أقسام الترك

أولا يجب أن نفرق بين ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما تركه، فالذي نقصده بعدم فعله صلى الله عليه وسلم، هو عدم وقوع الشيء، سواء وجد المقتضي له أم لم يوجد، وهو ما يعبر عنه ( بالترك العدمي )، أما ما نقصده بتركه فهو تحقق وقوع الشيء ثم تركه، ومع تحقق وقوعه فقد ثبت ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم له،
فالكف عن فعل شيء، بعد وجود الداعي إلى فعله؛ يدل على تَرْكِه عمدًا. وهو ما يعبر عنه ( بالترك الوجودي ) ويعبر عنه أيضاً ( بالكف أو الإمساك أو الإمتناع ).


أولاً : ( الترك العدمي ) : أي ما لم يفعله صلى الله عليه وسلم :


وينقسم إلى قسمين، :
1- قسم يسمى ( ترك غير مقصود ) وهو الذي لم يوجد ما يقتضيه في عهده ثم حدث له مقتضى بعده صلّى الله عليه وآله وسلم، فأغفل الحكم في هذه الأمور لأنها لم تعرض له ولم تحدث في زمانه، فترك فعلها، وترك القول في شأنها، لعدم المقتضي لذلك القول والفعل، ويذكره الأصوليون في أبواب مختلفة، كباب القياس، والمصلحة المرسلة، وغير ذلك. فهذاجائز على الأصل، ( وهذا مثاله إتخاذ الناس الحمامات والمراحيض )، هذا إن كان في العادات، أما في العبادات فانه ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).
2- وقسم يسمى ( ترك مقصود )، وهو أن يوجد المقتضي للفعل أو القول، فيترك الفعل والقول، ويمتنع عنهما، مع إمكان فعله. فلما لم يفعله النبي صلّى الله عليه وسلم مع وجود المقتضى لفعله وعدم وجود المانع في عهده, دل هذا على عدم جوازه, لأنه لو كان فيه مصلحة شرعيّـة لفعله النبي صلّى الله عليهوسلم، كونه مأمور بالتبليغ, ( وهذا مثاله الأذان والإقامة لصلاة العيد ) فحيث لم يفعله صلى الله عليه وسلم، دل هذا على حرمته، هذا إن كان في العبادات، أما في العادات فالأصل فيها الإباحة.

ثانياً : ( الترك الوجودي ) :


وينقسم إلى عدة أقسام :
1- الترك لداعي الجبلة البشرية، وهذا لا يدل في حقنا على تحريم أو كراهة، كتركه للطعام الذي لا يشتهيه.
2- الترك الذي قام دليل على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم به، وهو تركه لما حرم عليه خاصة، كتركه أكل مال الصدقة.
3- الترك بيانا او امتثالا لمجمل معلوم الحكم، عام لنا وله صلى الله عليه وسلم، فيستفاد حكم الترك من الدليل المبين او الممتثل، كتركه الصلاة على المنافقين.
4- إذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر لمانع من الفعل يذكره سببا للترك، فإذا زال هذا المانع، فإنه يصح النظر بعد ذلك في أمر المتروك، ويجري حكمه على ما تقتضيه أصول الشريعة، ( كتركه قيام رمضان جماعة، خشية أن يفرض على الناس ).
5- الترك المجرد وهو نوعان :
أ*- ما علم حكمه في حقه بقوله صلى الله عليه وسلم، أو باستنباط، وهذا ينبغي أن يكون حكمنا فيه كحكم النبي صلى الله عليه وسلم أخذا من قاعدة المساواة في الأحكام، ( كتركه مصافحة النساء ).
ب*- ما لم يعلم حكمه، وهذا ينقسم إلى قسمين :
الأول : ما تركه صلى الله عليه وسلم تعبدا وتقربا، وهذا نحمله على الكراهة في حقه، وينبغي أن يكون حكمنا فيه كحكمه صلى الله عليه وسلم أخذا من قاعدة المساواة في الأحكام، ( كتركه رد السلام حال الخلاء ).
الثاني : ما تركه صلى الله عليه وسلم ليس على باب التعبد أو التقرب، فهذا يحمل على أنه من ترك المباح، لا فرق بين الفعل والترك في التأسي فيهما، ( كتركه التنشيف بعد الغسل ).