من مؤلفات الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله - كتاب (الطريق إلى وحدة المسلمين)
قراءة في كتاب
إعداد:
د. خالد سلطان السلطان
خالد بكري محمد
بعد رحلة طويلة ومشرقة قضاها شيخنا الوالد عبدالله بن خلف السبت -رحمه الله- في مجال العلم والدعوة إلى الله، حتى انتهت هذه الرحلة المباركة -بقدر الله- بوفاة شيخنا في 19شوال 1433 الموافق 7/9/1012، فتوجهت الهمة لجمع مؤلفات شيخنا الراحل؛ فقام د.خالد جمعة الخراز، و د. خالد سلطان السلطان بإخراج مجموع مؤلفات الشيخ عبدالله بن خلف السبت، وهو أول عمل جمع علوم الشيخ -رحمه الله-، كان ذلك في عام 1438 / 2017، وكان عمل الباحثين هو جمع كتب الشيخ ورسائله وترتيبها بحسب سنة الطبع والتعليق عليها بالتخريج لأحاديثها، وشرح بعض الغريب من كلماتها، وتصويب أخطائها الطباعية، مع إعداد ترجمة مختصرة لمؤلفها -رحمة الله عليه- وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله خير الجزاء.
ذكر الشيح -رحمه الله- أنه كتب هذه الرسالة لما طلب منه بعض الإخوة من طلاب العلم أن يتحدث في موضوع (الطريق إلى وحدة المسلمين). وتحقيقاً لقوله -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.
وجوب معرفة أسباب الاختلاف
قال -رحمه الله-: إن الطريق إلى وحدة المسلمين بحاجة إلى معرفة الأسباب التي جعلت هذه الأمة أمما مختلفة، ونحن لا نستطيع أن نقول للناس كيف نتفق ما لم نعرف لماذا اختلفنا؟
وحدة المسلمين مطلب شرعي
يجب أن ننظر إلى أن اتحاد المسلمين أمة واحدة من أساسيات الدين، وليست الوحدة قضية نافلة، بل وحدة المسلمين مطلب شرعي ديني تعبدي، أن تكون هذه الأمة أمة واحدة؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:92)، فهذه الأمة يخبر الله -سبحانه وتعالى- عنها أنها أمة واحدة. إذًا السعي إلى توحيد المسلمين سواء كان هذا التوحيد: توحيد شعوب، أم توحيد جماعات، أم توحيد مناهج، أم توحيد أمم، أم توحيد دول، إنما هو مطلب ديني تعبدي يُتقرب به إلى الله -سبحانه وتعالى-، فالذي يسعى إلى هذا إنما يسعى إلى توحيد عبودية لله -سبحانه وتعالى-، فالأمر تعبدي؛ حيث إنه من فروض هذا الدين أن نسعى إلى أن نكون أمة واحدة، لأنه بهذا أمرنا الله -سبحانه وتعالى-، وأخبر أن هذه الأمة إذا كانت واحدة فإنها ستبقى قوية. يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة»، وهم جماعة المسلمين، فإذًا على المسلمين أن يكونوا جماعة واحدة، لها إمام واحد وقدوة واحدة، يسهر بعضهم على بعض، ويعطف بعضهم على بعض، ويستر بعضهم بعضاً، فأقول: هذا مطلب ديني كبير. الإسلام حرم كل ما يفتت الوحدة
حرم الله -سبحانه وتعالى- كل ما يفتت هذا المجتمع وتلك الوحدة من: غيبة ونميمة وحسد وظلم وما إلى ذلك، وهذا كله حُرم لأنه يفكك هذه الوحدة التي أرادها الله -سبحانه وتعالى.
الخلاف شر
لقد جاء التحذير والبيان من الله -سبحانه وتعالى- بأن الفرقة والخلاف شر لا يأتي بخير أبدًا، وهذه قضية مفروغ منها، وهي: أن الخلاف لا يأتي بخير مطلقًا. إذًا الخلاف شر، واختلاف المسلمين ممنوع شرعاً، ويجب على كل مسلم أن يسعى لرأب صدع هذا الخلاف ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولذلك أمرنا بالحسنى، وأمرنا بالدفع بها، وأمر الإنسان أن يغض الطرف أحياناً، وأمر أن يغفر لأخيه زلته وغير ذلك، لماذا؟ لتبقى هذه الأمة، ويبقى هذا المجتمع مجتمعاً واحداً متكاتفاً متحاباً يتألم بألم بعضه بعضا، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» (مسلم: 2586).
من أسباب الاختلاف
أولاً: الاختلاف العقائدي
القضية الأولى التي جعلت الخلاف يكبر بين المسلمين: هي الاختلافات العقائدية التي نشأت، وذلك أن الناس قد انقسموا بعد توسع الفتوحات، وبعد انتشار الإسلام في أماكن متعددة، وبعد أن دخل في الإسلام أمم وأقوام وحضارات مختلفة، وظهرت بعد ذلك مناهج تبحث في فهم الإسلام، وهو ما يعبًر عنه بـ (المنهج العقلاني) وهم الفلاسفة ومن سار على نهجهم من المعتزلة والأشاعرة وأهل الكلام، أو (المنهج الباطني) ومن سار على طريقتهم من صوفية وباطنية وإسماعلية وما إلى ذلك، ثم ورث ذلك جماعات حزبية ومناهج عصرية ضيعت معالم الحق والهدى. فهولاء الذين فرقوا الأمة، وجعلوها فرقاً وأشتاتاً، وهذا مصداق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» (صحيح الجامع:1083). ثانياً: التقليد الأعمى
وقد نشأ من أقوام أخذوا أقوال الأئمة -رضي الله عنهم- فجعلوها تشريعاً، وجعلوا أقوالهم نصوصاً لا تقبل الجدل، وهذا هو الذي جر الأمة حتى أصبحت مذاهب متعددة. ثالثاً: اتباع الهوى
أما المصيبة الثالثة التي تصد العبد عن قبول الحق هي: اتباعه لهواه، فإن المرء يعميه هواه عن سماع الحق واتباع الهوى كان ولا يزال السبب الأساسي في الانحراف عن الجادة والنصوص في ذلك متظافرة، ومنها قوله -تعالى-: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (ص: 26). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث منجيات: خشية الله عز وجل في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر، وثلات مهلكات: هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه) (صحيح الجامع: 3039) رابعاً: الجهل
ومما يوقع الفرقة بين المسلمين: الجهل، فقد ذكر الإمام الشاطبي في كتابه: (الاعتصام) عن إبراهيم التميمي قال: «خلا عمر -رضي الله عنه- ذات يوم فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؟! فأرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟! - زاد سعيد: وكتابها واحد، قال: فقال ابن عباس: «يا أمير المؤمنين، إنا إنزل علينا القرآن فقراناه وعلمنا فيما أنزل، وأنه سيكون بعدنا أقوم يقرؤون القرآن و لا يدرون فيما أنزل، فيكون لكل قوم فيه رأي فإذا كان ذلك اختلفوا»، وقال سعيد: «فيكون لكل قوم رأي، فإذا كان لكل قوم فيه رأي اختلفوا فإذا اختلفوا اقتتلوا» قال: فزجره عمر وانتهره (علي)، فانصرف ابن عباس ونظر عمر فيما قال فعرفه، فأرسل إليه وقال: أعد علي ما قلته، فأعاد عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه». خامساً: الدليل الظني وقدسية الرجال
ومن أسباب الخلاف أيضا بين المسلمين: أن أصبح كل واحد يتبع دليلاً هو يظنه دليلاً، وما هو بدليل معتبر، وسبب آخر: أنهم أيضًا قلدوا المشايخ، وجعلوا لهم قدسية، وهؤلاء الرجال سواء كانوا أئمة أو مفكرين معاصرين، أو مفكرين ماتوا، جعلت لهم عند الناس هالة، وأصبح الإنسان يتحرج أن يقول أخطأ فلان حتى أصبح يجد في نفسه حرجاً كبيراً، وإن كان قول فلان هذا يخالف كتاب الله -سبحانه وتعالى-، ويخالف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويتحرج أن يقول: فلان يجهل هذه القضية العلمية، أو يجهل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويستكثر ذلك ويقول كيف يكون هذا وفلان مفكر عظيم مشهور؟ كيف يكون هذا وفلان شيخ كبير يدور حوله الناس.
المخرج عند الاختلاف
وبعد أن ناقش شيخنا -رحمه الله- الموضوع قال: المخرج عند الاختلاف هو أن نرجع إلى: كتاب الله عز وجل-، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وفقه الصحابة رضوان الله عليهم قال -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب: 36). فالقضية الأولى هي التحاكم لكتاب الله -سبحانه وتعالى-، ولسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا اختلف المسلمون في فهم هذه القضية، وهي الكتاب والسنة فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل الحَكَم في هذا فقه الصحابة -رضي الله عنهم-، قال -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء: 115) السبيل والمخرج
ثم ختم شيخنا -رحمه الله- رسالته بقوله: الطريق ليس باجتهادات الناس وإنما مأمورون شرعاً أن يكون هذا الطريق كما أراده الله -سبحانه وتعالى-، أن يكون على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا طريق غير هذا الطريق، ولا سبيل غيره، ولذلك: على المسلمين الآن إن أرادوا أن يرجعوا مرة ثانية إلى أن يكونوا أمة واحدة، أن يعيدوا النظر في المناهج، وفي الكتب، وفي المذاهب المطروحة الآن. فإذا درسوا هذه الكتب، وتلك المذاهب والطرق، فعند ذلك يعلمون ما يوافق الإسلام وما يخالف الإسلام، وهذا الذي يُعبر عنه علماء الدعوة السلفية بـ (التصفية) أي أن يُصفى الإسلام من جميع الشوائب التي شابته، وأن يقال للناس هذا هو الإسلام المصفى، وعند ذلك يتربى الناس كلهم، ويهجرون أقوال مشايخهم ويهجرون مذاهبهم ويهجرون طرقهم، ويأتون إلى هذا الطريق الذي ينتهي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ويتربون على هذا، عند ذلك نكون حقيقة أمة واحدة.