(1)
بين ( المُسَوَّدَةِ ) , و ( المُبَيّضَةِ ) !

لا يختلف عقلان صافيان في إثبات فضل المبيّضة على المسوّدة في الكتابات والرسائل والتآليف.
ولا يختلفان كذلك في احتواء المسوّدة على نقص قد يخرج المعنى خداجًا لا ينبئ عن أصل القصد, ولا يوضّح غرضه الأساسي.
...
= وهذه إلماحة إلى مبيّضة ومسوّدة من نوع آخر, لا تختص بالمكتوب فقط, فما المكتوب إلا رمز المنطوق, والرمز لا يفي بجميع ما يراد بالمرموز, فسبيل الفكر تختلف عن سبيل المادّة, وطريقها غير منضبط مستقرّ كي يُفسّر تفسيرًا منطقيًّا جدليًّا ثابتًا!

= أعني بالمسوّدة (علم السطور), وبالمبيّضة (علم الصدور), فقد قيل قديمًا: العلم في الكتب, ومفاتيحه بيد الأشياخ.

= هذه محكمة يجب أن توضع في أعلى درجة من درجات السداد, بيد أن الخلل كثيرًا يقع في أمور:
1. ضعف الشيوخ في زمان مّا أو مكان مَّا عن تأدية المبيّضة تأدية سالمة من التحريف والتشويه والسقط والإقحام والرطوبة وآثار الهدم والحرق والغرق.
2. ضعف الإنسان عن اختيار الشيخ الأوفق في فنٍّ مَّا, أو علم معيّن, وهذا الضعف راجع إلى خلل تعيشه الأمة في زمن ضياع القادات وانهزام النفوس.

= علم الشيوخ له عوالم لا تخفى, من أهمّها:
1. تسلّم مقاليد الخزائن في بطون الكتب.
2. الكتب رموز مرقومة لمنطوق وفكر عميق لا يؤدّى بعبارة أو عبارتين, وغالبا ما تضيع روح البيان ويفنى جوهر العلم في المكتوب, فالروح لا تمثّلها إلا روح, ومهما حاول الإنسان تمثيل الحقيقة فلن يصل إليها كاملة لا تعروها شائبة.
4. علم الشيوخ يمثّل خلاصة تجربة طويلة تختصر على الطالب مرحلة من عمره؛ ليرى من بين مِنْكَبَيْ شيخِه ما لا يراه شيخه, وهذه الخلاصة قد تكون صحيحة النتائج لطول الممارسة والمعالجة والتصحيح والعرض والتدقيق والتأمل, أو خاطئة النتائج لخلل في التفكير أو المنهجية المتّبعة.

# باختصار: الكتابة رمز, والرمز لغة ناقصة..

= لا تعتمد على المكتوب اعتمادًا كليًّا إلا إذا اتضحت لك المنهجية واستقرّت, فالعلوم لا انتهاء لها, ولا يمكن ضبطها بحال, غير أن المنهج يمكن أن يضبط ويفهم ويستقرّ!
= عليك في كلّ فنّ بالنظر في كليّاته العامّة, وأصوله الكبرى, وغرضه الأساسي, واستحضر هذا الغرض في كلّ سانح وبارح وسفيح ووغد ومنيح, فإن وجدت نفسك تنأى عنه فاعرف أنك فهمت الجزئية التي أنت فيها فهما ناقصا أو خاطئًا, أو أن الجزئية ذاتها لا علاقة لها بالعلم؛ لكنّها أدخلت فيه ترفًا.

بوركت يا أخي.