حقوق ضائعة ( الحلقة الأولى )

حق المسلم على المسلم

وكتبه د. محمود الحفناوي الأنصاري.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه .

وبعد:

46- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( لا تَحَاسَدُوا وَلا تَنَاجَشُوا وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ ولا يكذبه وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ) .

[ رواه مسلم في كتاب الصلة والبر والآداب ، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله ، رقم الحديث : 2564 ] .

الشرح والفوائد :

قوله: { لا تَحَاسَدُوا } هذا نهي عن الحسد، والحسد هو كراهية ما انعم الله على أخيك من نعمة دينية أو دنيوية سواء تمنيت زوالها أم لم تتمن، فمتى كرهت ما أعطى الله أخاك من النعم فهذا هو الحسد.
{ وَلا تَنَاجَشُوا } قال العلماء: المناجشه أن يزيد في السلعة، أي: في ثمنها في المناداة وهو لا يريد شراءها وإنما يريد نفع البائع أو الإضرار بالمشتري.
{ وَلا تَبَاغَضُوا } البغضاء هي الكراهه، أي: لايكره بعضكم بعضاً.
{ وَلا تَدَابَرُوا } أن يولي كل واحد الآخر دبره بحيث لا يتفق الاتجاه.
{ وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ } يعني لا يبيع أحد على بيع أخيه، مثل أن يشتري إنسان سلعه بعشرة فيذهب آخر على المشتري ويقول: أنا أبيع عليك بأقل؛ لأن هذا يفضي إلى العداوة والبغضاء.
{ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا } كونوا يا عباد الله إخواناً أي: مثل الإخوان في المودة والمحبة والألفة وعد الاعتداء ثم أكد هذه الاًخوة بقوله : { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ } للجامع بينهما وهو الإسلام وهو أقوى صله تكون بين المسلمين.
{ لا يَظْلِمُهُ } أي: لا يعتدي عليه.
{ وَلا يَخْذُلُهُ } في مقام أن ينتصر فيه.
{ ولا يكذبه } أي: يخبره بحديث كذب.
{ وَلا يَحْقِرُهُ } أي: يستهين به.
{ التَّقْوَى هَاهُنَا } يعني: تقوى الله تعالى محلها القلب فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح - و يشير إلى صدره ثلاث مرات - يعني: يقول: التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا.
ثم قال: { بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ } بحسب يعني: حسب فالباء زائدة والحسب الكفاية والمعنى لو لم يكن من الشر إلا أن يحقر أخاه لكان هذا كافياً.
{ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ } دمه فلا يجوز أن يعتدي عليه بقتل أو فيما دون ذلك.
{ وَمَالُهُ } لا يجوز أن يعتدي على ماله بنهب أو سرقه أو جحد أو غير ذلك.
{ وَعِرْضُهُ } أي: سمعته فلا يجوز أن يغتابه فيهتك بذلك عرضه.

فوائد الحديث

الفائدة الأولى : النهي عن الحسد، والنهي للتحريم، والحسد له مضار كثيرة منها: أنه كره لقضاء الله وقدره، ومنها أنه عدوان على أخيه، ومنها أنه يوجب في قلب الحاسد حسره؛ كلما ازدادت النعم ازدادت هذه الحسرة فيتنكد على عيشه.
الفائدة الثانية: تحريم المناجشة لما فيها من العدوان على الغير وكونها سبباً للتباغض وأسبابه، فلا يجوز للإنسان أن يبغض أخاه أو أن يفعل سبباً يكون جالباً للبغض.
الفائدة الثالثة: تحريم التدابر، و هو أن يولي أخاه ظهره ولا يأخذ منه ولا يستمع إليه؛ لأن هذا ضد الأخوة الإيمانية.
الفائدة الرابعة : تحريم البيع على البيع المسام ومثله الشراء على شرائه والخطبة على خطبته والإجارة على إجارته وغير ذلك من حقوقه.
الفائدة الخامسة: وجوب تنمية الأخوة الإيمانية لقوله: { وكونوا عباد الله إخوانا } ومنها بيان حال المسلم مع أخيه وأنه لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره؛ لأن هذا ينافي الأخوة الإيمانية.
الفائدة السادسة: أن محل التقوى هو القلب، فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح وليعلم أن هذه الكلمة يقولها بعض الناس إذا عمل معصية وأنكر عليه قال: (التَّقْوَى هَاهُنَا!) وهي كلمة حق لكنه أراد بها باطلاً وهذا جوابه أن نقول: لو كان هنا تقوى لاتقت الجوارح لأن النبي يقول: { ألا إن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله آلا وهى القلب }.
الفائدة السابعة : تكرار الكلمة المهمة لبيان الاعتناء بها وفهمها، قال: { التَّقْوَى هَاهُنَا } وأ شار إلى صدره ثلاث مرات.
الفائدة الثامنة : عظم احتقار المسلم، لقول النبي : { بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ } وذلك لما يترتب على احتقار المسلم من المفاسد.
الفائدة التاسعة : تحريم دم المسلم وماله وعرضه وهذا هو الأصل، لكن توجد أسباب تبيح ذلك؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ[ الشورى:42] . وقال تعالى: (( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ )) [ الشورى:41] .
الفائدة العاشرة : إن الأمة الإسلامية لو اتجهت بهذه التوجيهات لنالت سعادة الدنيا والآخرة لأنها كلها آداب عظيمة عالية راقية، تحصل بها المصالح وتنكف بها المفاسد.
هذه حقوق ضائعة بين المسلمين ، لو أنهم حققوها لأصلح الله حال العباد والعباد .