيقتهم عند عوّام أهل السنةالمعظّمين لشأن آل البيت النبوي الحافظين لحقوقهم المعترفين بمكانتهم كما أنّ الحديث عن معاملة الدول الشيعية عبر تاريخها لعلماء السنة وعوامهم وسياساتها المتجانسة من حيث القمع والتعذيب والتقتيل والتهجير وغيرها من وسائل الإرهاب النفسي والجسدي وبيان مدى ترسّح ثقافة الإنتقام وسياسة الإبادة وتعلّق ذلك بالظمير الجمعي عند الرافضة يعدّ من العوامل الرئيسية في إيقاظ الوعي الفكري عند كتّاب أهل السنة ومثقفيهم من المتأثرين بدعاوى التقريب
دخول هاذين الداعيين :
- أبو سفيان الحسن ابن قاسم
- عبد الله بن علي بن أحمد الشهير بالحلواني
بطريقة سرية في منطقتين متباعدتين نسبيا وهذا ليضمنا أكبر قدر من السريّة والنجاح بعيدا عن أعين الولاة والعلماء وقيام كليهما ببناء مسجد وإختيار زوجة من القبيلة الأمازيغية التي حلّ بمضاربها حتى تقوى اللحمة الإجتماعية من طريق النسب بينه وبين المدعووين فاسهل عملية الإختراق خصوصا وقد حاول كلّ منهما كسب إخترام محيطه الإجتماعي الجديد بما يظهره من نسك وعبادة وفضل .
وأقترح لمواجهة هذه الوسيلة الماكرة تلقين العامة أصولا ودلالات لمعرفة أساليب دعاة التشيّع وكشفهم ألاعيبهم ودعوة أئمة المساجد لدورات علمية مكثفة في تعلّم فنون الجدل والمناظرة والردّ على شبهات الرافضة مع بيان الفرق بين العالم والعابد وعدم تقديس الرجال لمجرّد الهيئة وحسن السمت بل لما يحملونه من علم صحيح ويتحلّون به من عقل صريح فلا يستفتي العامة ولا يتحلّقون إلاّ حول العلماء أو طلاّبهم المعروفين وهذا الأمر يدفعني لتسليط الضوء على نشاط دعاة جماعة التبليغ والحرية النسبية التي يجدونها فإنه ورغم عدم إتهامي لأفراد الجماعة المعروفين بحبهم للسنن الظاهرة وتعظيمهم للصحابة إلاّ أنّ طيبتهم وقبولهم لأيّ شخص مهما كان أمره للدخول بينهم وتصدّر مجالسهم لمجرّد تبسّطه معهم وإبتسامه في وجوههم هو أمر يدفعنا للتفكير بجدية في طريقة لتحذيرهم من دخول بعض الشيعة بينهم وتقدّمهم إلى العامة من خلالهم ويمكن أن يكون ذلك بحرص الأئمة على عدم ترك حلق الخطابة للمجاهيل .....
وحتى نعود لبحثنا أقول : يلاحظ أنه إلى غاية ظهور الداعية الماكر عبد الله الشيعي لم يكن هناك من صدى سياسي لدعوة هاذين الرجلين بل كان هدفهما فيما يبدوا هو تحقيق الإختراق الإجتماعي على طريقة الثورة الناعمة التي ترسمها أيادي الماسونية هذه الأيام ومن ثمّ تكوين نواة صلبة وحاضنة قوية لإستقبال مستوى لآخر من الدهاء والمكر السيتسي والعقدي
يذكر أهل التاريخ أنّ ميمون القدّاح صاحب دعوة العبيديين قد أمر عبد الله الشيعي بالتوجه إلى اليمن للإستفادة من علم وتجربة وخبرة ابن الحوشب - داعيتهم هناك - قبل أن يباشر مهمته في بلاد المغرب
ويستفاد من هذا أنّ تكوين الدعاة وتدريبهم وإعدادهم إعدادا خاصا ينسجم وطبيعة المهمة التي يقومون بها هو أحد أكبر مفاتيح النجاح في تحقيق الأهداف والمخططات بغضّ النظر عن تقييمنا لحقيقة هذه الاهداف وتلك المخططات .
فالواجب إذن أن نعدّ الأئمة والدعاة إعدادا جيّدا لمواجهة شبهات هؤلاء وتعليمهم أحسن الطرق لنقضها وتحذير العامة منها فلا يتصدى لدعاة الرافضة إلاّ من هو على قدر من العلم والمعرفة وقوة البيان لا كلّ متحمّس يسئ من حيث يريد الإحسان فلتكن وظيفة هذا الصنف إذا هو الإبلاغ عمّن يظهر أمره لمن يحسن تقدير الأمور ومعالجتها .
بعد أن أتمّ عبد الله الشيعي تكوينه عهد إليه ابن الحوشب أمر الإنطلاق في الدعوة إلى بلاد المغرب وأخبره بأنها قد مهّدت له .
ويظهر من هذا أنّ عبد الله الشيعي لم يكن يعلم عن مهمة الداعيين قبله شئيا فيفيدنا هذا إلى شدّة مكر وقوة دهاء العقل المدبّر من وراء الستار فهو ذو تفكير إستراتيجي خطير فهو يحدّد الأهداف ويعدّ الوسائل ويقسّم المهام وكلّ من تحته يقوم بما أسدي إليه من مهام بإخلاص تام وبمعزل عن مهام زملائه فالكلّ يخدم بتفان تلك الخطة المحكمة والغاية الكبرى دون تصوّر لشمولها ذلك أنّ خيوطها بيد نواة صلبة سرية لا يعلم عنها كثيرا من خلّص اتباعها شيئا فلا تظهر إلى أن تستحكم حلقات المكر فلا يفيد - عندها - الضحية شيئا كشف أمرها .
وهذا التفكير يوفر شيئا من الحماية لنجاح الخطة وفعاليتها فإذا ما لم تسر الرياح بما يشتهيه أصحاب الدعوة وكشف أمر أحد الدعاة أو تمّ إسقاطه لا يؤثّر ذلك في إستمراريتها وبقائها بل يعدّ فشلا جزئيا سرعان ما يعالج بتعويض الداعي القديم بغيره من خلّص الأتباع أ, بالبراءة منه في الظاهر والتربّص لظروف أكثر ملائمة لسير الدعوة ونجاحها .
إنّ بداية إنطلاق دعوة عبد الله الشيعي كان باختيار مكّة المكرّمة ولعلّه قد أراد بذلك أمرين :
1 - رمزية المكان وعمق تأثيره في الوجدان الإسلامي
2 - لما ثمثّله مكّة المكرمة من وسائل إتصال في العالم القديم
وهو أمر توفّره وسائل الإتصال والتواصل الإجتماعي الحديثة كالفضائيات والمنتديات ومواقع التشات بالسكايب والبالتولك والفيسبوك والواتساب وأمثالها فاختصرت المسافات وحفظت الأوقات بعيدا عن أعين الرقابة الفكرية والسياسية في الدولة الوطنية ..
وقد أثار إنتباهي إخفاء هذا الداعي لهويته وحقيقته رغم علمه بأنّ الطريق ممهّدة وأنّ قبيلة كتامة صارت كفتيل ينتظر من يشعله إلاّ أنّ حرص هذا الداعي الدّعيّ وتكتّمه يعلن عن إرادة قوية وحماس شديد لإنجاح المهمة المنوطة به فزعم أنه مجرّد [ معلّم للقرآن كان يخدم السلطان ثمّ وجد بأنّ خدمته ليست من أعمال البرّ وأنه يقصد مصر .. ] لأسباب عنده !
وهذا يوضّح لنا توظيف هذا الداعي لفكرة [المظلومية ] وثقته الباغة في فعاليتها وأثرها في تخدير الشعور بالحيطة والحذر فيكسب صاحبها تعاطف من يريد خطابهم ونشر دعوته بينهم تماما كذلك الشعار الذي ترفعه الرافضة في أيامنا هذه [ الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل] مستنسخة تلك الأساليب القديمة التي مازالت الأيام تثبت فعاليتها ونجاعتها كفكرة [الممانعة] و [المقاومة] و [محور التصدي للإستعمار العالمي] و[نصرة حقوق المظلومين] تخديرا لمشاعر الكره والحنق التي يحملها المسلمون لسبابة الصحابة ، الطاعنين في أمهات المؤمنين ! فتمثّل تلك الشعارات حقنات مهدئة لحاسة النقد في النفس السنية فتذوب الخواجز وتتضائل المسافات فتسلّم الضحيّة رقبتها للذبح تجاوبا منها مع سحر الكلام ومهارة الكذب فلا يصحوا العقلاء إلاّ والتشيّع حقيقة وجودية ماثلة وتيارا فكريا جارفا فلا ينفع يومها إخياء الحقائق المدفونة أو نصرتها لأنّك - أخي داعية التقريب - من قتل الروح النقدية عند عامة أهل السنة وعطّل أثرها على إدراكهم فياليت شعري كيف يزعم هؤلاء نصرة المظلومين وهم من أقام المشانق في طول البلاد وعرضها لعلماء أهل السنة وكتّابهم بل شهدنا على الفضائيات حرق شباب السنة وهم أحياء لمجرّد تسمي أحدهم بعمر أو عثمان وليس هذا وليد اليوم بل هو عقائد راسحة في عقول وقلوب هؤلاء المجرمين بدء من العبيدين وصولا للنصيريين مرورا بالبويهيين والصفويين
وما قصة لضرب التجمعات السنية الهائلة بالكيماوي والبراميل المتفجّرة تحت أنظار وأسماع العالم المتمدّن المدافع عن حقوق الإنسان - زعموا - فالله أسأل أن يقطع دابر هؤلاء ويشفي صدورنا منهم.
كما أنّ زعم هذا الدعيّ الماكر أنه لا يقصد بلاد المغرب إنما كان تمويها على الأعين والجواسيس الذين يحتمل مرافقتهم للقافلة الكتامية أو لعلّه محاولة للتشويق وجيّ النبض وتوظيف لمعارفه وخبراته التي إكتسبها من ابن الحوشب .
في النهاية ولما تيقّن أبوعبد الله الشيعي من نصرة كتامة لدعوته أعلن بإمامتهم للرضا من آل البيت وقال : (أنا لا أدعوكم لنفسي وإنما أدعوكم لطاعة الإمام المعصوم من أهل البيت)
وكان هذا الإعلان بداية الحركة السياسية الثورية التي قامت على إثرها الدولة العبيدية .
والملاحظ إلى حدّ الآن أنّ ميمون القدّاح لم يكن بعد معلوما عند الكتاميين الأمازيغ وبهذا يعلم القرّاء خطورة اللعب على وتر المظلومية السياسية خصوصا إذا كانت قتاعا لمظلومية عرقية وتعصّب جنسي لكتلة إجتماعية كبيرة متجانسة وهذا ما يفسح المجال لمخاطبة ولاة أمر المسلمين والمسؤولين على إدارة شؤونهم إلى ظرورة العدل بين الرعية وإقامة الشريعة بينهم فهذا هو العامل الحاسم في حفظ السلطة وضمان الأمن الإجتماعي والإستقرار السياسي في الدول الإسلامية ولنا في أحداث اليمن عبرة .


.............................. .......................


ما بين [ .... ] من كلام الدكتور وقد أدرجت شيئا آخر من كلامه في كلامي .