بحث الاجتهاد والتقليد نفسه على وضعه الأصولي لا أحسبه حسنا ، ولا معبرا عن الواقع العملي للاجتهاد والتفقه في عصر السلف ، إلى وهدته في عصر الانتكاسة الفقهية ، وأرى أنه صادر من موقع التقليد وبيئته العلمية القابضة على كل شيء في تلك العصور .
وهو في ثمرته : قول باستحالة الاجتهاد .


ومما كنت أفكر فيه قديما إن حقيقة قول موجبي التقليد : استحالة الاجتهاد ، وقد صرح به بعضهم خالصا لا شوب فيه .


ولكن كثيرا ممن يحاول الجمع بين استحسان التقليد المذهبي ، وإمكان الاجتهاد = تبقى دعواه في إمكان الاجتهاد نظرية لا حقيقة لها ، ولا تحقق لها في الخارج أبدا ، فلا هو يعرف مجتهدا في الواقع ، بل لعله لا يتصور وجود ذلك المجتهد فعلا ، ولا هو يقدر أن يصف المجتهد بالاجتهاد ؛ لأنه مقلد .


وأنت إذا تمعنت في مثالين : ابن تيمية ، والسيوطي ؛ وقفت على حقيقة ما أقوله .


فالأول : حكم وحبس ، ولم يقبل منه اجتهاد في مسألة أو اثنتين ، رغم إقرارهم في الجملة بسعة علمه ، بما يتعذر المزيد عليه في عصره ، وتصريح بعض أكابرهم باستئهاله الاجتهاد .


والثاني : تحققت فيه آلة الاجتهاد ، وفق ما يذكره الأصوليون في شرائط الاجتهاد ، لغة وحديثا وفقها وأصولا ، ومع ذلك أبى عليه أهل عصره دعوى الاجتهاد - سواء اتفقنا أو اختلفنا معها في نفس الأمر ، وإنما الكلام عن الشروط الإجرائية والشكلية للمجتهد وفق تنظيرهم - ، وأزروا به ، وحطوا عليه ، رغم أنهم كانوا منادين على أنفسهم بالتقليد !
( حتى إن السيوطي (اشتغل لهم في الأزرق ) ، وقال لهم مرة : إن كنتم مجتهدين ؛ فتلك دعواي ، وإن كنتم مقلدين فكيف تمتحونني ؟ ) .


وكنت قد قلت لنفسي مرة : إن كان السيوطي صاحب ألفيات العربية والحديث ، وكتب الفقه والتفسير ، وغير ذلك كثير = لم تسمع دعواه في الاجتهاد ؛ فأي شيء يقوله من يعتمد تنظير الأصوليين للاجتهاد ، ثم لا يقر معه باستحالة الاجتهاد ؟

عمرو بسيوني.