17-10-2013
فالأصل أن يبقى الحجاج في منى إلى ثالث أيام التشريق, أي رابع أيام العيد 13 ذي الحجة, فيرموا الجمرات بعد زوال ذلك اليوم, ثم بعد ذلك يغادروا منى, ولكن الله تعالى أعطى للحجاج رخصة مغادرة منى في اليوم الثاني من أيام التشريق 12 ذي الحجة, بحيث يختصر يوما كاملا.


لا يقتصر التيسير ورفع الحرج في الإسلام على رخصة التعجل لمن أراد من حجاج بيت الله الحرام في مثل هذا اليوم 12 ذي الحجة, بل يشمل التيسير ورفع الحرج جميع عبادات الإسلام وشعائره, بحيث لا تخلو عبادة من العبادات في الإسلام, ولا شعيرة من شعائره ونسكه من النيسير ورفع الحرج.
ومن المعلوم أن التيسير ورفع الحرج مقصد عظيم من مقاصد الإسلام ومبدأ أساسي من مبادئه, كيف لا وهو منصوص عليه في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل} الحج/78.
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ القرآني بقوله (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 3/8.
ويظهر هذ التيسير ورفع الحرج في كل عبادة من عبادات الإسلام بوضوح وجلاء, فيظهر في رخصة إقامة الصلاة على أي أرض طهور دون تخصيص بمسجد أو مكان محدد, قال صلى الله عليه وسلم: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ .....) البخاري برقم/335, كما يظهر برخصة التيمم عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله, قال تعالى: {........ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة/6, وبالصلاة قاعدا أو مضطجعا عند عدم القدرة على القيام.
وفي الزكاة يظهر التيسير باشتراط امتلاك النصاب لوجوب الزكاة, فلا تجب الزكاة على الفقير والمسكين بل تجب لهما, كما يظهر في جواز دفع الزكاة للأقارب دون الأصول والفروع, بل ويعتبر دفع الزكاة للأرحام في الإسلام مستحبا.
وفي الصيام يظهر التيسير ورفع الحرج في إباحة الفطر لكثير من الأسباب, كالمرض والسفر والحمل والرضاعة وغير ذلك بشروط وضوابط محددة, قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر...} البقرة/185.
أما في الحج فيظهر التيسير ورفع الحرج من بداية هذه الرحلة الإيمانية وحتى نهايتها, ويكفي أن نقول أن الحج لا يفسد أو يبطل عند الفقهاء بعد الإحرام إلا بترك الوقوف بعرفة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) رواه أصحاب السنن, أو بالوقوع في الجماع قبل التحلل الأول لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَج ....} البقرة/197, والرفث هو الجماع كما قال ابن كثير وغيره من المفسرين, وعليه إكمال مناسك الحج والقضاء في العام الذي يليه, أو بالردة عن الإسلام والعياذ بالله.
أما ما تبقى من المخالفات التي تسمى في الفقه الإسلامي بمحظورات الإحرام, والتي قد يقع فيها الحاج, من لبس المخيط أوتغطية الرأس أوحلق الشعر أو استعمال الطيب أو تقليم الأظافر أو قتل الصيد أوغير ذلك, فلها جميعا كفارات في الإسلام ولا تبطل الحج.
ثم تأتي رخصة التعجل للحاج في مثل هذا اليوم لتكمل صورة التيسير الإسلامي الرائع لهذه الشعيرة العظيمة في الإسلام, وقد نص القرآن الكريم على هذه الرخصة بقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} البقرة/203, قال ابن عباس: الأيام المعدودات هي أيام التشريق.
فالأصل أن يبقى الحجاج في منى إلى ثالث أيام التشريق, أي رابع أيام العيد 13 ذي الحجة, فيرموا الجمرات بعد زوال ذلك اليوم, ثم بعد ذلك يغادروا منى, ولكن الله تعالى أعطى للحجاج رخصة مغادرة منى في اليوم الثاني من أيام التشريق 12 ذي الحجة, بحيث يختصر يوما كاملا.
ومع اختلاف الفقهاء في وقت وجوب مغادرة المتعجل لمنى في هذا اليوم 12 ذي الحجة, بين من يقول بوجوب المغادرة قبل المغيب (الجمهور وقول عند الحنفية), وبين من يقول إن وقت المغادرة يمتد إلى قبيل طلوع فجر يوم الثالث عشر من ذي الحجة (الحنفية), فإن الرخصة والتيسير موجود.
ولا يخفى دور هذا التيسير في التخفيف عن الحجاج ورفع الحرج عنهم, خاصة وأن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة للتعجل, ناهيك عما في هذه الرخصة وأمثالها من تنظيم وتسهيل عملية إنهاء مناسك الحج للمسلمين تدريجيا.
فليحمد الله كل مسلم على نعمة الإسلام أولا, وليشكر الله سبحانه وتعالى دائما على هذا الفضل وهذا الكرم ثانيا.