الحضانة في الإسلام


عبد بن محمد بركو - كاتب صحفي سوري


تعتبر حضانة الأطفال في الأسر المطلقة من المشكلات الأساسية التي تصيب الأطفال والآباء والأمهات على حد سواء، وتزيد من حدة الخلافات بين الوالدين, فالحضانة إمَّا أن تكون حضانة الأم أو حضانة الأب, وفي الحالتين يتحمَّل الوالدان من الناحية الشرعية مسؤولية رعاية أطفالهما، وسنقدم في هذا البحث كافة الجوانب المتعلقة بالحضانة في الدين الإسلامي الحنيف. Backround15_opt.jpeg


الحضانة لغة مأخوذة من الحضن،وهو الجنب وهي الضم إلى الجنب. وشرعًا هي: تربية الولد لمن له حق الحضانة. أو هي تربية وحفظ من لا يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه، كطفل وكبير مجنون. وذلك برعاية شؤونه وتدبير طعامه وملبسه ونومه, وتنظيفه وغسله وغسل ثيابه في سن معينة ونحوها (1).


وعرّف الحصكفي الحنفي الحضانة بأنها تربية الولد, وزاد ابن عابدين في حاشيته على ذلك قوله: هذا على إطلاقه معناه اللغوي, أما الشرعي فهو تربية الولد لمن له حق الحضانة كما أفاد القهستاني (2).


وزاد الخطيب الشربيني على التربية الحفظ, كما عممها على كل من لا يستقل بنفسه, فقال: الحضانة حضن من لا يستقل وتربيته (3).


أهمية الحضانة في تربية الأطفال


تعتبر حضانة الأطفال من أهم الأسباب المؤدية إلى نموهم السليم عضويًا وعقليًا، وتبلور شخصياتهم وذواتهم نفسيًا واجتماعيًا, لأنها تكون في المرحلة الأساسية من مراحل نموهم الجسدي والعقلي والنفسي.


وتلعب الحضانة السليمة دورًا مؤثرًا في نجابة الأطفال ونجاحهم الدراسي مستقبلًا وتوازن شخصياتهم, فضلًا عن كونها وسيلة تربوية مهمة لغرس الفضائل والقيم الأخلاقية والتعاليم الدِّينية والعادات الجيدة والأساليب التربوية الصحيحة وتنمية القدرات العقلية والتكيف الاجتماعي مع المحيط, وإن الحضانة الواعية والحانية والدافئة هي السَّفينة التي تنقل الأطفال إلى بر النمو الجسدي والعقلي والأخلاقي السليم وهي التي تمثل حماية للأطفال من كل المشاعر السَّلبية كالعزلة والانطواء والعدوان والخجل وضعف الشخصية والكراهية التي يمكن أن تنجم عن ترك الطفل وحيدًا في مهب الضياع.


موقف النَّبي " صلى الله عليه وسلم" من تربية الأطفال وحضانتهم


كان موقف النبي الكريم " صلى الله عليه وسلم" من الأطفال في أعلى قمم التربية والحضارة المدنية, حيث انطوى على الحب والعطف والرحمة واللطف.


لقد ضرب الرسول " صلى الله عليه وسلم" أروع الأمثلة في معاملة أبناء زوجاته الذين كانوا في حضانتهنّ حتى كان لهم أبًا بعد الأب يفتخرون به ويعتزون.


وأول هؤلاء أولاد خديجة الأربعة, وأولاد سودة الخمسة, وأولاد أم سلمة الأربعة... وسواهم.


وهكذا كان لنا جميعًا في رسول الله " صلى الله عليه وسلم" الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة في تربية الأطفال ورعايتهم وحضانتهم وتنشئتهم التنشئة الإسلامية التربوية الصالحة.


الحضانة عند العرب


كان من عادات العرب القديمة وجود المراضع وهنّ النساء اللاتي كنَّ يتولين حضانة الأولاد وإرضاعهم, وكانت هذه العادة موجودة عند معظم القبائل العربية ومنها قريش, حيث كان يدفع الرضيع إلى المرضعة المربية فيمكث عندها فترة تمتد من سنتين إلى أربع سنوات فينشأ الطفل على قوة الجسم وفصاحة اللسان.


حضانة الطفل في الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان


جاء في المادة السابعة (فقرة أ) في الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان:


«لكلِّ طفل منذ ولادته حقٌّ على الأبوين والمجتمع, والدولة, في الحضانة, والتربية, والرعاية المادية, والعلمية, والأدبية, كما تجبُ حماية الجنين والأم وإعطاؤها عناية خاصة».


كما جاء في المادة السابعة (فقرة ب):


«للآباء ومن بحكمهم الحقُّ في اختيار نوع التربية التي يريدون لأولادهم, مع وجوب مراعاة مصلحتهم ومستقبلهم في ضوء القيم الأخلاقية والأحكام الشرعية» (4).


حضانة الطفل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان


جاء في (المادة 25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يلي:


«للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية».


وجاء في (المادة 26):


«للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم» (5).


حضانة الطفل في الإعلان العالمي لحقوق الطفل


نصّت المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الطفل الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1959 علـى: «حق الطفل في الحماية الخاصة, ومنحه الفرص القانونية لمساعدته على النمو جسديًا, وعقليًا, وروحيًا, واجتماعيًا, بصورة طبيعية, تتفق مع جو الحرية والكرامة, وتقديم مصلحة الطفل دائمًا».


ونصَّت المادة الرابعة على «حقّه في التغذية الكافية, وفي السكن, والرياضة».


ونصّت المادة السادسة على «حاجة الطفل للمحبة والتفهم للتنمية الكاملة المناسبة لشخصيته وحقه في النمو تحت رعاية والديه وتأمين العطف والطمأنينة الأدبية والمادية وعدم حرمانه من حضانة أمه والتأكيد على واجب الدولة في تأمين إعالة الأطفال اليتامى والفقراء, مع مساعدة العائلات المحتاجة» (6).


الهوامش


1- مغني المحتاج: 3/452.


2- رد المحتار على الدر المختار: 3/555.


3- مغني المحتاج: 3/452.


4- الخطيب, د.عدنان: حقوق الإنسان في الإسلام، دمشق 1992م.


5- الطيب, د. مدثر عبدالرحيم: حقوق الإنسان – دار الفكر، دمشق 1998م.


6- المحمصاني, صبحي: أركان حقوق الإنسان – ص 239 وما بعدها.