الحمد لله والصلاة على رسول الله:
وبعد فقد استرعى انتباهي لدى قراءة العديد من كتب التاريخ المعاصرة أن أصحابها ومنهم من يحمل درجة الدكتوراه، يحكم على تاريخنا خصوصاً منه ما كان معاصراً للعصور الوسطى في أوربا كما يحكم النقاد الغربيون على تاريخهم في تلك الفترة، بل كما يحكمون على تاريخنا.
إذ أولئك ينتقدون الحكم القائم على أساس الدين بدعوى خرافيته، وضعف قدرته على مجاراة التطور، ودعوى ظلم القائمين على ذلك الحكم. ولكن هل تاريخنا كذلك؟!
نحن أمة تميزت بالإسناد الصحيح إلى رب العزة ونبيه الكريم، فليس تشريعنا إلا مواد وثيقة الصلة بأصلها الإلهي.
وحكامنا على مدى العصور إلى عهد قريب ما كانوا يحكمون إلا بالإسلام، وإن حكموا بغير ذلك بما يخالفه فهو خطأ يرتدّ عليهم لا تشريع ينقل عنهم، والعديد منهم تغلب حسناته سيئاته، مع عدم قولنا بالسكوت على سيئاته.
تاريخنا ليس من باب الزهو أن يقال إنّه مشرق، وليس من باب الرد على الآخرين والدفاع عن النفس يقال عنه: إنّه زاهر.
بل هذه حقيقته، ولكن من يقرأ تاريخه بعيون المستشرق المريضة والتي هي -بكل أسف- مفرز من مفرزات المؤسسة الدينية لدى الأوربيين في شرق أوربا وغربها. أقول من يقرأ تاريخه بعيون أولئك الذين لا يترصدون إلا مواقع الخطأ والزلل ثمّ يعممون ما يرون على سائر العصر الذي يدرسونه.
والعصر المملوكي على سبيل المثال:
فلو قرأته لدى بعض المعاصرين من كرام دارسي التاريخ المعاصرين، ستجد هولاً ما بعده هول.
لكن لو قرأت التاريخ المملوكي لدى ابن إياس أو المقريزي أو ابن حجر العسقلاني بجملته وتفصيله، لخرجت بنتيجة توافق ما قلته أعلاه عن إشراق ذلك العصر بأيدي حكامه وشعوبهم.
ولسنا نغفل السيئات ولا الأخطاء، لكننا نرى نصف الكأس المملوء كما نرى الفارغ منه.
واليوم أقول، وصوبوا لي إن أخطأت:
فلنقم بدورات تعليمية لتاريخنا، ولتكن مناهج التدريس هي المصادر التي تكلمت عن كل عصر، فالتاريخ المملوكي يدرس من مصادره لا مراجعه المتأخرة التي عانت ما عانته بسبب بعدها عن العصور التاريخية وما تناوش هذه المراجع من أدواء ذكرت منها النظر بنظارة المغرضين.
أنا -يشهد الله- أحب وأودّ العلماء المعاصرين من أبناء جلدتي، ولكنني أحب الموضوعية أيضاً وأحب أن يؤخذ العلم من نبعه الأصيل، ومعروف لدى إخوتي من طلبة العلم الكرام أنّ شجرة الإسناد كلما قصرت كلما قل الزلل في الرواية، فلنأخذ تاريخنا من مصادره الأصيلة التي نقلت حلوه ومرّه.