الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف
دكتور/أحمد عوف
الخلافة العُثمانية مهما قيل عنها إفكًا، أو لاكت سيرتَها بعضُ الأقلام ممن جهل بتاريخها، أو حسن نية، فأفقدها مصداقِيَّتَها بغير حق - فهذه الخلافة قد جاهدت في سبيلِ الله منذ إنشائها عام 1250م، وظَلَّت في رباطٍ لم ينقطع، حتى انطوى تَحت لوائها العالَم المسيحي في شرقي أوربا، ودخل في دينِ الله الملايين من المسيحيِّين هناك، فهي خلافة فاتحة، وَسَّعَت رقعة العالم الإسلامي لأول مرة في تاريخ الإسلام، عندما فتحت أقطارًا أوربيَّة، وإسقاطُها للإمبراطوريَّة البيزنطية كان لطمةً كبرى للغرب، حتى اعتبروا هذا الفتحَ الإسلاميَّ للقسطنطينية بدايةَ العصر الحديث، فلقد أحْيَت عصرَ الفتوحات الإسلامية الكبرى بعد مواتٍ لأكثرَ من خمسة قرون، ومَيْزَة الفتوحات العثمانية أنَّ الذين قاموا بها أتراكٌ مسلمون، وليسوا عربًا، كما كان في الفتوحات الكبرى إبَّان الخلافة الراشديَّة والأُمُوية، وهذا يدُلُّ على أن الإسلامَ قد أصبح عالميًّا.

ومن الخطأ التاريخي أن نحمَّ على دخولِ العثمانيين للعالم العربي من منظورٍ قومي عربي أو بيئي؛ لأنَّ دُعاة القومية العربية قد أرهصوا بأنَّ الوجودَ العُثماني كان لتحقيق السيادةِ العنصرية التركية على العُنصرية العربيَّة، واعتبروه إمبريالِيَّةً واستعمارًا، وهذه النَّعْرَة قد روَّج لها الكُتَّاب المارونيُّون في الشام، ففي القرن الماضي أدخلوا مصطلحَ العروبة في كتابَتِهم، كدعوة إيديولوجية مستترة لضرب الخلافةِ العثمانية؛ لأنَّها رمزٌ للخلائف الإسلامية الكبرى، وهؤلاء المارونيُّون قد ظاهروا الصليبيين والفرنسيين عند احتلالهم للشام، بل كانوا يُشكِّلون طابورًا خامسًا لحساب الأعداء أيام نابليون.

فدخول العثمانيِّين العالَمَ العربي في القرن السادسَ عَشَرَ كان لضرورةٍ فقهيَّة، وإستراتيجية دينيَّة وسياسية؛ لأنَّ الإسلامَ لاَ يعرفُ العرقية أو العُنصرية، ولا يقرُّ بالقبلية أو النعرة الإقليمية، فأُمَّته أمة واحدة، والعالم الإسلامي كله هو دياره.

وحماية هذه الديار ضِدَّ الكفار فرضٌ على كل مسلم في البوسنة، أو حتى في الإسكيمو، ودفع الضرر عن جماعة المسلمين فرضيَّة جهادية إذا اقتضى ذلك لا تسقط، أو يكفر المسلم عنها.


فلا يُمكن لدولةٍ سُنية عُظمى كالخلافة العُثمانية أن تقفَ مكتوفةَ الأيدي؛ لتترك العالَمَ الإسلاميَّ نَهبًا وطَمَعًا للمتربصين به من أعداء الإسلام.