كلام السلف ..


قال ابن رجب - رحمه الله تعالى - مخبراً عن أصلٍ سار عليه السلف فحصَّلوا بذلك خير الدنيا والآخرة :
( كلام السلف قليل كثير الفائدة ، وكلام الخلف كثير قليل الفائدة ) ..


فالسلف - رحم الله جمعهم الكريم - : لم يتوسعوا في الجدلية الكلامية ، ومباحث الفلسفة العقيمة عند المتأخرين التي لا لازم لها إلا الميل والانحراف عن منهج التسليم والاتباع ..


ومن خصائص السلف : أنهم يُسلمون بالوارد في خطاب الشرع ، جاعلين ذلك أصلاً مطرداً في نجاتهم وسعادتهم .. ولم يكونوا منقبين عن شيء من الإيرادات التي يوردها المتأخرون من أهل الشبه والافتراعات الحادثة ؛ فأراحوا أنفسهم وغيرهم من مقدمات الزيغ والضلال ..


فكلام السلف - رحمهم الله - قليلٌ ، ولكن معناه كثير، وكانوا يقبلون النصوص ويعرفون معناها، ويعلمون ما قُصد منها، فيقرؤون - مثلاً- : الآيات التي في الصفات ويعلمون أنها صفات ثابتة، ولكن يعلمون أنها تخالف صفات المخلوق؛ لأن الله ليس كمثله شيء .. ودلائل النصوص الواردة في الكتاب والسنة يُسلمون بها طاعةً لله تعالى ، ورسوله عليه الصلاة والسلام دون قول : ما العلة وما السب ..


والمتأخرون : إذا رأى الواحد منهم : من نفسه تشقيقاً للعبارة ، وتحبيراً للبيان .. ظن لنفسه مزيداً من العلم والفهم عليهم في العلوم أو الدرجة ؛ فينظر إلى من تقدمه من السلف الصالح بالدون في العلم والمعرفة والإحاطة ..


وما علم المسكين : أن قلة كلام من سلف إنما كان ورعاً وخشيةً للَّه تعالى ،ولو أرادوا الكلام وإطالته لما عجزوا عن ذلك ، كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما - لقوم سمعهم يتمارون في الدين : < أما علمتم إن للَّه عباداً أسكتهم خشية اللَّه من غير عيٍّ ولا بكم > ..


ورحم الله الإمام أبا العباس المقريزي القائل في كتابه المواعظ والاعتبار(4/198) :
( أصلُ كلّ بدعــةٍ في الدين : البعدُ عن كلام السلف ، والانحراف عن اعتقاد الصدر الأول ) ..


ومن جميل ما سطَّره وقاله أهلُ الحكمة والاعتبار .. لـمَّـا سُئل حمدون القصار- رحمه الله - : ( ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا ؟ قال : لأنهم تكلموا لعز الإسلام ، ونجاة النفوس ، ورضا الرحمن ، ونحن نتكلم لعز النفوس ، وطلب الدنيا ، ورضا الخلق ) ..

حسن بن محمد الحملي.