ذهب جمهور أهل السيرة أنها كانت في السنة الرابعة, وهو قول الواقدي في ((مغازيه)) (1/ 359), وقد وجدت معظم المؤرخين وغيرهم قد نسبوا إلى الواقدي أنه يقول بكونها كانت في السنة الخامسة, ولكن ظاهر كلامه خلاف ذلك, حيث قال: ((خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ السَّبْتِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا)), وهو أيضًا قول ابن إسحاق, وابن هشام ((سيرة ابن هشام)) (2/ 203), والطبري في ((تاريخه)) (2/ 555), وابن حزم في ((جوامع السيرة)) (182), والذهبي في ((العبر في خبر من غبر)) (1/ 7), وابن خلدون في ((تاريخه)) (2/ 240), وعدها ابن حبان ((السيرة النبوية وأخبار الخلفاء)) (1/ 249), ضمن أحداث السنة الخامسة, وكذلك ابن الجوزي في ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)) (3/ 214), وأما الإمام البخاري فذهب إلى كونها كانت في السنة السابعة بعد خيبر؛ لأن أبا موسى الأشعري لم يصل إلى المدينة إلا بعد خيبر, وقد اشترك في هذه الغزوة, حيث قال رحمه الله ((الصحيح)) (5/ 113): ((وَهِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ، لِأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ)).
وهو ما صوبه ابن حجر, حيث قال رحمه الله ((الفتح)) (7/ 418):
((قَوْلُهُ: "وَهِيَ - أَيْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ - بَعْدَ خَيْبَرَ؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ" هَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَقَدْ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى بَعْدَ قَلِيلٍ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ, وَسَيَأْتِي الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَبَا مُوسَى إِنَّمَا قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ فِي بَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ, فَفِيهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ أَبُو مُوسَى: فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ, وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا مُوسَى شَهِدَ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَلَزِمَ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ خَيْبَرَ, وَعَجِبتُ مِنَ ابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ كَيْفَ قَالَ: "جَعَلَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى هَذَا حُجَّةً فِي أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ خَيْبَرَ قَالَ وَلَيْسَ فِي خَبَرِ أَبِي مُوسَى مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ" انْتَهَى.
وَهَذَا النَّفْيُ مَرْدُودٌ وَالدَّلَالَةُ مِنْ ذَلِكَ وَاضِحَةٌ كَمَا قَرَّرْتُهُ, وَأَمَّا شَيْخُهُ الدِّمْيَاطِيُّ فَادَّعَى غَلَطَ الِحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَأَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ السِّيَرِ عَلَى خِلَافِهِ, وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي زَمَانِهَا, فَالْأَوْلَى الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ, وَقَدِ ازْدَادَ قُوَّةً بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَبِحَدِيث ابْنِ عُمَرَ ,كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى))ا ه.
وقال أيضًا - بعدما ساق الأدلة على أن أول ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف كانت في عمرة الحديبية, كما سيأتي – قال ((الفتح)) (7/ 423, 424):
((وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَوَّلَ مَا صُلِّيَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي عُسْفَانَ, وَكَانَتْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ , وَهِيَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ, وَقَدْ صُلِّيَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ بَعْدَ عُسْفَانَ؛ فَتَعَيَّنَ تَأَخُّرُهَا عَنِ الْخَنْدَقِ وَعَنْ قُرَيْظَةَ وَعَنِ الْحُدَيْبِيَةِ أَيْضًا, فَيَقْوَى الْقَوْلُ بِأَنَّهَا بَعْدَ خَيْبَرَ لِأَنَّ غَزْوَةَ خَيْبَرَ كَانَتْ عَقِبَ الرُّجُوعِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ ))ا ه.
والله أعلم.