16-01-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
"النسوية" كما يعرفها معجم أوكسفورد: "هي الاعتراف بأن للمرأة حقوقًا وفُرَصًا مساوية للرجل"، وذلك في مختلف مستويات الحياة العلمية والعملية"، أما معجم "ويبستر"، فيعرفها بأنها: "النظرية التي تنادي بمساواة الجنسين سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وتسعى كحركة سياسية إلى دعم المرأة واهتماماتها، وإلى إزالة التمييز الجنسي الذي تعاني منه"[ماهية وأهداف الحركة النسوية- د. أحمد إبراهيم خضر- شبكة الألوكة].


جاء الإسلام بشريعة خاتمة عامة، شاملة لكل مناحي الحياة، ولكل أصناف البشر على اختلاف أنواعهم وأجناسهم وألوانهم، وعصورهم وأماكنهم، فلم يترك الإسلام شاردة ولا واردة إلا وكان له فيها قول فاصل، وإلا فهي من المباحات أو العادات أو الأعراف، التي لا تتعارض مع دين أو خلق.
ومن القضايا التي أهتم بها الإسلام وأفرد لها مساحات واسعة في منظومته القيمية والفكرية قضايا المرأة وما يرتبط بها من أمور، فلقد عامل الإسلام المرأة معاملة عز أن توجد في دين أو ملة أو فلسفة أرضية، فالمرأة في الإسلام كائن مكرم، لها من الحقوق ما يحفظ لها حريتها وكرامتها وإنسانيتها، فلم يهنها الإسلام ولم يسلبها حقوقها أو يتجنى عليها كما كان الحال في الغرب.
لهذا لم يكن الإسلام على امتداد تاريخه بحاجة إلى إنشاء جماعة أو حزب أو دعوات للمطالبة بحقوق المرأة أو أية فئة من فئات المجتمع المسلم، لأن الشريعة تكفلت بكل هذا، لكن مع تغير الأوضاع في العصور المتأخرة ظهرت دعوات نسوية على غرار الدعوات النسوية العربية للمطالبة- زعما- بحقوق المرأة العربية والمسلمة المهضومة.
وفي هذا التقرير سنحاول إعطاء نظرة عامة عن المقصود بالحركة النسوية مع إطلاله سريعة على واقعها العربي والإسلامي.
النسوية في الاصطلاح الغربي:
"النسوية" كما يعرفها معجم أوكسفورد: "هي الاعتراف بأن للمرأة حقوقًا وفُرَصًا مساوية للرجل"، وذلك في مختلف مستويات الحياة العلمية والعملية"، أما معجم "ويبستر"، فيعرفها بأنها: "النظرية التي تنادي بمساواة الجنسين سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وتسعى كحركة سياسية إلى دعم المرأة واهتماماتها، وإلى إزالة التمييز الجنسي الذي تعاني منه"[ماهية وأهداف الحركة النسوية- د. أحمد إبراهيم خضر- شبكة الألوكة].
فالحركة النسوية هي حركة غربية عرفت سابقاً بحركة تحرير المرأة، ثم انتقلت إلى عالمنا العربي والإسلامي من خلال الغزو العسكري والثقافي فشقيت بها الأمة منذ عقود من الزمن، وما زالت هذه الأفكار تستورد تباعاً كلما حصل تطورات فكرية لهذه الحركة في موطنها الأصلي.
وتعريفها باختصار عند أتباعها، هي: الفلسفة الرافضة لربط الخبرة الإنسانية بخبرة الرجل وإعطاء فلسفة وتصور عن الأشياء من خلال وجهة نظر المرأة [الحركة النسوية الغربية ومحاولات العولمة- د. إبراهيم الناصر- موقع صيد الفوائد].
التيارات الرئيسية للنسويات الغربية:
يمكن اعتبار أن الحركات النسوية تمحورت لغاية السبعينيات حول ثلاثة تيارات رئيسية: النسوية الإصلاحية الليبرالية، والنسوية الماركسية، والنسوية :
النسوية الإصلاحية الليبرالية: ينتسب هذا التيار إلى خط الثورة الفرنسية وامتداداته الفكرية، ويستند إلى مبادئ المساواة والحرية للمطالبة بحقوق للمرأة مساوية لحقوق الرجل في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية.
النسوية الماركسية: يعتبر نسويو هذا التيار أن قمع المرأة وقهرها بدآ مع ظهور الملكية الخاصة. فنقل الملكية بالإرث سبّب مأسسة للعلاقات غير المتوازنة وتوزيعاً للمهام والأعمال على أساس من التمييز الجنسي. وقد شيدت الرأسمالية نظاماً للعمل يميز ما بين المجالين الخاص والعام: فللرجل العمل المنتج والمدفوع، وللمرأة الأعمال المنزلية المجانية غير المصنفة ضمن الإنتاج. واستندوا إلى اعتبار إنجلز أن قيام الرأسمالية والملكية الخاصة أكبر هزيمة للجنس النسائي.
النسوية الراديكالية: هدف هذا التيار إلى التعويض عن بعض النواقص في النسوية الليبرالية والماركسية من خلال التأكيد على الطابع العام والعابر للمناطق والثقافات، المستقل عن الطبقات، للتمييز ضد النساء. ويعتبر أنصاره أن البطركية بحد ذاتها هي أساس هذا التمييز ضد النساء والسيطرة عليهن التي تنسحب على ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجنسية، وتخلق نظام تنميط للجنسين من خلال ثقافتين: واحدة ذكورية مسيطرة وأخرى نسائية مسيطر عليها [تيارات الحركة النسوية ومذاهبها- نادية ليلى عيساوي- الحوار المتمدن].
الحركة النسوية الغربية المعاصرة- الفيمينيزم- (Feminism):
الحركة النسوية الغربية المعاصرة Feminism هي تنظيم غربي أنطلق من الولايات المتحدة الأمريكية ويتخذ منها مركزاً، وهو في حقيقته امتداداً للحركات النسويةِ الغربيةِ التي ظهرت في أمريكا وبريطانيا خلال القرن التاسع عشر الميلادي، والتي ناضلت في سبيل الحصول على الحقوق الإنسانية للمرأة حيث كانت المرأة في تلك البلاد محرومةً من التصرف في مالها ولا تُوفّر لها فرص التعليم والعمل وخلافه. تمحورت مطالبهن حول الحقوق الفردية للمرأة في أن تُعاملَ على أساسٍ مساوٍ للرجل في إنسانيته.
ومع تقدم الوقت وبعد حصول هذه الحركة على المطالب السابقة، رفعت شعار التماثل الكامل بين الرجال والنساء في جميع الجوانب بما فيها التشريعية، ومن المناطق التي نشطت فيها تلك الحركة، دول العالم الإسلامي، وذلك لتوطين الفكر الغربي والمبادئ التي تدعو لها. ويعد التنظيم النسوي الأقوى والأكبرِ والأكثرِ انتشاراً في العالم أجمع، ويعمل من خلال شبكةٍ ضخمة من المؤسسات والمراكز والجمعيات، وقد أمتد تأثير أيدلوجية هذا التنظيم، في السياسة، وفي القضاء، والتعليم ومن خلال مؤسسات المدنية، وغيرها [الحركة النسوية الغربية وآثارها في ظل الانفتاح العالمي Feminism- ورقة عمل مقدمة في المؤتمر العالمي التاسع للندوة العلمية للشباب الإسلامي- عام 1423هـ].
من شذوذات النسوية المعاصرة:
تبنَّت النسوية المعاصرة "مفهومين أساسيين كقاعدة لعملها، وهما: مفهوم النوع (Gender)، ومفهوم الضحية (Victim)، من خلال المفهوم الأول الجندر، سعت لإلغاء الفروق بين الجنسين، والإنكار التام لوجود جنسين مختلفين، وإلغاء مُسمى ذكر وأُنثى. وعند تحليلنا لوثيقة مؤتمر بكين لحقوق المرأة، نجد أن مفهوم (Gender) ذُكِرَ فيما يربو على 200مرة.
وتزامن ذلك مع الأخذ بمفهوم الضحية (Victim) ركناً أساسياً في الفلسفة الجديدة التي تَبنَّت من خلال هذا المفهوم آلية الانتقاد العام للرجال، وعمَّقت الشعورَ بالكراهية تجاه الرجل، ووجهت جهودها لخدمة هذا التوجه الجديد، وتأكيد نظريتها التي تقول (إن المرأة ضحية لوجود الرجل) [المرجع السابق: (ص:3)].
الحركة النسوية العربية (العلمانية)
تعتبر مصر أول الدول الإسلامية التي تأثرت بالحركة النسوية الغربية، فتأسس الاتحاد النسائي المصري عام 1923م، احتفت به الدوائر الغربية بهذا الاتحاد المصري، فحضرت رئيسة الاتحاد الدولي للحركة النسوية آنذاك (د.ريد) إلى مصر للمساعدة في بناء التنظيم، ونتج عن ذلك إقامة المؤتمر النسائي العربي عام 1944م، الذي تضمنت توصياته تقييد الأحكام الشرعية المتعلقة بالطلاق، وتعدد الزوجات، والمطالبة بحذف نون النسوة، والجمع بين الجنسين في التعليم الابتدائي.
وقد بارك الغرب هذا المؤتمر، وأرسلت زوجة الرئيس الأمريكي "روزفلت" برقيةَ تحية للمؤتمر، وبعد ذلك تعددت الأحزاب والجمعيات النسائية المنتمية للحركةِ النسويةِ الغربية في الدول العربية والإسلامية، والتي ناضلت طيلة القرن الماضي في سبيل تغيير تشريعات المرأة المسلمةِ بتمويل ودعم من الدول الغربية [خمس شهادات من الغرب وإفريقيا على تدمير الحركة النسوية للزواج والأسرة- د. أحمد إبراهيم خضر- شبكة الألوكة]
الحركة النسوية الإسلامية:
في تقرير لها عنوانه "الحركة النسائية: صحوة الأخوات" ذكرت مجلة تيل كيل" المغربية الناطقة باللغة الفرنسية أنه "في التسعينيات من القرن الماضي، ظهر مصطلح "الحركة النسائية الإسلامية" في مختلف بقاع العالم وفي سياقات متعددة، في سنة 1992م، أصدرت شهلة شِرْكات Shahla Sherkat، وهي إيرانية شاركت في ثورة 1979م، العدد الأول من مجلة نسائية تحمل اسم "زنان" (النساء بالفارسية) ممنوعة اليوم من النشر، وفي عام 1996م، نشرت السعودية مي يمني كتاب "الحركة النسائية والإسلام (Feminism and Islam) الذي يحمل أهمية تاريخي، أما في تركيا، يؤمن أكاديميون بانبثاق حركة نسائية جديدة تتغذى من الإيمان، في الوقت الذي تحررت فيه ناشطات في الغرب من الحركة النسائية العلمانية من أجل المطالبة بشكل جماعي بحقوقهن كنساء مسلمات من أصول أجنبية، كما شرعت الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي بدورها في إعادة قراءة ونقد النصوص الدينية والدنيوية.
وتضيف المجلة: ما فتأت إذن العديد من النساء المسْلمات نبش حصن النظام الذكوري الديني بعد أن قررن الحصول على مساواة كاملة دون التخلي عن إيمانهن، ودون الاكتفاء بالخطاب الإسلامي التقليدي [الحركة النسائية: صحوة الأخوات- جيل كروتوا- ترجمة: بشرى لغزالي- مركز البحوث والدراسات في القضايا النسائية في الإسلام].
فالحركة النسوية الإسلامية (إن صح التعبير) للأسف الشديد لا تختلف في كثير من معالمهما عن النسوية العلمانية، فهي حركة نسوية بنكهة إسلامية، لكن المضمون والأهداف والوسائل هي ذاتها التي تستخدم في الخطاب العلماني النسوي، مع بعض التحفظ في الطرح النسوي(الإسلامي) وبعض الرتوش البسيطة للتمايز عن الطرح النسوي التقليدي