بسم الله الرحمن الرحيم
تابعت طبعات جامع الترمذي وتعاملت معها مدة طويلة ودونت بعض الملاحظات عليها ولما اطلعت على طبعة دار التأصيل وقرأت مقدمتها ومنهج التحقيق الذي قامت عليه وجدت أنها تميزت عن الطبعات التي سبقتها لأن من حققها وقف على الأخطاء المنهجية والتصحيفات التي وقعت عند من سبقهم لطبع الكتاب.
وبالمقارنة بين طبعة دار التأصيل وآخر طبعة للترمذي وهي طبعة الرسالة بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط تتبين قيمة هذه الطبعة من نواح عدة :
أولا: هذه الطبعة لم تخلط بين روايات كتاب الترمذي كما فعل الشيخ شعيب في طبعة الرسالة حيث لم يميز بين رواية المحبوبي، ورواية أبي حامد التاجر، ورواية أبي ذر الترمذي، فأثبت زيادات هذه الروايات في طبعته في صلب النص دون تنبيه أو إشارة، وهذا من الخلل في تحقيق النسخ الخطية دون دراسة لها وتمييز لرواياتها فكيف وقد لفق بينها.
أما محققوا طبعة دار التأصيل فقد وجدتهم اعتمدوا تحقيق وضبط رواية المحبوبي معتمدين في ذلك على نسخة المكتبة الوطنية بباريس وهي بخط أبي الفتح الكروخي راوي النسخة، وعلى نسخة المكتبة السليمانية وهي تعتبر من طريق الكروخي، ومن رواية المحبوبي أيضا، وهذه النسخ اعتمدتها أيضا طبعة الرسالة بتحقيق الشيخ شعيب.
وقد استدركت طبعة دار التأصيل السقط وحررت إشكالات كثيرة وقعت في طبعة الرسالة التي اعتمدت على ست نسخ خطية، بينما طبعة دار التأصيل اعتمدت على نسختين بالإضافة لنسخ أخرى استخدمتها لتحرير الإشكالات، كما عالجت العجز في طبعة الرسالة الخاص بذكر فروق النسخ، والقراءة الخاطئة للنسخ، كما نبه محققوهاعلى الزيادات التي وقعت خارج رواية الجراحي عن المحبوبي.
وقد ربط محققوا طبعة دار التأصيل الكتاب بتحفة الأشراف وقابلوا أقوال الترمذي في الحكم على الحديث في نسختيهما على ما نقله المزي عن الترمذي أيضا، وقابلوا نص التحفة فيما تفرد به الترمذي عن باقي الستة على ما عندهم في نسختيهم.
كما استفاد محققوا طبعة دار التأصيل في توثيق النص وتحريرإشكالاته من الكتب التي تروي عن الترمذي من طريق الكروخي بسنده عن المحبوبي، مثل شرح السنة للبغوي، التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي، وغيرهما، بالإضافة إلى كتب الشروح التي اعتمدت على هذه الرواية،وكتاب جامع الأصول لابن الأثير، وغيرهم.
وكل هذا ينبئى عن مقدار الجهد الذي بذل في ضبط وتحقيق هذا المصدر الهام للسنة النبوية فجزى الله من قام عليها خير الجزاء.