سلسلة(2)

قذائف المنقول والمعقول
على بدعة الأمير المجهول


الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .

أما بعد :

فقد ذكرنا فيما سبق الأدلة القرآنية لصدر الأمم ومقدميهم ألا وهم أنبياء الله عز وجل ، وذكرنا الأدلة القواطع على معلومية أقوامهم لهم وانتفاء المجهولية عنهم ، وبينّا أن الخلافة التي هي على منهاج النبوة لا يمكن أن تتحقق للآخر إلا كما تحققت للأول ، والشريعة جاءت تامة كاملة شاملة فيها خبر الأولين والآخرين ، فكما أخبرنا الله بما لايدع مجالاً للشك عن انتفاء مجهولية الأنبياء في أقوامهم ، كذلك حدثنا نبينا عليه الصلاة والسلام بما لا يدع مجالاً للشك عن ضرورة معلومية القوم لإمامهم وانتفاء المجهولية له في كل عصر .
حتى لا يحتج أحد علينا بتغير الأزمان والظروف .
وحتى لا يتركنا النبي عليه الصلاة والسلام عُرضة لتبعية المجاهيل لمجرد رفع الشعارات أو إتقان المصطلحات ، فقطع ذلك كله لأن دينه الذي ارتضاه له ربه لا يُلزم أحداً بطاعة مجهول مهما علا كعبه ، لا سيما إن كان ذا بيعة عظمى .

وكما أن الله لم يُلزم المؤمنين الأُوَل بتبعية نبي يجهلونه ، كذلك نبينا عليه الصلاة والسلام لم يُلزِم أُمته بتبعيةٍ لإمام يجهلونه في آخر الزمان .

وأضرب المثال لهذا بالمهدي عليه السلام ، حيث أخبر النبي عنه إخباراً لا يمكن معه لمجهول أن ينتحل صفته ، وكيف يكون ذلك ونبينا صاحب المحجة البيضاء ليلها كنهارها ؟!
بل بيَّن لنا عليه الصلاة والسلام ما يرفع عنا الجهالة بصفة المهدي ذاتاً وحالاً ، ولو لم يكن بيانه شافياً وجامعاً ومانعاً لانتحل كل مجهول صفة المهدي على مر الأزمان .

ومعلوم أنه حصل من ذي قبل أنه انتحل صفته دجاجلة كما انتحلوا صفة النبوة ، فما كان إلا أن رمتهم الأمة عن قوس واحدة وذهب المنتحلون إلى مزابل التاريخ ، ولم ترتفع لهم قائمة ، وما ذلك إلا لأن ديننا مبني على البصيرة التي لا يمكن معها أن تُخدع من مجهول يتحكم بقراراتها ويسلب حقها.

ولك أن تتأمل بعض ما ثبت عن رسولنا عليه الصلاة والسلام في صفة المهدي حالاً وذاتاً حيث قطع الطريق على كل مجهول مُنتحِل تحقيقاً للبصيرة التي أُمر بها في سياق الاتباع هو ومن اتبعه إلى يوم القيامة.

كي لا يوكَل الأمر لا في أوله ولا في آخره ساعةًً إلى مجهول .

بل أنبأنا بما تعبدنا به في آخر الزمان من التبعية عن وصف المتبوع واسمه وكنيته وسمته وصلاحه ، وهو المهدي رضي الله عنه ، ولم يرتضِ لنا رسول الله إلا أن يبين لنا وصفه واسمه وسمته وصلاحه حتى لا ننخدع بمن يُشبهه ، ولم يكتفِ عليه الصلاة والسلام بذكر نسبه فحسب _ كما فعل الأثري المترجم للبغدادي كما سيتبين معنا في مستقبل السلاسل إن كان في العمر بقية _ بل ذكر مع ذلك أوصافاً تدل على أحقيته بالإمامة منها :
- ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي"

وفي رواية لأبي داود:
"يواطيء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي".
والحديث قال عنه الترمذي: حسن صحيح، وصححه أحمد شاكر والألباني.

2- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلاً ، كما ملئت ظلما وجوراً، يملك سبع سنين"
رواه أبو داود والحاكم، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع .

3- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"المهدي من عترتي من ولد فاطمة"
رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني .

4- وعن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"
رواه أحمد وابن ماجه، وصححه أحمد شاكر والألباني. قال ابن كثير في كتابه النهاية في الفتن والملاحم: (أي يتوب الله عليه، ويوفقه ويلهمه، ويرشده بعد أن لم يكن كذلك).

5- وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويُعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً. يعني حججا"
رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: هذا سند صحيح رجاله ثقات.

6- وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ثم ذكر شيئاً لم أحفظه فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدي"
رواه ابن ماجه والحاكم وقال: على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير: هذا إسناد قوي صحيح.

7 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم" رواه البخاري ومسلم.

8- وعن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" قال: "فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا. إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة"

رواه مسلم. وفي رواية عند الحارث بن أبي أسامة " فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا..." الحديث، قال عنه ابن القيم في المنار المنيف: هذا إسناد جيد....


فأقول هل يمكن مع كل هذه الأوصاف أن يكون مجهولاً عن أمته؟! ،
فكيف لنا أن نرتضي لأمتنا في آخر الزمان ما لم يرضه لنا في آخره رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ؟!؟!


فاللهم ربنا رضينا بما رضيته لنا ورضيه لنا رسولنا عليه الصلاة والسلام ، رضي من رضي وسخط من سخط .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
كتبه مصباح بن نزيه الحنون.
طرابلس الشام
الإثنين
14/محرم/1435