كيفية معرفة العلة من خلال صنيع صاحبي الصحيح
1/البخاري ومسلم، إذا تنكبا لفظة مع وقوفهما عليها، أن هذا من قرائن التعليل، وقد يكون كالنقد.
الأحاديث التي يخرجها البخاري في "الصحيح"، وفيها ألفاظ خارج "الصحيح" وبهذا الطريق أو بغيره، نقول هذا دليل على إعلالها، ولم نقل قرينة؛ وإنما قلنا دليل. وذلك في حالات:
-أن تكون هذه الزيادة المرغوب عنها مما يتضمن حكما ، ويورد البخاري ومسلم حديثاً يعضد هذه الزيادة منفرداً، فإن هذا من أدلة الضعف لها.
ويتأكد هذا إذا تَنَكَّب البخاري ومسلم هذه الزيادة، وأوردا حديثاً مستقلاً يخالف هذه الزيادة، فإن هذا نصّ منهما على ضعف هذه الزيادة.
-إذا روى البخاري ومسلم حديثاً فيه زيادة، وهذه الزيادة متعلقة ؟ بالباب الذي ورد فيه هذا الحديث، فإن هذا أيضاً كالنص على إعلالها.
2/ إذا ترك البخاري ومسلم حديثاً في بابه وهو أصل ولم يخرجاه، فإن هذا من علامات ضعف الحديث .
وهذا ليس قولاً جديداً؛ بل قد نصّ عليه جماعة من الأئمة. نصّ عليه الدارقطني، والبيهقي في كتابه "السنن"، والحاكم، وابن رجب في كتابه "شرح العلل". وقال أن البخاري ومسلم قد يتركان حديثا، وذلك لبيان علّته. وبيّن أنه تقصر أفهام كثير من الناس عن إدراك ذلك لقصورهما عن مرتبتي الإمامين البخاري ومسلم. وقد أشار إلى هذا أيضاً ابن القيم في كتابه "زاد المعاد"، و ابن الصلاح، وجماعة من الأئمة.
وبيانه أن البخاري ومسلما إنما أرادا أن يجمعا في كتابيهما "الصحيح" أصول الأحكام وأعلام المسائل ومشهورها، ويظهر هذا في أسماء الصحيحين.
فالبخاري كتابه "الصحيح"، سماه: "الجامع المسند المختصر الصحيح" من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأقواله. فقوله "الجامع المختصر المسند الصحيح" إشارة إلى أنه أراد أن يجمع أعلام المسائل، وما وقف عليه، وهما من كبار مسندي الدنيا على الإطلاق.
إذا كان ذلك من الأصول الكلية ومن أعلام المسائل، وكذلك أيضاً من فروض الأعيان، وفروض الكفايات، فإنه لابد أن يخرج في البخاري ومسلم حديثاً يعضد هذه الأمور، وهذا أمر معلوم متقرر عند الأئمة.
وأما ما كان بخلاف ذلك كفضائل الأشخاص، وفضائل البلدان، وفضائل الأعمال، وبعض الأحكام العامة من السنن، والنوافل، والرواتب، وعلاقة المرأة بزوجها، والزوج بامرأته من مكارم الأخلاق، وكذلك بعض أحكام اللباس التي لا تصل إلى الفروض ونحو ذلك، فإن البخاري ومسلم يتنكّبان ذلك، وربما يصحّحان
وثمة أحاديث يتنكّبها البخاري ومسلم، رسوخ أصلها لا يحتاج إلى إيراد حديث فيها. ورسوخ هذا الأصل، مما إذا خالف فيه أحد كفر.
3/ويظهر الإعلال صراحة إذا تنكّب البخاري ومسلم حديثاً، هو أصل في بابه، فأورد ما يخالفه، ويظهر هذا في أمرين:
-إذا أورد البخاري ومسلم حديثاً يخالف أصلاً في بابه هو دون المرتبة في الإسناد الذي تركه. فنقول أنه حينما أخرج ما يخالف ما هو أصح إسناداً بإسناد دونه مرتبة، دلّ على عدم الاعتداد بقوة ذلك الإسناد.
-أن البخاري قد يُخرج حديثاً يخالف ذلك الحديث الذي تنكّبه في كتابه "الصحيح" موقوفا، فيريد بذلك أن يضعّف المرفوع خارج الصحيح بموقوف هو الأصل في بابه. فيورد ما هو أصح في هذا الباب.
4/ثمة بعض الأحاديث التي يوردها البخاري في كتابه "الصحيح" في غير بابها الفقهي. ويكون في بعض ألفاظها دلالة فقهية، فيورد ما يخالف ذلك الحديث.
نقول أن هذا لا يُقطع به، باعتبار أن البخاري ما أورده في بابه التام؛ وإنما يُلتمس في ذلك ويتحرى.
5/البخاري عندما يترجم بترجمة ، ويورد حديثاً بعيد الدلالة، ويكون الحديث ظاهر الدلالة خارج "الصحيح". ويتنكّبه البخاري، فهذا كالنص بإعلاله
-البخاري إذا ترجم على حديث، ثم ما يخالف هذه الترجمة حديث خارج "الصحيح"، فإنه يعلّ هذا الخبر، وهذا مثاله هذا الحديث.
-إذا ترجم على مسألة، ولم يخرج شيئا يخالفها فإن الأحاديث في الباب لديه في الغالب أنها معلولة أو منسوخة، فليلتمس الإنسان الإعلال لها
-ألا يترجم ترجمة صريحة تخالف متن حديث أخرجه غيره في مصنفه، ولكنه يورد حديثاً يخالفه، ولا يورد ما يوافق ذلك الحديث، فيكون حينئذ أراد بإيراده لهذا الحديث إعلالاً له.
-وأما إذا لم يورد في الباب شيئا في ذلك، فهذه قرينة يسيرة، خاصة إذا لم يكن الحديث على شرطه من جهة الأبواب. فإن البخاري يلتزم ما يتعلق بأمور الأصول، وأبواب الفروع الظاهرة، وأعلام المسائل.
- إذا أخرج لراو عن شيخ من الشيوخ بسلسلة معينة، ثم كان الحديث خارج "الصحيح" على خلاف هذه السلسلة، بوجود ذلك الراوي الذي أُعلّ له، فإن هذا من علامات الإعلال.
* ما يورده البخاري رحمه الله في كتابه "الصحيح" من حديث واحد معلول، فهو يريد أن يضرب به مثالاً لإعلال أحاديث الباب.
ولهذا لو قصد جامع ألفاظ الفقهاء في الإعلال لأحاديث، ثم بناها على أن البخاري الأحاديث في الباب معلولة، ما كان ذلك بعيداً، وهذه الفائدة قيدوها بالسبر، ولا أعلم من نص عليها، ولا أعلم ما يخرم هذه القاعدة. ومن وجد ما يخرمها، فهو مفيد لنا مشكور مأجور.
**الأصل في الأحاديث التي يوردها البخاري في كتابه "التاريخ" أنها معلولة. فينظر الإنسان فيها ويتأمل؛ لأن البخاري في ذلك لا يخرج الحديث في كتابه "التاريخ" إلا وأراد إخراج ما استُنكِر على رواية الراوي.
ومما ينبغي الانتباه له أيضاً، أن البخاري في كتابه "التاريخ" أحياناً، وفي "الأدب" ربما يُخرج حديث على شرط البخاري في كتابه "الصحيح"، وهذا أظهر في النكارة.
وبعض الظاهريين ينظرون إلى الإسناد. إذا وجدوا أنه على شرط البخاري ولم يخرجه البخاري، قالوا على شرط البخاري،
ونقول :إن هذا على العكس.الإسناد إذا كان على شرط البخاري، ومعناه يندرج تحت مقاصد البخاري في الإخراج، فإن هذا إعلال للحديث. فما كان على شرط البخاري ولم يخرجه وهو على شرطه، هذا منكر.
ولهذا ينبغي لطالب العلم قبل أن يحكم على الحديث أنه على شرط البخاري ومسلم، أن ينظر إلى المتن مباشرة هل هو من المعاني الجليلة التي أخرج البخاري ومسلم دونها بمثل هذا الإسناد ولم يخرج هذا، فإن هذا من علامات النكارة.
**صاحبا الصحيح البخاري ومسلم إذا أخرجا حديثا، ثم تفرد غيرهما بلفظة في هذا الحديث من طريقهما، أن هذا بغلبة الظن أنهما قد وقفا على أمثال هذه الرواية، وأنهما إنما تنكبا إيراد مثل هذا الحديث لنكارة متنه، وهذا أشد من أن يكون الحديث في ذاته إسناده صحيحا، ثم تنكّبا الأصل.
وبعض ما أشار إليه الشيخ له أمثلة في دروسه في الأحاديث المعلة
وبالله التوفيق