تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: المرويات الواهية في سيرة ابن إسحاق (2)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,673

    Lightbulb المرويات الواهية في سيرة ابن إسحاق (2)

    المرويات الواهية في سيرة ابن إسحاق (2)
    د / أحمد عبد الحميد عبد الحق *
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين ..
    وبعد فقد ذكرت في الحلقة السابقة بعض المرويات الواهية في سيرة ابن إسحاق المتعلقة بإخبار الكهنة بقرب مبعثه واليوم بمشيئة الله عز وجل أتكلم عن بعض المرويات الواهية المتعلقة بميلاده وحياته صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ..
    وأول تلك الرويات تلك التي تزعم أن امرأة تعرضت لأبيه عبد الله بن عبد المطلب لأنها رأت في وجهه نورا ، وقالت له حين نظرت إلى وجهه : أين تذهب يا عبد الله ؟ قال : مع أبي ، فقالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع علي الآن ، قال : أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه ..
    ونصها كما ذكر ابن هشام : " ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد عبد الله ، فمر به فيما ـ يزعمون ـ على امراة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وهي عند الكعبة ، فقالت له حين نظرت إلى وجهه : أين تذهب يا عبد الله ؟ قال : مع أبي ، قالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع علي الآن ! قال : أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه ، فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو يؤمئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا ، فزوجه ابنته آمنة بنت وهب ، وهي يؤمئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا ، فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوقع عليها ، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج من عندها فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت ، فقال لها : ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس ؟ قالت له : فارقك النور الذي كان معك بالأمس ، فليس لي بك اليوم حاجة .(1).
    وهذه الرواية يبدو فيها الوهن وتشهد على نفسها بالكذب لما يأتي :
    ـ أن هذه المراة مختلف فيها ، فمرة هي أخت ورقة بن نوفل ، ومرة هي زوجة أخرى لعبد الله .
    ـ أن الرواية تذكر في موضع آخر أن عبد الله رفض الاستجابة لعرضها أولا معللا ذلك بقوله :
    أما الحرام فالممات دونه ** والحل لا حل فأستبينه
    قال هذا الكلام وهو عزب تشتعل في قلبه عاطفة الشباب ، فكيف يعود إلى المطالبة به بعد أن تزوج وفرغ طاقته وأطفأ شهوته .
    ـ أن الرواية تذكر أنها رأت في وجهه نور النبوة الذي انتقل فور زواجه لآمنة ، ومنذ متى والبغايا أو الزواني يرين من نور النبوية ما لا يراه غيرهم .
    ـ أن الرواية وهي تذكر أن عبد الله عاود مراودتها تتنافى مع آباء النبي صلى الله عليه وسلم جميعا الذين تعزف نفسهم عن القرب من الحرام حتى وهم في الجاهلية ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفخر بذلك ..
    ـ أن المرأة كما تذكر الرواية تقول : ولك مائة من الإبل ، وهل مائة من الإبل يمتلكها كل واحد أو واحدة في مكة ؟!! كيف وقريش كلها لم تجد جائزة تقدمها لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هجرته حيا أو ميتا أكثر من مائة من الإبل ، وهو آخر ما عندها ، وهو رقم قياسي في الجزيرة العربية وقتها ، قد سال لعاب كل من سمع به ..
    وثاني تلك الرويات تلك التي تزعم أن المرضعات قد رفض أن يأخذن رسول الله لإرضاعه إلا حليمة أخذته لأنها لما تجدا غيره ، وعللن ذلك بأنه يتيم ، ونصه الرواية كما هي منقولة على لسان حليمة السعدية : " فخرجت على أتاني تلك ..... حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه ، إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول : يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امراة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي : والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن الى ذلك اليتيم فلآخذنه ، قال : لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة ، قالت : فذهبت إليه فأخذته ، وما حملني علي أخذه إلا أني لم أجد غيره .(2).
    وهذه الرواية واهية بعيدة عن الصواب لما يأتي :
    ـ أن عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كفله كان مشهورا عند الناس أنه كبير قريش منصبا ومالا ، فكيف غاب عن هؤلاء النسوة وأزواجهن ذلك ، وهم يتنقلون دائما في مكة ..
    ـ أن ابن إسحاق أورد في موضع آخر أن عبد المطلب هو الذي التمس له المرضع :" إذ يقول : فاسترضع له امراة من بني سعد ، يقال لها حليمة ابنة أبي ذئيب " (3)، وتلك الرواية أقرب إلى الصحة لأن عبد المطلب كان قد أرسل اثنين من أبنائه قبل ذلك إلى بني سعد ، وهما حمزة بن عبد عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وقد أكدت الروايات أنهما أخوان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، أي كانوا معا في بني سعد ..
    ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فقيرا كما تحاول الروايات الخيالية أن تظهره ، فأبوه قبل موته كان يمارس التجارة الخارجية مصدر الثراء ، وقد ورثّه كما قال الواقدي : أمة " أم أيمن " وخمسة أجمال وغنما .. .
    وثالث تلك الروايات الرواية المتعلقة بقصة الراهب "بحيرى" واستضتافته لوفد قريش وإخباره إياهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته لقريش بأن يرجعوا به لأنه يخاف عليه يهود ، والتي تذكر أن أبا طالب " خرج في ركب إلى الشام تاجرا ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير صب له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال : يا عم إلى من تكلني لا أب لي ولا أم فرق له أبو طالب ، وقال : والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا ، أو كما قال ، فخرج به .. فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له ، وكان أعلم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيهم فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر ، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا ، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى اذا كان ذلك العام نزلوا به قريبا من صومعته ، فصنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا وغمامة تظله من بين القوم ، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه ، فنظر الى الغمامة حتى أظلت الشجرة ، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته ، وقد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم ، فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم ، فقال له رجل منهم : يا بحيرا إن لك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى ، وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم ؟ فقال له بحيرا : صدقت قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف ، وقد أحببت أن أكركم ، وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم ، فاجتمعوا اليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحل القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده ، قال : يا معشر قريش لا يتخلف أحدا منكم عن طعامي هذا ؟ قالوا له : يا بحيرا ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سنا تخلف في رحالهم ، قال : فلا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم ، فقال رجل مع القوم من قريش واللات والعزى : إن هذا للؤم بنا يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه ، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم ، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرا فقال له : يا غلام أسئلك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسئلك عنه ، وانما قال بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : لا تسئلني باللات والعزى شيئا ، فوالله ما أبغضت شيأ قط بغضهما ، فقال له بحيرا : فبالله إلا أخبرتني عما أسئلك عنه ! قال : سلني عما بدالك ، فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهبته وأموره ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته ، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده ، فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب ، فقال له : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني ، قال له بحيرا : ما هو بابنك ؟ وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا ؟ قال : فإنه ابن أخي ، قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات وأمه حبلى به ، قال : صدقت , ارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه اليهود ، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغينه شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن ، فاسرع به إلى بلاده ، فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام .(4) .
    وقد روى الذهبي تلك الرواية من طريق آخر غير ابن إسحاق وفيها : خرج أبو طالب إلى الشام ومعه محمد صلى الله عليه وسلم وأشياخ من قريش ؛ فلما أشرفوا على الراهب [بحيرى] نزلوا فخرج إليهم ، وكان قبل ذلك لا يخرج إليهم فجعل يتخللهم وهم يحلون رحالهم ؛ حتى جاء فأخذ بيده - صلى الله عليه وسلم - وقال: هذا سيد العالمين [هذا رسول رب العالمين] هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ؛ فقال أشياخ قريش: وما علمك بهذا؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي لأعرفه بخاتم النبوة أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة. ثم رجع فصنع لهم طعاما ؛ فلما أتاهم به [و كان - صلى الله عليه وسلم - في رعية الإبل قال: فأرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه - يعني إلى فيء شجرة - فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال: انظروا [إلى] فيء الشجرة مال عليه. قال: فبينا هو قائم عليه يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم لو رأوه عرفوه بصفته فقتلوه ؛ فالتفت فإذا بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم الراهب فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا إن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا قد بعث إليه ناس وإنا قد أخبرنا فبعثنا إلى طريقك هذا فقال لهم: هل خلفتم خلفكم أحدا هو خير منكم؟ قالوا: لا. إنما أخبرنا خبره بطريقك هذا ؛ قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا. فتابعوه وأقاموا معه .(5)
    ثم أتى قريشا فقال: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قال أبو طالب: أنا ؛ فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت (6) .
    وهذه القصة التي انتشرت في كل كتب السيرة النبوية ـ للأسف ـ علق عليها الذهبي بقوله :" وهو حديث منكر جدا وأين كان أبو بكر؟ كان ابن عشر سنين فإنه أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم - بسنتين ونصف ؛ وأين كان بلال في هذا الوقت؟ فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث ولم يكن ولد بعد ؛ وأيضا فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة؟ لأن ظل الغمامة يعدم فيء الشجرة التي نزل تحتها ولم نر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أبا طالب قط بقول الراهب ولا تذاكرته قريش ولا حكته أولئك الأشياخ مع توفر هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار ولبقي عنده - صلى الله عليه وسلم - حس من النبوة ؛ ولما أنكر مجيء الوحي إليه أولا بغار حراء وأتى خديجة خائفا على عقله ولما ذهب إلى شواهق الجبال ليرمي نفسه - صلى الله عليه وسلم -. وأيضا فلو أثر هذا الخوف في أبي طالب ورده كيف كانت تطيب نفسه أن يمكنه من السفر إلى الشام تاجرا لخديجة؟ وفي الحديث ألفاظ منكرة تشبه ألفاظ الطرقية (7).
    وأعجب ما في الرواية أن يقوم راهب منقطع في صومعته قد يكون يعيش على رغيف واحد يتقوت به باستضافة قافلة يسير فيها العشرات فمن أين له طعامهم ؟!!
    وإلى لقاء في الحلقة القادمة إن كان في العمر بقية والصحة متسع ..
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    الهوامش :
    *مدير موقع التاريخ الالكتروني
    السيرة النبوية لابن هشام - (ج 1 / ص 292)
    السيرة النبوية لابن هشام - (ج 1 / ص 298)..
    تاريخ الطبري ج2 ص 157
    سيرة ابن إسحاق 151 - (ج 2 / ص 54 وما بعدها ).
    تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 1 / ص 55 وما بعدها )
    تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 1 / ص 57)
    تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 1 / ص 59)..
    المصدر
    موقع التاريخ الالكتروني
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  2. افتراضي رد: المرويات الواهية في سيرة ابن إسحاق (2)

    للرفع.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: المرويات الواهية في سيرة ابن إسحاق (2)

    مفيد جدا ، بارك الله فيكم .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •