الموضوع: أيها الحاج: هــل لك بعد وقفة عرفات من وقفة؟!!

د.ماهر عباس جلال
باحث أكاديمي

أيها الحاج الذي خرجت من بيتك قاصدًا بيت الله الحرام، لابد لك من وقفة..
أيها الحاج الذي تجردت من متاع الدنيا وزخرفها، ولبست ملابس الإحرام والتقوى، لابد لك من وقفة.


أيها الحاج الذي تطهرت من ذنوبك، وتبرأت من عيوبك مع غسل الإحرام، ولبيت نداء الحق بصوت الإيمان والصدق، لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي طفت بالبيت العتيق، وتمسحت بأركانه معلنًا تقصيرك، وشاكيًا كثرة ذنوبك، لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي سعيت بين الصفا والمروة، متمثلًا سعيك بين الحياة الموت، وبين الخير والشر، وبين الشقاء والنعيم.. لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي بت بمنى ذاكرًا ربك، تغسل ذنوبك بدموع التوبة والندم، لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي وقفت بعرفات تناجي ربك، وتستعظم ذنبك، وتشكو تقصيرك، وتعلن توبتك، وتعاهد على الاستقامة مولاك، لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي رميت الشيطان بالجمرات، معلنًا انتصارك على نفسك وشيطانك وهواك، ومؤكدًا طاعتك لربك واستحقاقك الخلافة في الأرض، لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي ضحيت بوقتك وراحتك ومالك ونفسك في سبيل الله، مؤثرًا ما عند الله على ما عندك، لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي تخلصت من خطاياك مع كل شعرة تسقط من رأسك، لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي طهرت أمعاءك وجوفك من كل معصية ودنس، مع كل شربة من ماء زمزم، لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي وقفت خاشعًا بين يدي النبي " صلى الله عليه وسلم" مسلمًا عليه، ومعتذرًا إليه، ومعاهدًا له على السمع والطاعة، راجيًا شفاعته، لابد لك من وقفة.
أيها الحاج الذي تؤم الفوز والفلاح في حياتك، لابد لك من وقفة.
ولكن.. أية وقفة؟
إنها وقفة مع النفس، ترسم فيها ملامح حياة إيمانية جديدة، وتخطط لطريق الطاعة والهداية، وتعرج على معارج اليقين إلى رضوان الله.. تجتنب ما كان منك من تقصير، وتكثر مما كنت تؤديه من طاعات، وتستدرك ما كان يفوتك من خيرات، تقف فيها أمام مرآة الحقيقة؛ لتعكس لك مظاهر قوتك، وترى فيها مواطن ضعفك، فتبني لنفسك حصونًا إيمانية، تحصنك ضد نزغات الشيطان، وهواجس نفسك، وزيغ الأهواء.. وقفة تحاسب فيها نفسك قبل أن تحاسب، وتحصي فيها ذنوبك قبل أن تحصى عليك، وتزن أعمالك قبل أن توزن عليك.
أيها الحاج: ما أحوجك وأحوجنا إلى هذه الوقفة!! نستبطن فيها ذواتنا، ونحاسب فيها أنفسنا، أليس الفارق بين الحياة والموت وقفة؟! وقفة تفجأ القلب، لينتقل الإنسان على إثرها من الحياة إلى الموت، وأليس الفارق بين النجاح والفشل وقفة؟! وقفة صدق من الإنسان مع نفسه.. يخطط ويجتهد فيكون النجاح، وآخر يهمل ويتكاسل فيكون الفشل.
وأليس الفارق بين الإيمان والكفر وقفة؟! وقفة وقفها عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" بصدق وإخلاص مع نفسه، فخالطت قلبه بشاشة الإيمان، وتحول مجرى حياته؛ ليصير عمر رمز العدالة الإسلامية، وثاني الخلفاء الراشدين.
وأليس الفارق بين النصر والهزيمة وقفة؟! وقفة وقفها المسلمون بقيادة قطز في معركة «عين جالوت» مجددين عهد الطاعة مع الله، مخلصين له النوايا، فكان النصر المؤزر، الذي أنقذ البشرية جمعاء من طوفان التتار.
ثم أليس الفارق بين الحرية والاستبداد وقفة؟! وقفة صدق تقفها الشعوب في وجه استبداد الحكام وظلم الطغاة، فيتبدد ظلام الاستبداد والقهر، وتنقشع سحائب وغمائم الظلم والفساد، لتشرق شمس الحرية، ويضيء نور الإصلاح والعدالة البلاد.
أيها الحاج: لابد لك من وقفة بين يدي الحق في دار الحق، فانظر ماذا أنت قائل له؟ فإذا أردت أن تحسن الإجابة فأحسن العمل.
أيها الحاج: لابد لك من وقفة بين يدي المصطفى " صلى الله عليه وسلم" ، فإذا رجوت شفاعته فالزم سنته.
أيها الحاج: لابد لك من وقفة.. فقف مختارًا قبل أن تقف مجبرًا، وقف طوعًا قبل أن تقف كرهًا، وقف رغبًا قبل أن تقف رهبًا.
والآن، أيها الحاج: هل لك في وقفة؟!
إهداء إلى حــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــجاج بيت الله العائدين..
أيها الحاج: هــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ل لك بعد وقفة عرفات من وقفة؟

للرفع.