(الاستغفار الذي يوجب الاستغفار) من تخاليط الوعاظ الجهلة

تساؤلات

أ.د. الشريف حاتم العوني



الجمعة 22/11/2013



الاستغفار هو دعاء بطلب المغفرة على الذنب، فقولك: أستغفر الله، يعني أنك تستمطر مغفرة ربك بدعائه عز وجل، مع ندمٍ على الذنب، وتَـخَـوُّفٍ من عقوبته، ومع تمني عدم الوقوع فيه.
هذا هو الاستغفار، وليس الاستغفار هو التوبة، فالتوبة ليست دعاء أصلا (وإن صح طلب التوفيق إليها بالدعاء)، وهذا هو أول فارق واضح بين الاستغفار والتوبة.
فالتوبة إنما هي: تركٌ للذنب، ونيةٌ صادقةٌ بعدم مواقعته في المستقبل، مع الندم عليه. ممّا يعني أنه لا بد في التوبة من أمرين، وكلا الأمرين لا يلزمان في الاستغفار، مما يبين فرقين جديدين بينهما: الأول: تركُ الذنب حالَ التوبة والإقلاعُ عنه، والثاني: العزم الصادق القوي على عدم معاودة الذنب، وليس مجرد التمني والرغبة في عدم مواقعة الذنب (كما في الاستغفار).
فالمستغفر: يدعو الله تعالى بأن يغفر له، والاستغفار: هو دعاء بذلك ولا يُشترط لقبول الدعاء إلا: إخلاصُه لله تعالى، وصحةُ المطلوب (فلا يكون مطلوبا لا يليق طلبه أو لا يجوز)، وطلب المغفرة من الله تعالى قد تَحقّـقَ فيه هذان الشرطان: إخلاصًا، وصحةَ المطلوب، ولذلك قلنا: إن شرطي التوبة لا يلزمان لصحة الاستغفار؛ لأنهما شرطان زائدان على شرطي صحة الدعاء.
وأما مَنْعُ الاستغفارِ حالةَ مواقعةِ المعصية: فغيرُ صحيح: شرعًا، وواقعا، أما شرعا: فلأنه لا دليل عليه، وأما الواقع: فإن العبد قد يعصي الله تعالى، وفي أثناء معصيته يأتيه ما يُذكّره بالله تعالى، فلا يكون هذا الوارد بالقوة التي تقطع غفلته وتمنعه من اتباع هواه، ولا هو وارد بالضعف الذي لا يكون له أثر عليه، فيبادر لطلب المغفرة صادقا، ثقةً برحمة الله وباتساع رحمته لأهل توحيده، وطمعًا بجود عطائه وبنَظَرِ رحمته، ولا يزال ضعيفًا أمام هواه مستمرًّا في معصيته، وما زال أكثرنا يتكرر منه مثل هذا الوارد، فكيف ينكره من يجده من نفسه أو يشاهده في غيره؟! إلا بداعٍ من رياءٍ وتعالٍ أو من غفلةٍ وجهل!
وأما عدم اشتراط العزم على ترك الذنب في الاستغفار؛ فلأن الدعاء لا يلزم لقبوله العزم على ترك المعاصي؛ وإلا لما شُرع الدعاء لعامة الخلق ولكثير من صفوتهم، فبنو آدم كلهم خطاؤون (إلا من عصمه الله تعالى)!
واشتباه التوبة بالاستغفار: هو الذي منع كثيرا من الناس من الاستغفار، وأيأسَ آخرين من رحمة الله: فلا تابوا، ولا استغفروا!
وجاء وعظ الجهلة ليؤكد هذا الخلط، فقالوا عن الاستغفار بغير توبة: هذا استغفار يحتاج استغفارا! ووصفوه بأنه تلاعب وسخرية بالرب (تعالى وتقدّس)، أو أنه ذِكْـرٌ باللسان دون القلب! وكأنهم دخلوا قلوب الناس، فعلموا أن استغفارهم بغير قلب!! لكنهم لما خلطوا بين الاستغفار والتوبة، ووجدوا الناس يستغفرون مع عدم العزم على ترك الذنب، ظنوا أن هذا استغفار غير صادق.
والصحيح أن الاستغفار عبادة منفصلة عن التوبة، وهو نوع من أنواع عبادة الدعاء والذكر، والتي هي من أجل العبادات، والتي لا يجوز تزهيد الناس فيها، بل يجب حثّهم عليها وترغيبهم فيها.
ولا يجوز منع الناس من هذه العبادة، ولا صدهم عن الله تعالى وعن رحمته، ولا تيئيسهم من استجابة دعائهم، فهذا من التألّـي على الله تعالى، والتألي على الله من محبطات الأعمال، ومن أخطر الذنوب.
فانظروا كيف يكون الوعظ بغير علم مفسِدًا، يُبعِدُ الناسَ عن الله تعالى، وكيف يكون معصيةً كبيرةً، في حين أن الواعظ بجهله يظن نفسه مأجورًا، ويحسب أنه يقرب الناس لله تعالى!