قال ابن عبد الهادي في ترجمته لشيخ الإسلام ابن تيمية:

((فلما كان في رابع شهر رجب من سنة إحدى عشرة وسبعمائة جاء رجل فيما بلغني إلى أخيه الشيخ شرف الدين وهو في مسكنه بالقاهرة فقال له إن جماعة بجامع مصر قد تعصبوا على الشيخ وتفردوا به وضربوه.


فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل !

وكان بعض أصحاب الشيخ جالسا عند شرف الدين قال: فقمت من عنده وجئت إلى مصر فوجدت خلقا كثيرا من الحسينية وغيرها رجالا وفرسانا يسألون عن الشيخ، فجئت فوجدته بمسجد الفخر كاتب المماليك على البحر واجتمع عنده جماعة وتتابع الناس وقال له بعضهم يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية ولو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا.

- فقال لهم الشيخ: لأي شيء (؟)

- قالوا: لأجلك.

- فقال لهم: هذا ما يحق.

- فقالوا: نحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك، فنقتلهم ونخرب دورهم؛ فإنهم شوشوا على الخلق وأثاروا هذه الفتنة على الناس.

- فقال لهم: هذا ما يحل.

- قالوا: فهذا الذي قد فعلوه معك يحل هذا شيء لا نصبر عليه ولا بد أن نروح إليهم ونقاتلهم على ما فعلوا

- والشيخ ينهاهم ويزجرهم.

- فلما أكثروا في القول قال لهم: إما أن يكون الحق لي أو لكم أو لله فإن كان الحق لي فهم في حل منه، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني ولا تستفتوني = فافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه إن شاء كما يشاء.

- قالوا: فهذا الذي فعلوه معك هو حلال لهم؟

- قال: هذا الذي فعلوه (سبهم له وضربهم له) قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه.

- قالوا: فتكون أنت على الباطل وهم على الحق فإذا كنت تقول إنهم مأجورين فاسمع منهم ووافقهم على قولهم.

- فقال لهم: ما الأمر كما تزعمون فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين ففعلوا ذلك باجتهادهم والمجتهد المخطىء له أجر)).

رحم الله الشيخ ما كان أحسن عدله وأروع إنصافه، مع قوم خالفوه فبغوا عليه وشتموه وضربوه !

وإن هذا الذي تراه من خبر الشيح= لا يطيقه إلا الأنبياء والرتب العالية جداً من وارثيهم، وهو آية عظيمة على أن الشيخ من القلائل جداً الذين دعوا إلى العدل مع الناس والعفو عنهم، والاعتذار لهم، وصدقت أفعالُه اقوالَه.

أبو فهر.