مواجهة التحديات الفكرية

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين : إن التحديات الفكرية التي تواجهها الأمة الإسلامية بكل الأساليب المختلفة والوسائل المتعددة لتدمير قواها الداخلية والأخلاقية ، وتصفية عقول أبناءها وأفهامهم لتكون تابعة للأفكار الهدامة . لهي جديرة بالاهتمام من كل مسلم ، بل والمبالغة في توجيه الخطاب للتصدي لهذه الهجمة الشرسة .ذلك أنَّ الخطر الحقيقي لا بد فيه من تشخيصه تشخيصاً دقيقاً وإلا فالجهل بحقيقته وعدم إدراك أسبابه ينشئ منه التشخيص الخاطئ فيكون سبباً في خطأ العلاج ، الذي يأتي بمضاعفات كثيرة وأمراض جديدة . إن هذه التحديات التي يطرحها أعداء الإسلام بين الحين والآخر ترويجاً لتفكيك وتدمير الأمة الإسلامية ، يجعل من الضروري على كل مسلم وفي كل ميدان من ميادين الحياة أن يتعرف على الأسس الحقيقة في مواجهة هذا الخطر العارم وجعل هذه التحديات فرص لعودة الأمة إلى مجدها وعزها وريادتها بين الأمم . وقبل الخوض في السبل المتاحة لمواجهة التحديات علينا أن نقف لحظات مع أهم هذه التحديات التي اجتاحت البلاد الإسلامية : 1- العلمانية : نشأت العلمانية في الغرب نتيجة ظروف ومعطيات تاريخية ودينية واجتماعية وسياسية وعلمية واقتصادية منها : أ*- أنَّ طبيعة الديانة النصرانية ومبادئها الأساسية تقوم على أساس الفصل بين الدين والدنيا، فهي ديانة روحية شعائرية لا شأن لها بنظم الحياة وشؤون الحكم والمجتمع .فكان انتشار العلمانية انتشاراً واسعاً وسيادتها في المجتمعات الغربية أمر طبيعي . ب*- تبنت المؤسسة الكنسية بعض النظريات العلمية القديمة في بعض العلوم , ثم بمرور الزمن جعلتها جزء من الدين يحكم على كل من يخالفها بالردة والمروق والهرطقة , على إثرها نشأ الصراع بين الكنيسة والاستكشافات العلمية في جوانب الحياة المختلفة ، والتي برهن فيها أهل العلم على صحت نظرياتهم الحديثة وخطأ نظريات الكنيسة التي دعتهم إلى الجمود والحكم بالردة لكل من أراد التطور ، وحين تكشفت للناس الحقائق وقامت البراهين القاطعة على صحة أقوال أهل العلم انحازوا للحقيقة ونبذوا الكنسية ودينها . ت*- احتدام الصراع بين القوى الاجتماعية والسياسية والفكرية الحديثة المطالبة بالحرية والمساواة وحقوق الإنسان ، وبين القوى القديمة المتمثلة بالإقطاعيين وطبقات الشرفاء والنبلاء . مما جعل الغربيين يلتفون حول القوى الجديدة الداعية إلى التقدم الاجتماعي والتطور الفكري والسياسي . من هنا نرى أن العلمانية فكرة وظاهرة غربية محضة وبمفهومها الواسع " إقامة الحياة على غير الدين" سواء بالنسبة للأمة أو للفرد ، ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود فبعضها تسمح به ، كالجماعات الديمقراطية الليبرالية ، وبعضا يرفض الدين تماماً كجماعات ( العلمانية المتطرفة –Anti Religious ) ، المضادة للدين ، ويعنون بها المجتمعات الشيوعية وما شاكلها . 2- الاستشراق : لفظ يطلق على كل من يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم ، ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي ، والتي تشمل حضارته ودينه وآدابه ولغاته وثقافته . ولم يحدد التاريخ الذي بدأ به الغربيون يهتمون بدراسة ثقافة وتاريخ الشرق ، لكن يجمع الباحثون على أن بلاد الأندلس كانت محطة من محطات الاهتمام الغربي بالثقافة الشرقية ، فقد كان الرهبان الغربيون يدرسون في بلاد الأندلس لما كانت في ذروة مجدها وعلوها فدرسوا ثقافتنا ، وترجموا القرآن الكريم وعلوم اللغة والأدب ، وعندما عادوا إلى بلادهم نشروا ثقافة العرب وعلومهم ، ثم أسست المعاهد للدراسات العربية . ولما بدأ عصر الغزو الغربي لبلاد المسلمين واستعمروا أراضيهم ، أخذوا بالسيطرة على كل القطاعات العلمية ، وأصدروا المجلات والمراكز التابعة لهم والتي تعنى بالشؤون العربية والثقافة الاسلامية . دوافع المستشرقين : 1- تركيزهم في الطعن بالإسلام ، ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم . فزعموا أن الإسلام تطوير محرف من اليهودية والنصرانية ، وأنه جزء من احتكاك الوثنية العربية في فارس والهند . وأن القرآن من وضع محمد صلى الله عليه وسلم تعلمه من راهب نسطوري من بلاد الشام ، وهو نتف من التوراة والإنجيل وآراء المتحنثين كورقة بن نوفل . أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فطعنوا في نسبه ووصفوه بأبشع الأوصاف صلوات ربي وسلامه عليه . 2- اعتبار الإسلام ظاهرة معينة جاء في فترة زمنية محدودة لإنقاذ مجتمع من العادات والتقاليد السيئة التي كانت مسيطرة على ذاك المجتمع . وفي حقيقة دعوتهم هذه أن الإسلام لا يصلح لهذا الزمان . 3- نشر فكرة انَّ الإسلام طقوس وشعائر روحية لا دخل له بالحكم والنظام والاقتصاد والسياسة ، وهم بهذا يلتقون مع العلمانيين . 4- دعواهم أن الفقه الإسلامي مستنبط من القانون الروماني ، وهي دعوى لها ما وراءها من المكر والخديعة لتهوين أمر التشريعات الوضعية وعليه فما المانع عندهم من الاقتباس من القانون الفرنسي والأوربي بشكل عام مادام هو مستقى من قوانين وضعية قديمة . من هنا ندرك أهمية معرفة هذه الهجمة الشرسة الفكرية المشوهة المنظمة لأن المستشرقين يتخذون العلم وسيلة للتشويش على الدعوة الإسلامية ويتسترون وراء البحث العلمي ، وهم يلفقون الأباطيل ، ويلقون بها في ساحة الشريعة الإسلامية ، ويحاولون تضليل شباب المسلمين الذين يتتلمذون عليهم ، وإقناعهم بآرائهم الفاسدة الخبيثة ؛ ليشركوهم معهم في الإساءة إلى الإسلام دون وعي . وهذا ما كان فعلاً فالتوت أوربا وجلست على كرسيها هناك بينما نجد أبناء المسلمين من يحملون منهجم ويحامون أفكارهم الخبيثة . الليبرالية : وهي قناع آخر من أقنعة العلمانية الخبيثة ، وهي في الأصل تعني الحرية بمعنى أن يكون الإنسان حرًا في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء ، فالإنسان عند الليبراليين إله نفسه ، وعابد هواه ، غير محكوم بشريعة من الله تعالى . فالليبرالية لها مفاهيم متعددة بحسب ما تضاف إليه , ويجمعها الاهتمام المفرط بالحرية , وتحقيق الفرد لذاته , واعتبار الحرية هدفاً وغاية في ذاتها . لهذا كان المفهوم الفلسفي لهذا المذهب الفكري هو الحرية المطلقة التي لا تحدها الحدود ولا تمنعها السدود الا ما كان فيها تجاوز لحريات الآخرين على قاعدة ( تنتهي حريتك حيث تبدأ حريات الآخرين ) . ومن هنا نجد تردد الليبراليين العرب بين مفهوم المصطلح الفلسفي وبين انتسابهم للإسلام المناقض له من الجذور والأصول . وأشهر المجالات التي دخلتها اللبيرالية : المجال الأخلاقي وجعل من أولوياته قضيتين مهمتين تغريب الشباب المسلم وقضية المرأة وأبرزت في عدة دعوات : 1- الدعوة إلى السفور ، ومقاومة الحجاب . 2- الدعوة إلى التعليم والعمل والحقوق السياسية للمرأة . 3- الدعوة إلى مدنية الأحوال الشخصية بمعنى العدول عن أحكام الشريعة في هذه المسائل إلى الالتزام بالقوانين الغربية ، وتحرير شؤون الزواج من هيمنة الشرع ومحاكمه ورجاله . وومن مجالاتها : المجال السياسي ، والمجال الاقتصادي . التنصير : ومن مفهومات التنصير الحديثة قيام مجموعة من المنصرين باحتلال منطقة معينة والعمل على تنصير أهلها ( سكّانها ) وإنشاء كنيسة ( وطنية ) تؤول رعايتها تدريجيا للأهالي دون مساعدات من الكنائس الأم . ويتبنى السكان بدورهم مهمات التنصير في المناطق التي لم يصل إليها التنصير. ولها اسم آخر انتشر في الكتابات الحديثة ( التبشير ) وهو مرادف لمصطلح التنصير . والتبشير هو التعبير النصراني لحملات التنصير . وأهم اهداف الحملات التنصيرية : 1- الحيلولة دون دخول النصارى في الإسلام . 2- الحيلولة دون دخول الأمم الأخرى - غير النصرانية - في الإسلام والوقوف أمام انتشار الإسلام بإحلال النصرانية مكانه . 3- إخراج المسلمين من الإسلام ، أو إخراج جزء من المسلمين من الإسلام . وهذا من الأهداف طويلة المدى . 4- بذر الاضطراب والشك في المثل والمبادئ الإسلامية ، لمن أصروا على التمسك بالإسلام . 5- الإيحاء بأن المبادئ والمثل والتعاليم النصرانية أفضل من أي مثل ومبادئ أخرى ، لتحل هذه المثل والمبادئ النصرانية محل المبادئ والمثل الإسلامية . 6- التغريب وذلك بالسعي إلى نقل المجتمع المسلم في سلوكياته وممارساته ، بأنواعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري والعقدي ، من أصالتها الإسلامية ، إلى تبني الأنماط الغربية في الحياة . هذه أهم التحديات الخطيرة التي دخلت المجتمع الإسلامي لتدميره وتفكيكه ، وللأسف فقد تمكنت هذه الأفكار من أبناء المسلمين ، بل وأصبحت بجهلهم وبعدهم عن دينهم من أسس حياتهم يدافعون وينافحون عنها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وهنا نستعرض بشكل موجز أهم هذه المشاكل والتحديات ثم نردفها بأهم الحلول لمواجهة هذه التحديات : التحديات : 1- نشر الإلحاد وفكرة المادية الطبيعية وتشكيك المسلم بدينه ومبادئه . 2- خلق فجوة بين العلماء والمؤسسات والمجتمع تحت بند ( ما لله لله وما لقيصر لقيصر ) . 3- فصل الدين عن ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحصرها في دور العبادة . 4- تجميد الدين ونشر نظرية جمود الإسلام وعدم مواكبة التطور الحديث . 5- تقسيم الناس إلى أجناس وطبقات وخلق فجوة بين أبناء الدين الواحد . 6- الطعن في الإسلام ونبي الإسلام وقرآن المسلمين من خلال بث الشبهات والسخريات بتوجيه خبيث من الإعلام المنحرف . 7- تكريس فكرة تخلف المسلمين بسبب الأنظمة الإسلامية الضيقة ، وبلورت مواكبة قوانين العصر التي تخدم المصالح العامة والخاصة . 8- نشر الرذيلة على أنها فضيلة وتطور وعصرانية ، وضرب الأخلاقيات بحجة الحريات . 9- قتل عفاف المرأة ومواساتها بالرجل في ميادين الحياة باسم الحقوق . 10- التفكك الأسري وغرس فكرة الحرية المقيتة بلا رقيب ولا رادع . 11- تغريب المجتمعات الإسلامية بكل المقاييس وجعله نسخة من المجتمعات الغربية المتفككة . 12- بلورت فكرة ترك الدين والانتقال إلى دين آخر تحت مسمى الحرية الفردية . هذه أهم المشاكل والتحديات التي تواجهها الأمة المسلمة ، والتي التُمِسَت على الواقع العربي والإسلامي وأصبحت جزءاً من حياة كثير من شعوبنا ... وهنا نركز على بعض الحلول لمواجهة تلك التحديات : 1- تغريس العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس مجتمعاتنا ، ولعل أهم مرحلة يبتدأ منها مرحلة التلقي الأولى لدى الطلاب ، مروراً بنشر الوعي العقدي في أواسط المجتمع في المدارس والجامعات والمساجد والمنتديات . وتوضيح حاجة الناس إلى الإسلام الحق الخالص الذي ارتضاه الله تعالى . 2- تفعيل دور العلماء في توجيه الناس لأخذ دورهم الريادي والقيادي لمواجهة كل العثرات والمشاكل وذلك من خلال تقوية الصلة والرابطة بين العالم والمجتمع ، وهذا ما نفتقر له حقيقة في واقعنا المعاصر . 3- تفعيل دور المساجد في جعلها الانطلاقة الحقيقة لمواكبة التحديات لدى المجتمع ، وليس قصرها على العبادة ، فالمسجد هو الحاضنة لحل كل التطورات والأحداث على الصعيد الداخلي والخارجي ، ومن هنا ومع دور العلماء ترتبط القلوب بالله تعالى وبدينه الحق الذي به تنال السعادة والأمان . 4- تحكيم الشريعة الإسلامية في كل جوانب الحياة وتفعيل الدور القضائي الشرعي ، فالإسلام دين نظام شامل كامل لكل الجوانب السياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية . 5- بث الأخلاق الإسلامية وغلغلتها في كل فروع ومجالات الحياة ، التي أكدها القرآن الكريم والسنة النبوية في كل حركة وسكنة من حياة المسلم . وتوعية الجيل المسلم بخطورة تبني أفكار وثقافات الغرب السخيفة . 6- توعية الأسرة المسلمة بدورها الحقيقي في حفظ سلامة المجتمعات ، وأخذ كل فرد من أفرادها الدور المنوط به ، وتفعيل دور الرقابة الصحيحة لسلوك الأبناء بعيداً عن الغلو والجفاء . 7- استخدام الأجهزة الحديثة المعلوماتية والاتصالات بالشكل السليم من خلال التوجيه الأسري والتعليمي والمؤسساتي الصحيح . 8- توحيد الخطاب الشرعي وفق مقاصد الشريعة الإسلامية ، ونبذ الخلافات والشقاقات ، وتفهم حقيقة الخلاف . 9- تكثييف الدروس والمحاضرات ونشر الكتب والمطويات في المساجد والمؤسسات والجامعات والمدارس والإعلام حول خطورة العلمانية والليبرالية وغيرها من الأفكار الهدامة . 10- بيان حقيقة الغرب المتفكك ، وأوهامه البائسة من خلال نشر الإحصائيات والأرقام الحقيقية عما يعانيه من فساد سياسي واقتصادي واخلاقي . هذا ما استطعت استنباطه من الواقع المرير الذي نعيشه ، ولعلي وفقت بإذن الله تعالى لعرض التحديات والمشاكل وتشخيص المرض ، واعطاء الدواء المناسب من خلال عرض الحلول لمواجهة تلك التحديات . وأسأل الله تعالى ان يردنا إلى دينه رداً جميلاً ، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه . والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد المرسلين .