روايات ذم الطوائف صورة سوداء في تاريخنا عن حرب الطوائف ؛ إذ تبلغ الطائفية مداها عندما يلجأ المتخالفون إلى الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم نصرةً للطائفة .
ولم تنج من ذلك طائفة من الطوائف ، حتى أهل السنة ! وإن كان غيرهم أكثر ممارسة لهذه الحرب القذرة منهم .
ولو دُرست أحاديث ذم الطوائف من جهة معرفة دواعيها , وملاحظة زمن كذابيها , وعلاقته بالتأزمات الطائفية , ونقيس مواقف العلماء منها , لاستطعنا أن نتصور الواقع الطائفي عبر تاريخنا الإسلامي , وأن نعتبر هذا أحد المقاييس المهمة لغياب التعايش بين أهل القبلة !
ومن ذلك حديث يرويه ثنا أبو عقِيلٍ يحيى بن الْمُتوَكِّلِ ، عن كثِيرٍ النّوَّاءِ ، عن إبراهيم بن حسَنِ بن حسَنِ بن علِىِّ بن أبي طالِبٍ رضي الله عنه ، عن أبيه ، عن جدِّهِ ، قال : قال علي بن أبي طالِبٍ رضي الله عنه ، قال رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم : (( يظْهَرُ في آخرِ الزّمَانِ قوْمٌ يُسمَّوْنَ الرّافِضَةَ ، يرْفُضُونَ الإِسْلامَ [ وفي رواية : برآء من الإسلام] )) .
طبعا : يتضح التكفير الصريح في الرواية ، ويتضح قصد النكاية بادعاء أن الرواية عن آل البيت أنفسهم ( إبراهيم بن حسَنِ بن حسَنِ بن علِىِّ بن أبي طالِبٍ رضي الله عنه ، عن أبيه ، عن جدِّهِ عن علي رضي الله عنه ) .
وفي الحديث من سماجة العداوة في التصريح باللقلب الحادث بعد أكثر من مائة سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة مقرفة , وإن زُعم احتماله من جهة إمكان حصول ذلك من باب الإخبار بالغيبيات !!
وكثير النواء مع ضعفه ، فإن المسؤول عن بطلان هذا الحديث هو شيخه يحيى بن المتوكل ، فهو أولا أشد ضعفا من كثير , وثانيا أن كثيرا متهم بالغلو في التشيع , وإن قيل إنه رجع عنه ؛ إلا أن هذا لم يثبت فيُستبعد أن يكون كثير هو المتحمل لتبعة هذا الحديث .
ولذلك أورد ابن عدي هذا الحديث في مناكير يحيى بن المتوكل ، والذي ختم ترجمته بقوله : ((وعامة أحاديثه غير محفوظة )) , وهي عبارة قدح شديد في هذا الموطن ، مثل عبارة : (لا يُتابع عليها )) .
وكذلك فعل ابن الجوزي في (العلل المتناهية) , حيث شدّد ضعف الحديث , وحمل مسؤوليته يحيى بن المتوكل .
وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب أمهات السنة ، لظهور بطلانه .
ولكن لما ظهر الغلو في حرب الطوائف بدأ يتسلل هذا الحديث إلى الكتب !
فأخطأ عبدالله بن الإمام أحمد عندما أورد هذا الحديث في زائده على مسند أبيه !
وكرر الخطأ عندما أعاده في كتاب (السنة) .
وفعل مثله ابن أبي عاصم في كتاب (السنة) .
نعم .. هما أورداه بالإسناد ، وكان من مذهب بعض الأئمة الاكتفاء بالإحالة إلى الإسناد ؛ لأنه يبين الصحة من الضعف . إلا أن هذا رأي مرجوح , وهو أكثر بعدا عن الوجاهة أو الاعتبار إذا كان في حرب الطوائف .
ومع ذلك فلم يكن هذا رأي كل المحدثين , ولا هو رأي عامتهم , بل العكس :
- فمع ترك أصحاب الأمهات (حتى التي لم تشترط الصحة) إخراج هذا الحديث .
- فقد نبه عدد من أهل العلم منهم على نكارته وشدة ضعف إسناده : كابن عدي ، كما سبق .
- إذا كان من الحنابلة من أخطأ بإيراد الحديث , وهو عبد الله بن الإمام أحمد ، فقد أنصف حنبلي آخر ، فنبه على شدة وهائه , وهو ابن الجوزي .
فلم تصل الحرب الطائفية درجة غياب الحق ولا خفائه ، وإلا لما عرفنا شدة ضعف الحديث من خلال أحكام أئمة الحديث أنفسهم على الحديث وعلى رواته .