اشتهر المقداد رضي الله عنه بإبن الأسود الكندي، ورغم هذه الشهرة فقد ذكر بعض أهل التراجم والسير اختلافا في كنيته و اسمه ونسبه على أقوال غالبها محل نظر ولم تثبت بالأدلة المعتبرة، وبيان ذلك كما يلي.

فأما كنيته فقيل أبو الأسود، وقيل أبو عمر، وقيل أبو سعيد، وقيل أبو معبد وهو الاكثر والأصح، وبه صرح الامام ابن عساكر في تاريخه والبزار في مسنده والتزمذي في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه، أما غيرها من الكني فهي مجرد أقوال عارضة لا دليل عليها، ولم ترد عن الائمة المحقيقين.

وأما اسمه فقيل هو المقداد بن الاسود وهو الذي غلب عليه وبه اشتهر، وقيل هو المقداد بن عمرو، والصحيح أنه المقداد بن عمرو بن ثعلبة ، ونسبته لإبن الأسود فذلك لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري قد تبناه وحالفه فنسب له وغلبت عليه، وهو قول أكثر أهل العلم والدراية، منهم الامام البخاري والبزار وابن عساكر والترمذي وغيرهم، وسيأتي بيان ذلك انشاء الله في الكلام عن نسبه رضي الله عنه.

وزاد أهل التفسير كالقرطبي وابن كثير وغيرهم، فذكروا أنه لما نزلت: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} قيل له المِقْداد بن عَمْرو، رغم أنه اشتهر بابن الأسود نسبة للأسود بن عبد يغوث الزهري.

وذكر المحدثون أمثال إبن الصلاح في مقدمته والسيوطي في التدريب في باب من نسب إلى رجل غير أبيه هو منه بسبب فقالوا : ( منهم‏ المقداد بن الأسود‏، و هو ‏(‏المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي‏)‏ كان في حَجر الأسود بن عبد يغوث الزهري، وتبناه فنسب إليه‏).‏

وظن البعض أن الأسود بن عبد يغوث هو جده فقالوا المقداد بن عمرو بن الأسود وهو خطأ والصحيح كما أسلفنا، وقد أشار الى هذا الخطأ الفيروزأبادي في القاموس فقال : ( ومِقْدادُ بنُ عَمْرٍو ابنُ الأَسْوَدِ: صحابِيٌّ، والأَسْوَدُ رَبَّاهُ أو تَبَنَّاهُ، فَنُسِبَ إليه، ويَلْحَنُ فيه قُرَّاءُ الحديثِ ظَنًّا أنه جَدُّه).

أما نسبه رضي الله عنه فقيل أنه قضاعي بهراني، وقيل أنه كندي وهو المشهور، وقيل أنه حضرمي. فقد قال الذهبي في السير حين ترجم له ( المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة القضاعي الكندي البهراني) والذهبي رحمه الله كعادته في ترجمته للأعلام، يشير الى المترجم له بعدة أنساب اذا كان هناك خلاف في نسبه، ويترك البحث والتحقيق للقارئ بما يقف عليه من دليل.


فأما القول بنسبته الى قضاعة أو بهراء فلم يعرف إلا عن ابن اسحاق صاحب السيرة وابن الكلبي ومن ثم قال به البعض، حيث قال ابن اسحاق في السيرة ( ومن بني بهراء المقداد بن عمرو وساق نسبه الى بهراء ثم قضاعة)، و روى الطبراني قول ابن اسحاق هذا في معجمه الكبير بسنده عن زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق أنه قال ( المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد بن زهير بن ثور بن ثعلبة بن مالك بن هزل بن قابس بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، وإنما نسب إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة لأنه تبناه وحالفه). وعلى هذا فإن ابن اسحاق قد تفرد بهذه النسبه عما ذكره ائمة الحديث وغيرهم. وكما معلوم أن ابن اسحاق على علو قدره في المغازي والسير، إلا أنه قد اخذ عليه العلماء روايته بعض الغرائب في كتابه السيرة، ولا يستبعد أن يكون هذا من غرائبه لا سيما وقد خالف المشهور في نسب المقداد.

أما الآخر فهو ابن الكلبي حيث قال بنسبة المقداد الى بهراء قضاعة، وزاد فيها فانفرد بذكر قصة لهذه النسبة التي خالف بها المشهور فقال: ( كان عمرو بن ثعلبة أصاب دمًا في قومه، فلحق بحضرموت، فحالف كندة، فكان يقال له: الكندي، وتزوج هناك امرأة فولدت له المقداد، فلما كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي، فضرب رِجْله بالسيف وهرب إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهريَّ، وكتب إلى أبيه، فقدم عليه فتبنَّى الأسودُ المِقدَادَ فصار يقال: المقداد بن الأسود، وغلبت عليه).

وابن الكلبي معلوم حاله عند المحدثين والمؤرخين رغم ضلوعه في الانساب، فقد ترك اهل الحديث روايته واتهمه المؤرخون بتحيزه لقومه وهو ظاهر في رواياته. حيث قال عنه الذهبي حين ترجم له (ابن الكلبي النسابة الكوفي الشيعي أحد المتروكين كأبيه، وقد اتهم في قوله حفظت القرآن في ثلاثة أيام ).

وقال عنه الامام أحمد بن حنبل إنما كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه، وقال الدارقطني وغيره متروك الحديث، وقال ابن عساكر رافضي ليس بثقة.

ومن العجيب أن غالب الشيعة يقولون بهذا النسبة فينسبون الصحابي الجليل المقداد بن عمرو الى بهراء قضاعة.

لكن الصحيح والمشهور أن المقداد رضي الله عنه من كندة، وبه صرح الأئمة الحفاظ المعتبرين، ولم يعرف عن احد من الأئمة الحفاظ التصريح بنسبته الى قضاعة، وهذا كلام لبعض أئمة أهل الحديث والفقه والتفسير الذين صرحوا بنسبة المقداد الى كندة في كتبهم.

فأما أهل الحديث فقد جاء في صحيح البخاري في باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع الذي وضعه الامام البخاري على حروف المعجم، النبي محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وسلم، إياس بن البكير، بلال بن رباح مولى أبي بكر القرشي، حمزة بن عبد المطلب الهاشمي، حاطب بن أبي بلتعة حليف لقريش....الى أن قال مقداد بن عمرو الكندي حليف بني زهرة، هلال بن أمية الأنصاري.
(صحيح البخاري ج4)

وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري في شرح حديث عائشة أنها قالت (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها لعلك أردت الحج قالت والله لا أجدني إلا وجعة فقال لها حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني) وكانت تحت المقداد بن الأسود.

قوله في آخره (وكانت تحت المقداد بن الأسود) ظاهر سياقه أنه من كلام عائشة ، ويحتمل أنه من كلام عروة ، وهذا القدر هو المقصود من هذا الحديث في هذا الباب ، فان المقداد وهو ابن عمرو الكندي نسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري لكونه تبناه ، فكان من حلفاء قريش ، وتزوج ضباعة وهي هاشمية ، فلولا أن الكفاءة لا تعتبر بالنسب ، لما جاز له أن يتزوجها لأنها فوقه في النسب. وللذي يعتبر الكفاءة في النسب أن يجيب بأنها رضيت هي وأولياؤها فسقط حقهم من الكفاءة ، وهو جواب صحيح إن ثبت أصل اعتبار الكفاءة في النسب) .
(فتح الباري - باب الاكفاء في الدين)

وفي سنن الترمذي من حديث أبي معمر قال قام رجل فأثنى على أمير من الأمراء فجعل المقداد يحثو في وجهه التراب وقال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب وفي الباب عن أبي هريرة.

قال الترمذي في ترجمته لرواي الحديث، والمقداد بن الأسود هو المقداد بن عمرو الكندي ويكنى أبا معبد وإنما نسب إلى الأسود بن عبد يغوث لأنه كان قد تبناه وهو صغير.
(سنن الترمذي- باب ماجاء في كرهة المدحة والمداحيين)

وقال الحاكم في المستدرك في باب معرفة الصحابة رضوان الله عليهم، مناقب المقداد بن عمرو الكندي وهو الذي قيل له ابن الأسود.
(المستدرك على الصحيحين - ج4)

وروى البيهقي في السنن الكبرى عن سليم بن عامر قال حدثني المقداد بن الأسود الكندي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر، ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام، إما بعز عزيز، وإما بذل ذليل، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهله فيعزوا به، وإما يذلهم فيدينون له).
(السنن الكبرى - كتاب السير)

و روى الطبراني في المعجم الاوسط عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ألا إن الجنة اشتاقت إلى أربعة من أصحابي ، فأمرني ربي أن أحبهم فانتدب ، صهيب الرومي ، وبلال بن رباح ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وحذيفة بن اليمان ، وعمار بن ياسر " ، فقالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الأربعة حتى نحبهم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عمار ، أنت عرفك الله المنافقين ، وأما هؤلاء الأربعة فأحدهم علي بن أبي طالب ، والثاني المقداد بن الأسود الكندي، والثالث سلمان الفارسي، والرابع أبو ذر الغفاري).
(المعجم الاوسط - ج8)

وقال إبن عبدالبر في التمهيد حين علق على حديث أبي النضر مولي عمر بن عبيدالله الذي في سنده المقداد (ولا خلاف أن المقداد توفي سنة ثلاث وثلاثين،
وهو المقداد بن عمرو الكندي، يكنى أبا معبد، تبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فنسب إليه) .
(التمهيد – ج21)

وأما الفقهاء فقد صرح غير واحد منهم بنسبة المقداد الى كندة وهذا بعض أقوالهم.

قال البهوتي في شرح الاقناع (والعرب من قرشي وغيره بعضهم لبعض أكفاء لأن المقداد بن الأسود الكندي تزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وزوج أبو بكر أخته الأشعث بن قيس الكندي وزوج علي ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسائر الناس أي باقيهم بعد العرب بعضهم لبعض أكفاء لظاهر الخبر السابق انتهى ).
(كتاب القناع - كتاب النكاح ج5)

وقال ابن قدامة في المغنى في كتاب النكاح (والرواية الثانية عن أحمد أن العرب بعضهم لبعض أكفاء ، والعجم بعضهم لبعض أكفاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه عثمان ، وزوج أبا العاص بن الربيع زينب ، وهما من بني عبد شمس ، وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم ، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي ، وتزوج المصعب بن الزبير أختها سكينة ، وتزوجها أيضا عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام ، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج أبو بكر أخته أم فروة الأشعث بن قيس ، وهما كنديان ، وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس ، وهي من قريش ، ولأن العجم والموالي بعضهم لبعض أكفاء ، وإن تفاضلوا ، وشرف بعضهم على بعض ، فكذلك العرب) .
(المغني - شروط كفاءة النكاح ج7)

ومن هنا يتبين أن الصحيح في نسب المقداد أنه كندي وحليف لبني زهرة، ولا عبرة لمن خالف في ذلك لاسيما وقد اشتهر بذلك، وجاء التصريح بنسبه من قبل الائمة المحقيقين كما أسلفنا. وحال الصحابي الجليل المقداد كحال غيره من الاعلام الكنديين،
الذين نسبوا الى غير كندة بسبب الاقوال الضعيفة التي تفرد بها البعض، و لم ترد عن الائمة الثقات، كالمهلب بن أبي الصفرة الكندي الذي نسب الى الأزد، وطارق بن زياد الصدفي الكندي الذي نسب الى الأمازيغ.


والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات