حول { التمذهب } :


الذي نقرره :


1 ـ لا ننكر أن الفقهاء ظلوا قرونا يدرجون في درس الفقه على طريقة مذاهب معينة قارة .


2 ـ لا نعرف في الشرع ما يدل على أن ذلك العمل منهم يثبت حكما شرعيا في نفسه ، طالما كان المحتج بفعلهم ؛ فعلهم ليس حجة .


3 ـ تتمة الثاني : لا يمكن لمحقق في قوله أن يدعي أن التمذهب ( بمعنى التزام اجتهاد إمام معين في فقه الدين ) كان معروفا في الصدر الأول ، وما يستدل به من المدارس الكوفية والمدنية إلخ ، وحمل الناس على فتوى ، وحلق الفتوى ، كل هذا : إما أجنبي عن محل النزاع ، أو غلط في فهم وقائع الصدر الأول في طرائق تحصيل العلم .


4 ـ نرى أن جري الفقهاء على ذلك السنن في التعليم يحتوشه أمران :
أ ـ التدبير الصناعي : وهو ما يشبه الإجراءات الإدارية لتسيير منظومة العلم الشرعي .
ب ـ التدهور العلمي : أن الاستمرار في ذلك التدبير أدى إلى تدهور الفقه الإسلامي على مستويات يصعب التطرق إليها لحصرها ، وهو محل اتفاق من جميع الباحثين في تاريخ التشريع الإسلامي .


5 ـ التدبير لا يخلو من حالين :
1 ـ أن يكون مقصودا من الشرع وضعه : وهذا يجب أو يستحب ، فهذا يكون تدبيرا شرعيا ، لا يخرج عنه إلا لضرورة أو مصلحة راجحة ونحو ذلك .
2 ـ أن يكون مقصودا من الشرع ثمرته ، وهذا لا يجب أو يستحب لنفسه ، فهذا يكون تدبيرا صناعيا ، يلتبس به الحكم الشرعي لأمر زائد عنه ، لا من حيث هو هو ، فتدور عليه الأحكام التكليفية كلها .
كسائر تدابير أهل الصناعات والحسابات ، فيدخل فيه صنعة الفقه ونحوه من علوم الشريعة .


6 ـ الانفلات والشذوذ الذي يصحب كثيرا من المعاصرين ومن قبلهم ، التحقيق فيه لا أنه للخروج عن اتباع مذهب معين أو مطلق ، وإنما هو لأجل الاختلال في آلة الفقه نفسها ،وهذا أجنبي عن موضوعنا ، لأن هؤلاء حكمهم حكم المقلدين ، وهم خارج البحث أصلا .


والذي يدل على ذلك أن الأعصار المتأخرة من القرن السابع فما فوق حشيدة بالآلاف من فقهاء المذاهب الذين ـ فضلا عن أنهم لم يضيفوا جديدا في بناء الفقه ـ أنهم تدهوروا به على المستوى الدلالي والعملي والسلوكي ، وحاربوا كافة المصلحين الإسلاميين ، رغم أن أغلبهم لم يخالفوا التدبير الرسمي ـ التعليم المذهبي ـ مخالفة صريحة أو فجة .


7 ـ نرى أن التدير إذا لم يكن شرعيا ، وكان صناعيا فإنه يتصور تطويره وتغييره ، لتحقيق الثمرة التي هي مقصودة شرعا . وهذا ما يحتاج إليه في عصرنا الحالي حيث الاجتهاد الجماعي ، والمؤتمرات والمجامع الفقهية ، وأدوات البحث العلمي الحديثة ، وثورة التكنولوجيا .


فيتصور : تدبير يعتمد منهجية فقه السلف ، وفهم طرائقهم في الاستدلال ، وإعمال الفقه المقارن بضوابطه الشرعية والعلمية .


وذلك لا يلغي درس المذاهب الفقهية كاستحباب صناعي لا أكثر ، للوقوف على التراث الفقهي الاجتهادي ، واستنباط الطرق والأدوات .


والله أعلم.

عمرو بسيوني.